أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عصمت منصور - بخطى طليقة- بداية التراجع والانحدار















المزيد.....

بخطى طليقة- بداية التراجع والانحدار


عصمت منصور

الحوار المتمدن-العدد: 7480 - 2023 / 1 / 2 - 12:15
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


لم يكن للمسار المتعرج ورحلة النضال الشاقة التي سارت عليها الحركة الفلسطينية الأسيرة، أن يستمر في منحاه التصاعدي، بمعزل عن مسار موازٍ تسير به حركة الثورة في الخارج، وهي الحركة الأم والأصل، وهي التي أنتج فعلها ونضالها ومقاومتها للاحتلال، ظاهرة الأسر، وربط بينهما وغذاهما، منذ أول لحظة، حبل سرة سري واحد.
أدى انطلاق مفاوضات مدريد – واشنطن ثم أوسلو، وتوصُّل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى اتفاق جرى ترتيبه سرا والكشف عنه في13-9-1993 مع حكومة الاحتلال ، وهو ما عرف لاحقا باتفاق اوسلو، أو اتفاق إعلان المبادئ لترتيبات المرحلة الانتقالية، الى زلزال هزّ قلاع الأسر من جذورها، وأحدث فيها تحولات جذرية قادت بمجملها الى قطع مسارها الصاعد وانكفائها على ذاتها وبدء مرحلة الانحدار الأخطر في تاريخها والتي ما زالت تعاني من تداعياتها حتى اليوم.
ترك اتفاق اوسلو الأسرى في السجون، وليس ذلك فحسب، بل انه ألقى بظلاله على حياتهم، وساهم في تجزئتهم وتقويض الأساس المعنوي والسياسي والنضالي الذي شيدوا عليه صرحهم العظيم على مدى ثلاثة عقود ونيف.
كان الوجود في الأسر يعد استجابة طبيعية لقانون الصراع، وتعبيرا عن رفض الاحتلال، وشكلا من أشكال تقريب لحظة زواله، كون هذا الاحتلال يشكل بالنسبة للفلسطينيين عموما النقيض المباشر لتطلعاتهم الوطنية والإنسانية، وقد وجدوا نقطة توازن وحالة انسجام بين الاحتلال ومقاومته، وكون تناقضهم معه تناقضا رئيسيا، وبين الوجود داخل السجون، وهي معادلة اختلت بشكل مخيف وغير قابل للاحتواء بعد ان صافح قادتهم عدوهم، وعقدوا اتفاقيات معه، وشيدوا سلطة على الأرض، بينما بقوا هم في زنازينهم وسجونهم، مجردين من أهم ركيزة اعتمدوا عليها في صمودهم: وحدة شعبهم والتماهي المطلق بينهم وبين قيادة ثورتهم ونضالها.
بدل أن يفرج عنهم وأن يتم الاعتراف بهم أسرى حرب ومقاتلين من أجل الحرية، وجد الأسرى انفسهم يقيّدون بالأصفاد ويُرحّلون من قلب المدن المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، الى سجون داخل الخط الأخضر، ويخلّفون وراءهم ذكرياتهم وسنوات عذابهم ونضالهم في السجون التي تركوها لتتحول الى مقرات للأمن وسجون ومقارّ حكم للسلطة الجديدة التي عاشوا مشاعر متناقضة تجاهها، فهي الممثل السياسي والنضالي الذي قاد نضالهم من جهة، وهي أيضا الجهة التي وقعت اتفاق سلام لم ينه الاحتلال ولا حررهم من السجون، ولا هو حتى أنصفهم معنويا بالاعتراف بهم كأسرى حرب.
مزق اتفاق اوسلو الحركة الأسيرة وأضعف بنيتها من خلال نقلها الى داخل الخط الأخضر. ونجم عن هذا الاتفاق الإفراج عن أعداد محدودة من الأسرى، ضمن معايير وتصنيفات ميزت بينهم على أسس جغرافية (أسرى الداخل المحتل عام 1948، وأسرى القدس، مقابل أسرى الضفة الغربية وقطاع غزة) وعلى أسس سياسية (بين مؤيد ومعارض للاتفاق)، إلى جانب اسس ومعايير تتعلق بالتهمة (ملطخة ايديهم بالدماء وغير ملطخة وحتى هذه لها تصنيفاتها الفرعية ذات الطابع العنصري الذي يميز بين دماء اليهود وغير اليهود) وهي سياسات لم تكن لها آثار معنوية فقط، بل انعكست على تركيبة السجون، حيث ظهرت لأول مرة حركة حماس والجهاد الاسلامي كقوى كبيرة بفعل معارضتها الفعلية العسكرية للاتفاق، واعتقال المئات من أنصارها ونشطائها، بالتزامن مع الإفراج عن الآلاف من أبناء حركة فتح وبعض فصائل منظمة التحرير ممكن انطبقت عليهم المعايير التي وضعها الاحتلال، وبخاصة من المؤيدين لاتفاق أوسلو.
