|
ولادة محمّد –نبي الإسلام—بعد أبيه بسنوات
سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 7519 - 2023 / 2 / 11 - 06:53
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
منذ طفولتي، كنت معجبا بالتاريخ وكنت أقرأ المجلدات في شغف ونهم فقط من أجل الاطلاع على الأحداث ومجرياتها. ولأن التاريخ المكتوب يتأثر بوجهة نظر كاتبه، كنت أجد المؤرخين يختلفون ويتجادلون كلٌّ حسب قناعته في تركيزهم على جانبٍ معيّن من الحدث. لكن ما أثار اهتمامي، منذ حداثة سنين المراهقة، أن كتّاب التاريخ الإسلامي من المسلمين يغرقون في العاطفة كلما اقتربوا من عصر النبي محمد وصحابته وغالبية ما يكتبونه يحاول ليَّ عنق الأحداث بحيث تخدم الغايات اللاهوتية من كتابة هذا التاريخ وهذه الصفة الغالبة على المؤرخين المتديّنين. لفهم مشكلة المولد النبوي وهل كان المسلمون الأوائل في القرون الأول والثاني والثالث الهجري يشكّون حقا في تاريخ مولده؟ المعروف أنّ الحمل الطبيعي التام علميا هو 9 أشهر، ولكن مولد النبي محمد يتفاوت بين سنتين إلى أربع. لتوضيح المسألة إليك هذا الرسم البياني:
السؤال المثير لغضب المؤمنين بالإسلام والتراث الحديثي هو التالي: لماذا تعتبر ولادة محمّد ذات إشكالٍ خطير كونه ولِد بعد وفاة أبيه بأكثر من سنتين على الأقل أو حتّى أربع سنواتٍ وفق مصادر أخرى؟ حسب هذا الرسم التوضيحي https://twitter.com/AFormerRepubli2/status/1624219319474475008 ، الّذي سنناقشه بالتفصيل، هناك فراغات في التاريخ النبوي –روايات السيرة—الّتي لا بدّ من تمحيصها ومراجعتها وكشف المستور وراء الروايات الّتي تبدو في الظاهر كأيّ سردٍ آخر، والشخصيات تتحرّك –كشخصيّات أيّ قصّة أو ملحمة—نحو هدف أو غاية. لكن مع قراءة هذه النصوص والروايات بعين ناقدة وعقلٍ يعتبر الشك وإعادة تحليل وتقييم الروايات هدفا أساسيا، فإنّ من الممكن اعتبار هذا المنهج مفتاحا لفهم ما تمّ فقدانه من الإسلام الأول، حيث أنّ أقرب راوٍ للسيرة هو محمد بن إسحاق الّذي عاش بين 85 إلى 151 هجرية (705-768 م) و أيضا من الّذين نُسِب لهم اهتمام بروايات السيرة "وهب بن منبه وأبان بن عثمان بن عفان وعروة بن الزبير وشرحبيل بن سعد، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري وموسى بن عقبة وهشام بن عروة بن الزبير." ما يجب ملاحظته هنا فهو أنّ هؤلاء الرواة، وغالبيتهم جاء في عصر كان الصحابة فيه قد ماتوا، لم يتركوا لنا أثرا مكتوبا أو مخطوطا، عدى رواياتٍ شفهية كتبها تلاميذ التلاميذ أو تابعي التابعين من بعد عصر الصحابة. في نهايات القرن العشرين، نشر الدكتور سهيل زكار سيرة ابن إسحاق معتمداً على مخطوطتين كتبتا من بعده بمدة طويلة. يقول الدكتور زكّار: "ذلك أن ما كتبه ابن إسحاق لم يصل إلينا بشكله الأول، بل وصلنا بعد تهذيبه وتعديله من قبل آخرين أشهرهم وأهمهم ابن هشام. وكنت قد حصلت منذ سنوات على مصوّرة لقطعة من سيرة ابن إسحاق موجودة بالمغرب، ضممتها إلى أوراق من قسم المغازي موجودة بالمكتبة الظاهرية بدمشق، ثم قمت بمقارنة الموادّ والأخبار الموجودة في هاتين القطعتين بما عند ابن هشام مما يقابلهما فاتضحت لي أهمية نشرهما." إنّه حقّا لإشكالٌ كبير أنّ سيرة آخر الأنبياء وحياة الرّسول الأخير للبشر، الّذي سيسكت بعده الإله إلى يوم القيامة عن مخاطبتهم –حسب العقيدة الإسلامية—تُهمَل وتترَك يتداولها الناس شفاهاً و بدون كتابة لما يفوق قرنا من الزّمن و حتى أولئك القلّة الّذين كتبوا شيئا عن سيرته كانت كتاباتهم غير متداولة و أيضا كانوا متهمين في عدالتهم. بل إنّ ابن هشام تحرّج من كثير مما رواه ابن إسحاق فقرّر حذفه. لكن دعونا ننظر في الروايات الدائرة حول مولد محمّد وصيغها المختلفة، ثمّ ننظر في الطابع الملحمي الأسطوري الّذي له غاياتٌ لاهوتية، وهو ما يذكّرنا بالسرديات الإنجيلية المسيحية الّتي يعتبرها كثيرٌ من الباحثين على أنّها تاريخٌ سيء Bad History بمعنى أنّ هدف كُتّاب ورواة هذه السِيَر ليس إيصالَ مادّة تاريخية تساعد المؤرخين و المؤمنين و غير المؤمنين في معرفة ما حصل بالفعل على أرض الواقع، بل هي روايات تريد التأكيد على إيصالِ فكرة لاهوتية معيّنة تروّج لإيمان أو عقيدة ما. لكن كون هذه السرديات مشبعة باللاهوت وتعظيم البطل الأسطوري –-كإضافة الصلوات إلى ذكر محمّد كلّ ما جاء ذكره—لا يعني أنّ المؤرّخين لا يستطيعون الاستفادة من هذه السرديات، لأنّ عمل المؤرِّخ الحقيقي يشبه عمل المحقِّق البوليسي الّذي يعتمد على التفاصيل، حتى تلك الّتي تبدو عديمة الأهمية، كما يفضّل المؤرّخ الأمريكي الشّهير بارت إيرمان أن يذكِّر قرّائه الباحثين في المسيحيّة الأولى، و لربّما بصمةٌ أو شعرةٌ في مسرح الحدث قد تكفي لفكِّ أحجية غامضة، المسألة فقط تحتاج إلى إطّلاع واسِع إلى جانب خيالٍ قادرٍ على استكشاف خبايا سيناريوهات محتملة. ........ من خلال قراءة سيرة ابن إسحاق (كتاب السِيَر و المغازي) نجد و كأن راوي الأحداث –و غالبيّتها مُرسل لا يحيل لأيّ راوٍ من الرواة، و كأنّه يريد إيصال فكرة مفادها أنّ نبوة محمد كانت معدّة لها إلهيا و يبدأ بالفعل، كتحضيرٍ للولادة المعجزة –ما يشبه ولادة موسى و ولادة يسوع [عيسى]—بقصّة حفر أو إعادة اكتشاف زمزم على يد عبد المطلب [جدّ النبي محمد و الّذي كان اسمه الحقيقي شيبة و سمّي اشتباها بعبد المطّلب ظنا من الناس أنّ عمّه المطّلب ابتاعه من سوق العبيد] و أنّ حادثة اكتشاف زمزم كانت محطّ اهتمام السماء أو الإرادة الإلهية و قوى الجِنّ أو الشّيطان. يُعِدّ ابن إسحاق إخباره بالحدث، كتهيئةٍ للتفاصيل، بالقول: "بينا عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف نائمًا في الحجر، عند الكعبة، أتى، فأُمِرَ بحفر زمزم." ثمّ يبدأ بالتفصيل بالقول أنّه لمّا رأى في المنام –وهذا يذكرنا بحلم يوسف زوجِ مريم في إنجيل متّي—من يأمره بحفر زمزم، جابهه قومه، فيقول ابن إسحاق: "فقالوا له: أبُيِّنَ لك أين هي؟ فقال: لا، قالوا: فارجع إلى مضجعك الذي أريت فيه ما أريت، فإن كان حقًا من الله بين لك، وإن كان من الشيطان لم يعد إليك، فرجع فنام في مضجعه، فأتى فقيل له: احفر زمزم، إنك إن حفرتها لم تندم، هي تراث من أبيك الأقدم، لا تنزف الدهر ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم مثل نعام حافل لم يقسم، ينذر فيها ناذر لمنعم، فهي ميراث وعقد محكم، ليست كبعض ما قد يعلم، وهي بين الفرث والدم." نجد في هذه الرواية إيحاءً بأنّ جدّ محمّد، عبد المطلب الّذي نشكّ كونه جدّ محمد وأنّه في الحقيقة هو أبٌ لمحمّد كما سيأتي، يملك خاصيّة توجيهٍ إلهي وأنّه إلى حدٍّ ما يشبه القول، لو فرضنا وجود هكذا اعتقادٍ آنذاك، بأنَّ عبد المطلب امتلك نوعاً من النبوة والّتي سيورثها، كما سيبدو، لحفيده [ابنه] محمّد. هذا التحضير لا يقتصر هدفه على ربط محمد بسلالة إسماعيل بن إبراهيم، بل يهدف لتحضير تحويلٍ لمجرى أحداثٍ لم تكن لِتُعجِب المسلمين آنذاك لو لم يتمّ تغيير السّرديّة، وبالتالي كان سعيُ ابن إسحاق لخلق قصّة تليق بمؤسس الدّين الجديد وبدوره كمؤسّس إمبراطورية