أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - نحو تجاوز تردي الوضع بالمغرب . مشكلة الصحراء مشكلة انعدام الديمقراطية في الدولة المخزنية . ( 1 )















المزيد.....

نحو تجاوز تردي الوضع بالمغرب . مشكلة الصحراء مشكلة انعدام الديمقراطية في الدولة المخزنية . ( 1 )


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7537 - 2023 / 3 / 1 - 13:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في نونبر من عام 1975 أعلن الحسن الثاني في إحدى تصريحاته : لقد انتهت مشكلة الصحراء . فهل حقا انتهت مشكلة الصحراء وتم حسمها مغربيا ، ام ان القضية دخلت المنعرج الخطير الذي يهدد وجودها ، ويضرب عرض الحائط بسبعة وأربعين سنة من التيه وفقدان البوصلة ، جعلت قاعدة الدول الوازنة بمجلس الامن ، وبالاتحادات القارية كالاتحاد الأوربي ، لا تزيغ عن الحل الوحيد الأوحد الذي هو الاستفتاء المؤدي الى الانفصال ؟
بعد مرور سنوات عن ذاك الخطاب ، خطاب الحسن الثاني ، تبدو مشكلة الصحراء وكأنها تكشف وتلخص مشاكل المغرب العربي عامة ، والمغرب خاصة . فهي لم تنتهي ، وانما القت بظلالها على كل ما حولها من علاقات بين الدول المغرب ، وعلى الأوضاع الداخلية لكل دولة من دول المنطقة ، وبصورة خاصة ، أوضاع المغرب وموريتانية والجزائر . وها هي تهدد بان تتحول الى نموذج للعلاقات بين البلدان المجاورة ، ينسف ما بينها من جسور ، بناها الماضي بخبراته النضالية المشتركة ، ويدمر العلاقات بين الشعوب ، ويحوّل القضايا المطروحة ، مهما كان حجمها ومدلولها ، الى رافعة تقلب احتمالات التقدم والتقارب ، الى عوامل للاقتتال والتباعد والانهيار .
واذا كان من السهولة تحليل التطورات التي شهدتها المنطقة في الفترة القريبة المنصرمة ، من خلال نشوء وتطور مشكلة الصحراء ، فان هذه المشكلة ما كانت لتلعب الدور الذي مارسته ، لو لم توجد ظروف دولية وداخلية دفعتها بالاتجاه الذي سارت فيه ، واعطتها البعد الذي اخذته ..
ان مشكلة الصحراء هي مشكلة نظام بطريركي ، رعوي ، بتريمونيالي ، ثيوقراطي ، مفترس ، لا ينظر في الصحراء سوى خيراتها التي يسيل لعابه عليها ، واستعمالها كبَرّ أمان من التهديدات بسقوطه . لكن هل تخلص النظام من اخطار الصحراء ذات الكثبان الرملية المتحركة وغير القارة ، التي وحدها تعري عن الوضع الأخير لمأزق الصحراء الذي دام سبعة وأربعين سنة ، ولم يجد له حلا ، وما يزال يهدد وجود النظام كنظام ، ويهدد وجود الدولة كدولة ذات خصوصيات فريدة ، تجعل منها دولة فريدة في العالم بطقوسها وتقاليدها ، ونوع حكمها الغارق في أساطير الاولين ، وفي التقاليد المرعية البالية القروسطوية .
ان إشكالية الصحراء ، هي إشكالية الديمقراطية المفقودة ، واشكالية النظام السياسي الدكتاتوري الوحيد الذي تسبب في ما آلت اليه الصحراء من أوضاع ، جعلت المجتمع الدولي من خلال مؤسساته ، يتشبث بالمشروعية الدولية التي وحدها تمثل الحل الديمقراطي الذي يرضي اطراف النزاع . والحل الديمقراطي والمشروعية الدولية ، تعني فقط الاستفتاء وتقرير المصير الذي نتيجته وحدها تحدد جنسية الأراضي المتنازع عليها .
