|
قيمة الحرية بالرواية الموسومة الغثيان لجان بول سارتر.
حسن ابراهيمي
الحوار المتمدن-العدد: 7474 - 2022 / 12 / 26 - 20:58
المحور:
الادب والفن
تأتي الرواية الموسومة الغثيان لجان بول سارتر في اطار سياق تاريخي اتسم بالسيرورة التاريخية للفرز الطبقي في فرنسا ، وما افرزه من نقاش انخرط فيه مجموعة من المثقفين ، هذا الاخير صاحب مجموعة من التحولات التي مرت بها فرنسا مست مختلف بنياتها المادية ، والفكرية . كل ذلك من أجل تنوير المجتمع الفرنسي ، والمساهمة في تغيير التعاقد بين الشعب الفرنسي ، والسلطة ، لصالح الشعب . من هذا المنطلق كانت الحرية من بين القيم التي ناضل من اجلها المثقفون ، حيث كانت من بين المواضيع التي تضمنتها مقالات فكرية ، فلسفية ، كما تضمنتها مضامين الرواية التي نحن بصدد دراستها . وبالتالي فان هذه القيمة وردت بشكل مباشر ، او بشكل غير مباشر على السنة الشخصيات الروائية ، حيث تغذيها رؤية فلسفية كانت اساس جملة من الاحداث التي دارت ضمن هذه الرواية . انه من الواضح أن هذه الرؤية التي كرسها السارد في اطار علاقته بالشخصيات الروائية مؤطرة بمذهب فلسفي اصطلح عليه بالوجودية . إذ على الرغم من كون الكتاب اخذ جنس الرواية ، الا أنها جاءت عبارة عن شذرات طبعها التأمل الفلسفي من أول الرواية الى اخرها . من هذا المنطلق حاول السارد أن يخبرنا بوقائع ، بوسطة احداث روائية اتت على السنة الشخصيات الروائية ، كان الهدف منها استقصاء واقع بعض المدن ليس بفرنسا فقط ، ولكن ايضا هذا الاستقصاء شمل مدنا ببعض الدول موضوع الاستقصاء . ولعل السبب في ذلك بتقديري هو ان السارد مهووس بإيصال مذهب فلسفي الى مدن أخرى من أجل تعميم قيمة الحرية ، واعطاء اهمية للإنسان ، ورد الاعتبار له بعد سنين طويلة من القهر ، والمعاناة . ان الاقطاع وما خلفه من تراكم للمشاكل مست كرامة الانسان ، ان هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان لم تظهر بفرنسا فقط ، ولكنها شملت اوربا ، كما شملت دولا اخرى غير اوربية ، من هذا المنطلق يعتقد السارد أن الوجودية التي يناضل من اجلها سوف تكون بمثابة الخلاص لكل المقهورين . لهذا يتضح أن السارد بواسطة الشخصيات الروائية انخرط في نقاش ، كان الهدف منه التعبير عن الرغبة في احداث تحولات كبرى في واقع التاريخ الفرنسي ، وفي غيرها . بالتدخل لوضع حد للشطط في استعمال السلطة , وممارسة القمع ضد مواطنين عزل ، كل ذلك في اطار احتكار السلطة ، وممارسة الاستبداد ، والفساد ، وتهميش الشعب الفرنسي صاحب السيادة ، وصاحب القرار، وما خلفه ذلك من جهل ، وامية ، وبالتالي تخلف السؤال الفلسفي الذي كان مطروحا من قبل . لهذا جاءت أغلب مضامين الرواية يستشف منها انها تطرح سؤال ضرورة تدخل الفلسفة ، اقصد المذهب الوجودي للمساهمة في نشر الوعي عند المواطنين الفرنسيين ، وغيرهم ، في افق دفعهم لبناء وعي جماعي جديد ، اذ هو الكفيل ببناء الديموقراطية ، وخلاص المواطنين من العبودية المفروضة عليهم لسنين طوال . ان الهدف من هذا المذهب الفلسفي هو اعادة الاعتبار للفرد ، للانسان من حيث كونه انسان ، ومن تم يلاحظ ان بعض الاحداث الروائية كان الهدف منها خلخلة منظومة قيم المجتمع الفرنسي ، اقصد القيم السائدة ، وبناء الفرد بناء على قيم جديدة