ضرورةً لأصدقائه العبّاسيّين. عبد المطلب، حسب ابن إسحاق، يجسّد شخصية مركزية في الملحمة المحمدية و لكي يعدّ ابن إسحاق لظهور "النبي الخاتِم" فإنّ على الرواية أن تهيّء نوعاً من العلاقة الحميمة بين عبد المطّلب و محمّد بحيث لا يكون هناك نوعٌ من القطيعة في نَسَبٍ لا يتعلّق بمحمّد فقط بل يتعدّاه للعباسيين والعلويين، المنافسين الأقوى لبني أميّة، و نحن نعرف مدى قرب محمّد بن إسحاق من أبي جعفر المنصور ومناصريه من الشّيعة الّذين سينقسمون في مواجهة العباسيين لاحقاً. لخلق هذه العلاقة الحميمة كان ينبغي اختلاق شخصية تربط عبد المطلب في نَسَبٍ متماسك مع محمّد، لأنّ العلاقة السلبية بين عبد المطلب والرضيع محمّد ستكون فعلا وصمةً تُنقِص من مقام النّبي المؤسس وكلّ شرعية الخلافة العباسيّة ستكون موضوع شكّ. أولا: يصوّر ابن إسحاق في رواياتٍ متفاوتة كيفية نشوء خلافٍ بين قبيلة قريش وعبد المطلب بعد حفره واكتشافه لبئر زمزم و أنّهم نازعوه إياها، مع كنوزٍ اكتشفها عبد المطلب مع البئر. ثانيّا: قِصّة هذا الصّراع بين قريش وعبد المطلب هي تهدف لظهور عبد الله ابن عبد المطلب والّذي يبدو لي أشبه بشخصيّة يوسف، الّذي كان هو و أخوه بنيامين الطفلين المدلليْن من بين 12 ابناً ليعقوب ابن إسحاق في القصة التوراتية المعروفة. في روايات مختصرة عند ابن إسحاق، نجد النّزاع بين عبد المطّلب وقريش يُحَلّ بعد امتحانٍ إلهي بسيط حيث إنّهم طرحوا عليه فكرة الاحتكام إلى كاهنة "بني سعد بن هذيم، وكانت بأشراف الشام. فركب عبد المطلب في نفر من بني أبيه، وركب من كل بطن من أفناء قريش نفر، وكانت الأرض إذ ذاك مفاوز فيما بين الشام والحجاز، حتى إذا كانوا بمفازة من تلك البلاد، فنى ماء عبد المطلب وأصحابه حتى أيقنوا الهلكة، فاستسقوا القوم، قالوا ما نستطيع أن نسقيكم..." وهنا و بعد يئس من النجاة، و بقدرة إلهية تنفجر عينٌ من ماء عذب تحت ناقة عبد المطلب و ينتهي الخلاف بالرضوخ لهذه المعجزة الإلهية في أفضلية عبد المطّلب. يبدو أنّ هذا الحلّ البسيط لحبكة القصة لم تكن مفيدة ومرضية تماما لدولة بني العباس، إذْ أفترضُ أنّ هناك رواياتٍ أو صِيَغً أخرى للسيرة كانت سائدة في زمن ابن اسحاق الّذي عاش في فترة انتقال الإمبراطورية العربية الإسلامية، مع مراعاة فكرة أنّ الإسلام كان لا يزال في طور التشكّل، من سلالة بني أمية إلى بني العبّاس، ولهذا نجد أنّ كتاب ابن إسحاق كان يسمّى "كتاب السِّيَر و المَغازي" حيث أنّه من المنطقي أن يحوي العنوان كلمة مغازي لوصف حروب و غزوات محمد. لكن وجود صيغة الجمع "سِيَر" بدلا من سيرة –صيغة المفرد—في عنوان الكتاب هي في حدّ ذاتها جديرة بالاهتمام لأنّها تحوي احتمال امتلاك ابن إسحاق لعدة مصادر من السيرة و أنّ ما وصل إلينا اليوم هو نتاج الحاجة العباسية لخلق نوعٍ من قدسيّة النسب بحيث تضفي قداسة على النسب الهاشمي تحديدا و أيضا تنهي، و إلى الأبد، رواية أو روايات كانت تطرح محمّدا كابن غير شرعي أو مطعونٍ في نسبه، و هو احتمالٌ غير بعيد لأنه يشبه تماما الخلافات و الجدل المسيحي الّذي كان يصارع لإيجاد سردية تحسم الجدل حول بنوة يسوع لله و وجود أبوين بشريين له. قصة نذر عبد المطّلب وتهيئة ظهور عبد الله تبدأ الرواية كالتالي: "حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال: وكان عبد المطلب بن هاشم فيما يذكرون، قد نذر حين لقي من قريش- عند حفر زمزم- ما لقي: لئن ولد له عشرة نفر، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه، لينحرن أحدهم لله عند الكعبة." فالرواية كما نرى هنا تختلف عن الرواية السابقة الّتي أنهت خلاف عبد المطّلب مع قريش بتفجير نبع ماءٍ تحت جمل عبد المطّلب، بينما هذه الرّواية، وهي واضحة الاختلاق كما سيأتي، هي مطوّلة –تتكون من تسعة صفحات ص 32-41—و هي رواية مرسلة، بمعنى أنّها غير منسوبة لأيّ صحابي و لا هي منقولة عن أيّ تابعيٍّ آخر. من المهم ملاحظة أنّ السّند الّذي تبدأ به هذه الرواية المطوّلة: "حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: نا [اختصار كلمة حدّثنا] يونس بن بكير عن ابن إسحق قال..." غير ذي قيمة من ناحية تحقّقنا أنّها بالفعل رواية تعود لزمن محمّد كون هذا السّند هو الّذي وصل لنا كتاب ابن إسحاق عبره، لكن ما كان مهمّا أنّ نراه هو أنْ يخبرنا ابن إسحاق أسماء أولئك الّذين كانوا هُم مصدر روايته هذه، و حتّى الرواية المنقولة في تاريخ الطبري ج 2 ص 240 تقف عند ابن إسحاق، و هي لا بدّ أنّ يكون لها أكثر من راويٍ واحد لأنّ من شبه المحال أن يروي شخصٌ واحدٌ هذه الرواية المطوّلة و الّتي تحوي أبياتاً شعرية ركيكة لا تناسب بلاغة العرب كما معهود قبل الإسلام. حسب هذه الرواية، فإنّه لمّا اكتمل لعبد المطّلب عشرة أولاد، وهُم: الحارث، والزبير، وحجل، وضرار، والمقوم، وأبو لهب، والعباس، وحمزة، وأبو طالب، وعبد الله، وعَلِم أنّهم سيمنعونه، أيّ يحمونه من أعدائه، أخبرهم بنذره. الإشكال في هذه القائمة هي أنّ حمزة لم يكن قد ولد بعد –وهو خطأ يظهر تناقض الرّاوي—وأنّه سيولد بعد حادثة النذر هذه، والّتي أرَجّح أنّها صيغت من قبل ابن إسحاق أو أنّه تلقّاها من غيره، وسنوضّح السِر وراء وضع هذه القصّة الّتي هي محاولة لإلغاء رواية أخرى تمّ التعتيم عليها بفعل قصّة نذر عبد المطلب وفداء ولده (عبد الله) ليصبح ذائع الصيت ويترك هالةً من القداسة لابنه محمّد. أيضا، الرّواية تصف في بدايتها وببعض التّفصيل عاداتِ القريشيين والعرب في مشاورتهم مع سدنة الكعبة وكيفية عمل "القداح" والّتي كانت نوعا من القرعة الّتي كانت تتم في محضر هبل كبير آلهة الكعبة، أو آلهة أخرى لعلاج ،أو حلِّ معضلة أو البَتّ في أمر مهمٍ و جلل. بل يبدو من روايات ابن إسحاق وكأنّ نبوة محمّد وقرآنه وبلاغته لم تكن سوى استمرارٍ لبلاغة وكهانة العرب قبل الإسلام فيقول: "وكانت قريش ومن سواهم من العرب إذا اجتهدوا في الدعاء، سجعوا وألفوا الكلام، وكانت فيما يزعمون قلما ترد إذا دعا بها داع." ولا أستبعد أنّ ابن إسحاق في الحقيقة لم يقتنع بالإسلام تماماً وأنّه كان لا يزال ذلك السّريانيّ الّذي وقع أبوه كأسير حرب، رغم أنّه لم يكن مقاتلا. وهكذا فإنّ ابن إسحاق، وإن كان هناك احتمال وارد أنّه أسلم، لم يمانع في التعاون مع الشّيعة عموماً والعبّاسيين خصوصاً ربّما لأنّهم كانوا أقلّ عنصريّة وتعصّباً من الأموييّن للعرب. السؤال الخطير مرّة أخرى هو التالي: لماذا تعتبر ولادة محمّد ذات إشكالٍ خطير كونه ولِد بعد وفاة أبيه بأكثر من سنتين على الأقل أو حتّى أربع سنواتٍ وفق مصادر أخرى؟ فلنبدأ مع ابن إسحاق الّذي نجده يقول في فصل تزويج عبد الله بن عبد المطّلب وولادة النّبي محمّد: "فلما وضعته [أي آمنة]، بعثت إلى عبد المطلب جاريتها- وقد هلك أبوه عبد الله وهي حبلى، ويقال أن عبد الله هلك والنبي ﷺ ابن ثمانية وعشرين شهرًا، فالله أعلم أي ذلك كان." فهذه الإشكالية كانت واضحة في زمن ابن إسحاق وسيتداوَل الأمر في مصادر حديثية وفقهية كما سنرى ولأنّ الإشكال يتعلّق بحقيقة علميّة مفادها بأنّ أطولَ فترة حمل تم تسجيلها في التاريخ كانت في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1945 في مدينة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا و كانت السيدة بيولا هنتر قد ولدت طفلتها بعد 375 يوما و هو ما يعادل ما يزيد على السّنة بقليل. هذا الإشكال يصيب رجال الدّين السّنّة، خصوصا المختصّين بردّ الشبهات، بالغضب والانفعال وكثيرا ما نجدهم يتّهمون الخصوم اللا-دينيين والملحدين بأنّهم يلفّقون هذا الإشكال بهدف إضعاف الإسلام وفتنة المسلمين عن دينهم. المعضلة هي أنّ ما يستند عليه الباحثون وناقدوا الإسلام موجود في كُتُب السّنّة، ولسنا هنا بصدد البحث فيما إذا كان لدى الشّيعة نصوصٌ إشكاليّة مماثلة. بل إنّ كتب الرّد على الشّبهات السّنيّة تأخذ الموضوع بسطحية، رغم اللغة العاطفية المستخدمة في نقد المهاجمين للإسلام وكأنّ هؤلاء المؤلّفين والكُتّاب، وهم ذوو إطّلاع في التراث، يدرِكون ضعف أدلّتهم فيأتون بأدلّة هي استدلالٌ ذو نتائج عكسية لأنّ الأدلة الّتي يوردها الدارئون للشبهات حول الإسلام تحوي –تحليليّاً—أدلّة إضافية على موقف الباحثين في صحّة نسب النّبي محمّد. وإليكم هذا النموذج: تحليل لردّ كتاب: موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام في هذه المناقشة وهذا التحليل سنقوم باقتباسات ومن ضمنها اقتباسات مطوّلة من كتاب (موسوعة محاسن الإسلام ورَدّ شبهات اللئام) وهو من تأليف أحمد بن سليمان أيوب، ونخبة من الباحثين ومن منشورات دار إيلاف 2015. عنوان الكتاب بحدّ ذاته مشحون عاطفيّا ويحمل في طيّاته أحكاما مسبقة على المعترضين أو حتّى أولئك الرّاغبين بمناقشة السيرة وتاريخ ظهور الإسلام بمنظور علمي، وهو أمرٌ طبيعي تماما ويتوَقّع حصوله عندما يقوم رجل دين أو لاهوتيّ الاختصاص بمناقشة موضوع تاريخي من خلال منظور ديني لاهوتي. يقوم كاتب الرّد على شبهة نسب النبي أولا بإيراد الشبهة الّتي يراد مناقشتها والرّد عليها فيقول: "كانت آمنة بنت وهب بن عبد مناف في حجر عمها وهيب بن عبد مناف، فمشى إليه عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بابنه عبد الله بن عبد المطلب، فخطب عليه آمنة بنت وهب فزوجها عبد الله بن عبد المطلب، وخطب إليه عبد المطلب بن هاشم في مجلسه ذلك ابنته هالة بنت وهيب على نفسه، فزوجه إياها فكان تزوج عبد المطلب بن هاشم، وتزوج عبد الله بن عبد المطلب في مجلس واحد؛ فولدت هالة بنت وهيب لعبد المطلب حمزة بن عبد المطلب فكان حمزة عم رسول الله - ﷺ - في النسب وأخاه من الرضاعة. استدل المعترض بهذه الرواية وبعدة روايات أخرى على عدم صحة نسب النبي - ﷺ - إلى أبيه أو أمه." لقد قام الكاتب لهذه الشبهة بكتابتها على نحوٍ من الغموض متعمِّد بقصدِ التشويش على القارئ بهدف حفظه من الانحراف أو منعه الخروج عن الإسلام، وليس بقصد كتابة الموضوع بوضوح بحيث يصبح القارئ مطّلعاً على حيثيات الموضوع. هذه النظرة المتعالية من قِبَل رجال الدّين والفقهاء والإسلاميين ليست وليدة عصرنا الحاضر، بل هي نتاج قرونٍ من تعالي طبقة رجال الدّين المتواطئين مع الحكّام ومع الطّبقة الغنية وهي تعود إلى عصرٍ حيث كان أبو حامد الغزالي يناوئ الفلسفة بحجّة أنّها تُضِلّ "العامّة" أو الطبقة التي يرتزق رجال الدين على أكتافها. كان ينبغي، لتوضيح الشبهة، أن يقال أنّ محمدا وُلِدَ بعد وفاة أبيه بسنتين إلى أربع سنوات، وهو ما كان سيعتبر الشبهة الأقوى في تاريخ الإسلام، وطبعاً كان لزاماً على القوم إيجاد تبرير للخبر. إنّ المعلومة لم تكن معلومة جانبية في القرون الأولى للإسلام، بل كانت تؤخذ مأخذ الحقيقة، ولربما كانت هناك رواياتٌ أكثر تطرّفا بهذا الخصوص، ولكن الدّولة العبّاسيّة ومن خلال تعاونها مع المحدّثين في فترة تأسيسها على أنقاض الدولة الأموية، وبالإرهاب حينا آخر عبر فرض رؤيتها بالسيف، استطاعت طمس تلك الروايات للأبد. ثمّ يضيف الكاتب خمسة وجوهٍ للردّ على هذه الشبهة على النحو التّالي: "الوجه الأول: ذكر نسب النبي - ﷺ - الصحيح المعتمد. الوجه الثاني: جمع النصوص الصحيحة الثابتة الواردة في نسب النبي - ﷺ -. الوجه الثالث: التحقيق في ترجمة الواقدي. الوجه الرابع: تحقيق الروايات التي استدل بها المعترض. الوجه الخامس: والحق ما شهدت به الأعداء." فإيراد النسب [الصحيح] كما يسمّونه، لا قيمة له على الإطلاق هنا لأنّ الإشكال ليس في إضافة أو حذف بضعة أسماء من النسب، و هي نوعاً ما المشكلة الّتي تواجه الباحثين في مناقشة نسب يسوع الّذي يحوي تناقضات كبيرة من إنجيل متّي الفصل 1 و إنجيل لوقا الفصل 3 و الّذي يحوي أسماء نساءٍ كنّ يعتبرن غير مستقيماتٍ أخلاقياً (إنجيل متّي) مثل ثامار الّتي كانت زوجة ابن يهوذا ثمّ زنت معه وهو يعتقد أنها عاهرة منقّبة [يعني تلبس نقابا] وأيضا راحاب "العاهرة" الّتي تساعد يوشع وبني إسرائيل أثناء حصار أريحا، إلى جانب راعوث الّتي تتقرّب و تغري سيدها في العمل و تنتهي العلاقة بالزواج، وأيضا بثشبع بنت أليعام امرأة أوريا الحثي الّتي زنا بها داوود كما في سفر صموئيل الثاني فصل 11 ثم تزوّجها داوود بعد قتل زوجها. التحدّي هنا يكمن فيما إذا كان هناك شيء مماثل في مرويّات المسلمين في العصر الإسلامي الأول عن محمّد، وسنرى كيف أن الشكّ في نسبة محمّد لعبد الله بن عبد المطلب تشكّل مشكلة حقيقية للمدارس الفقهية. نجد في الوجه الأول في الرّد على هذه الشبهة في موسوعة محاسن ما يلي: "إن النبي - ﷺ - أشرف الناس نسبًا، وأكملهم خَلْقًا وخُلُقًا، ولقد كان وما زال شرف النسب له المكانة في النفوس؛ لأن ذا النسب الرفيع لا تنكر عليه الصدارة، نبوة كانت أو ملكًا، وينكر ذلك على وضيع النسب، فيأنف الكثير من الانضواء تحت لوائه، ولما كان محمد - ﷺ - يعد للنبوة هيأ الله تعالى له شرف النسب ليكون مساعدًا له على التفاف الناس حوله. إن معدن النبي - ﷺ - طيب ونفيس، فهو من نسل إسماعيل الذبيح، وإبراهيم خليل الله، واستجابة لدعوة إبراهيم - عليه السلام -، وبشارة أخيه عيسى - عليه السلام - كما حدث هو عن نفسه، فقال: «أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة أخي عيسى»." واحدة من أكبر الإشكالات الّتي تواجه السيرة المحمديّة هي هذا التركيز الشديد على تعظيم نسب محمّد و توقيره إلى حدّ أن الرواة روجوا لأحاديث اصطفاء بني هاشم على قريش و قريش على العرب و تفضيل العرب على سائر الأُمم، و هو ما سيردّده مؤلفو موسوعة محاسن الإسلام ص 10 و 11 كحديث: "عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله - ﷺ -: ‘إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم‘" و الحديث ورد في صحيح مسلم 2276 و الترمذي 3848 و أحاديث أخرى جعلت كاتب موسوعة محاسن يقول نصّا: "النصوص الأخرى التي أوردناها تدل على أن العرب أفضل الناس من ناحية النسب" وهذه النظرية، أيّا كانت دوافعها، تعظّم نَسَبَ محمّد وتسمو به وبقبيلته و كأنّها نوعٌ من تجاهُل تحدٍّ قرّر الرواة محوه من التراث و عدم الخوض فيه لأنّ القرآن و الأحاديث و إن أخبرت بكثيرٍ من اعتراضات القريشيين ومن سواهم ممن رفض الإسلام، لكنّ القرآن و الحديث لم ينقل