أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر جابر الجمَّال - مذكرات السيد حافظ والتقنيات الفنية .















المزيد.....



مذكرات السيد حافظ والتقنيات الفنية .


ياسر جابر الجمَّال
كاتب وباحث

(Yasser Gaber Elgammal)


الحوار المتمدن-العدد: 7517 - 2023 / 2 / 9 - 16:47
المحور: الادب والفن
    


لا شك أن الجزء الفني من أي دراسة ينهض على قضايا متعددة، تساهم بصورة أو بأخرى في قيمة العمل الأدبي، ومن ذلك التقنيات المعاصرة المتعلقة بالكتابات السردية كالرواية والسيرة الذاتية، وسرد الرواية ورواية السرد، والمذكرات ، ويأتي على قائمة هذه التقنيات قضية الأسلوب .
الأسلوب :
الأسلوب هو ذاك النمط الكتابي الذي يسير المؤلف وفقه على أمتداد عمله أي كان؛ وهو في النهاية لا يخرج عن نمطي القسمة العقلية للأسلوب ، بين الخبري والإنشائي، ونحن في هذه الجزئية نركز على الأسلوب كونه تقنية داعمة وبصورة مباشرة العمل الإبداعي الذي ينجزه الكاتب؛ لذلك كانت الأهتمامات به منذ العصور القديمة، وفي ذلك يقول : يقول "ارسطو" : "حقا لو إننا نستطيع أن نستجيب إلى الصواب، ونرعى الأمانة من حيث هي لما كانت لنا حاجة إلى الأسلوب ومقتضياته، لكن علينا أن لا نعتمد في الدفاع عن رأينا على شيء سوى البرهنة على الحقيقة، ولكن كثيرا ممن يصغون إلى براهيننا يتأثرون بمشاعرهم أكثر مما يتأثرون بعقولهم، فهم في حاجة إلى وسائل الأسلوب أكثر من حاجتهم إلى الحجّة."( )
وقد أسس العلماء العرب لقضية الأسلوب بصورة دقيقة، ومن ذبك يقول ابن منظور:" يقال للسطر من النخيل: أسلوب، وكل طريق ممتد فهو أسلوب, والأسلوب: الطريق والوجه والمذهب"( )
ومن كلام ابن منظور يتضح أهمية الأسلوب، ومدى دوره في السياق الكلامي، والدلالة المعرفية .
يقول ابن قتيبة : "... والشاعر المجيد من سلك هذه الأساليب، وعدل بين هذه الأقسام، فلم يجعل واحدا منها أغلب على الشعر، ولم يطل فيملّ السامعين، ولم يقطعْ وبالنفوس ظمأ إلى المزيد"( )
ويرى القاضي علي بن عبد العزيز "إن اختلاف القوم في نظم أشعارهم إنما هو نابع من اختلاف طبائعهم, وتركيب خلقهم "( )
ومن ذلك يمكننا القول إن الأساليب تختلف باختلاف القضايا المتناولة؛ لذلك "فإن المدح بالشجاعة والبأس يتميز عن المدح باللباقة والظرف, ووصف الحرب والسلاح ليس كوصف المجلس والمدام, فلكل واحد من الأمرين نهج هو أملك به, وطريق لا يشاركه الآخر فيه"( )
وحديثًا فإن الأسلوب هو "الصورة اللفظية التي يعبّر بها عن المعنى, أو نظم الكلام وتأليفه لأداء الأفكار، وعرض الخيال، أو هو العبارات اللفظية المنسقة لأداء المعاني"( )
اعتمد الكاتب أسلوبًا تقريرًا معتمد ًاعلى سرد حقائق وقعت معه في أوقات متفرقة،وأماكن متعدد، وهو بذلك بعيد عن الأسلوب الإنشائي إلا في القيليل النادر على مدار المذكرات ، ومن ذلك قوله :" غدا عيد ميلادي وبكل أسف لم أجد غلاف مجلة ثقافية عربية أو مصرية يذكر الناس بي؛ لأن الغالبية العظمى من رؤساء تحرير المجلات الثقافية - ليس كلهم- من أنصاف المواهب ومحدودي الفكر. ومحدودي الإبداع، أي على رأي "يوسف إدريس" البين بين، نحن بلد البين بين، تحب البين بين، أنا أحب مصر وأحب الوطن العربي، مصر ستبقى وستحارب المبدعين من أولادها وتنفيهم ثم تتذكرهم بعد أجيال"( ).
وهذا الأسلوب على امتداد المذكرات ،وكافة القضايا، هو تقرير الحقائق ، وبثها في قالب أدبي يتخلله بعض النقاط الإنشائية، وهذا يتناسب مع المقام التقريري والمقام الأدبي في سرد الوقائع .
الراوي :
الراوي في العمل السردي هو الأساس الذي ينهض عليه العمل الأدبي، فقد يكون هو بطل ذلك العمل، وفي هذه الحالة تكون سيرة ذاتية ، وقد يكون غير البطل، وهنا يطلق عليها سيرة غيرية، أو قد يكون الراوي مشاركًا في جل الأحداث أو صانعًا لها أو جزء منها، وفي كافة الأحوال فإم الراوي في الكتابة الأدبية دوره محوري ، ومؤسس عليه تقنيات متعددة، ومتنوعة، يقول "محمد عزام":" تتشكل البنية السردية للخطاب من تضافر ثلاثة مكونات هي: الراوي، والمروي، والمروي له. فـ (الراوي) هو الشخص الذي يروي الحكاية أو يُخبر عنها، سواء كانت حقيقة أم متخيّلة. ولا يُشترط فيه أن يكون اسماً متعيّناً، فقد يتقنّع بضمير ما، أو يُرمزلـه بحرف. و(المروي) هو كل ما يصدر عن الراوي، وينتظم لتشكيل مجموع من الأحداث تقترن بأشخاص، ويؤطرها فضاء من الزمان والمكان. وأما (المروي له) فهو الذي يتلقى ما يرسله الراوي."( )
و الراوي في هذه المذكرات حاضر ومشارك في الأحداث وجزء منها؛ صانعها في أغلب الأوقات، فهو يسرد ما حدث معه مشفوعًا ببيان الموقف منه، وكثيرًا ما يقول حدث معي كذا، فعل فلان كذا، تعرضت لكذا، ويسوق الأمثلة بذكر الشخصيات الأخرى المشاركة في الموقف وبيان مدى دورها فيه.
