أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى توفيق - قصة قصيرة















المزيد.....

قصة قصيرة


هدى توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 7485 - 2023 / 1 / 8 - 13:34
المحور: الادب والفن
    


أقوى من الزمان
كانت دنيا تحب اللون الأصفر جدًا، وهى صغيرة، كانت أغلب الفساتين بين الأصفر أو يشترك معها في ألوان أخرى، حتى أطواق رأسها والدوك، ويستقطب حولها الهاموش، وتزعق وتتضايق، فتهشه، حتى تتعب وتمل فتتركه، ويصخب بها أطفال الحارة، وهم يضحكون على دنيا هاموش، ويلتفون هائجين و مصرين على هش الهاموش المتطفل ، والتابع لسحر جمال ولون فساتين دنيا الذي يشج سمار جسدها الممشوق بوهج اللون الأصفر الزاهي ، والصارخ بانفتاحه على المواسم الأربعة الذي يفرض حالته اللونية عليهم: شتاءً – خريفًا – ربيعًا – صيفًا. فهو ملك الألوان داخل روح وجسد دنيا بالذات، حتى تعاهد الهاموش الحبوب على اصطحابها فور خروجه من مأذق البرد إلى الربيع والصيف، وكأنه ينتظرها انتظار المحب ، والعائد إلى وطنه من رحلة غياب مؤقتة. ظل لونها المفضل لعامها الخامس والثلاثين، حتى منعتها أمها إجلال الفلاحة من مركز (سيدي سالم) بمحافظة كفر الشيخ من ارتداءه ؛ بتعليل أنه أصبح لا يُناسب عمرها.
كانت إجلال تحكي لأمها عن مدى احتقارها لزوجها، وعدم رغبتها في معاشرته، وأنها تسير إلى الفراش كالبهائم التي تُساق للمذبح متضررة، ومجبرة. أخبرتها أمها: أن هذا حق وواجب، وأن السماء والملائكة سوف تلعنها، وما عليها غير الصمت، والتحمل والعفة. لم تقتنع، لكنها أطاعت أمها فيما هو فوق احتمالها. وشعور خانق يجعلها تنفر وتشمئز من هذا الجسد الجالب لها كل هذه التعاسة والشقاء. ووجدت انجاب طفلان هو طريق مختصر للخلاص منه، بالتواطؤ مع متاعب الحمل، ومنحتها رحلة الأمومة باعث تكافح فيه من أجل هذين الطفلين، فأحست بالحياة، والقدرة على مواجهة التحديات التي تواجهها. من أجل ابنة تقترب من العنوسة، وابن في عمر الثلاثين، ويعمل في محافظة (الغردقة)، ومتزوج من امرأة تكبره بخمسة عشرة عامًا دون علمها، روسية الجنسية من شرق أوروبا ـ تقريبا أوكرانية ـ وأنجب منها تؤام ، ولد وبنت، كانت تريد أن تعود إلى موطنها الأصلي، لكن إجلال رفضت ، وأصرت على بقائهما في مصر، بل أخذهما منها للعيش معها في محافظة كفر الشيخ. وبين الشد والجذب تقاسما الطفلان، الأم تأخذ الولد وتعيش مع زوجها في مقر عمله، وإجلال تأخذ البنت لتربيها في كنفها ورعايتها مع خالتها العانس. وتدور الأيام ويشتد الخلاف بينها وبين زوجها بسبب المنزل، وهي تطلب حقها بالشراكة بينهما. وبعد خصام طويل، وتعارك، ووساطة الأقارب والمعارف، تنال حقها، فما كان منه غير أن تزوج ؛ وأحضر غريمتها في النصف الذى نقل ملكيته لابنه الجديد من زوجته الثانية، وتتوه دنيا بين صراعات أمها وأبيها وأخيها وزوجة أبيها، التي تخشى على طفلها من إجلال وابنتها المتخلف عقلها بعد أن فاتها قطار الزواج، وقد رأت دنيا جالسة بجانبه وهو في عربة الأطفال يغوص في نوم ملائكي برئ في الجنينة الخلفية للمنزل ، التي تشبه حديقة صغيرة بها زروع من الياسمين والفل البلدي، وعندما حضرت زوجة أبيها ،أخبرتها دنيا بخوف أن ابنها سيخُتطف، وأنه كان يوجد شخص يحوم حول المنزل ؛ وقد جاء بقربه يسأل عن أبيه ، ولمن هذا الطفل المولود حديثًا ؟! واشتعلت النيران بين الضرائر ؛ واتهمت دنيا بأنها مجنونة، وبيت وقف، وتريد أن تخطف ابنها، فما كان من إجلال أن جذبتها من شعرها، وأسقطتها أرضًا وبركت عليها تصفعها على وجهها صفعات متوالية، ودنيا تجذبها وتجرها من تلابيب أكمام جلبابها، حتى سقطت، وصرخ الأطفال، وحضر الزوج وتم التصالح والتزام كل أسرة في شقتها، دون كلام أو حديث أو حتى سلام، كالأغراب المضطرين للعيش في منزل واحد من أجل الحياة لا غير.
بعد الفراق تعود دنيا للذكريات بأحلام جديدة، تعاند بها، هوس الفقد، وشعور الشبق الذى يوجع قلبها المفطور، وهى تتخيل أنها تحقق أمنية ثمينة وغالية، تراود خواطرها بشغف. أن تسافر على سفينة كبيرة في رحلة طويلة، ولتكن من محيط إلى محيط تمخر عباب المياه المتدفقة في انهمار لا ينتهي، بلا حدود، بلا مسميات، تحت قبة السماء والشمس. هذا الوجود الأول الذي شيده الإله العظيم في بدء الكون. لتنغلق وتنفتح أمام وجه الأفق الواسع بامتداد البصر دون عناء، دون احجام، دون عيب ولا يجوز. كما فرضته عليها إجلال الفلاحة أنها كبرت ؛ وما عاد يليق بها ارتداء اللون الأصفر؛ حتى تنقذها سفينة الأحلام كما تراها في أحلامها أو كما تشاهدها في الأفلام السينمائية ، وهي تتبختر وسط قمم الجبال والدروب والمسارب تتدفق وسط المياه الرغوة، وهي تتفجر بقوة لتعصف بكل معارضين الحياة الدافئة داخل العيش في فتنة اللون الأصفر. ثم تستقبل سفينتها الخيالية، وقد ارتدت فستان أصفر طويل بدون أكمام، مفتوحًا على شكل حرف "V"، فيظهر من خلال فتحتة المطرزة بالدانتيل اللامع. بداية الصدر وهي تستقر على نهديها السخيين ، وقد هزتها ذكرى تفاصيل تلك العلاقة الشاحبة، عندما أحبت في الجامعة شابًا طوال أربع سنوات، ثم تركها وتزوج بأخرى. وبعد الحنين واللقاء مرة أخرى تقول له :
"لا تشغل بالك" فيهمس بنظرة قوية في عينيها، لينفرط الضعف، ومرارة الخذلان ،والتخلي القابعة في قلبها. كخنجر مسموم لا يجف نزفه مهما مرت السنوات، وأهدر عمرها كله. قائلاً بحب :
- لا زلت أشتاق لك.
- أنا أيضًا ...لكنك تركتني وتزوجت...
- لكن، لا زلت أشتاق إليك...
- لكن، لن أسامحك على الهجر، والخيانة.
- لكن، لا زلت أحبك فعلًا.
- من فضلك لا تشغل بالك بي ، وارحل إلى الأبد ؛ إذا كنت لا زلت تحبني.
بينما هي جالسة على السفينة البيضاء وسط نسمات الهواء الهفهافة، والمياة الرائقة، تحرسها السماء الزرقاء، والشمس العفية تطلق أشعتها الذهبية ؛ وهي تدندن بأغنية تحبها كثيرًا للفنانة (شادية).( أقوى من الزمان " لما كنا صغيرين" ). وتنتظر صديقها الهاموش الحبوب أن يعود لأحضان لونه المفضل الأصفر ليضوي، ويبرق باحتفاء أمام سطوع الشمس المتأجج، ويتلون من اللون الأصفر إلى اللون الذهبي الملوكي .