ربما الاعتراضات الأقوى و قد تمّ السكوت عنها بشكلٍ شبه مؤكّد. و نجد أنّ القرآن ، الّذي استخدمه محمّد أداةً لمجابهة خصومه، غالبا ما يبادل الشتيمة بالشتيمة كما في سورة المسد ﴿تَبَّتۡ یَدَاۤ أَبِی لَهَبࣲ وَتَبَّ ١ مَاۤ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ ٢ سَیَصۡلَىٰ نَارࣰا ذَاتَ لَهَبࣲ ٣ وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ ٤ فِی جِیدِهَا حَبۡلࣱ مِّن مَّسَدِۭ ٥﴾ الّتي هي ردٌّ على أبي لهب و شتمه محمّدا، و سورة الكوثر ﴿إِنَّاۤ أَعۡطَیۡنَـٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ ٣﴾ و التي كانت ردّا على من اتّهم محمّدا بأنّه لا ولد له، و من المحتمل أيضا أنّ محمّدا سمي بالأبتر أي المقطوع النّسب، المعنى غالباً تم إطفاءه و تحويره إلى "ذلك الّذي ليس له ولد"، و أيضا الآية عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ زَنِیمٍ [القلم 13] و الّتي تتحدّث عن شخصٍ من المشركين ألحِق بنسب قوم لا ينتمي لهم، و هذا الرد قد يكون على شتيمة مماثلة تلقاها محمّد من قِبَل ذلك الشخص. من ثمّ يحاول الكاتب للردّ على الشبهة أن يشير إلى أنّ ما ورد في الآثار عن أنّ حمزة بن عبد المطلب كانّ أسنّ، أكبر سِنّاً، من محمد هو غير صحيح فيقول: "وأما ما قاله وما أثبته من أن حمزة أكبر من النبي - ﷺ - بسنتين أو أربع سنين هذا هو الصحيح الذي نقله أئمة السير عندنا" ويورد الروايات التالية: "قال ابن عبد البر: كان أسن من رسول الله - ﷺ - بأربع سنين وهذا لا يصح عندي؛ لأن الحديث الثابت أن حمزة وعبد الله بن الأسد أرضعتهما ثويبة مع رسول الله - ﷺ - إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين." ثمّ ينقل رواية ابن إسحاق، وهذه المعلومة غير موجودة في النسخة الّتي حقّقها الدكتور سهيل زكّار، من أنّ عمر حمزة يوم قُتِلَ في غزوة أُحُد كان 59 سنة، أكبر من محمد بسنتين، أي أنّ محمّدا كان في الـ57 حينها. غزوة أحد هذه كانت سنة 3 هـ الموافقة لسنة 624 م والّذي يعني حسابيا أنَ حمزة كان قد ولد سنة 565 م بينما يكون ابن أخيه محمّد قد ولد سنة 567 م. ثمّ ينقل الكاتب: "وقال ابن الأثير: عم رسول الله - ﷺ - وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب، وأرضعت أبا سلمة بن عبد الأسد، وكان حمزة - رض -، أسن من رسول الله - ﷺ - بسنتين، وقيل: بأربع سنين، والأول أصح." والخلط وعدم اليقين بينهما لا يتوقف عند هذا، بل إنّ كاتب الرّد على الشبهة يضيف: "وكان مقتل حمزة للنصف من شوال من سنة ثلاث، وكان عمره سبعًا وخمسين سنة، على قول من يقول: إنه كان أسن من رسول الله - ﷺ - بسنتين، وقيل: كان عمره تسعًا وخمسين سنة، على قول من يقول: كان أسن من رسول الله - ﷺ - بأربع سنين، وقيل: كان عمره أربعًا وخمسين سنة، وهذا يقوله من جعل مقام النبي - ﷺ - بمكة بعد الوحي عشر سنين، وقيل: كان عمره أربعًا وخمسين سنة، وهذا يقوله من جعل مقام النبي - ﷺ - بمكة بعد الوحي عشر سنين، فيكون للنبي - ﷺ - اثنتان وخمسون سنة، ويكون لحمزة أربع وخمسون سنة؛ فإنهم لا يختلفون في أن حمزة أكبر من النبي - ﷺ -." بعد كلّ التخبّط والتناقضات في فارق السِّن بين حمزة ومحمّد، كما رأينا أعلاه، يضيف الكاتب وبنبرةٍ غاضبة توحي بمعرفته ويقينه العقلي على أنّ سَلَف السّنّة "لا يختلفون"، كما في الاقتباس أعلاه، في أنّ حمزة أسنُّ من محمّد، فيقول كاتب الرّد على الشبهة: "فهذه أقوال علمائنا في سن حمزة بن عبد المطلب، أما ما تخيله المعترض بناء على روايات باطلة فهو سراب خادع ظنه ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا." هذا الكلام مثيرٌ للسخرية حقّا لأنّ الاستشهادات المقدّمة لدحض وإبطال "الشبهة"، بدلاً من أن تدعم الرّد على الشبهة، هي داعمةٌ للشبهة وتفتح الباب أمام استنتاجاتٍ جديدة، بعضها لم يسبق أحدٌ إليها قبل هذا البحث. المسألة هي أنّ محمّداً لم ينضمّ لآل عبد المطّلب بشكلٍ طبيعي كونه ولِدَ من زيجة عبد الله بن عبد المطّلب، كما تقول الرواية الرسميّة، لكن من غير المستبعد أنّنا هنا أمام قصّة مشابهة لقصّة يهوذا بن يعقوب وزوجة ابنه المدعوة ثامار. علينا، لكي نفهم العلاّقة بين عبد المطّلب وآمنة بنت وهب، أنّ نقرأ الفصل 38 من سفر التكوين والتعريف بالشخصيّات لكي نستطيع فهم وجود التشابه الكبير بين هذه القصّة والألغاز الّتي تحيط بولادة محمّد الملغزة و الّتي سندخل في تفاصيلها أكثر. قصة يهوذا وثامار والتعريف بالشّخصيات الاقتباسات هي من الفصل 38 من سفر التكوين كما في الترجمة العربية (كتاب الحياة): يهوذا هو الابن الأكبر ليعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (أبو العبرانيين كما كان يُسمّى عند اليهود وخليل الرّحمن كما يسميه المسلمون) ويهوذا هو واحدٌ من بين 12 ابنا ليعقوب. في الفصل 38 من سفر التكوين نجد أنّ يهوذا أنجب ثلاثة أبناء هم عير وأونان وشيلة، وأنّه لمّا بلغ ابنه عير سِنّ الزواج زوّجه أبوه من امرأة اسمها ثامار، والّتي يعني اسمها حرفياً "تمر" أو "ثَمَر" بالعربية، و التوراة تخبرنا أنّ عير بكرَ يهوذا –ابنه الأكبر—كان شرّيرا فأماته الرّب و من ثمّ طلب يهوذا من ابنه الثاني أونان أن يتزوج أرملة أخيه ثامار و يُقيم لأخيه نسلا. إقامة نسلٍ للأخ الميت كان عُرفاً متّبعا عند العبرانيين القدماء فيتزوج الشخص زوجة أخيه وينجب أبناء يحملون اسم أخيه المتوفي. أونان هذا، قام بالفعل بالزواج من ثامار لكنّه لم يجعلها تحبل وهذا ما أثار غضب الرّب عليه فمات كأخيه عير. لمّا مات الابن الثاني، وكان شيلة لا يزال أصغر من سنّ الزواج، طرح يهوذا على ثامار أن تذهب لبيت أبيها، وهي طبعاً كان عليها أن تبقى لابسةً ثياب ترمّلها إلى أن تتزوج. هذا طبعا لم يرق لها: "وَبَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ مَاتَتْ زَوْجَةُ يَهُوذَا ابْنةُ شُوعٍ. وَإِذْ تَعَزَّى يَهُوذَا بَعْدَهَا انْطَلَقَ إِلَى جُزَّازِ غَنَمِهِ فِي تِمْنَةَ بِرِفْقَةِ حِيرَةَ صَاحِبِهِ الْعَدُلامِيِّ. فَقِيلَ لِثَامَارَ: «هُوَذَا حَمُوكِ قَادِمٌ لِتِمْنَةَ لِجَزِّ غَنَمِهِ». فَنَزَعَتْ عَنْهَا ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا، وَتَبَرْقَعَتْ وَتَلَفَّعَتْ وَجَلَسَتْ عِنْدَ مَدْخَلِ عَيْنَايِمَ الَّتِي عَلَى طَرِيقِ تِمْنَةَ، لأَنَّهَا عَرَفَتْ أَنَّ شِيلَةَ قَدْ كَبُرَ وَأَنَّهَا لَنْ تُزَفَّ إِلَيْهِ. فَعِنْدَمَا رَآهَا يَهُوذَا ظَنَّهَا زَانِيَةً لأَنَّهَا كَانَتْ تُغَطِّي وَجْهَهَا، فَمَالَ نَحْوَهَا إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ وَقَالَ: «دَعِينِي أُعَاشِرُكِ». وَلَمْ يَكُنْ يَدْرِي أَنَّهَا كَنَّتُهُ. فَقَالَتْ: «مَاذَا تُعْطِينِي لِكَيْ تُعَاشِرَنِي؟» فَقَالَ: «أَبْعَثُ إِلَيْكِ جَدْيَ مِعْزَى مِنَ الْقَطِيعِ». فَقَالَتْ: «أَتُعْطِينِي رَهْناً حَتَّى تَبْعَثَ بِهِ؟» فَسَأَلَهَا: «أَيُّ رَهْنٍ أُعْطِيكِ؟» فَأَجَابَتْهُ: «خَاتَمُكَ وَعِصَابَتُكَ وَعَصَاكَ». فَأَعْطَاهَا مَا