فالراو ي في المذكرات حاضر ومشارك في صناعتها ، فكثيرًا ما يسرد "السيد حافظ" مواقًفًا فيقول : تعرضت لكذا ، فعل معي كذا ، والأمثلة على ذلك كثيرة بين الشخصيات الجميلة في حياتي، والشخصيات السيئة،كقوله تحت عنوان: (حكاية كتابى الثالث كبرياء التفاهة فى بلاد اللا معنى) :" في هذه الحلقة سأتحدث عن كتابي الثالث الذي طبع عام 1970م أثناء تواجدي بالقاهرة في كلية دار العلوم، كنت قد التحقت بكلية دار العلوم كي أذهب وأقيم بالقاهرة وخاصة أن أخي الأكبر الأديب الكبير "محمد حافظ رجب" أخذني معه إلى القاهرة في عامي 1966م و1968م، قابلت الأدباء والشعراء "الأبنودي" و"يحيى الطاهر عبد الله " و"إبراهيم أصلان" و"إبراهيم منصور" و"إبراهيم فتحي" و"نجيب محفوظ" . في هذا الجو العظيم كانت القاهرة سحرا جميلا "( )
وغير ذلك من المقاطع على امتداد المذكرات التي تؤكد هذه الرؤية حول الراوي.
الفضاء الزماني :
يرى "جيرار جيت" :" أن الزمن الروائى يرتكز على مظهرين رئيسين هما: زمن الشئ المروى - زمن القصة - وزمن الحكى ويقصد به زمن الخطاب"( )
ويؤكد "تدروف" :" أن زمن الخطاب خطى ولا يمكنه أبداً أن يكون موازياً أو متطابقاً مع زمن القصة الذى هو متعدد"( )
وهكذا نجد أنفسنا أمام زمانين في العمل الروائي أو المذكرات، الزمن الأول هو زمن الأحداث (زمن القصة)، ومن السرد( الحكي)، والزمن الأول يكون ممتد، وففي فترات متباعدة أو مختلفة بخلاف الزمن الثاني، زمن السرد والحكي فهو مكتنز أو زمن مختصر يجمع كثيرًا من الأحداث في فترة موجزة، معتمدمًا على التكثيف والضغط المعلوماتي والفكري، وهو بذلك لا يمكن أن يكون موازيًا للزمن الأول ، زمن الأحداث الحقيقية؛ لذلك جاءت به عديد من التقنيات الفنية كالآتي:
تقنية الحذف :
الحذف من التقنيات المهمة في العمل السردي ، فهو بمثابة اسقاط فترات زمنية معينة، وهذا الحذف قد يكون متعمدًا أو غير متعمد ، هذا ما يحدده الراوي، وربما يكون محدد أو غير محدد، ولذلك " يستخدم "الحذف" مع "الخلاصة" فى تسريع وتيرة السرد ؛ وذلك بإسقاط فترة طويلة أو قصيرة من زمن القصة بأقل إشارة أو دون إشارة فى بعض الأحيان و"الحذف" عند "جينيت" نوعان؛ الأول هو "الحذف المحدد" وفيه يجرى تعيين المدة المحذوفة من زمن القصة، وأما الثانى فهو "الحذف غير المحدد" فتكون المدة المسكوت عنها مبهمة ومدتها غير محددة يصعب التكهن بالمدة الزمنية التى تم اسقاطها من زمن القصة"( )
يقول "السيد حافظ" :" سن عشرة إلى عشرين بدأت حياتي تتغير عندما شاهدت فيلم (بداية ونهاية) شدني الكاتب الكبير "نجيب محفوظ" عشت في جلبابه بعضا من الوقت"( ).
فقد حذف الكتاب سنوات عديدة معتدمًا على الاختزال الزمني للأحداث، وهو بذلك يستخدم تقنية الحذف السردي .
الوقفة:
وفيها يحاول الكاتب تمديد الحدث من خلال الاسطراد في نقطة معينة كما يقول "السيد حافظ": " حاولت أن أنهض بوطني لأني أؤمن بالفقراء، أنا اشتراكي النزعة، أرى الإسلام اشتراكي، ومحمد - عليه الصلاة والسلام - النبي الوحيد الذي قسم بين المهاجرين والأنصار في البيوت والطعام حتى الزوجات، هو الاشتراكي الأول في التاريخ.. هذا شيء عبقري يجب أن نقف أمامه كثيرا لذلك أحببت الاشتراكية والمساواة والعدالة الاجتماعية واحببت عبد الناصر لأنه نصير الفقراء وعشقته . لذلك في سن عشرة حتى عشرين كانت فترة معذبة بالنسبة لي. ( )
الاستقبال:
الاستقبال هو تقنية يعمد فيها الكاتب إلى استقبال وتوقع أحداثًا تقع في المستبقل، وهي تقنية تعمد على النظرية المستقبلية والتوقع الناتج عن قراءة واعية للواقع ، والسيد حافظ اعتمد على هذه التقنية في مذكراته، ومن ذلك قوله " . ثم فوجئت برسالة بها قصيدة من شاعر شاب من الإمارات يسمى " حبيب الصايغ" – رحمه الله – هو من قامات الشعراء واختلفنا حول القصيدة لأني نشرتها مرتان: أحدهما في مجلة (البيان) لـ"سليمان الشيخ"، والأخرى في جريدة (السياسة)، سألني يومها "سليمان الخليفي" الكاتب الكبير الآن والقاص والشاعر الكويتي من هو "حبيب الصايغ " والكلام الفارغ المكتوب فقلت له سوف يكون له شأنا عظيما وهو ما حدث بالفعل.. وهو قدَّر ذلك( ).