وحين قلنا ان مشكلة الصحراء هي إشكالية النظام السياسي القائم في المغرب ، فمعنى هذا ان عملية التحرير ، هي من اختصاص الأنظمة الديمقراطية ، وليست من اختصاص الأنظمة الدكتاتورية والبوليسية التي تجعل الانسان عبدا وليس مواطنا مسؤولا . من هنا فان النظام السياسي المغربي بشطحاته المختلفة ،هو المسؤول عن الوضع النهائي لنزاع الصحراء ، وليس الرعايا المغاربة الخارجة عن دائرة الصراع الذي سيفجر الوضع نحو المزيد من التفتيت ، والمزيد من التشتيت والبلقنة ..
عندما انشأ الرعيل الأول من الشباب الصحراوي ، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في سنة 1973 ، وهنا لا ننسى المعارضة المغربية التي كانت منفية بالجزائر ، كان الهدف من الانشاء من جهة تحرير الصحراء وربطها واسترجاعها للمغرب ، ومن جهة استعمال الكفاح المسلح للقضاء على النظام ، وبناء الجمهورية البرلمانية ضمن وحدة المغرب ، لا في اتجاه بلقنته . وقد تزامن تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، بالانتفاضة المسلحة للمعارضة التي كانت متمركزة في الجزائر في 3 مارس 1973 ، والتي كانت امتدادا لجيش التحرير المغربي في سنة 1956 ، الذي تعرض لمذبحة على ايدي النظام العلوي وبالضبط الحسن الثاني ، وعلى ايدي الفرانكية الاسبانية Francisco Franco ، والامبريالية الفرنسية .
وكما ستفشل حركة 3 مارس الجمهورية في قلب النظام العلوي ، انقلبت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب من منظمة وحدوية ، الى منظمة انفصالية بعد استدراجها في الحرب التي كانت ولا تزال تدور بين النظام الجزائري وبين النظام المغربي ، المسؤول الأول عن التفريط في الصحراء ، عندما اعترف امام العالم بالجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار ، وهو نفس التفريط حصل مع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية التي سلم فيه النظام للدول الاسبانية ، فالمسؤولية هي مسؤولية النظام ، وليس مسؤولية الشعب المُغيب عن القضية .
اذن . ان مشكلة الصحراء هي مشكلة نظام ، ما يهمه من الصحراء سوى ثرواتها وموقعها ، ولا يهمه منها الشعب المعادلة الصعبة في أي حل ينتظر بالمنطقة ، لان القضية اليوم لم تبق ثنائية بين النظامين المغربي والجزائري ، بل أصبحت المشكلة دولية من اختصاص مجلس الامن ، والجمعية العامة للأمم المتحدة ، وحتى الاتحاد الأوربي الذي يوظفها في خدمة اجنداته المختلفة . فحضور إبراهيم غالي رئيس الجمهورية الصحراوية في لقاء Bruxelles كرجل دولة ، وحظي بنفس البروتوكول الذي حظي به رؤساء الدول ، ورؤساء الحكومات الاوربية والافريقية ، لم يحصل عبثا . بل كان مخططا له بعناية فائقة ، وضعت النظام المغربي امام الامر الواقع ، الذي هو عدم اعتراف الاتحاد الأوربي بمغربية الصحراء ، وعدم اعترافهم بحل الحكم الذاتي الذي يسوّق له النظم المغربي وحده .
هذا وسنقسم هذه الدراسة التي تعكس الحقيقة المرة ، الى عدة أجزاء تخص طبيعة الدولة المخزنية سبب ضياع الصحراء ، وسبب ضياع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية .
1 ) التحولات على مستوى الدولة :
ا – السلطة والحكم .
يلاحظ في جميع الدول العالم الثالث ، وجود حكومتين تتوليان دفة الحكم والسلطة ، وهو ما يطلقون عليه بحكومة الظل وحكومة الواجهة . وهذه الازدواجية في الحكم ، موجودة في النظام السياسي الاسباني، وقد اكدها اعتراف Pedro Sanchez الأحادي ، وليس اعتراف الحكومة الاسبانية ، ولا الدولة الاسبانية بحل الحكم الذاتي ، الذي تم التخلي عنه لصالح المشروعية الدولية . ولو لم تكن هناك حكومة ظل هي منْ يحكم ، هل كان ل Sanchez ان يَقْدم على ما اقدم عليه بمفرده ، وفي غياب الحكومة ، عندما اكد تدعيمه للحكم الذاتي ، و ليس تبنيه . ف Sanchez يكون قد اخبر واستشار مع حكومة الظل من داخل القصر الملكي ، وليس من مقر الحكومة التي علمت بخبر الاعتراف بحل الحكم الذاتي من خلال بيان الديوان الملكي .