طَلَبَتْ، وَعَاشَرَهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ. ثُمَّ قَامَتْ وَمَضَتْ، وَخَلَعَتْ بُرْقُعَهَا وَارْتَدَتْ ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا." طبعا، عندما اكتشفوا لاحقاً أنّ ثامار حاملٌ، أراد يهوذا أن يقتلها حرقاً، وهذه كانت عقوبة الزّنا عند العبرانيين حينها غير أنّ الفضيحة كانت أنّ ثامار أخرجت خاتمه وعصابته وعصاه فعرف أنها كانت المرأة الّتي ظنّها زانيةً مبرقعة وفعلا ولد له منها إبنان تؤامان. لا يعنينا هنا أن نحاول مطابقة قصّة يهوذا وعير وثامار بقصّة عبد المطلب وعبد الله ابنه وآمنة لأنّ التطابق ليس هو الحاصل في انتقال قصّة أو ملحمة من ثقافةٍ إلى أخرى أو من شعبٍ إلى آخر لأنّ أيّ قصة أو ملحمة كانت، فهي تأخذ نوعاً من الطّفرة فتتغير الأسماء وأحيانا تختلف الحبكة أو تختلف في هدفها أو المعنى الأساسي لها. هنا نجد أنّ هناك دورا للجنس وللإنجاب، الّذي هو مهمٌّ جدا في الثقافات المتديّنة، وتبدو القصة وكأنها مخططٌ لها إلهيا لكي تنتهي المسألة بإنجاب يهوذا لإبني ثامار فارص وزارح بدلا من ابنيه الشريرين عير وأونان. والسؤال هنا هو: هل كانت قصّة مولد محمّد الأصلية من هذا النمط؟ عودة للروايات الحديثيّة والآن لنعد إلى الروايات الحديثية ومتعلّقات السيرة، فقد رأينا كيف أنّ ابن إسحاق، على ما يبدو، لم يقتنع بنهاية حبكة قصّة عبد المطلب واكتشافه لبئر زمزم ومن ثمّ دخوله في صراعٍ مع قريش و الّتي تنتهي بقبولهم بأحقيّة تملكّه البئر بعد تفجّر نبع ماءٍ تحت جمله، و لهذا تأتي الرّواية المطولة و الّتي يحاول كاتبها خلق لحظةٍ للذروة. في الرواية الممتدة من ص 32 إلى 41 من "السير والمغازي" لابن إسحاق، نجد أنّ أبناء عبد المطلب يقدّمون لأبيهم ردّ المطيع، كما في إبراهيم و ابنه في سورة الصافات 102، فيطلب منهم أن يكتب كلّ منهم اسمه على سهمٍ و ليتمّ القِداح –القرعة—في الكعبة أمام هُبَل كبير الآلهة، و تشاء الأقدار أنّ عبد الله يكون هو الّذي يقع الاختيار عليه. الرواية تضيف ص 34 أنّ عبد المطّلب لمّا همّ بذبح ابنه عبد الله عند صنمي آساف ونائلة، حيث كانت قريش تنحرُ ذبائحها، همّت قريش إلى منعه، وهنا يضيف ابن إسحاق ما يبدو كإعطاء دورٍ ما للعبّاس بن عبد المطلب –جدّ بني العبّاس—فيقول: "حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: ذكروا أن العباس بن عبد المطلب اجتره من تحت رجل أبيه حتى خدش وجه عبد الله خدشًا، لم يزل في وجهه حتى مات." وفي هذه الرّواية المطوّلة في ص 36، يعود ابن إسحاق إلى قصّة العرّافة، الّتي كان لها دورٌ في روايته السابقة المختزلة، و لكي يضيف نوعاً من التدخل الإلهي، حيث أنّ القرآن نفسه يشير في مواضع كثيرة أنّ كلّ شيء يحدث بإذن الله، و هذا يتضمّن إرسال الشياطين. هذه العرّافة ذات خلفيّة يهودية –على الأرجح—لأنّه حسبَ ابن إسحاق كان على عبد المطّلب و القريشيين الذّهاب شمالاً إلى خيبر، القريبة من يثرب –الّتي ستصبح لاحقا مدينة الرّسول—و هناك يسألونها المساعدة فتطرح عليهم أن يضربوا القرعة على عبد الله و عشرة من الإبل كلّ مرة، شيء يبدو و كأنّهم أصلا كانوا يعرفونه. ثم تمضي القصّة بحيث يصل عدد الإبل إلى المائة وعندها تذهب القرعة للإبل، لكنّ عبد المطلب يرفض ويريدهم أن يتأكدوا بأن يكرّروها ثلاثا، وبالفعل تتمّ التضحية ب130 من الإبل كبديل عن نذر عبد المطلب. هنا تبدأ القصّة المشوّقة. وقبل أنّ نذهب لقصّة زواج عبد الله بن عبد المطّلب من آمنة بنت وهب، فلننظر ماذا يقول الدكتور سهيل زكار عن هذه الرواية المطولة عن نذر عبد المطلب وفداء عبد الله: "أثر الاختراع على هذه القصة شديد الوضوح، وهي كما يبدو اخترعت من قبل أكثر من انسان وعبر فترة طويلة، ويبدو أيضا أن فكرتها مستوحاة من القرآن حيث تم ذكر النبي ابراهيم مع قصة ذبحه ابنه ومسألة الفداء، ولا شك أن هذه الرواية استهدفت رفع مكانة النبي محمد ﷺ والعناية الخاصة التي أحيط بها والده، ومن الأدلة على اختراعها انعدام الأضاحي البشرية في مجتمع مكة لما قبل الاسلام، ذلك أن القرآن لم يشر لوجود مثل هذه العادة كما لم يشر من جهة ثانية الى حادثة من هذا القبيل وقعت لأبي النبي، والمشكلة العويصة في هذه الرواية هي الشعر، فهو منظوم ركيك محال ضبطه وبالتالي من العبث شرح كلماته، وسبق لابن هشام أن واجه هذه المسألة حين أورد هذه القصة فحذف الشعر وقال: وبين أضعاف هذا الحديث رجز لم يصح عندنا عن أحد من أهل العلم بالشعر." فكما ترى، الرّوايات عن مولد محمد شديدة الغموض والتفرّد، بحيث لا توجد رواياتٌ أو أيّ أدلة أثرية تعضد هكذا أسطورة، ويبدو لي أنّ كلّ قصة الفداء هذه وضِعت لكي تهيء لظهور عبد الله، والّذي هو لقبٌ يعنى به "شخصٌ مجهول"، و الدليل هو أنّ ابن إسحاق نفسه ينقل في ص 29-28 رواية، و لاحظ كيْفية ورود تعبير "عبد الله" بحيث يبدو وكأنّ ابن إسحاق يلمّح إلى أنّ اسم عبد الله بحدِّ ذاته يعني شخصٌ مجهول، عن "أبي بكر أنه قال: كنت امرءًا تاجرًا، فسلكت ثنيه في سفر لي، فإذا رجل منها يقول: أتؤمني أؤمنك؟ فقلت: نعم، فقال: أدنه، فأتيته، فإذا هو نهيش قد أنْيَبَته حيه أصابته، فقال: يا عبد الله هل أنت مبلغي إلي أهلي ها هنا، تحت هذه الثنية؟ فقلت: نعم، فاحتملته على بعيري، فأتيت به على أهله، فقال لي رجل من القوم: يا عبد الله ممن أنت؟ فقلت: رجل من قريش، فقال: والله إني لأظنك مصنوعًا لك، والله ما كان لص أعدى منه." في هذه الرّواية، و الّتي تبدو لي مبهمة و غير واضحة المدلول، لا تبدو ذات معنى إلاّ أن يكون ابن إسحاق قصد منها متعمّدا إرسال رسائل مشفّرة توحي للقارئ الخبير بأنّ اسم "عبد الله" له مدلول آخر غير الاسم، وهو أنّ كلّ شخصٍ مجهول هو ضِمنيّا عبدٌ من عباد الله، كالحديث: "إنَّ المَلائِكَةَ يَرْفَعُونَ عَمَلَ العَبْدِ مِن عِبادِ اللَّهِ فَيُكْثِرُونَهُ ويُزَكُّونَهُ حَتّى يَنْتَهُوا بِهِ حَيْثُ شاءَ اللَّهُ مِن سُلْطانِهِ" و الحديث: "كانَ عَبْدٌ مِن عَبّادِ اللهِ آتاهُ اللهُ مالًا ووَلَدًا، فَذَهَبَ مِن عُمُرِهِ عُمُرٌ" و يُنقَل عن ابن عمر قوله: "ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكنِّي عبدٌ من عباد الله، أرجو الله تعالى وأخافه" والآن لنرى من هو عبد الله بن عبد المطّلب، وما هي أسرار علاقته بآمنة بنت وهب وتفاصيل أخرى قد تبدو مشوّشة في البداية، لكنها ستظهر بوضوح أكثر في الاستنتاج. عبد المطّلب، عبد الله، آمنة ونساءٌ أخريات هنا نصل إلى القِسم المشوّق من القصة، فالرواية المطوّلة لابن إسحاق عن نذر عبد المطّلب وإنقاذ عبد الله ابنه بـ130 ناقة وكلّ ما صاحبها من أشعار وأبيات، تبقى ناقصة و غير مكتملة بدون الروايات التالية و الّتي تبدو أيضا غير مكتملة و ناقِصة و بلا معنى بدون وضعها كتتمّة لقصة النّذر. الرواية تنتهي بزواج عبد الله من آمنة، كما يروي ابن إسحاق: "حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: نا يونس، عن ابن إسحق قال: ثم انصرف عبد المطلب آخذًا بيد عبد الله، فمر به- فيما يزعمون- على امرأة من بني أسد ابن عبد العزى بن قصي، وهي عند الكعبة، فقالت له حين نظرت إلى وجهه- فيما يذكرون-: أين تذهب يا عبد الله؟ قال: مع أبي؛ قالت: لك عندي مثل الإبل التي نحرت عنك، وقع علي الآن، فقال: إن معي أبي الآن، ولا أستطيع خلافه ولا فراقه، ولا أريد أن أعصيه شيئًا فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة- ووهب يومئذ سيد بني زهرة نسبًا وشرفًا- فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبًا وموضعًا، وهي لبرة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، وأم برة: أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي، وأم حبيب بنت أسد لبرة بنت عوف بن عبيد بن كعب بن لؤي."" والملاحظ أنّ المرأة لم يتمّ تسميتها وإنّما تخبرنا الرواية فقط بأنّها من "بني أسد ابن عبد العزى بن قصي"، وسنرى كيف أنّ الروايات تختلف في هويّة هذه المرأة وأنّ هناك لغزا وراء صلتها ببني أسد بن عبد العزّى. ابن أسحاق نفسه يأتي بروايةٍ اكثر اختزالا من هذه الرواية التي تشير، على الأقل، إلى البطن أو القبيلة الّتي كانت هذه المرأة تنتمي إليها. لكن، لننظر أولا كيف أن العلاقة بين عبد الله بن عبد المطلب وآمنة بنت وهب، وفقاً للروايات، لم تكن علاقة حبٍّ أو إعجاب متبادل، بل مجرّد زواجٍ مصلحي أو مصاهرة قبليّة إنّ صحّ وجود هكذا زواج أصلا، وهنا يقول ابن إسحاق: "فذكروا أنه دخل عليها حين ملكها مكانه، فوقع عليها عبد الله، فحملت برسول الله ﷺ، فخرج من عندها حتى أتى المرأة التي قالت له ما قالت، وهي أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وهي في مجلسها، فجلس إليها، وقال: ما لك لا تعرضين علي اليوم مثل الذي عرضت عليّ أمس؟ قالت: فارقك النور الذي كان فيك، فليس لي بك اليوم حاجة" الغريب، أنّ هناك رواية ينقلها البلاذري في أنساب الأشراف ج 10 ص 271 تنصّ على وجود عداوة بين بني عبد مناف وبني زهرة، وإليك الرواية: "قالُوا: وكانَ أمية بْن عَبْدِ شمس بْن عَبْدِ مَناف رجلا جميلا، وكانَ طريقه عَلى منزل وهب بْن عَبْد مَناف بْن زهرة بْن كلاب، وكانت لوهب قينتان فكره وهب ممره عَلى رحله فنهاه عَن ذَلِكَ فأبى فضربه وهب بالسيف عَلى اليته فَقالَ: مهلا أمي فإن البغي منقصة … لا يكسبنك يوما شره ذكر فنفرت لِذَلِكَ بنو عبد مَناف بْن قصي، والمطلب بْن عَبْدِ مَناف يومئذ حي، فغضب لابن أخيه، فأجمعوا عَلى إخراج بني زهرة من مَكَّة، فعزم بنو زهرة عَلى الرحلة، فبينا هم عَلى ذَلِكَ إذ صاح صائح من دار عدي بْن قَيْس وكانَ سيدا عزيزا: ألا إن الركب مقيم أصبح ليل. فقالت بنو عبد مَناف: من الصارخ؟ قيل: عدي بْن قَيْس بْن عدي، وكانَ فِي سهم ثروة وعدد ومنعة فاجتمع بنو عبد مَناف إلى المطلب بْن عَبْدِ مَناف بأسفل مَكَّة وتجمعت بنو سهم وبنو زهرة، فعرف بنو زهرة أنهم ممنوعون، وكانَ أمية حليما، فلما رأى ذَلِكَ أتى عمه المطلب فَقالَ: يا عماه قد وهبت الضربة لبني عمي فاصطلحوا، وهَذا اليَوْم يسمى يَوْم عز الركب، ويوم الصلح فَقالَ عَبْد اللَّهِ بْن الز بعرى: نحن منعنا من الإجلاء إخوتنا … لما أنخت مطايا القوم حالينا لما رأوا مكفهرا لا كفاء لَهُ … من شر سهم وناداهم منادينا بأن أقيموا وأصبح ليل إن لنا … أمرا سيكفيهم منا ويكفينا." فهل لهذه القصّة علاقة أو شبه بخطبة عبد المطلب لنفسه ولابنه عبد الله بنتين من بيت بني زهرة؟ الاحتمال الأول هو أن عبد المطّلب أراد فعلا أن يُحَسّن علاقة قومه ببني زهرة على أساس هذا الزواج، والاحتمال الثاني هو أنّ لأصل القصة سردية مختلفة وأنه قد تم تحويرها بحيث تصبح الشخصية المعنية بالعداوة بين بني عبد مناف وبني زهرة هو أُميّة بن عبد شمس بن عبد مناف وليس شخصا آخر. الاحتمال الوارد هو أنّ عبد الله هو شخصية خرافية لا وجود لها وأنّ عبد المطلب ربّما كان هو في الحقيقة من تسبّب في العداوة، وأنّ آمنة حبلت منه وأنّه كترضيةٍ لأبيها وهب، وفي بعض الروايات عمّها وهيب، قام بخطبة ابنة وهيب -هالة- وبتبنّي الطفل محمّد الّذي كان فعلا يسمّى "محمد بن عبد المطلب". إنّ تناقض الروايات في سرد الأسماء، واسم المرأة الّتي عرضت نفسها على عبد الله بن عبد المطلب واختلاف كُتّاب السيَر والمؤرخين المسلمين في هويتها ربّما تمّ بشكل متعمّد لتسهيل تغيير رواية سائدة في فترة من الزمن كانت هي الرواية الرسمية. من المهم أن نُعَرِّف القارئ هنا أنّ للمرأة الّتي عَرضت نفسها على عبد الله لها نسبٌ يتّصل بعائلةٍ كانت لها دعوى لشرعيّتها في الخلافة أثناء صراع الصّحابة على خلافة محمّد، إذ كان عليٌّ ومعسكره في العِراق في مواجهة بني أميّة في الشّام، ولاحقاً سيدخل آل الزّبير بن العوّام في هذا الصّراع متّخذين مكّة والحجاز قاعدة لدعوتهم. فلننظر في نسب عبد الله بن الزبير بن العوام كما ورد في معجم الصحابة للبغوي ج 3 ص 514: "سمعت أبا بكر بن زنجويه يقول: أبو خبيب عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي." لاحظ معي أنّ ابن إسحاق، كما رأينا، أخبرنا أن المرأة الّتي عرضت نفسها على عبد الله بن عبد المطلب هي من "بني أسد ابن عبد العزى بن قصي". يبدو أنّ الزبيريين كانوا بالفعل مقتنعين أنّهم ورثة النبي محمّد لأننا يجب ألا ننسى أنّ خديجة بنت خويلد هي عمّة الزّبير بن العوّام بن خويلد لأن خديجة والعوّام كلاهما من أبناء خويلد، وأنّ كون أسماء بنت أبي بكر –زوجة الزّبير وأمّ ابنه عبد الله—وعائشة بنت أبي بكر شقيقتين زاد من قناعة الزبيريين بفرصتهم للخلافة لأنّ عائشة كانت زوجة محمّد وأمّ المؤمنين. عند استكشافنا لهذه الأنساب، نستطيع الوصول إلى مغزى قصّة النّور الّذي كان في وجه عبد الله بن عبد المطلب قبل جماعه لآمنة بنت وهب ولماذا كانت المرأة الّتي أرادت عبد الله أن يقع عليها قد تمّ ربط نسبها تحديدا بـ"بني أسد بن عبد العزّى" لإيصال فكرة أنّ النور الإلهي وشرعية النبوة إنّما هي في بني هاشم، العبّاس وعلي تحديداً كممثّلين لهذا المعسكر، حيث ينتقل النور من عبد الله إلى محمد وآل عليّ من خلال فاطمة. وإذا استمرّينا في قراءة سردية ابن إسحاق، نجد أنّه بالفعل يؤكّد على هذه النتيجة المتحصلة من أحقّية بني هاشم وأنّ نسلَ محمّد هم ورثة هذا "النور الإلهي" حيث يقول: " حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكانت- فيما ذكروا، تسمع من أخيها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصر واتبع الكتب- يقول: أنه لكائن في هذه الأمة نبي من بني إسماعيل، فقالت في ذلك شعرًا، واسمها أم قبال ابنة نوفل بن أسد-" فمؤلّف الرواية هنا يريد أن يركّز على أنها –المرأة الأسديّة—كانت تريد أن تكون هي حاملة هذا السرّ الإلهي وأنّ أخاها ورقة، المتبحّر في الكتاب المقدّس، أخبرها أن هناك نبيّا سيظهر من نسل إسماعيل. لكن، حسب ابن إسحاق، فإنّ المشيئة الإلهية وضعت الطفل في رحم آمنة ويضيف بعض أبيات للمرأة الّتي يسمّيها "أمّ قبال": " الآن وقد ضيعت ما كنت قادرًا … عليه وفارقك الذي كان جابكًا غدوت علي حافلًا قد بذلته … هناك لغيري فالحقن بشأنكا ولا تحسبني اليوم جلوا وليتني … أصبت حبيبًا منك يا عبد داركا ولكن ذا كم صار في آل زهرة … به يدعم الله البرية