الاسترجاع :
يقول "السيد حافظ" مسترجعًا ذكرياته المؤلمة :" من عشرين لثلاثين بدأت المعاناة . معاناة النشر معاناة الكتابة معاناة الوجع معاناة أن اكتشف في القاهرة القاسية القلب على أبناءها وعلى فنانيها وعلى مبدعيها، شاهدتهم يسخرون من "يحيى الطاهرعبد الله" في مقهى وادي النيل وفي مقهى ريش، شاهدتم و يسخرون من بهاء طاهر لأنه مذيع مهذب. شاهدتهم وهم يسخرون من عبد العال الحمامصي. شاهدتهم وهم يسخرون من أخي ويضربونه تحت الحزام حتى يسقط. شاهدت قبح المثقفين حتى صرت شبه معقدا . ولكني قررت أن اقاوم واصير فنانا وكاتبا رغم كل الظروف".( )
دائمًا ما يسترجع "السيد حافظ" الأحداث بذكر عيد ميلاده على مدار ممتد من المذكرات، فيقول تحت عنوان (10) يوم ميلادي ومشوار حياة " اليوم عيد ميلادي الثالث والسبعين. ثلاثة وسبعون عاما فيها العشر سنوات الاولى من عمري من ميلادي في محرم بك بالإسكندرية، لم أذق فيها طعم الطفولة؛ فقد ولدت رجلا، شدني أبي من يدي للعمل معه، كان يملك ثلاث محلات في شارع شكور، وكان يحتاج إلى من يساعده، هرب أخي "محمد حافظ رجب" الكاتب العظيم، هرب ليحقق أحلامه، هرب من جلباب أبي ووظيفة أبي والتجارة إلى أحلامه والكتابة والإبداع الجميل. شدني أبي من يدي وأنا طفل فمن سن ميلادي وحتى عشر سنين لا أتذكر أني لعبت في الشارع والحارة.( )
المشهد:
يعمد الكاتب في مذكراته إلى تقنية المشهد، وهو" المقطع الحوارى بين الشخصيات الذى يرد فى ثنايا السرد، وهو كتقنية زمنية يمثل اللحظة التى يكاد يتطابق فيها زمن السرد بزمن القصة من حيث مدة الاستغراق ذلك لأن الحوار المباشر بين الشخصيات يفضى إلى التوافق بين زمنى القصة والخطاب، فتبدو أحداث القصة وكأنها تجرى أمام عينى القارئ فى ذات الوقت الذى يقدمها له الخطاب فى شكلها الخطى مما يخلق لديه وهم التمثيل المباشر لما يحدث"( )
يقول السيد حافظ : "وفي إحدي الجلسات في الدوحة في قطر كان يجلس الكاتب المعروف "الراجعي" والإعلامي العظيم "محمد الجاسم" مدير قناة الجزيرة السابق ونخبة من المثقفين، فقال "الرجعي" لأصدقائه : هذا "السيد حافظ" والذي ما كتبه يوازي ما كُتب عنه من كتب. وهنا أقول في الحقيقة أن ما كتبته كثير جدًا من الكتب ولكن الله أعلم ما سيرتقي منها من كتب".( )
وفي موضع أخر يقول : "وفي أحد الأيام كان "منير فتح الله" ينزل من على سلم قصر ثقافة الحرية وكنت أصعد السلم نفسه، كان لا يعرفني ولا أعرفه فنادى علي أحد الشباب قائلا : انتظر يا "سيد حافظ" فإلتفت إلى "منير فتح الله " قائلا : من "السيد حافظ "؟
فقلت له: أنا !
فقال لي: أأنت من قمت بتأليف ( 6 رجال في المعتقل )؟!
فقلت له: نعم.. فاحتضنني.. لا أنسى هذا، كان حضن الأب وكنت شاب عندي 25 عام، وقال لي : أنت كاتب عظيم وموهوب واندهشت وسألته هل قرأت لي شيئا ؟
فرد قائلا: قرأت لك مسرحيتك ( 6 رجال في المعتقل ) وقدمت تقريري وقلت لـ"محمد غنيم" إذا قدمت هذه المسرحية سوف تكون مكسب لفرقة الأسكندرية المسرحية"( )
الخلاصة :
إن صفوة القول هو الكلام القليل الذي يؤسس لقضية كبرى ممتدة، من خلال اختزال هذا الكلام الكثير في بنية قولية قصيرة ومركزة، تعرف في السرد بالخلاصة ، فهي " تعمد الرواى اختزال سلسلة من الأحداث يفترض أنها استغرقت سنوات أو أشهر أو ساعات، فتتحول نصياً إلى صفحات أو أسطر أو بضع كلمات"( )
وقد عمد "السيد حافظ" إلى هذه التقنية في ذكر مراحله العمرية في خلاصات مركزة تضم خلالها أحداثًا كثيرة، فمن ذلك قوله " كل ما أطلبه منك أن تكون واعيا بأن كبار الكتاب عندما وقعوا على بيان اللا سلم واللا حرب في عهد الرئيس "السادات" في الصباح.. انسحبوا في المساء وكتبوا بيانا آخر فلاتكن مثل الآخرين. هم كبار"( )
فهو هنا يوجه رسالة ناتجة عن تجارب وخبرات سنوات ممتدة في الحياة والواقع ، في بضع كلمات واسطر قليلة تنبه المتلقي إلى خلاصة الواقع والتعامل معه، وهذا يتعلق بالتجربة.
