|
الشعب لا يأكل أوهاماً
سالم جبران
الحوار المتمدن-العدد: 1703 - 2006 / 10 / 14 - 05:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وقد تقتله الأوهام!! لو سألوا الشعب الفلسطيني في منتصف القرن الثامن عشر، بداية المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، إذا كان يوافق أو لا يوافق على المشروع الصهيوني لقرر 110 بالمائة من الفلسطينيين المعارضة! ولكن توازن القوى المحلي والعالمي، منذ ذلك الوقت إلى الآن قاد إلى تحويل فلسطين من بلاد أُحادية القومية إلى بلاد ثنائية القومية. وكما هو معروف، في حرب 1948، انتصرت القوات المسلحة اليهودية على الجيوش العربية المتدخلة، ولم تكن عند الفلسطينيين فصائل مسلحة منظمة، وكانت نتيجة الحرب استيلاء دولة إسرائيل على 76 بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية. هل نحن سعداء بهذا. لا بالطبع. ولكن هل هذه حقيقة، نعم حقيقة. وفي كل الحروب، بين إسرائيل والدول العربية، انتصرت إسرائيل عسكرياً، في 1956، وفي 1967 وفي 1973. هل نحن سعداء بهذا. لا، والله ولكن هذه حقيقة. هل يجوز للعرب أن يركبوا رأسهم وأن يتجاهلوا تطور 150 عاماً من النزاع؟ هل نغمض أعيننا ونقول إسرائيل يوك، ونقول كما قال الحاج أمين الحسيني: اليهود ذباب، وإذا نفخنا نقذفهم إلى البحر؟ هل نتجاهل الوضع العالمي؟ هل نتجاهل الحالة العربية ونعيش بالأوهام أن حماس وحزب الله، سوف يسترجعان كل فلسطين، شبراً شبراً، بوصفها "وقف إسلامي" غير قابل للتفريط؟! إن القيادة الوطنية الفلسطينية، المتمثلة بحركة "فتح، بقيادة ياسر عرفات ورفاقه، أخذت قراراً شجاعاً عندما انتقلت من الرفض المطلق إلى البحث عن مصالحة تاريخية بين الكيان الفلسطيني والكيان اليهودي لا لأن عرفات كان مستعداً أن يفرط بنصف فلسطين، بل لأنه أراد أن لا تضيع كل فلسطين! لقد تعثر السلام بسبب صلف وغرور وطمع إسرائيل، ولكن أيضاً بسبب أخطاء مأساوية للجانب الفلسطيني والعربي وبالأساس العجز عن كسب العالم دعماً للحق الفلسطيني في المحافل الحاسمة. إن نجاح حماس في الانتخابات الفلسطينية لم يكن فقط نتيجة أخطاء وخطايا حركة "فتح" وسلطة فتح، بل بالأساس لأن الأُصولية الدينية المتطرفة اخترقت الشعب الفلسطيني كما اخترقت العالم العربي والإسلامي. الأُصولية، للوهلة الأولى "لا تفرط بحق" ،"لا تتنازل عن مقدسات "، "لا تساوم على ثاني القبلتين" ولكن لو حللنا تحليلاً صحيحاً، فإن هذه المكسمالية الإسلامية تُغذي المكسمالية الصهيونية، وتفيدها أيضاً. الآن حماس في السلطة، فماذا هي فاعلة؟ الدول العربية ليست من نهج حماس. وأوروبا التي تعاطفت مع فلسطين، حتّى أغضبت إسرائيل، ليست من نهج حماس. وروسيا والصين ليستا مع نهج حماس. العالم كله ليس من نهج حماس. عفواً، ايران والقاعدة وفلول الزرقاوي وحزب الله مع حماس. تشرفنا. الشعب الفلسطيني بلا اقتصاد، بلا صناعة، بلا بنية تحتية، للأسف، أكثرية ميزانية السلطة الوطنية الفلسطينية من المساعدات الخارجية. فإذا قاطعنا العالم، ألا نقطع الوريد الذي نأخذ منه الدم؟ إن المجتمع الفلسطيني بدأ يثور على حماس لأنه يريد أن يأكل، الطلاب يريدون أن يتعلموا، المعلمون يريدون الرواتب التي لم يتلقوها منذ ثمانية أشهر. هل بإمكان المجتمع الفلسطيني أن "يقاطع" العالم؟ إذا كان العالم كله يؤيد البقاء والحرية والاستقلال لشعب فلسطين فهل نشتمه ونقاطعه إذا قال لنا: ولكننا نعترف، أيضاً، بإسرائيل، وفلسطين صارت وطناً لشعبين بدلاً من كونها وطناً لشعب واحد. حسب منطق حماس؟ لماذا لا يطالب السكان الأصليون في أمريكا الشمالية والجنوبية بطرد المحتلين الأوروبيين؟ إن العالم كله ليس مستعداً أن يؤيد تجاهل إسرائيل للشعب الفلسطيني كياناً وحقاً ومستقبلاً مستقلاً، ولكنه في الوقت نفسه ليس مستعداً أن يؤيد تجاهل وجود شعب إسرائيلي تشكل في فلسطين، خلال القرن والنصف الأخيرين. لنترك كل المزاعم الصهيونية حول ما كان قبل ألفي سنة. ألا يوجد بشر شكلوا كياناً قومياً في هذه البلاد، خلال القرنين الماضيين؟ أحقاً يمكن كسب العالم أو نصف العالم أو ربع العالم أو ثُمْن العالم لمشروع تصفية الكيان اليهودي في إسرائيل؟ العالم يبحث عن التسويات لا عن التصفيات، العالم يبحث عن الحلول الوسط، لا الحلول الوهمية الخرافية. علينا أن نقول لحماس (الصادقة مع نفسها في قناعاتها) ولكل الكذّابين الذين يتاجرون بالمأساة الفلسطينية أن ما هو قائم كخطر حقيقي واقعي هو مأساة فلسطينية تُضيِّع، لا مأساة يهودية تُحَوِّل إسرائيل إلى حكاية كانت. إن الوثنية هي أُخت التعصب الأعمى، والتطرف هو شقيق الخيانة، على الأقل من حيث النتائج. الشعب العربي الفلسطيني يريد أن يعيش الآن وإلى الأبد، لا أن يموت شهيداً ويحصل على كل النِعَم التي وعد الله بها شهداءه الخالدين. الشعب الفلسطيني يريد الحرية والاستقلال والبناء الوطني الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، يريد ترميم حياته المهدَّمة – منذ ستين عاماً. وليست هناك مهمة أكثر قدسية وحيوية الآن من وحدة كل القوى الوطنية والديمقراطية والعقلانية الفلسطينية التفافاً حول مطلب "دولتان لشعبين"، فلسطين إلى جانب إسرائيل أو إسرائيل إلى جانب فلسطين. ليست هناك مهمة مصيرية وحياتية وعادلة أكثر من فض النزاع القومي في فلسطين على أساس أفضل حل ممكن الآن – دولة فلسطينية في حدود 4 حزيران 1967، إلى جانب إسرائيل. الخيار أمام الفلسطينيين ليس كل فلسطين، أو نصف فلسطين بل علامة سؤال كبرى على نصف فلسطين الباقي، إذا حكمت المصير القومي الفلسطيني العقلية الأُصولية، المكسمالية، الرافضة لرؤية الواقع، الواهمة أن كل شيء في متناول اليد، تقول للتاريخ كن فيكون! المصالحة التاريخية ليست تنازلاً بل أخذ الحد الأقصى في الظروف والمعطيات القائمة. إن الشعب لا يأكل أوهاماً، وأخشى ما نخشاه أن تقتل الأوهام شعبنا، نتيجة نهج المغامرة العمياء المسلوخة تماماً عن الواقع المحلي والعالمي. (سالم جبران_ شاعر ومفكر وإعلامي فلسطيني، يعيش في الناصرة)
#سالم_جبران (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- العرب الجيدون - - العرب الساقطون في خدمة نظام القمع الاسرا
...
-
الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل تعيش أزمة قيادة غير مسبوقة
-
دور المثقف في نظر إدوارد سعيد
-
ماركسية الحقبة الجديدة-ثورية,إنسانية,ديمقراطية
-
أكبر من أزمة ثقافية
-
كذب الظَّن ,لا إمام سوى العقل!
-
إسرائيل بدأت تستعد للحرب القادمة
-
وضع العرب الفلسطينيين في إسرائيل
-
المعركة ضد الاستعمار الأمريكي والمعركة ضد الأصولية الدينية ا
...
-
الشخصية الأولى في إسرائيل–علامة سؤال
-
الحرب على لبنان دمرّت..حكومة أولمرت
-
هل كانت الحرب لإعادة الجنود المخطوفين؟
-
في دولة الأغنياء
-
هل هناك استراتيجية عربية
-
بعد الفشل في الحرب إنتخابات برلمانية مبكرة
-
انتخابات الآن
-
بعد توقف العدوان على لبنان بدأت الحرب الداخلية في إسرائيل
-
الفرق بين القومية والجعجعة القومية
-
تكاليف الحرب
-
قبل أن تنتهي الحرب
المزيد.....
-
كاميرا مراقبة تظهر ما فعله رجل يواجه تهمة -محاولة اختطاف طفل
...
-
ترامب يعلن عن نية لتخفيف الرسوم الجمركية على البضائع الصينية
...
-
السودان.. مقتل 3 أطباء على الأقل في أعقاب سيطرة -الدعم السري
...
-
-البديل الألماني- يعتزم اللجوء إلى القضاء بعد تصنيفه كيانا م
...
-
اتفاق تاريخي بين مصر ومجموعة موانئ أبو ظبي لإنشاء منطقة صناع
...
-
ألمانيا تعيد السماح للسوريين بعرض أسباب اللجوء وتبقي على تعل
...
-
ماذا تقول الأرشيفات السوفيتية عن صراع الاستخبارات العالمية ف
...
-
الإعلام العراقية توقف برنامجا شهيرا وتمنع إعلاميا من الظهور
...
-
خبير فنلندي يتحدث عن -الوسيلة الوحيدة- لمنع نشوب حرب عالمية
...
-
لافروف يؤكد لنظيره الباكستاني استعداد موسكو للمساعدة في تسوي
...
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|