ناسكًا" ويضيف ابن إسحاق أنّ عبد الله ردّ على شعرها ببضعة أبيات وأنها أجابته بالأبيات التالية: " عليك بآل زهرة حيث كانوا … وآمنة التي حملت غلاما يرى المهدي حين يرى … عليه نور قد تقدمه أماما فيمنع كل محصنة خريد … إذا ما كان مرتديًا حساما وتخفره الشمال وبان منها … رياح الجدب تحسبه قتاما فأنجبه ابن هاشم غير شك … وأدته كريمته هماما فكل الخلق يرجوه جميعًا … يسود الناس مهتديا إماما" ومرّة أخرى، هناك رواية أخرى منقولة عن ابن إسحاق ص 44 في أسطورة نور النبوّة هذا فيقول: " حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير، عن ابن إسحق قال: حدثني والدي إسحق بن يسار قال: حدثت أنه كان لعبد الله بن عبد المطلب امرأة مع آمنة ابنة وهب بن عبد مناف، فمر بامرأته تلك، وقد أصابه أثر طين عمل به، فدعاها إلى نفسه، فأبطأت عليه لما رأت به أثر الطين، فدخل فغسل عنه أثر الطين، ثم دخل عامدًا إلى آمنة، ثم دعته صاحبته التي كان أراد إلى نفسها، فأبى للذي صنعت به أول مرة، فدخل على آمنة فأصابها، ثم خرج فدعاها إلى نفسه، فقالت: لا حاجة لي بك، مررت بي وبين عينيك غرة، فرجوت أن أصيبها منك، فلما دخلت على آمنة، ذهبت بها منك." فالفكرة مكرّرة هنا وإن كان بصيغة مختلفة لكن ربّما كانت هذه الرواية واحدةً من إبداعات ابن إسحاق في تطوير القصّة الأسطورية، وهي طبيعة المؤلّفين عبر العصور، وهي أنّ الفكرة بحدّ ذاتها تتغيّر مع مجيء المؤلف بأفكارٍ جديدة، وقد لاحظنا احتمالاً مشابهاً في قصص حلّ الخلاف والتنازع بين عبد المطلب وقريش حول "زمزم". فعبد الله بن عبد المطلب هنا يبدو مهووساً بالجنس، ربّما لأنّ هذا النور الإلهي يقوّي الرغبة الجنسية لإيصال النطفة المراد لها حملّ النور إلى رحمٍ محدّد ليأتي للوجود. وبعد أن يذكر ابن إسحاق أنّ أمّه آمنة حملت به وتمّ إخبارها، وفي بعض الروايات رأت في الحلم، أنّ نورا يخرج منها يملأ قصور بصرى من أرض الشّام، يأتي للفقرة الّتي يقول فيها: " فلما وضعته، بعثت إلى عبد المطلب جاريتها- وقد هلك أبوه عبد الله وهي حبلى، ويقال أن عبد الله هلك والنبي ﷺ ابن ثمانية وعشرين شهرًا، فالله أعلم أي ذلك كان- فقالت: قد ولد لك الليلة غلام فانظر إليه، فلما جاءها، أخبرته خبره، وحدثته بما رأت حين حملت به، وما قيل لها فيه، وما أمرت أن تسميه، فأخذه عبد المطلب فأدخله على هبل في جوف الكعبة، فقام عبد المطلب يدعو الله، ويشكر الله الذي أعطاه إياه" لاحظ معي تضارب وحتّى صيغة الشكّ في مولد محمد فيقول أنه هلك وهي حبلى، ثمّ يضيف كلمة "يُقال" أن عبد الله " هلك والنبي ﷺ ابن ثمانية وعشرين شهرًا" ولكي يبعد عن نفسه أيّ تهمة يقول " فالله أعلم أي ذلك كان". لكن لنقف ها هنا ولننظر لموقف الفقهاء من مدّة حمل المرأة. الحمل ومُدّته في الفقه السّنّي فلننظر الآن في موقف الفقه السّنّي في مدّة الحمل وسنعتمد كتبا حديثة وقديمة للفقه وبالتالي نبني طرحنا هنا على قاعدةٍ أكثر متانة ومدعومة باستدلال أقوى. فطول مدّة حمل المرأة عند السّنة إنما هو أطول من الحمل الطبيعي المُثبَت علميّاً بسبب اطلاعهم على إشكاليات مولد نبي الإسلام بعد وفاة أبيه بسنوات، وسنرى كيف أنّ أمّه احتفظت به ثمّ سلّمته للرّضع، إذ يبدو احتمالا وارداً أنّ الله لم يبارك في حليبها وإرضاعها له وكان لذلك صعبا عليها أن تربّيه، أو أنها كرهته أو رأت فيه نوعا من النّحس كما يرى العفيف الأخضر في كتابه من "محمّد الإيمان إلى محمّد التاريخ" ص 42. المصدر الفقهي الأول الّذي سنرجع إليه هو الموسوعة الفقهية الصادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الدّينية في دولة الكويت الصّادر 1992 م 1410 هـ ط 2. حيث تقول الموسوعة ما يلي: " اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ فِي تَحْدِيدِ أكْثَرِ مُدَّةِ الحَمْل، فَقال الشّافِعِيَّةُ وهُوَ ظاهِرُ المَذْهَبِ عِنْدَ الحَنابِلَةِ وقَوْلٌ عِنْدَ المالِكِيَّةِ: إنَّ أكْثَرَ مُدَّةِ الحَمْل أرْبَعُ سِنِينَ، لِقَوْل مالِكِ بْنِ أنَسٍ: «هَذِهِ جارَتُنا امْرَأةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ امْرَأةُ صِدْقٍ، وزَوْجُها رَجُل صِدْقٍ حَمَلَتْ ثَلاَثَةَ أبْطُنٍ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً كُل بَطْنٍ فِي أرْبَعِ سِنِينَ» وما لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ يُرْجَعُ فِيهِ إلى الوُجُودِ، وقَدْ حَكى أبُو الخَطّابِ أنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعَ سِنِينَ وهَكَذا إبْراهِيمُ بْنُ نَجِيحٍ العُقَيْلِيُّ، وإذا تَقَرَّرَ وُجُودُهُ وجَبَ أنْ يُحْكَمَ بِهِ. ولأِنَّ عُمَرَ ضَرَبَ لاِمْرَأةِ المَفْقُودِ أرْبَعَ سِنِينَ ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلاَّ لأِنَّهُ غايَةُ الحَمْل. وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمانَ وعَلِيٍّ وغَيْرِهِما." وتحيلنا الموسوعة في استدلالاتها الفقهية إلى مغني المحتاج الجزء 3 ص 373-380 والمغني لابن قدامة جزء 7 ص 477 وبداية المجتهد جزء 2 ص 372. ثمّ تضيف الموسوعة قائلة: "وقال الحَنَفِيَّةُ، وهُوَ رِوايَةٌ عَنْ أحْمَدَ: إنَّ أقْصى مُدَّةِ الحَمْل سَنَتانِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عائِشَةَ وهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ، لِما رُوِيَ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: ما تَزِيدُ المَرْأةُ فِي الحَمْل عَلى سَنَتَيْنِ ولاَ قَدْرَ ما يَتَحَوَّل ظِل عُودِ المِغْزَل [الأثر عن عائشة: «ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين ولا…» أخرجه البيهقي (7 / 443 - ط دائرة المعارف العثمانية] وذَلِكَ لاَ يُعْرَفُ إلاَّ تَوْقِيفًا، إذْ لَيْسَ لِلْعَقْل فِيهِ مَجالٌ، فَكَأنَّها رَوَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. والمَشْهُورُ عَنْ مالِكٍ أنَّ أقْصى مُدَّةِ الحَمْل خَمْسُ سِنِينَ." وتحيلنا الموسوعة بهذا الخصوص إلى المصادر التالية: الاختيار الجزء 3 ص 179 وابن عابدين جزء 2 ص 857 وبداية المجتهد جزء 2 ص 252 والمغني جزء 7 ص 477-480. ولنرجع إلى واحدٍ من كتب الفقه الكلاسيكية، البيان في مذهب الإمام الشّافعي أبي الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني الشّافعي اليمني المتوفّي 558 هـ في المجلد 11 ص 11-13 حيث يقول: "وأما أكثر مدة الحمل: فاختلف الناس فيه على أربعة مذاهب: فمذهبنا: أن أكثر مدة الحمل أربع سنين. وذهب الزهري، وربيعة، والليث إلى: أن أكثر مدة الحمل سبع سنين. وذهب الأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة، وعثمان البتي إلى: أن أكثر مدة الحمل سنتان، وروي ذلك عن عائشة. وعن مالك ثلاث روايات: إحداهن: كقولنا. والثانية: كقول الزهري، وهو الصحيح عنه. والثالثة: كقول أبي حنيفة. والرابعة: ذهب أبو عبيد إلى: أنه لا حد لأكثره. دليلنا: أن كل ما ورد به الشرع مطلقا وليس له حد في اللغة ولا في الشرع.. كان المرجع في حده إلى الوجود، وقد ثبت الوجود فيما قلناه. قال الشافعي: (ولد ابن عجلان لأربع سنين). ومثل الشافعي لا يقول هذا إلا بعد أن علمه. وروي: أنه قيل لمالك حديث جميلة بنت سعد عن عائشة أنها قالت: (لا تزيد المرأة عن السنتين في الحمل)، فقال مالك: سبحان الله! من يروي هذا؟ هذه جارتنا امرأة عجلان، حملت ثلاث بطون، كل بطن يبقى الحمل في جوفها أربع سنين! هكذا ذكر الشيخ أبو حامد. وأما الشيخ أبو إسحاق: فقال: امرأة محمد بن عجلان. وروى حماد بن سلمة، عن علي بن زيد: أن سعيد بن المسيب أراه رجلا، وقال: إن أبا هذا غاب عن أمه أربع سنين، ثم عاد وقد ولد هذا وله ثنايا. وذكر القتيبي: أن هرم بن حيان حملته أمه أربع سنين. وكذلك منصور بن ريان، ومحمد بن عبد الله بن جبير، وإبراهيم بن أبي نجيح ولدوا لأربع سنين، وإذا وجد ذلك عاما.. وجب المصير إليه. فإن قيل: فقد روى سليمان بن عباد بن العوام قال: كان عندنا بواسط امرأة بقي الحمل في جوفها خمس سنين، ثم ولدت غلاما له شعر إلى منكبيه، فمر به طائر، فقال له: إش! وقال الزهري: وجد حمل لسبع سنين. قلنا: لم يثبت هذا متكررا، فدل على بطلانه، وما رويناه قد ثبت متكررا." حقيقةً، لم أجِد نصّا صريحا وقويا في التصريح بأنّ الحمل قد يزيد عن الحدّ الطبيعي بسنوات أقوى من هذا النصّ، خصوصا وأنّه كحال أيّ كتاب دينيّ يعتمد الروايات والقيل والقال، وهو ما يجب ألا نستغرب له من بيئة كانت لا تعرف شيئا عن الدّليل والاستدلال العلمي، بل كانت كلّ مدرسةٍ من هذه المدارس الفقهية تعني برواياتها، وبالتالي عندما تصلهم روايةٌ تقول مثلا أنّ محمّدا ولِد بعد وفاةِ أبيه بـ4 سنوات، لا يمكن لأحدٍ أن يجرؤ على القول أن عبد الله بن عبد المطلب يستحيل أن يكون هو الأب في هذه الحالة للأسباب العلميّة التي شرحناها. ولم يكن الحلّ عند هؤلاء أن يقولوا أن محمّدا وحده اختصّ بالبقاء في بطن أمّه لمدّة طويلة، كما فعل المسيحيون –ومن بعدهم المسلمون—مع ولادة يسوع الإعجازية فقالوا أنّ الله خلقه بدون أب. بل راحوا يتناقلون (روايات) عن زيادات مدّة حملٍ هنا وهناك لتبرير الروايات، الّتي بدت للفقهاء السنة قويّة وذات مدلولٍ كان له أكبر التأثير في دفع الفقهاء بهذا الاتجاه. مصدرٌ آخر، من الفقه الحنبلي (الوهّابي) نستدل به هنا، كزيادةٍ للتوثيق، هو كتاب "المُطْلِع على دقائق زاد المُسْتقنِع" تأليف عبد الكريم بن محمّد اللاحم المجلد 5 ط 1 لسنة 2010 ص 45-46: "وجه القول الأول بأن أكثر مدة الحمل أربع سنين: 1 - بأنه لم يرد في الشرع تحديد لأكثر مدة الحمل فيرجع فيها إلى الوجود وقد وجد من تحمل أربع سنوات فيعمل به ويوقف عنده؛ لأن الأصل عدم الزيادة فيوقف عندما وجد. 2 - أن الصحابة ضربوا لامرأة المفقود أربع سنوات وهذا يدل على أنها أكثر مدة الحمل. الجزء الثاني: توجيه القول الثاني: وجه القول بأن أكثر مدة الحمل سنتان ما ورد أن عائشة قالت: (لا تريد المرأة في الحمل على السنتين) [الحديث منقولٌ عن السنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 443] الجزء الثالث: توجيه القول الثالث: وجه القول بأنه لا حد لأكثر مدة الحمل: بأنها لم تحدد في الشرع فلا يجوز تحديدها من غير دليل." كما ترى، فإنّ هؤلاء القوم لا يعنون لا بكلام الأطباء ولا بالدليل المنطقي العلمي الّذي يستمدّ شرعيته من التجربة والمراقبة وتكرار التجارب. هذا الموقف الفقهي هو واضحٌ في أنّه يعاني من تناقض داخلي لسبب بسيط وهو علم هؤلاء أنّ التجربة ستثبت أنّ محمّد لم يكن ابن عبد الله بن عبد المطّلب. الهوامش: -كتاب السير والمغازي لمحمد بن إسحاق المطلبي – تحقيق الدكتور سهيل زكار ص 8. كتاب السير لابن إسحاق ص 23. أنظر: تاريخ الطبري ج 1 ص 501. كتاب السير لابن إسحاق ص 23. كتاب السير لابن إسحاق ص 25. كتاب السير لابن إسحاق ص 32. كتاب السير لابن إسحاق ص 28. كتاب السير لابن إسحاق ص 45. راجع المقال: https://www.mamamia.com.au/longest-human-pregnancy/ موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام: أحمد بن سليمان أيوب، ونخبة من الباحثين (2015) ج 8 ص 7. نفس المصدر. نفس المصدر ج 8 ص 7-8. نفس المصدر ج 8 ص 12. نفس المصدر ج 8 ص 8 و9 والاقتباس من الاستيعاب ج 1 ص 109. كتاب السير لابن إسحاق ص 34. مثل سورة مريم آية 83. الإخلاص والنيّة لابن أبي الدنيا ج 1 ص 46. المعجم الكبير للطبراني ج 19 ص 422. مواعظ الصحابة: عمر المقبل ج 1 ص 185. كتاب السير لابن إسحاق ص 42. ونقله البيهقي في دلائل النبوة مخرجا الجزء 1 ص 102 وابن كثير في البداية والنهاية ج 3 ص 348 والروض الآنف للسهيلي ج 2 ص 135. كتاب السير لابن إسحاق ص 42-43. أنساب الأشراف للبلاذري ج 10 ص 271-272. كتاب السير لابن إسحاق ص 43. المصدر نفسه. المصدر نفسه ص 45. الموسوعة الفقهية: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة دولة الكويت ج 18 ص 144-145. المصدر ذاته ص 145-146.
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب العالمية الثالثة –العراق—و تحليل دعبولي
-
تأمّلات في الإِسْلام و القرآن القسم الثاني في بحث دونية المر
...
-
العراق ... دور المرجعية الشيعية في مائة عام من الفشل
-
هل هناك نسويات إسلاميات؟ مغالطات في غرف النسوية على كلبهاوس
-
العراق من بعث السّنّة إلى بَعث الشّيعة – هل فقدت المراقد بري
...
-
تأمّلات في الإِسْلام و القرآن 3 هل قَتَلَ محمّد آل بيته؟
-
تأمّلات في الإِسْلام و القرآن 2 مُحَمّد و -نجاسة المُشْرك-!
-
أردوغان و الإسلام و إمبراطور الصّين العاري
-
تأمّلات في الإِسْلام و القرآن 1 محمّد و دونيّة المرأة في الإ
...
-
الإِسْلاَم: كارِثة طَويلة الأَمَدْ!
-
(نجاح و كريم و أبو فراس) و مشروع التنين الصّيني في العراق!
-
الجذور و الأصول الرافيدينية الفرعونية للإسلام: موسى و عيسى و
...
-
تاريخ الدّولة العثمانية من أرطغرل و حتى وفاة محمد الثاني 148
...
-
عبد الباري عطوان و هاني النقشبندي ... نماذج لمحامي الإرهاب ا
...
-
تعقيب على مقال حضرة القس فيلوباتير عزيز (الأهرام الجديد لم ت
...
-
مصر السيسي... و السقوط المدوّي
-
لمصلحة من يتم -صبغ- عملية التحرير بصبغة دينية؟
-
هل ينتهي الرئيس السيسي الى مصير -السادات-؟
-
الكاريكاتور و جنون اسمه الإسلام
-
المسمار الأخير في نعش المسيري... إنهيار المنظومة القومية – ا
...
المزيد.....
-
مدرج خورفكان بالشارقة كما لم تره من قبل..كيف بدا بالذكاء الا
...
-
بعد الاعتداء على مشجعين لمكابي تل أبيب.. الجيش الإسرائيلي يك
...
-
بوريل يزور أوكرانيا لبحث دعم كييف بعد فوز ترامب
-
-شبيغل-: هابك يعتزم خلافة شولتس في منصب مستشار ألمانيا
-
ترامب وإيران.. -سياسة الضغط الأقصى- تعود إلى الواجهة
-
بوتين يتهم تايوان بالاستفزاز لاستجداء دعم الغرب ويؤكد-تحالفن
...
-
ما هو سر اختيار ترامب لسوزي وايلز رئيسة لموظفي البيت الأبيض؟
...
-
مقتل وإصابة العشرات في ضربات روسية على خاركيف وأوديسا
-
تحذير أممي من -مجاعة وشيكة- تهدد مليونين من سكان راخين في مي
...
-
وزير خارجية إسرائيل يغادر -عاجلا- إلى أمستردام
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|