ويقول في بيان خلاصة مراحله العمرية :
رحلة الطفولة : " فمن سن ميلادي وحتى عشر سنين لا أتذكر أني لعبت في الشارع والحارة." ( )
المرحلة العشرينية : " من سن عشرة إلى عشرين بدأت حياتي تتغير عندما شاهدت فيلم (بداية ونهاية) شدني الكاتب الكبير "نجيب محفوظ" عشت في جلبابه بعضا من الوقت"( )
مرحلة دخول المسرح: " ثم بدأت ادخل المسرح في سن 12 سنة. وفي هذا السن بدأت حياتي مع المسرح تتغير، قرأت لأستاذي الكبير "توفيق الحكيم". "( )
المرحلة الثلاثنية : " من عشرين لثلاثين بدأت المعاناة . معاناة النشر معاناة الكتابة معاناة الوجع معاناة أن اكتشف في القاهرة القاسية القلب على أبناءها وعلى فنانيها وعلى مبدعيها. "( )
وفيها أيضًا الهجرة حيث يقول : "أما في الفترة من عشرين إلى ثلاثين بدأت معاناتي بالهجرة إلى الخليج( )"
المرحلة الأربعينية " من ثلاثين إلى أربعين كنت أناضل في الحياة وفي جريدة (السياسة)، ففتحت أبواب الصفحات الثقافية التي توليت الإشراف عليها وصفحات الفن"( )
وفيها تمت العودة إلى مصر، فيقول " في الاربعين عدت إلى مصر، من الأربعين إلى الخمسين خسرت كل أموالي في مؤسسة (رؤيا). ( )
المرحلة الخمسينية ، يقول الكاتب "في سن الخمسين كنت بدأت أتدهور وسافرت إلى القاهرة لأبدأ من الصفر، وسكنت أنا وأولادي في شقة حقيرة مفروشة وكانت معي أمي العظيمة تدعمني ومعي أم اولادي، بدأت أكتب للتليفزيون المصري وأكتب مرة أخرى وأعود من خمسين إلى سبعة وخمسين سنة إلى أن حدثت لي المشكلة الكبرى، زلزال مرض زوجتي وابني وتخلي الأصدقاء عني وتخلي الوطن عني وتخلي الأقارب عني فأصبحت وحيدا مثل شجر السنديان( )
وتم فيها السفر إلى الإمارات، يقول ". المهم سافرت إلى الإمارات في سن 57 سنة . ومن 57 إلى سن 63 عشت في الإمارات فترة صعبة. كنت محظوظا أن ساعدني بعض الرفاق القدامى( )
وهكذا نجد الكاتب يقدم خلاصات لتجارب ممتدة في أسطر وجيزة معتمدًا على الخلاصة السردية.
زمان الذكريات :
لكلّ إنسان ذكريات سارّة وأخرى مؤلمة تربطه بالماضي؛ فكثيرًا "ما يسترجعها بخياله، ويتمنّى لو أنّها تعاد؛ كي يستمتع باللّحظات الجميلة التي جمعته بمن تربطه بهم علاقة حميميّة، أو أن يتصرّف بشكلٍ أفضل ممّا فعل في الأحداث المؤلمة واللّحظات الصّعبة التي مرّ بها سالفًا؛ وعليه فقد تبيّن أنّ الدّافع الحقيقيّ وراء النوستالجيا هو تألّم الشّخصيّة وشعورها بالتّوتّر والغربة جرّاء ماضٍ مفرح مفعّم بالذّكريات الحميميّة. وحاضر سيء لا يُلبّي رغباته؛ لذا فهو ساخطٌ عليه، متبرّمٌ منه."( )
زمان الحكي:
إن زمان الحكي يختلف عن زمان الحدث ، فزمان الحكي " مشتق من الفعل يحكي " أو يروي" والذي ينتسب إليه صفة "عارف" أو على دراية بـ ، والمشتقة بدورها من الجذر اللغوي يعرف، كما يمكن استخدام كلمة قصة مرادفا لكلمة حكي ويمكن استخدامها أيضا للإشارة إلى متتالية من الأحداث توصف في أحد لمحكيات"( )
و "من الطبيعي ألا يسير الخطاب جنبا إلى جنب مع الحكاية، ومن ثم لن يطابق زمنه زمنها مطابقة تامة، فدراسة الزمن السردي" تبنى على مبدأ التمييز بين المبنى الحكائي، أو الخطاب الذي يرجع ،( faboula – fable) وبين المتن الحكائي أو القصة ،(sijuzhet – sujet) السردي إلى دوسكويفسكي من الشكلانيين الروس، فالخطاب يتطلب من الروائي أحيانا أن يعود إلى الوراء لإستداراك حدث سبق أو معلومة حان دورها للبوح بها، أو يستبق التسلسل الزمني للسرد لهدف في ذهنه، وبهذا الخروج عن زمن الحكاية المنطقي، ومن هنا تمثل أمامنا أهم قضايا الزمن السردي، وهي " الترتيب الزمني"؛ "وفي هذه الحالة.. للراوي أن يحدث مطابقة بين زمن الخطاب، وزمن الحكاية وهي حالة ممكنة نظريا، لكنها غير معروفة ،(Achrony )بين الزمنيين." ( )
يقول الكاتب :" سنتكلم اليوم عن فارس من فرسان الكويت صديقي وأستاذي وحبيبي المحترم "خالد سعود الزيد" الشاعر والباحث والناقد والمفكر والصوفي البهي، من مواليد عام 1937م وتوفي عن عمر 63 سنة – رحمه الله –، لكني أريد أن أتكلم عن مواقف فالرجولة مواقف والوطن مواقف، فعندما نتحدث عن مصر مثلا لا نقول الأهرامات والشارع نظيف والنيل والهواء وبحر الأسكندرية جميل فهذا كلام ساذج وكلام خائب ولكن عندما نتحدث عن مصر نقول فلان قام بعمل كذا وكذا .. لكن مصر برجالها ونسائها المحترمات وبشبابها العظيم وهكذا أي بلد مثل الكويت بشبابها العظيم ورجالها العظام وفنانيها الكبار ومثقفينها الكبار، أما السيئين فهم كثير جدًا في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج وحدث ولا حرج" ( )
الشخصيات:
الشخصية في اللغة مشتقة من الشخص، جماعة شخص الإنسان وغيره، مذكر، والجمع أشخاص وشخوص وشخاص فإنه أثبت الشخص أراد به المرأة، والشخص: سواء الإنسان وغيره تراه من بعيد، تقول : ثلاثة أشخص، وكل شيء رأيت جسمانه، فقد رأيت شخصه، وفي الحديث: "لا شخص أغير من الله"، والشخيص: العظيم الشخص، والأنثى شخيصة، والاسم الشخاصة ،وشخص الرجل بالضم، فهو شخيص، أي جسيم، و َ شخص بالفتح شُخوصا: ارتفع والشُخوص : ضد الهبوط، وشخص السهم، يشخص، شخوصا، فهو شاخص، علا الهدف والشخوص : السير من بلد إلى بلد، وشخص الرجل ببصره عند الموت، يشخص شخوصا :رفعه فلم يطرف مشتق من ذلك الكلمة في الفم، إذ لم يقدر على خفض صوته بها"( ).