ونفس الشيء نلاحظه في النظام السياسي الفرنسي الذي به حكومتين ، حكومة الظل وحكومة الواجهة التي تستعمل لتنزيل مخططات ودراسات حكومة الظل ، وهي نفس الحكومة سماها خطأ عبد الاله بنكيران بالتماسيح والعفاريت ، وذهب بعيدا في وصفه ، عندما تحلل من المسؤولية التي حملها مباشرة للملك الذي وحده يحكم ، وعبدالاله بنكيران فقط يسانده من دون امتلاكه سلطة التقرير .
فهل في المغرب توجد حكومتان واحدة وهي التي تحكم تسمى بحكومة الظل ، وحكومة الواجهة التي تسهر على تنفيد برامج ومخططات حكومة الظل ؟
عند تعمقنا في طبيعة الدولة المخزنية كدولة رعوية ، بطريركية ، بتريمونيالية ، كمبرادورية ، ثيوقراطية ، طقوسية مفترسة ... الخ ، لا نكاد نجزم بوجود حكومتين . فالحكومة التي أدت يمين التنصيب امام الملك ، هي الحكومة التي ينص عليها الدستور ، ولا يوجد هناك حكومة أخرى أدت يمين التنصيب امام الملك ، تزاحم الحكومة المنصّبة من قبل الملك .
القرار السياسي والاقتصادي في النظام المغربي ، مرهون ومحتجز بيد الملك ، لا بيد غيره ، لأنه هو الذي يحكم ، والباقي مجرد أدوات يستعملها في تنزيل برنامجه من فوق .
يذهب العديد من المحللين وتحليلهم خطئا ، الى الاعتقاد والقول بوجود حكومتين في المغرب ، في حين ان الموجود فقط حكومة واحدة لا اثنان ، وهذا يبرهنه وضع الوزراء الذين يعينهم الملك ، ليصبحوا مجرد موظفين سامين بإدارة الملك ، وهذا بنص دستور الملك الممنوح الذي يركز في شخصه وحده الحكم والسلطة ، لأنه هو وحده الدولة ، ويؤكده كذلك عقد البيعة الذي يعطي للملك كراعي ، وامام ، وامير سلطات استثنائية تفوق من حيث القوة ، الاختصاصات التي يعطيها الدستور للملك .
ان ما يسمى بالدولة السرية في المغرب ، وتماشيا مع نصوص الدستور وعقد البيعة ، المقصود به القصر ، أي دولة الملك القائد للجيش ، والقائد للأجهزة البوليسية المختلفة ، والقائد للجهاز القضائي ، وهو وحده رئيس السلطة التنفيذية ، لأنه هو من يرأس المجالس الوزارية التي تقرر ، ولا يرأس المجالس الحكومية التي لا تقرر ، ويرأسها الوزير الأول ، وليس رئيس الوزراء الغير موجود . فهذا الاستحواذ على الدولة التي يعطيها للملك دستوره الممنوح ، ويعطيها له عقد البيعة ، تجعل منه في الدولة الرعوية ، والبطريركية ، والبتريمونيالية ، والكمبرادورية ، والثيوقراطية ، والمفترسة ، والمحتكرة لثروات المغاربة المعدمين والمفقرين ، طاغية بكل ما يشمله مصطلح الطاغية من دلالات ، وقد اكدت هذا الوصف الدولة الصهيونية التي وصفت محمد السادس بالطاغية . أي دولة بيد عصابات مسخرة للنهب والتفقير ، وهذا يتعارض بالمطلق مع الدولة الديمقراطية دولة المؤسسات ، وليست بدولة الأشخاص .
