أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - إصلاح ما لا يمكن إصلاحه- الإسلام














المزيد.....

إصلاح ما لا يمكن إصلاحه- الإسلام


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7547 - 2023 / 3 / 11 - 14:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين يَمْهُر صاحب السلطة بين عشية وضحاها بخاتمه مرسوماً يبيح الغناء والرقص والموسيقى وقيادة المرأة للسيارة والسير في الفضاء العام عارية الشعر، متطايراً في الهواء، مزدانة بأرقى ماركات الماكياج والأناقة العالمية، ماذا يعني ذلك؟ كل هذه القضايا وغيرها، وفقاً لادعاءاته نفسه، هي اختصاص حصري للدين الإسلامي ورجالاته ومؤسساته. لكنهم بعد نشر القرار الملكي في الصحيفة الرسمية ووضعه موضع التنفيذ لم تنطق شفاههم بكلمة، ولن ينطقوها. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن من يقرر الحرام أو الحلال، أو يُحل حراماً أو يحرم حلالاً ليس هو الدين، ولا المتحدثين باسمه على كثرتهم رغم ادعاءاتهم خلافاً لذلك. بل يعني أيضاً أن لا شيء هناك ذو كيان مستقل يسمى "الإسلام"، ذلك الذي يُتعب المفكرون العرب أنفسهم في جهود مخلصة لإصلاحه، اعتقاداً منهم في أن إصلاحه صلاح لحال ومقدرات الشعوب العربية البائسة. لكن، كيف تُصلح ما لا وجود له أصلاً؟

عفواً! كيف تدعي بعدم وجود شيء يملئ ويطغى على حياتنا كلها، من أدق التفاصيل إلى أعظمها، كالهواء نتنفسه والدم يجري في عروقنا؟!

سيدي! حتى لو كان الإسلام كذلك، وهو بالفعل كذلك، هذا لا يزال لا يعني وجوداً وكياناً للإسلام كدين. بل الإسلام ثقافة. وهناك اختلاف شاسع ما بين "الدين" من جهة، و"الثقافة" من الجهة الأخرى.

الدين هو تنظيم مؤسسي هرمي مثل معظم التنظيمات التي قد أنشأتها البشرية ولا تزال منذ القدم. وكان الدين كتنظيم مؤسسي هرمي موجود وفاعل في مصر منذ أيام الدولة الفرعونية، في علاقة نفعية تبادلية مع مؤسسات الحكم آنذاك. لكن يبقى من الشروط الجوهرية لكي يحتفظ الدين بكيانه المؤسسي المنظم، أن يحتفظ بمسافة أو درجة معقولة ما تفصله في تسيير شؤونه الخاصة عن مؤسسة الحكم، وأن تكون ولايته الدينية شاملة لكل المؤمنين برسالته، في توازي مماثل للولاية السياسية فوق رعاياها. من دون هذه الدرجة المعقولة من الاستقلالية الذاتية، ومن دون درجة معقولة من الولاية الروحية على المؤمنين به، لا يوجد دين، بل شيء آخر.

هذا الشيء الآخر هو الثقافة. يمكن تشبيه الثقافة بحق بالهواء الذي نتنفسه والدم الذي يجري في عروقنا، ولغتنا ولهجتنا ولون بشرتنا وطبائعنا وكل ما فينا. الثقافة هوية شاملة، مكوناتها عوامل البيئة والجغرافيا والسياسة والاقتصاد والتاريخ وكل شيء آخر في حياة المرء والشعب؛ هي الهارد وير والسوفت وير معاً. ولأنها على هذا النحو من الشمول في المكان والزمان والشخوص، لا يمكن أبداً تنظيمها وتجسيدها في أي نوع من المؤسسة الفعلية. الثقافة أشبه بالكون الذي تعيش فيه كل الشعوب وتخلق منه أوطاناً وثقافات مختلفة ومتباينة، ويضم معنا مخلوقات لا تحصى وكواكب ونجوم ومجرات وأكثر بكثير؛ لكنه في حد ذاته لا يملك وجوداً مستقلاً عن مكوناته غير المنتهية تلك. بالمثل، يبقى الإسلام دائماً وأبداً فكرة ولبنة خام، تدخل في بناء كافة شخوص وكيانات ومؤسسات المجتمعات التي تدين به، لكنه نفسه لا يملك أي وجود ذاتي مستقل على الإطلاق.

في الحقيقة، هناك لا يزال في الإسلام ما يلبي شروط الدين كتنظيم مؤسسي متماسك: الإسلام الشيعي. هذه التنويعة الإسلامية وحدها هي التي يمكن أن نطلق عليها اسم دين بالمعنى المؤسسي، ومن ثم تقبل الإصلاح أو التغيير أو التطوير أو خلافه. لكن بالنسبة للإسلام السني، لا يوجد أصلاً دين بهذا المعنى، بل يوجد فكر ديني وثقافة دينية- والاثنان غير مجسدين في كيانات تتمتع بدرجة معقولة من الاستقلالية الذاتية والشمول الولائي على المؤمنين بما يكفل تحقيق الجدوى المبتغاة من جهود الإصلاح أو التطوير أو خلافه. لهذا، كل من يحاول التصدي للإسلام السني بجهود الإصلاح والتطوير هو في حقيقة الأمر كمن يناطح الريح ويضيع طاقته فيما لا طائل منه.

من ذلك، يمكن الادعاء بأن العالم العربي بحاجة إلى إصلاح "ثقافي"، لا ديني كما تعتقد بعض النخب، لعدم وجود هذا الدين أصلاً. ولأن الثقافة بطبيعتها أوسع وأشمل كثيراً من الدين، فإن هذا الإصلاح الثقافي يستلزم بالضرورة تغيير وتطوير البيئة المادية والفكرية- الهارد وير والسوفت وير- العربية بدرجة جوهرية، بدءاً من صيغة استغلال وتوزيع الموارد الطبيعية وصولاً إلى نظم الحكم وسن القوانين المنظمة لكافة أوجه حياة الإنسان العربي الفردية والجماعية. عندما يتحقق مثل هذا الإصلاح وينصلح حال الفرد العربي مادياً وفكرياً سينصلح حال الإسلام تلقائياً، لكون الإسلام مختبئ عميقاً في الهوية الثقافية العربية.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روافد السلوك السوفيتي
- ألا تكفي الحياة غاية نفسها؟
- كذبة احترام العلمانية للأديان
- مقاربة معرفية بين العلمانية والدين
- عن حتمية المواجهة بين العلمانية والإسلام
- اتحاد الديمقراطيات الشعبية العربية
- حُقُوقِي
- لا أمل في نصر روسي دائم
- اللهُ لا يَتكَلم والرسولُ لم يَقُلْهُ: بَشَرِّيَةُ النص
- حين انفجرت المسيحية من الداخل
- الفكر في الهُراء
- بوتين، معزولاً ومرتاباً، يتدثر بزمرة من المستشارين الغلاة
- عن أهمية النص في الإسلام
- لماذا لا ننتج فلسفة؟
- المال والصالح العام
- الأنبياء ملوك المستضعفين
- ديانة التوحيد
- عُقْدَة أبولهب
- اعتذار واجب للكافرين
- عمل الفساد في السلطة


المزيد.....




- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...
- الراهب المسيحي كعدي يكشف عن سر محبة المسيحيين لآل البيت(ع) ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - إصلاح ما لا يمكن إصلاحه- الإسلام