و إذا نظرنا إلى الشخصية ، فإنها تعد" من أبرز المكونات الرئيسية التي يقوم عليها العمل السردي و العامل الذي من خلاله يؤهل الرواية إلى النجاح و التميز و الخلود، إذ يتمكن الروائي من اصطفاء شخصياته بكل عناية شديدة و اهتمام زائد بوصفها بؤرة الحدث و نقطة استقطاب له ، فيعتني بتكوينها العام و بمختلف أبعادها الاجتماعية و النفسية و الفيزيولوجية"( )
الشخصيات في المذكرات وذكريات "السيد حافظ "منها رئيسية، وهي التي تقوم عليها سرد المذكرات ، كـ"توفيق الحكيم"، و"نجيب محفوظ"، و"محمد حافظ"، و"محمد مندور"، و"ذكي العشماوي"، و"نعمان عاشور"، وغيرهم الكثير، هؤلاء في مصر وغيرهم الكثير ممن التقى بهم الكاتب في مسيرته الفنية والعملية في الكويت والعراق والإمارات، والأردن، وقبرص، ومنها شخصيات ثانوية، وهذا قليل على مستوى المذكرات جاء ذكرها على سبيل التدليل على موقف معين أو واقعة بعينها.
يقول "السيد حافظ" :" إن مواقف الشاعر الكبير "خالد سعود الزيد " مر عليها حوالي أكثر من 40 عامًا، بعد مرور 30 عامًا وطبقا للقانون الدولي من حق الناس أن تنشر الوثائق، أذكر له عندما كان رئيس لجنة تشجيع المؤلفات المحلية وأنا كنت مقرر اللجنة في المجلس الوطني للثقافة بالكويت أنه قد تم كتابة كلاما سيئا يسيء إلى موهبة "طالب الرفاعي" عن مجموعة القاص الشاب "طالب الرفاعي "، كان وقتها شابًا والآن هو الكاتب الكبير "طالب الرفاعي"، كان النقد قاسيا جدًا من جانب الناقد والذي لن أذكر أسمه منعا للحساسية، كتب أيضًا عن الكاتب "وليد الرجيب" كلاما سيئا في جلستين متتاليتين، في الجلسة الأولي عندما قرأوا البحث قرروا رفض تشجيع الكتاب فرفعت يدي ونظرت للأستاذ "خالد سعود " وقلت له : أنني أعتذر وليس من حقي التحدث فأنا مقرر اللجنة،
إن "طالب الرفاعي" كاتب موهوب وسيكون له شأنًا، اعترض وقتها الدكتور "سليمان العسكري" وقال : لقد تم مراجعة البحث من ناقد كويتي كبير وتم إتخاذ القرار.
فرد عليه "خالد سعود" وقال : يتم تأجيل البت في التقرير عن "طالب الرفاعي" ويحول الكتاب إلى "السيد حافظ".
فقلت له : أنا..!
قال: نعم؛ فأنت كاتب وناقد وأنا أقرأ لك في جريدة (السياسة)، كتبت التقرير بما يرضي الله لأني كنت مؤمن جدًا بـ"طالب الرفاعي" فوافق العظيم: "خالد سعود الزيد" على منحه جائزة وشراء كتب من مؤلفات "طالب الرفاعي" ونفس الشيء حدث مع "وليد الرجيب"( )
إن "السيد حافظ" هنا يؤكد لنا أن "الشخصية هي مجموعة من الصفات الظاهرة على المرء ،و بفضلها يتميز كل شخص عن غيره من الأشخاص، و هذا ما ورد في قاموس السرديات بأنها" كانت له سمات إنسانية و متحرك في أفعال إنسانية"( )
يمكن لنا تحليل مدى تأثير هذه الشخصيات على "السيد حافظ "، فمنها من ومن ذلك يمكن القول إن "السيد حافظ "ينتقي المشاهد والمواقف و يختار منها ما يستطيع أن يحدّد الملمح أو يجسّد الموقف، أو ينشر الإحساس بالجوّ العام لمشهد من المشاهد." ( )
المكان أو الفضاء المكاني:
لتحديد طبيعة الزمان و المكان ... هذا الانتقاء هو الذي يحقق الفنّ ، وهو الذي يكثف الرؤية و يبلورها في لوحة يشّع منها الإحساس و المعنى ، و هذا ما نطلق عليه كلمة الشظايا التي يصنعها الكاتب على الورق ، و هي شظايا لتجربة الإنسان المشحونة بالغامض و المجهول ، من خلال شخصيات الرواية."( )، وهي كالآتي:
الأماكن المفتوحة:
الأماكن بالنسبة للأشخاص كالبيوت بالنسبة لأصحابها، وهذا يعطينا موقفًا تجاه المكان، "فعادة ما يلجأ الإنسان عندما ينحصر موقفه بين خيارين إلى ذلك العالم المضيء الذي ينتج له قدرا هائلا من الصلاحيات، هذا كي يبتعد عن محيط يكبل قدراته ويذكره بين الفينة والاخرى بمآسي وآلام رُسِخت في ذهنه وتعلقت بمكانه، لهذا "( ) نجد "السيد حافظ" في سرده للمذكرات يذكر أماكن مفتوحة متعددة، كانت سببًا في تكوين رؤيته الفنية والأدبية والإبداعية حو ل كثير من القضاياـ ومن ذلك الأماكن الكويت، يقول "السيد حافظ" :" الكويت بالنسبة لي عشق وعمر وحياة وخبرة ومدرسة، كنت محظوظا أن أذهب إلى الكويت عام 1976م وفي ذلك الوقت كان شعار الكويت هو (الكويت بلاد العرب) في كل المطبوعات، كان التيارالقومي العروبي هو الغالب وكان التيار اليساري قوة شديدة ولم يكن ظاهرا تيارات أخرى، كانت الكويت في أجمل فترة تاريخية إنسانية رائعة وكانت الكويت تشع ديموقراطية لم يتذوقها الوطن العربي، كانت الكويت في ذلك الوقت مدينة أشبه بالمدن الخرافية فالصحف تنقد في الوقت الذي كانت كل الصحف العربية صامتة خارسة وكان النقد شديدا والديموقراطية قوية، كنا نستطعم في الكويت معنى كلمة ديموقراطية .