ان ما يسميه بعض المحللين خطئا بالدولة السرية وهم يقصدون القصر ، هي التي تقرر وحدها السياسات وترسمها ، وهي التي تتحكم بالعملية الاجتماعية ، وتسخرها لمصلحتها ، وهي تشرف بواسطة أجهزة البوليس ، وبواسطة الجهاز السلطوي القروسطوي ، على سير تطبيق السياسات من قبل ادواتها ، التي هي ملك للملك ، كالبرلمان ، والحكومة ، والبلديات ، والجماعات ، والتي تكون غالبا بلا حولة ولا قوة ، الاّ بقدر ما تحسن وظيفتها المتجلية في تنزيل برنامج القصر ، الذي يشكل الحكومة الحقيقية ، ويشكل الدولة المخزنية الحقيقية كذلك .
ب – بروز حاكم فرد وحاشيته ، يشرفون وحدهم على أجهزة الدولة من خلال مديرين عامين لشؤون الدولة ، مرتبطين بالملك اكثر من ارتباطهم بقضايا الشعب والوطن . ان هذا الحاكم والشلة التي تحيط به ، لهم صفة رؤساء أجهزة ، اكبر من صفتهم كرؤساء دولة ، ولهذا فانهم يقلصون بنية الدولة وعملها ، على مستوى الأجهزة العسكرية والبوليسية وانشطتها . واذا كانت علاقاتهم بالمجتمع قائمة على صعيد ما ، فإنما هو صعيد القمع ، واللجم المكثف ، والمتواصل للمجتمع من جهة ، وصعيد نهْبِه الذي يؤمّن حسن سير آلة الأجهزة من جهة أخرى .
في دولة بوليسية قامعة كهذه ، يتحول الحاكم من تعبير وطني حيال الخارج ، الى تعبير خارجي حيال الوطن ، وترتبط مصالح الزمرة الحاكمة ، ارتباطا إيجابيا بالخارج ( الامبريالية ) ، في حين تتقطع الروابط الإيجابية مع الداخل الوطني ، لتحل محلها روابط سلبية ذات طابع عدائي ، يقوم على اعتبار اية نقمة تصدر عن الشعب ، او احد قطاعاته ،او شرائحه ، او فئاته ، او حتى عن مجموعة افراد منه ، عملا معاديا للدولة وللمجتمع ، ومؤامرة لا بد من قمعها بالدم والنار . كما يقوم على وعي جذري لدى الشعب ، بان أي تماس مع الدولة القامعة مهما كان بسيطا ، هو معركة حقيقية ، لان الدولة القائمة على الغاء السياسة وعالمها الاجتماعي ، والمتحفزة لقمع أي تحرك مهما كان بعيدا عن السياسة ، لا يمكن ان يكون التعامل معها الاّ بأحد الشكلين : الخضوع او التمرد . وما دام الخضوع هو عدم القيام بأية نشاطات سياسية ، او اجتماعية ،او اقتصادية ... الخ ، خارج نشاط الدولة ، فان التمرد يبدأ باي شكل من اشكال النشاطات السياسية .
ج – تمييع مفهوم الشعب مع مفهوم الدولة ووظيفتها . فالشعب لم يعد تلك الكتل الجماهيرية العريضة الموزعة الى طبقات عاملة ، او فقيرة ، او حتى متوسطة . بل صار تلك القاعدة الاجتماعية الضيقة التي تساند الدولة البوليسية القائمة بحكم مصالحها ، مضافا اليها الجهاز البوليسي بكل تفرعاته واشكاله .
وما دامت الدولة قد انقطعت عن ان تكون تعبيرا عن المجتمع ، فان المجتمع بدوره يقلع عن ان يعتبر الدولة تعبيرا عنه . هكذا يحل شعب الدولة محل شعب المجتمع . وشعب الدولة هو تلك الشرائح التي تستطيع الدولة جرها الى صفوفها ، عن طريق إعادة توزيع الدخل الوطني ، او تلك التي تكلف بتنفيذ او تقرير سياسة الدولة الداخلية والخارجية .
في رأس هذه الشرائح تأتي الكتل الكبيرة المجندة في الأجهزة البوليسية المخابراتية ، او زمرة العاملين في الحياة الاقتصادية والإدارية . فبهذه الصورة تصبح الدولة وليس المجتمع ، مركزا لفرز الشعب عن اعداءه ، وتتحول القاعدة الجماهيرية العريضة التي هي الأغلبية الساحقة ، الى عدو للشعب ، بينما تصبح القلة المساندة للدولة هي الشعب ، التي تتخذ القرارات وترسم السياسات لصالحه ، والذي تنظمه الدولة وتعبئه من حولها ، وتتيح له حرية الحركة الاجتماعية .
