أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - يستحيل تعايش ليبرالية مع الأبارتهايد في إسرائيل















المزيد.....


يستحيل تعايش ليبرالية مع الأبارتهايد في إسرائيل


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 7474 - 2022 / 12 / 26 - 12:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأبارتهايد وليد السياسات العنصرية والاستراتيجيا الإقصائية

ينفي الأكاديمي الأميركي لورنس دافيدسون وجود الليبرالية في نظام إسرائيل السياسي، وذلك في معرض انتقاده لمقال كتبه ثوماس فريدمان، المعلق بصحيفة نيويورك تايمز، ينعي الليبرالية ضحية التشكيلة الوزارية الجديدة . يعيب دافيدسون على فريدمان انه لا ياخذ في اعتباره الأبارتهايد في إسرائيل ك"خيار تاريخي"؛ وبذا فهو "عاجز عن الإمساك بالحقيقة القائلة ان العنصرية في لب الثقافة والنشاط السياسي في إسرائيل مقدر لها ان تقوض اية دوافع إنسانية داخل ذلك المجتمع، حتى تلك الدوافع التي تؤثر على الإخوة اليهود". نظام أبارتهايد في إسرائيل ينقض الليبرالية، ويحيل العرب مجموعة يتوجب "الضغط عليهم ليرحلوا الى البلدان العربية المجاورة. جعلت إسرائيل من هذا الموقف أمرا محتما عن طريق إقامة منذ البداية مجتمعا توسعيا تمييزيا يحدده الدين مسوما بالعرق.
لورنس دافيدسون أستاذ التاريخ بجامعة ويست تافت بولاية بنسيلفانيا، يكتب تحليلات لمواضيع السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة وفي القانون الدولي والإنساني وممارسات إسرائيل الصهيونية وسياساتها منذ العام 2010. وهذه المقالة المنشورة في 19 ديسمبر / كانون اول نقلتها مجلة كونسورتيوم نيوز عن موقعه الإليكتروني. وفي ما يلي ترجمة لنص المقالة:

ليست انتخابات الأول من نوفمبر الماضي هي الأولى التي يتمخض عنها حكومة سيئة ؛ حقا في مرات ثلاث على الأقل عبر تاريخ إسرائيل القصير اختار الناخبون اليهود في إسرائيل متعصبين متزمتين إيديولوجيا (في تلك الحالات تميزوا بماض إرهابي ساطع) كي يحكموها: أسحق شامير وأرييل شارون وميناحيم بيغن.
لم تنقض تلك الأحكام الاستثنائية للناخبين بشكل ما الشخصية القومية لإسرائيل. كان كل منها، كما هي الحالة الآن، حصيلة منطقية لوجهة النظر القومية – تمثلها إيديولوجيا دولة إسرائيل الصهيونية- التي كانت ولم تزل عنصرية في الأساس، والتي في حالات متعددة ، غالبا ما صُعِّدت الى ذرى مسعورة كردود أفعال لمقاومة الضحاياها الفلسطينيين.
وعلى كل حال ، غالبا ما يقلل أنصار إسرائيل في الخارج من أهمية هذه الحقائق؛ فهم بذلك شهادة على الخرافة التي روجتها قوة البروباغاندا بصدد إسرائيل الديمقراطية الليبرالية-إسرائيل الممثلنة التي يعرف الكثيرون في قلوبهم انها يجب أن تكون إسرائيل الحقيقية. احد أولئك الذين يبدو أنهم يخلطون المثالي بالحقيقي هو ثوماس فريدمان ، المعلق بصحيفة نيويورك تايمز، والذي يكتب في الغالب عن إسرائيل.
ففي مقال عنوانه " إسرائيل التي نعرفها مضت وانقضت" كتب فريدمان كما لو أن حكومة نتنياهو الوشيكة ستكون فريدة في بابها: "تحالف هش مكون من قادة أرثوذكسيين متطرفين وسياسيين قوميين متطرفين، بمن فيهم بعض المعتزين بعنصريتهم ويهود متطرفين في عدائهم للعرب، كانوا من قبل معتبرين خارج أعراف وحدود السياسات الإسرائيلية." يقصد فريدمان "إيتامار بن غفير ، الذي أدانته محكمة إسرائيلية عام 2007 بالعنصرية وتقديم الدعم لمنظمة إرهابية يهودية"، وكذلك " بيزاليل سموتريتش، زعيم الحزب الديني دعا إسرائيل منذ زمن بعيد لضم الضفة الغربية" ودافع عن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين.
لا يصدق فريدمان أن هؤلاء الأفراد ، او الأحزاب التي يقودونها، يمثلون إسرائيل التي يعرفها؛ وعلى كل حال فإن سحناتهم وأهدافهم تختلف قليلا عن شامير ، شارون او بيغن. ما هو مختلف ، أو كما يطرح فريدمان " خارج حدود وأعراف السياسات الإسرائيلية" أولئك الرجال المزعجين ديبلوماسيا ، المفضوحين أمام الرأي العام، امثال بن غفير وسموتريتش ، مضافا اليهم رغبة نتنياهو في التضحية بخرافة ليبرالية إسرائيل كي يستعيد السلطة .
كل ذلك شكل صدمة لفريدمان ورؤيته المفضلة للدولة اليهودية؛ فهي تشكل " واقعا لم يفكر فيه احد من قبل... نتنياهو يسوق إسرائيل الى حيث لم يأخذها سياسي إسرائيلي من قبل "، هكذا يستنتج فريدمان أن "إسرائيل التي نعرف قد مضت وانقضت".