في الحقيقة ذهبت إلى الكويت؛ فالكويت قبل سفري فتحت لي أبواب النشر في جريدة (القبس) التي نشرت لي 10 موضوعات، كان لدي أمل كبير جدًا أن يقوموا بدفع نقود لي فقالوا 30 دينار ثم قالوا 20 دينار .( )
ويقول أيضًا: " عندما ذهبت إلى الأردن بعدها بسبع سنوات وجدت "إلياس فركوح" ينتظرني في فندق يسمى (هلا هاوس) والمتواجد في جبل الودة بعمان( )
الأماكن المغلقة:
يأتي المكان وفق أنواع وثنائيّات وتقاطبات عديدة فنجد منه المغلق والمفتوح، والمرجعيّ والمتخيّل، وأماكن الإقامة والعبور، والعدائيّ والحميميّ... حيث يعدّ المكان المغلق محور اهتمامنا هنا "مكان العيش والسّكن الذي يؤوي الإنسان ويبقى فيه فترات طويلة من الزّمن سواء بإرادته أو بإرادة الآخرين، لهذا فهو المكان المؤطّر بالحدود الهندسيّة والجغرافيّة"( )
يقول الكاتب متحدثًا عن مرحلة الإقامة مع أخيه في بداية رحلته :" أقمت حينها مع أخي "محمد حافظ رجب" في شقة كانت تعتبر مخزنا للكتب تخص الكاتب "صبحي الشاروني" الفنان التشكيلي الكبير اليساري، صاحب دار نشر (كتابات معاصرة)، كان أخي يأتي إليها من عمله بالمجلس الأعلى وأنا من كلية دار العلوم"( )
ويقول في موضع أخر:" في سن الخمسين كنت بدأت أتدهور، سافرت إلى القاهرة لأبدا من الصفر وسكنت أنا وأولادي في شقة حقيرة مفروشة وكانت معي أمي العظيمة تدعمني ومعي أم اولادي، بدأت اكتب للتليفزيون المصري وأكتب مرة أخرى وأعود من خمسين إلى سبعة وخمسين سنة إلى أن حدثت لي المشكلة الكبرى"( )

علاقة الفضاء المكاني بالشخصيات .
ثمة علاقة تربط بين الفضاء المكاني والشخصيات، هذه العلاقة تؤكد على "الدور المهم الذي [ تؤديه] الشخصية علی أرضية المكان والتأثير والتأثر بينهما استدعی التطرق إلی دور الشخصية وحركيتها في المكان ودورها في الفضاء الروائي. هذا ما جعل الناقد "فيليب هامون" يصف البيئة وتأثيرها علی الشخصية لأن المكان يحفز الشخصية علی القيام بالأحداث، كما أن وصف بيئة ما يعني وصف مستقبل الشخصية، وهذه البيئة الاجتماعية هي التي يؤكد عليها "لوسيان غولدمان" كثيراً في كيفية تأثير هذه البنية الخارجية علی النسق النصي؛ وهذا يؤكد دور الشخصية في تغيير معالم المكان وبالعكس، فحينما توصف شخصية هذه [ المذكرات ] بأنها كثيرة التجوال وهي لا ترغب كثيرا ببلدها بوصف البلاد الشرقية التي تدمر [ ابنائها] يوما بعد يوم، و تحل [ الأغراب] محلهم التي فهو يصف مستقبل هذه الشخصية وإحساسها بالنسبة إلی هذا المكان الذي لم يعد كما في السابق"( )
يقول الكاتب :" إخترت الحديث العراق لأن العراق ساهم في تكويني الثقافي والأيدولوجي وساهم في تكوين اسمي ودفعي إلى الأمام فكان بلدي الأول أحيانا وبلدي الثاني أحيانا وبلدي الثالث أحيانا وأحيانا يكون حياتي كلها إذ تأتي منه نفحة لا أتوقعها .. مسرحية تقدم لي وأنا لا أعرف مخرجها ولا أعرف كيف حصل على النص أو مقالا يكتب عني وأنا لا أعرف من كاتبه أو كاتبته، أي شعب عظيم هذا ؟ شعب العراق الجميل، نعم.. العراق ساهم في تكويني ففي عام 1977م يظهر "ويليام يلدا" المخرج العراقي العظيم في معهد الفنون الجميلة ليقدم مسرحيتي ( الطبول الخرساء في الأودية الزرقاء ) وكانت سوف تقدم في مصر في عام 1975م عن طريق المخرج الرائع الجميل المتفرد "مراد منير"، لكن تم القبض عليه بداعي أنه يساري وكذا وكذا .. توقفت البروفات لكن الغريب في الأمر أن "مراد منير" يقول : لا أتذكر فإذا كان هو لا يتذكر ولكني أتذكر لأني كنت فرحا لأن "مراد" كان يخرج في قاعة الجموع للبطل ولجموع الممثلين وهي تتحدث وتتحرك. المهم أن العراق قدمها في معهد الفنون الجميلة عام 1977م كما ذكرت سابقا"( )
اللغة :