د – تمييع مفهوم الديمقراطية مع تبدل مفهوم الشعب . فالديمقراطية غدت كل اجراء تقوم به الدولة لتعزيز طابعها ( الشعبي ) ، وكل عمل تقوم به لإحكام قبضتها على الشعب ، ويمر عبر قنوات شكلية للتمثيل . في الديمقراطية التمثيلية يختار الشعب ممثلين عنه الى مختلف الهيئات ، ينوبون عنه في مراقبة عمل الدولة ، او الاشتراك في رسم هذه او تلك من سياساتها .
في هذه ( الديمقراطية ) الجديدة ، تسمي الدولة ممثلين عن الشعب ، الذي ترغمه أجهزتها البوليسية ، والجهاز السلطوي القروسطوي على اختيارهم ، كي يحرم من إمكانية مراقبة عملها ، او الاشتراك في رسم هذه او تلك من سياساتها . ويكون هؤلاء الممثلون في الغالب من أوساط ( شعب الدولة ) . فإذا حدث وكانت هناك قوى سياسية معارضة ، فان مهمة الديمقراطية ، تصبح تزوير إرادة الشعب ، كي ينجح ممثلو ( شعب الدولة ) بدلا عن ممثليه الحقيقيين .
ان هذه الديمقراطية تُقنّع بدورها وجود الدولة الرسمية ، القصر والديوان الملكي ، التي تتحكم بها إمّا عن طريق الاطار السياسي العام الذي يرسمه القصر بصورة غير مباشرة ، او عن طريق أجهزة البوليس السياسي ، مضافا اليها الجهاز السلطوي الطقوسي لوزارة الداخلية . فينحصر عمل المؤسسات التمثيلية في الموافقة على خطط الدولة البوليسية وقراراتها ، وعلى اسباغ طابع ( جماعي ) عليها . من هنا يتحول هذا النشاط ( الديمقراطي ) الى قيد على الجماهير ، يغلق امامها إمكانات التحرك السياسي والاجتماعي ، ويزور ارادتها ، لان اجهزته ليست سوى ملحقات بأجهزة الدولة البوليسية ، وليست ناجمة عن اختيار حر وطوعي تقوم به الإرادة الشعبية الحقيقية . فإذا ما اخذنا بعين الاعتبار الصلاحيات المطلقة لأجهزة الدولة البوليسية ، والصلاحيات الضيقة لهذه المؤسسات التمثيلية ، ادركنا ان الهامش الشكلي المتاح لها لا قيمة له في الواقع ، لان وظيفتها هي إقرار ما هو مقرر سلفا ، ولا سلطة لها حتى على تنفيذ ما تقرره .
انها بهذا المعنى ، ليست سوى محطة من محطات عمل أجهزة الدولة البوليسية ، الهدف منها تسهيل سير عملها ، وليس مراقبتها او كبح جماحها .
ه – في ظروف غياب او قمع الجمهور الشعبي المنظم ، واحكام رقابة الدولة البوليسية على المجتمع ، تتحول هذه من آلة تسيير للمصالح العامة ، الى تحالف قطاع طرق تجمعهم مصالحهم الخاصة ، وتبرز بداخلها مراكز للقوى تضع نفسها فوق القانون ، والنظام ، والمصلحة العامة ، وتطور آليات عمل جديدة وفق الهدف الذي تسعى اليه ، ووفق مواصفات النشاط الذي تقوم به ، والقطاع الاجتماعي او السياسي الذي تنشط بداخله .
هكذا يصبح لكل جهاز بوليسي مخابراتي رئيسا او زعيما ، يشبه سلوكه وأسلوب تفكيره سلوك وتفكير زعيم البلاد . فتكون صلاحياته مطلقة لا تخضع لأية رقابة من تحت ، ويتحول جهازه او مؤسسته الى قطاع شخصي له يفعل به ما شاء ، إذا كان ذلك لا يتعارض تعارضا جذريا ، مع مصالح زعماء العصابات المافيوزية الأقوى في القطاعات والمؤسسات الأخرى . فيسقط مفهوم الدولة ودورها ، وينهار النظام العام ، وتصبح الجماهير فريسة لكل أنواع النهب ، والامتهان ، والافتراس ،وتهريب ثروة الشعب المفقر الى الابناك العالمية خارج الوطن ، وبالتالي تتعرض الجماهير لسائر ضروب الذل ، والقمع ، والتفقير ، والتجويع .