تمكنه من القطع مع واقع كثيرا ما استعبده لصالح جبروت السلطة . ومن اجل ذلك جاءت قيمة الحرية مؤطرة بمذهب فلسفي ، ضمن قوالب فنية ادبية من أول الرواية الى اخرها . يبدو اذن ان هدف السارد هو دفع الشخصيات الروائية الى الكشف عن واقع مزري تنعدم فيه الحريات ، والحقوق ، ومن تم الانخراط في واقع جديد برؤى مخالفة لما كان عليه الامر من قبل ، اي بوعي مؤسس على خلفيات فلسفية ، وبالتالي المساهمة في الربط بين الفلسفة ,والادب من اجل اعادة الاعتبار للانسان ، بواسطة علوم ، ومعارف ينبغي تعميمها ، وجعلها اسسا في التربية ، بل جعلها اساسا لمختلف العلاقات داخل المجتمع الفرنسي ، وخارجه . انه لمن البديهي ان يشير السارد الى علة ما توجد داخل الجسم الفرنسي ، بل خارجه ،هذه العلة عبر عليها بالغثيان ، هذا الاخير له دلالة بارزة ، ويتعلق الامر بمرض التخلف الذي ينخر جسم فرنسا ، كما ينخر غيرها من الدول ، وبالتالي لا سبيل للقطع مع هذه العلة الا بالانخراط في واقع جديد مبني على نشر العلم ، والمعرفة ، وما الوجودية الا شرطا للقطع مع واقع التخلف هذا . ان الانتقال من طور التخلف الى طور التقدم يقتضي الانخراط في خلق شرط يضمن هذا الانتقال ، هذا الشرط هو الانسان المشبع بمذهب الوجودية ، الانسان الحر ، الانسان الذي يستطيع ان يبني واقعا جديدا ضمن اطار تحولات عميقة يرجى ان تعرفها فرنسا ، الى جانب غيرها من الدول . وفي الاخير اعتقد ان هذه الرواية جاءت لتؤرخ لمرحلة زمنية مرت بها فرنسا ، كما مرت بها غيرها من الدول ، لذلك كان هم السارد الاكبر هو المساهمة في بناء غد افضل تستفيد منه الانسانية ، هذا الغد ينبغي ان يبنى على مستجدات العلم ، والفلسفة .
#حسن_ابراهيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهوة دفن الغواصات .
-
عين زوبعة على الركح .
-
تمحور الشكل في ثقافتنا العربية .
-
زغاريد تمارس عشق الوطن .
-
وشم على قبر الضحية .
-
زغاريد قماش للرقص بنصف هلال .
-
كبوة تغازل دخانا دون هوية .
-
البحث عن التخلص من الهيمنة الذكورية من خلال رواية كوفيد
...
-
قطف جمرة .
-
تخصيب ألحان الملائكة .
-
عطب بشفق على السرير.
-
مرَج بتربة نُعنع .
-
درج من النصر للخروج .
-
خصبا كمقلة النبيذ
-
تصوير بعض مظاهر الصراع الطبقي بالرواية الموسومة المطاردون لل
...
-
مجد يفرَه الحريق
-
أمشاج أنين على الأشواك .
-
مطلب الديموقراطية وأسسها بالدول العربية .
-
زراعة رائحة عطر في شهية التاريخ .
-
طهو السراب .
المزيد.....
-
ماذا قالت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز بشهادتها ضد ترامب؟
...
-
فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
-
شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما
...
-
-نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا
...
-
فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
-
من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت
...
-
تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف
...
-
قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع
...
-
-روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
-
تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|