ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 1707 - 2006 / 10 / 18 - 08:30
المحور:
المجتمع المدني
يصعب على كل سوري متابع لكل ما يطفو على السطح من أحداث متلاحقة تعنيه بالدرجة الأولى التثبت من صحتها ومعرفة ما إذا كانت تصب في صالحه مباشرة أم لا , لسببٍ اعتاد عليه السوريون باكراً منذ مطلع الفجر وهو أن الضباب السياسي الكثيف حجب الرؤية عن أعينهم وخيّمت تداعياته على تفكيرهم تجاه بعضهم البعض وتجاه غيرهم , كما طبع حياتهم بألوانٍ مختلفة , اللون الأساسي فيها الشك المتولد عن ذاك الضباب القادم من اتجاهات شتى داخلية وخارجية .
لقد باتت حياة السوريين مثوّرة بالشك لأي حدث يقع هنا وهناك , لأن من لا يستطيع تلمسه وقراءة مفرداته ليقطع دابر الشك ويصل إلى درجة اليقين المطلق , من الطبيعي أن تنتابه حالات من الريبة صوب ما يسمعه منقوصاً ومجافياً للواقع .
الواقع يقول أيضاً أنّ الشك يأتي بعد بلوغ مستويات عليا من حالة اليأس , فعندما تغلق أبواب الأمل والنجاح على شخصٍ يعتزم القيام بمشروعٍ معين , أول شعور يسيطر عليه , شعور الإحباط واليأس ومن ثم تبدأ مرحلة التشكيك بنفسه وبمن حوله ليفسر أسباب فشل مشروعه , أقرب مثال حالة التخبط التي عصفت بالمجتمع الإسرائيلي بعيد عدوانه الأخير على لبنان الشقيق , فأثناء العدوان روج القادة الإسرائيليون أنّ بمقدورهم ردع حزب الله اللبناني , لكن المعطيات التي أفرزتها ساحة المعركة كشفت عن الفشل الذريع الذي مني به الطرف الإسرائيلي ودفع بمجتمعه إلى التشكيك في قدرات جيشه العجيب المؤسس لهذا الكيان.
ما ذكر لا ينطبق على الحالة السورية التي لم تخض حرباً منذ عقود ,غير أن الشك الذي أخذ يعشش في الذهن يأتي أولاً من الحديث عن الإصلاح الذي تحمله المعارضة ضمن أولوياتها وتوعد به , كما أن هناك إصلاح آخر يتحدث عنه النظام وعقد له مؤتمراً قطرياً في السنة الماضية ودائماً يذكّر به , السوري هنا وقع في حيرة من أمره بين الإصلاحين , لذا, بدأ الشك يسري في عروقه نتيجةً لعدم تحديد الآليات المناسبة التي سيسير عليها الإصلاح أي تحديد شكله سواء كان ( سياسياً ,اقتصادياً ,قضائياً, إدارياً) وزمانه بعد سنة بعد قرن أم بعد دهر.
ثانياً , الشك الذاتي أو المجتمعي إن صح التعبير , الآتي من الاستعدادات الأمنية بفعل قانون الطوارىء , لا مجال للحديث عن النزاهة الشخصية في سورية , رجل الدين مثلاً ينظر إليه بأنه رجل أمن أو مخابرات , لا أحد يستطيع أن ينبس ببنت شفة أمام أخيه , وهذا الشيء جعل كل سوري يشكك في أمر من يصادفه من عامة الناس.
بهذه الثورة العارمة من الشك لا شيء يخفف من حدتها إلاّ بطمأنة النفوس وتهدئتها , من خلال سحب بساط اليأس من تحت أقدامها وتركها تغوص في أعماق اليقين لتبصر دقائق واقعها الراهن بحقيقته لا بزيفه وخياله .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