الأبارتهايد هو حقيقة إسرائيل

كي نبين عدم واقعية تحليل فريدمان نأخذ في الاعتبار النقاط التالية: عام 2021 قدمت ثلاث منظمات حقوق الإنسان مشهود لها بالاستنتاجات الموثوقة، تقارير عامة مبنية على وقائع حقيقية تظهر إسرائيل، من حيث الثقافة وسياسات الحكومات، دولة تمارس الأبارتهايد.( الأبارتهايد "نظام عزل ممأسس وتمييز بناء على العنصر" أعلن جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي).
بيتسيلم ، المنظمة الإسرائيلية لحقوق الإنسان، اعلنت تقريرها في يناير 2021، وأعلنت امنيستي إنترناشيونال تقريرها في شباط ، اما هيومان رايتش ووتش فقد قدمت تقريرها في شهر إبريل. وفي اكتوبر 2022 أصدرت الأمم المتحدة تقريرا وصف سلوك إسرائيل في المناطق التي تحتلها بأنه نظام " استيطان كولنيالي".
الأبارتهايد ليس بالشيء الذي افاق اليهود الإسرائيليون ذات صباح ووجدوه قائما؛ انه الخيار التاريخي- خيار يبدو أن ثوماس فريدمان يعيره القليل من الاعتبار. هكذا فحين يصف الوضع الراهن لا يشير الى ان هدف الصهيونية كان ولم يزل الاستحواذعلى كامل فلسطين مع بقاء عدد قليل ما امكن من الفلسطينيين. بدلا من ذلك يشير الى مجموعة منفصلة من الإسرائيليين " ممن كرهوا العرب على الدوام" وزيادة عددهم نتيجة " احتدام درامي للعنف-طعن بالسكاكين، إطلاق نار، حروب عصابات والجريمة المنظمة- من جانب العرب الإسرائيليين...ضد اليهود الإسرائيليين ، وبوجه خاص في المجتمعات المختلطة". في نظر الليكود اليميني والاحزاب الدينية وحركة الاستيطان ، لم يحدث هذا العنف لأن إسرائيل دولة أبارتهايد؛ بل نظرا لكون إسرائيل كانت ولم تزل، في نظرهم، تتخذ تجاه الفلسطينيين مواقف ليبرالية زائدة عن الحد.
والأن حان الوقت لوضع حد لتوجه التسامح المزعوم. واحد شعارات نتياهو السياسية الأكثر نجاحا كان: "أجل ، كفى" .

العنصرية تهري جميع نوابض الإنسانية

أخيرا تسبب بالخوف لفريدمان نجاح نتنياهو في تحشيد اليمين بتعدد اوجهه ، الذي لم يفتر نشاطه، إن لم يكن متحدا سياسيا؛ إنه قلق من أن إسرائيل في قبضة جيشان" تطرف قومي عام" . ننقل عن موشيه هالبرتال، الفيلسوف اليهودي بالجامعة العبرية، قوله،" ما نراه الأن تحول اليمين الصقري من هوية سياسية مبنية على التركيز على ’ العدو الخارجي‘ – الفلسطينيين- الى ’العدو بالداخل‘- عرب إسرائيل.
يبني هالبرتال تحليله على انشطار تناحري زائف. لم يحدث ان ميزت الصهيونية بشكل جاد بين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الخارج. فهم جميعا، في نظر العديد من الصهاينة، عرب يتوجب الضغط عليهم ليرحلوا الى البلدان العربية المجاورة. جعلت إسرائيل من هذا الموقف أمرا محتما عن طريق إقامة منذ البداية مجتمعا توسعيا تمييزيا يحدده الدين مسوما بالعرق.
الآن يبدو البحث السابق عن تسوية تقوم على " عملية سلام" أو "حل الدولتين" مجرد حيل لكسب الثقة استمرت طويلا ساعدت على لفت انتباه العالم عن الهدف الحقيقي لإسرائيل. وبالإشارة الى "إسرائيل التاريخية" ظل على الدوام برنامج الاحتلال والاستيطان الظاهرتان الأبرز والحصيلة الوحيدة المقبولة للصهاينة الممسكين بالسلطة.
وهناك طريقة أخرى من خلالها أثارت الظروف الراهنة استياء ثوماس فريدمان؛ فهو يقول:"تحالف نتنياهوهاجم أيضا المؤسسات الحيوية المستقلة التي تثبت ديمقراطية إسرائيل، وهي المسئولة ، من بين اشياء اخرى، عن حفظ حقوق الأقلية" . إن مؤسسات من نمط نظم القضاء الأدنى، والميديا والمحكمة العليا قد جرى تنظيمها من خلال " وصعها تحت السيطرة السياسية لليمين".