في وضع كهذا الذي نعيشه ، تنهار قيم العمل والإنتاج ، ويتدهور الاقتصاد الوطني ، ويُسدّ افق المستقبل في وجه الأجيال الصاعدة ، وتشْرُع المشاكل الاجتماعية في كسب طابع جديد يمزق وحدة المجتمع ، بدل ان يطورها ويرسخ وجود الدولة بدل ان يهدده ، وترتد الجماهير عن الهموم السياسية العامة ، الى هموم ذات طابع يومي عارض ، او ذات طابع اقتصادي عفوي ، وتضيع اللحمة بين الطبقات والفئات المحرومة ، في حين يرتع حزب الدولة الذي سماه الدكتور محمد جسوس بالحزب السري ( البوليس السياسي ، الجهاز السلطوي لوزارة الداخلية ، الجدرمة المخابرات الخارجية .. الخ ، في بحر من النعيم ومن البحبوحة ( الديمقراطية ) ، تاركا للشعب العادي الخوف على لقمة الخبز وعلى المصير الشخصي ، وعلى المستقبل الغامض والغير المضمون .
( يتبع )



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين ورط الملك الشعب في الاعتراف بالجمهورية الصحراوية .
- الواقع السياسي المغربي الراهن ، محدداته المرحلية ، واحتمالات ...
- الواقع السياسي المغربي الراهن ، محدداته المرحلية ، واحتمالات ...
- الواقع السياسي المغربي الراهن ، محدداته المرحلية ، واحتمالات ...
- ( طرد ) إسرائيل من حضور افتتاح دورة القمة السادسة والثلاثين ...
- انعقاد القمة السادسة والثلاثين ( 36 ) للاتحاد الافريقي بأديس ...
- حقوق الانسان في الدولة المخزنية البوليسية
- البدع والطقوس المرعية عند العرب والمسلمين
- البرلمان الاسباني يوافق بالأغلبية على منح الجنسية الاسبانية ...
- أكبر انتفاضة دموية في تاريخ الانتفاضات المغربية
- مِنْ - موروكو گيتْ - الى - بگاسوس غيتْ -
- ترقب قرار للبرلمان الأوربي في 9 ابريل القادم ، يدين النظام ا ...
- الفرق بين الشعب والرعايا ، نوع الدولة السائدة
- تغيير النظام من الداخل
- التعويض .
- الدكتاتور هرب . المستبد هرب . الطاغية هرب .
- حين ضاع التراب . من أضاع التراب . لماذا أضاع التراب. من الگو ...
- هل ستندلع حرب بين النظامين المغربي والجزائري ؟
- الغزو الروسي لأكرانيا
- الجنرال السعيد شنقريحة متماهياً في قصر الإليزيه ومستقبلا من ...


المزيد.....




- السعودية.. القبض على مصريين لـ-نشرهما حملات حج وهمية بغرض ال ...
- أمريكا: لا يوجد مؤشر على عملية إسرائيلية -واسعة النطاق- في ر ...
- شهداء في قصف مكثف على رفح وشمال القطاع
- محكمة العدل الدولية تعلن انضمام دولة عربية لدعوى جنوب إفريقي ...
- حل البرلمان وتعليق مواد دستورية.. تفاصيل قرار أمير الكويت
- -حزب الله- يعلن استهداف شمال إسرائيل مرتين بـ-صواريخ الكاتيو ...
- أمير الكويت يحل البرلمان ويعلق بعض مواد الدستور 4 سنوات
- روسيا تبدأ هجوما في خاركيف وزيلينسكي يتحدث عن معارك على طول ...
- 10 قتلى على الأقل بينهم أطفال إثر قصف إسرائيلي لوسط قطاع غزة ...
- إسرائيل تعلن تسليم 200 ألف لتر من الوقود إلى قطاع غزة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - نحو تجاوز تردي الوضع بالمغرب . مشكلة الصحراء مشكلة انعدام الديمقراطية في الدولة المخزنية . ( 1 )