مظاهر التراجع والانحدار تمثلت في تغليب الهم الشخصي ودخول الصراعات السياسية وحالة الانقسام الى داخل قلاع الأسر، الى جانب تراجع حضور ودور المؤسسات الاعتقالية التمثيلية الجامعة بفعل الخلافات السياسية والتقاليد والايديولوجيا الجديدة التي حملتها الحركات الاسلامية.
ما قبل نقلهم الى سجون داخل الخط الأخضر، وبفعل الإحباط وحالة القلق على مصيرهم بعد ان تجاهلتهم الاتفاقيات، قررت مجموعة كبيرة من الأسرى في سجن جنيد، إعلان أول إضراب سياسي في تاريخ الحركة الأسيرة.
الإضراب الذي كان ينتظر ان يكون ذروة تطور الحركة الأسيرة ونضجها وإخضاعها للظروف والعوامل الذاتية والموضوعية، وتتويج نضالها بالاعتراف بها وبنضالها، ووضعها على عتبة الحرية، شكّل في حقيقة الأمر العلامة الكبرى على درجة التخبط والانحدار التي وصلت ليها.
كان المطلب الوحيد للإضراب، الذي اعلن في سجن جنيد في نابلس في منتصف 1995 هو مطلب "الحرية"، وهذا الهدف الصعب لم يتحقق بفعل التحضير المتعجل للإضراب، وغياب الرؤية، وعدم نضوج الظروف، بل انه زاد من مشاعر الإحباط وخيبة الأمل لدى معظم الأسرى.
من ثقب سيارة نقل الأسرى "البوسطة" التي أقلتهم الى سجون الداخل، شاهد الأسرى أحلامهم تتحطم، وقضيتهم تتجزأ، وعاشوا حالة من عدم اليقين، خاصة ان السجان الذي يرفض الإفراج عنهم، يجلس على طاولة واحدة وينسق مع قيادتهم.
أفرغ الواقع الجديد كثيرا من الشعارات التي شكلت زادا معنويا للصمود من مضمونها، وأصبح هدف الخلاص الفردي واللحاق بالقافلة واحتلال موقع هو الهاجس الأول لدى فئة مهمة من الأسرى، وبخاصة من حركة فتح التي هي حزب السلطة وعمودها الفقري، بينما أسرى أحزاب المعارضة، ومنتسبي الفصائل الاسلامية منها بشكل خاص، فقد اعتبروا ان مشروعهم السياسي ما زال في بدايته، وأنهم هم ركيزته الأساسية، وخاصة ان أعدادهم في تزايد والكتلة المقابلة في حالة تفكك عدديا ومعنويا.
كانت سنوات التسعينات من القرن الماضي هي السنوات التي أعيد فيها صياغة الحركة الأسيرة، لا سيما وأن مخططات مديرية السجون وسياساتها لم تتغير، وبقيت على عدوانيها القديمة.
في هذا العقد حدث لأول مرة ان خاص مجموعة من الأسرى أول إضراب سياسي، وامتنعوا عن تناول الطعام بينما زملاؤهم من حركة حماس في ذات السجن غير مضربين، وهو مشهد تكرر عندما أضرب أسرى حماس في نهاية التسعينات إضرابا مطلبيا لإخراج زملائهم من العزل الانفرادي، بينما ظلّ أسرى منظمة التحرير غير مضربين.
كان يمكن لهذا المشهد ان يسجل أكثر اللحظات انحدارا في مسار الحركة الاسيرة، لو لم تتبعه سلسلة اضرابات فردية وحالة انقسام على أساس سياسي بعد الانقلاب/ أو الحسم العسكري كما يسميه مؤيدوه الذي قادته حركة حماس على السلطة في غزة، والذي استغلته مديرية السجون لتزرع مسمارا جديدا في جسد الحركة الأسيرة وتفصل بين الأسرى وتضع أسرى كل تنظيم في أقسام وسجون مختلفة.
ان معادلة ارتباط زوال السجون بزوال الاحتلال، وتحقيق الانتصار أثبتت ذاتها مرة اخرى، وهي البوصلة التي ما زالت الحركة الأسيرة تهتدي بها في محاولاتها النهوض من جديد، والتخلص من كل ما علق من مرحلة اوسلو، لكنه الواقع وتعقيداته وشروطه الموضوعية، التي تحتاج الى عوامل وروافع ذاتية ما زالت غائبة وان كانت بشائرها بدأت في الظهور.
ربما تعد فترات الانحدار والتراجع أقصر عمرا من فترات النهوض، إلا أنها هي الأخرى لها ملامحها وأعراضها وآثارها التي لا بد ان ترصد وتدرس ويستفاد منها.