على كل حال فالسعي للتحكم في المؤسسات الاجتماعية مجهود لم يبذل بصورة أولية ضد الفلسطينيين؛ فهو يعكس كراهية اليمين لليسار ( وكما يجري بالولايات المتحدة فالكراهية يبدو انها كلمة قابلة للتشغيل) ، ومواقف صهاينة المركز بصدد مسائل تؤثر على اليهود في إسرائيل: من هو اليهودي؟ ، "حقوق الأقلية" للآزواج من نفس الجنس، المثليين، قضايا النساء،اليهود الإصلاحيين وغيرهم من المهمشين .
يبدو ان فريدمان عاجز عن الإمساك بالحقيقة القائلة ان العنصرية في لب الثقافة والنشاط السياسي في إسرائيل مقدر لها ان تقوض اية دوافع إنسانية داخل ذلك المجتمع، حتى تلك الدوافع التي تؤثر على الإخوة اليهود.
أخيرا يبدي فريدمان الاهتمام " بمستقبل اليهودية في إسرائيل", وحسنا فعل . بالرجوع الى الفيلسوف اليهودي هالبرتال، يلاحظ أن " التوراة تدعم المساواة بين الشعوب كافة والفكرة القائلة بأننا جميعا مخلوقون على صورة الرب".
يطلب من الإسرائيليين من بين شعوب الأرض احترام حقوق الأقلية لاننا ، كيهود، نعرف كيف يكون حاال الأقلية؛ وهذا مبدأ أخلاقي يهودي عميق.[ دافيدسون يهودي الديانة يؤمن انها تدو الى المساواة بين الشعوب]
إذن ما سبب ضعف هذا الجوهر من تعاليم اليهودية داخل إسرائيل الصهيونية؟ لم يمسك فريدمان ولا هالبرتال بالسبب الجذر- الطبيعة العنصرية تاريخيا ، وبالفعل الأبارتهايد في دولة إسرائيل . لم يمسكا بجذر المسألة، لآن خرافة إسرائيل الليبرالية قد أصابتهما بالعمى، وهي الأن تواجه المخاطر ربما بسبب مقاومة الفلسطينيين .
ينقل عن هالبرتال شكواه " عندما تواجه تلك المخاطر الأمنية الداخلية في الشارع كل يوم، يغدو أسهل كثيرا على الإيدلوجيات البشعة ان تُقلع بجهدها الخاص.
ان تأكيد فريدمان أن " إسرائيل التي عرفناها قد مضت وانقضت" هي وهم الى حد كبير، في الشطر الجيد؛ فإسرائيله لم توجد قط . بالتأكيد ، كان يوجد، وما زال يوجد، واجهة من الديمقراطية الشكلية- شيء ما مثل " الديمقراطية " في ألاباما، الولاية الأميركية في عقد الخمسينات.
تتطور الأمور في الوقت الراهن نحو المزيد من العنصرية، بيزاليل سموتريتش ، أحد المنفرين في نظر فرييدمان، قد أعلن ان حقوق الإنسان والمؤسسات الداعمة لتلك الحقوق تشكل " خطرا وجوديا" لإسرائيل. ومعظم الإسرائيليين سوف يمضون مع هذا التأكيد ، على الأقل فيما يتعلق بالفلسطينيين؛ فذلك يلائم تاريخا من الحساسيات الإسرائيلية.
بعد كل هذا يمضي الاحتلال بكل ما يلازمه من مجد لا أخلاقي خلال نصف قرن بدون معارضة تذكر من معظم اليهود في إسرائيل وأنصارهم في المهجر.
ما تراه الآن جليا للعموم وظل كذلك هو على الدوام ثقافة إسرائيل الحقيقية وشخصيتها – حالة جرى تصميمها لمجموعة واحدة وبنيت على السيطرة على الآخرين ونهب ممتلكاتهم. انكار هذه الحالة هو إنكار للتاريخ ولمنطق أيديولوجيا الصهيونية.
والثمن؟ يجب أن يفهم ليس فقط فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، إنما بجوهر اليهودية بالذات. كلا الأمرين يدمران في آن واحد. كل هذا توجب أن يخضع فريدمان وغيره ممن يؤمنون بإسرائيل الليبرالية لكوابيس متكررة آناء الليل.