إن العلاقة الوثيقة بين اللّغة بوصفها نظاماً إشارياً مؤديها الإنسان تحتم أن تكون لهذه اللّغة مجالات استخدامية يمكن عن طريقها أن تتطوّر تبعاً لتطوّر المجتمع في مجالاته المختلفة ذلك لأنّ الطابع اللّغوي للكائن البشري بالنهاية مرتبطا باجتماعيته ارتباطاً وثيقاً ؛ لذلك تجد عبر هذه السنين من استعمالات اللّغة الكثير من المفردات قد اندثرت وتلاشت وأصبحت في سياقها في ضمن تاريخ قديم ونتيجة لذلك تظل اللّغة في توالد وتزايد كل يوم لتؤدي عنا حاجاتنا اليومية التي نريد منها ونحملها على التعبير عنها في تواصلنا على مختلف مستويات التواصل" ( )
ومن ذلك فإنه يمكننا القول إن اللغة هي أساس العملية السردية، وهي البناء الذي يضع فيه الكاتب عمليته السردية؛ لهذا فإن مذكرات "السيد حافظ" جاءت باللغة الفصحى بعيدة عن التقعر والاسفاف والغموض .
يقول الكاتب : "قال لي الدكتور "محمود الضبع" : أنت استخدمت الميديا في المذكرات وهذا شيء جديد.. أقول له أنا لا أعرف هل هو جديد أم لا وقد يكون لم يستخدمها أحد غيري، لكني قلت أستخدمها لعل الناس تستفيد والأجيال القادمة المحبة وهم قلة، وأنا مؤمن بأن رصيدي قلة وليست لي جماهير عريضة سواء في الكتابة أو القراءة لأنه عندما يحدث ضجيج شديد جدًا حول عمل ما أجده رديء ولكني لا أنخدع بهذه الضجة حتي ولو حصل عمل ما على جائزة أقرأ هذا العمل فأجد 95 % من هذه الأعمال رديئة لأن معظم لجان القراءة رديئة في الوطن العربي"( )
لغة السرد :
تعتبر اللغة أساس الجمال في العمل الإبداعي، فهي التي يتحدث بها السارد في متن النص الروائي، حيث يقدم السارد الشخصيات والأماكن والأحداث والزمان من خلال اللغة، تعكس اللغة ثقافة الكاتب وقدرته على انتقاء الكلمات وتوظيفها في التعبير عن مكونات الرواية وتعكس رصانة الأسلوب لدى الكاتب، وهي لغة واحدة يفترض أن تكون صحيحة، وأن تليق بصاحبها( )
إن كلا من اللّغة والسرد تجمعهما" علاقة واحدة، فإذا كان السرد يمثل العمود الفقري في النصوص السردية وجب أن تكون اللّغة العامل المشترك مع السرد ليتحقق التطوّر اللّغوي والانشداد إلى الحداثة من خلال الوعي بلغة حداثوية تساير النصوص الإبداعية لتصبح بذلك اللّغة ليست وسيلة فحسب، وانما هي رؤية بتنامي جمالية تحتمها طبيعة النص أولا وثانياً طبيعة تنامي الوعي باللّغة إذ تبدأ الحداثة وعي لغوي إلى الأوج يحيل اللّغة إلى فاعل من الفواعل في العالم في إطار العمل، ومنه إذا كانت اللّغة النص وفي إطار علاقة الكاتب بالعالم وعلاقة النص به( )
في هذه المذكرات السارد هو "السيد حافظ"، وهو صاحب الدور المحوري في هذه الوثيقة التاريخية، لذلك يعتمد على لغة الإقناع في سرد الأحداث المؤيدة بالبراهين على أمتداد العمل، من خلال استخدام سلطة الحكي – سلطة اللغة - .
يقول السيد حافظ: " سأتكلم اليوم عن لماذا الرواية وعن رواياتي الأولي نسكافيه .. هي ليست رواياتي الأولى وروايتي الأولى كانت (مسافرون بلا هوية)، كانت نوعا من محاولة اقتحام عالم الرواية نتيجة وجودي في ظروف ضاغطة في الكويت في الشهور الأولى بلا عمل، أبحث عن عمل وأسكن مع عمال في حوش أشبه بحياة "بدر شاكر السياب"، أنصحكم بقراءة كتاب الدكتور العظيم "إحسان عباس" عن "بدر شاكر السياب"، هو أفضل من كتب عن بدر شاكر السياب، فكتبت ما يشبه اليوميات في كتيب صغير في صورة قصة قصيرة اسمها (مسافرون بلا هوية)، طبعتها في الكويت عام 1986م. وأعتبر رواية (نسكافيه) هي مشروعي الأول والباب الرسمي الذي دخلت منه ."( )
اللغة أداة في يد الكاتب يمارس عليها كافة السلطات التي يستطيع من خلالها أن ينفذ إلى بؤرة الإقناع لدى المتلقى، وهكذا يمكن لنا القول إن سلطة اللغة وبنيتها تؤدي وظيفة كبرى في العملية الإبداعية خاصة إذا كانت في يد مبدع حقيقي.