#عصمت_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بخطى طليقة- الذروة
- بخطى طليقة -المعايير السلوكية للأسير الفلسطيني
- بخطى طليقة - تحويل الأسر الى ظاهرة خلاقة
- بخطى طليقة- غرف العار
- بخطى طليقة - إضراب البسكويت
- بخطى طليقة - تجربة بيت ليد
- بخطى طليقة - الأمن
- بخطى طليقة- التبادل
- بخطى طليقة- الاوائل
- بخطى طليقة - الرعيل الأول
- بخطى طليقة - المخاض
- خطى طليقة مرحلة الإنفلاش
- بخطى طليقة - إضراب
- بخطى طليقة.. أزمة التكيف.
- التنافس على ضمّ آيزنكوت في الانتخابات الإسرائيلية القادمة
- حقول الغاز الإسرائيلية اللبنانية المشتركة: فرص ومخاطر
- معايير صفقات تبادل الأسرى وفيديو هشام السيد
- محاولات قتل الشهود في قضية شيرين أبو عاقلة
- إسرائيل والتعامل مع نتائج التحقيقات في اغتيال شيرين أبو عاقل ...
- شيرين ابو عاقلة واختراق الجدار الحديدي


المزيد.....




- السعودية تنفذ رابع إعدام من عائلة الرويلي خلال نحو أسبوع
- رياض منصور يطالب الأمم المتحدة بمنح فلسطين العضوية والضغط لإ ...
- نيبينزيا: عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ستقابلها مفاوضات فلس ...
- إسرائيل لواشنطن: سننتقم من السلطة الفلسطينية إذا أصدرت الجنا ...
- إسرائيل تبلغ واشنطن بأنها ستعاقب السلطة الفلسطينية إذا صدرت ...
- إسرائيل تحذر أمريكا: سنعاقب السلطة الفلسطينية حال أصدرت الجن ...
- السعودية.. حكم بسجن مناهل العتيبي 11 عامًا ومنظمات حقوقية تط ...
- اعتقال 300 محتج بجامعة كولومبيا وأنصار الاحتلال يهاجمون اعتص ...
- الأمم المتحدة: حجم الدمار في غزة هائل وأكبر من أوكرانيا
- من حرب غزة لأوكرانيا.. حرية التعبير في فرنسا تحت مقصلة العقو ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عصمت منصور - بخطى طليقة- بداية التراجع والانحدار