تنويه: أغنية: (أقوى من الزمان) ، للفنانة المصرية شادية / كلمات: مصطفى الضمراني. وألحان: الفنان عمار الشريعي. جزء من الأغنية: (رحت تاني للمكان / فاكرني بكل حاجة وبأحلى سنين هوايا / رحت تاني للمكان.. لقيت اتنين عايشين نفس الحكاية....يتغير الزمان ، يتبدل المكان / لكن يا مصر إنتي ياحبيبتي ذي ما إنتي / جميلة ذي ما إنتي / أصيلة ذي ما إنتي/ أرجعلك إنتي تاني/ يا صاحبة المكان/ يا أقوى من الزمان / الضحكة الحلوة إنتي / والحب الباقي إنتي/ وكل شئ يتغير.. واحنا بنكبر ونكبر/ ونفارق بعضنا... وتبقي يامصر دايما طفل هيفضل صغير بنحبه كلنا... بنحبه كلنا ).



#هدى_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في المجموعة القصصية - مخرج -
- قصة - عدوى المرح -
- نماذج قصصية هدى توفيق
- عن فن المتتالية القصصية ـ وتداخل الأجناس الأدبية
- قراءة في رواية - نخلة وبيت -
- الواقعية التسجيلية في المجموعة القصصية - حذاء سيلفانا -
- عن قصص - فاكهة بشرية -
- عن رواية - رقصة الحرية -
- التحليل النفسي في العمل الإبداعي
- مداخلة حول العام الثقافي في مصر عام 2021م
- الثقافة عن بعد
- رؤى ثقافية عن الإبداع
- مشكلة المثقف في مصر
- فقط لأسمع حبيبة بابا
- كتاب ( اقتحام الخلوة ) ـ إعداد ـ هدى توفيق
- حوار عن المجموعة القصصية - حذاء سيلفانا -
- عن الكتابة أتحدث!
- عن رواية المريض العربي
- النشر الإلكتروني
- عن فن القصة القصيرة


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى توفيق - قصة قصيرة