لغة الحوار:
إن لغة الحوار في الرواية " ظهرت مع ظهور الرواية العربية كجنس أدبي حديث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وإذا كان الرأي والممارسة فيها مختلفين، فإن القضية أخطر من أن نركنها صامتين، فهي ما تزال ساخنة ومؤرقة كإحدى المشكلات المعاصرة، وإحدى تحديات التحديث التي تواجه اللغة العربية وسيرورة الأدب العربي الحديث، وبعيداً عن اعترافات المتشائمين حول العجز عن حل للغة الحوار في الأجناس الأدبية الحديثة، وبعيداً عن اطمئنان المطمئنين في الاستسلام للحلول التي ارتأيت، فإنّ قضية الحوار في الرواية العربية مشكلة راهنة من مشكلات اللغة العربية والعصر، ولا ينبغي أن ينظر إليها كتبعة أو واجب، فهي قضية حضارية وسياسية وفنية."( )
يقول السيد حافظ في إجابة على سؤال أحد الطلبة كيف يصبح كاتبًا مشهورًا ؟ " سأتحدث باختصار شديد جدا.. لكي تصبح مرموقا جدًا ونجما كبيرا في عالم الكتابة :
أولا : أن تكون مهذبا جدا، صوتك منخفض، أي عندما تقدم طلبا لأي جهة تضع وجهك في الأرض محنيا، صوتك لا يسمعه المسؤول عن النشر او المسؤول في المجلة لدرجة أنه يسألك ماذا قلت فتضطر لإعادة الكلام مرة أخرى.
عندما تذهب للسؤال عن هل نشر كتابي أم لا أو كيف أنشره . فلتكن واقفا واضعا يديك بجنبك وكأنك طفل ارتكب خطيئة ما . وحتى عندما يكتبون عنك كن مؤدبا جدًا، لا يأخذك الغرور.
ثانيا: كي تكون كاتبا كبيرا فلا يكن لك أي موقف سياسي ولا اجتماعي، فلو حدثت جريمة كبرى في المجتمع لا تكتب عنها. ستقول هناك مجموعة من الشباب تعدوا بالضرب على شباب آخرين وقد يكون بينهم الشاب فلان الفلاني وهو ابن مسئول كبير أو من أثرياء الطبقة الرأسمالية في البلد، حينها ستغضب منك بعض الجهات. ( )
لغة الوصف :
ثمة فارق بين الشخصية الروائية والوصف، "تشارك في أحداث الرواية سلبا أو إيجابا أما من لا يشارك في الحدث لا ينتمي إلى الشخصيات بل يعد جزءا من الوصف"( )
"يوسف العاني" الأستاذ العظيم أهداني مجموعة مسرحيات له، وقال لي : أريدك أن تكتب عنها.
فقلت مندهشا: أنا !.. وأنت هرم كبير!
فقال لي: نعم، أنت .. أنت ولا تتواضع.
فقلت له: أنا لا أتواضع لكني أعرف نفسي، فأنا لا أجيد الكتابة النقدية فأنا لست "عبد الكريم برشيد" هو ناقد وأستاذ كبير في النقد بجانب الإبداع، هذا الموقف من "يوسف العاني" جعلني أنتبه أن هذا الكاتب الكبير والرمز الكبير يسأل رجلا بسيطا مثلي أن يكتب عن هذا العملاق "يوسف العاني".
- الموقف الثاني مع الأستاذ العظيم "عبد الغفار مكاوي" المترجم والمسرحي والرائع بلا حدود والمظلوم بقوة وبقسوة من مصر ومثقفي مصر وقال لي : سأرسل لك أعمالي كلها لتكتب عني فقلت له بل أنت الذي تكتب عني يا أستاذ فأنت قيمة وقامة وأنا تعلمت من ترجماتك وخاصة كتابك ( ثورة الشعر ) الذي قمت بترجمته.
فرد علي قائلا : أنت تكتب عني لأنك كذا وكذا .. إلخ. فقلت له : صدقني أنا لا أجيد النقد..
فقال: لا تكتب عني.
هذان الرمزان الكبيران نبهاني من كلامهم على أهمية النقد ثم جاء الكاتب السوري العظيم "زكريا تامر"، كتب في حوار مهم : على الكاتب أن يطارد الناقد الحقيقي حتى يضع كتابه وإبداعه تحت وسادته في غرفة نومه حتي يقرأه ولا خجل في هذا. هذا ما قاله "زكريا تامر" العملاق الكبير في القصة القصيرة والإبداع. ( )



#ياسر_جابر_الجمَّال (هاشتاغ)       Yasser_Gaber_Elgammal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات السيد حافظ ورسالية الكاتب
- مذكرات السيد حافظ بإعتبارها وثيقة تاريخية تصنع المستقبل .
- السيرة الذاتية حفريات المصطلح وحدوده المعرفية.
- التوازن التركيبي وعلاقته ببناء الدلالة الشعرية
- بنية الصورة بين المورث النقدي والبناء اللغوي في ضوء السيمياء ...
- الكناية و الانحراف الدلالي
- أثر حركية التشبيه( ) (analogy)في إثراء الدلالة
- سلطة الثقافة والفكر في عصور الإبداع
- سيميائية الاستعارة
- الصورة و القراءات المنفتحة
- موسيقى الشعر والقراءات المتعددة
- أزمة النقد ونقد الأزمة
- -عبدالواحد حسن الشيخ- قراءة في المنجز والرؤية
- أقنعة السيمياء
- قانون الإزاحة
- فلسفة المقهي دراسة في الفلكور الشعبي.
- الجغرافيا السيميائية للمكان، وأثرها في عتبات النص الشعري
- المزيج الثقافي والتواصل الحضاري بين الإسكندرية وغيرها من الم ...
- زكي رستم وعبقرية الأداء قراءة في الصوت والحركة
- سلطة العلامات


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر جابر الجمَّال - مذكرات السيد حافظ والتقنيات الفنية .