ينفي الأكاديمي الأميركي لورنس دافيدسون وجود الليبرالية في نظام إسرائيل السياسي، وذلك في معرض انتقاده لمقال كتبه ثوماس فريدمان، المعلق بصحيفة نيويورك تايمز، ينعي الليبرالية ضحية التشكيلة الوزارية الجديدة . يعيب دافيدسون على فريدمان انه لا ياخذ في اعتباره الأبارتهايد في إسرائيل ك"خيار تاريخي"؛ وبذا فهو "عاجز عن الإمساك بالحقيقة القائلة ان العنصرية في لب الثقافة والنشاط السياسي في إسرائيل مقدر لها ان تقوض اية دوافع إنسانية داخل ذلك المجتمع، حتى تلك الدوافع التي تؤثر على الإخوة اليهود". نظام أبارتهايد في إسرائيل ينقض الليبرالية، ويحيل العرب مجموعة يتوجب "الضغط عليهم ليرحلوا الى البلدان العربية المجاورة. جعلت إسرائيل من هذا الموقف أمرا محتما عن طريق إقامة منذ البداية مجتمعا توسعيا تمييزيا يحدده الدين مسوما بالعرق.
لورنس دافيدسون أستاذ التاريخ بجامعة ويست تافت بولاية بنسيلفانيا، يكتب تحليلات لمواضيع السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة وفي القانون الدولي والإنساني وممارسات إسرائيل الصهيونية وسياساتها منذ العام 2010. وهذه المقالة المنشورة في 19 ديسمبر / كانون اول نقلتها مجلة كونسورتيوم نيوز عن موقعه الإليكتروني. وفي ما يلي ترجمة لنص المقالة:

ليست انتخابات الأول من نوفمبر الماضي هي الأولى التي يتمخض عنها حكومة سيئة ؛ حقا في مرات ثلاث على الأقل عبر تاريخ إسرائيل القصير اختار الناخبون اليهود في إسرائيل متعصبين متزمتين إيديولوجيا (في تلك الحالات تميزوا بماض إرهابي ساطع) كي يحكموها: أسحق شامير وأرييل شارون وميناحيم بيغن.
لم تنقض تلك الأحكام الاستثنائية للناخبين بشكل ما الشخصية القومية لإسرائيل. كان كل منها، كما هي الحالة الآن، حصيلة منطقية لوجهة النظر القومية – تمثلها إيديولوجيا دولة إسرائيل الصهيونية- التي كانت ولم تزل عنصرية في الأساس، والتي في حالات متعددة ، غالبا ما صُعِّدت الى ذرى مسعورة كردود أفعال لمقاومة الضحاياها الفلسطينيين.
وعلى كل حال ، غالبا ما يقلل أنصار إسرائيل في الخارج من أهمية هذه الحقائق؛ فهم بذلك شهادة على الخرافة التي روجتها قوة البروباغاندا بصدد إسرائيل الديمقراطية الليبرالية-إسرائيل الممثلنة التي يعرف الكثيرون في قلوبهم انها يجب أن تكون إسرائيل الحقيقية. احد أولئك الذين يبدو أنهم يخلطون المثالي بالحقيقي هو ثوماس فريدمان ، المعلق بصحيفة نيويورك تايمز، والذي يكتب في الغالب عن إسرائيل.
ففي مقال عنوانه " إسرائيل التي نعرفها مضت وانقضت" كتب فريدمان كما لو أن حكومة نتنياهو الوشيكة ستكون فريدة في بابها: "تحالف هش مكون من قادة أرثوذكسيين متطرفين وسياسيين قوميين متطرفين، بمن فيهم بعض المعتزين بعنصريتهم ويهود متطرفين في عدائهم للعرب، كانوا من قبل معتبرين خارج أعراف وحدود السياسات الإسرائيلية." يقصد فريدمان "إيتامار بن غفير ، الذي أدانته محكمة إسرائيلية عام 2007 بالعنصرية وتقديم الدعم لمنظمة إرهابية يهودية"، وكذلك " بيزاليل سموتريتش، زعيم الحزب الديني دعا إسرائيل منذ زمن بعيد لضم الضفة الغربية" ودافع عن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين.
لا يصدق فريدمان أن هؤلاء الأفراد ، او الأحزاب التي يقودونها، يمثلون إسرائيل التي يعرفها؛ وعلى كل حال فإن سحناتهم وأهدافهم تختلف قليلا عن شامير ، شارون او بيغن. ما هو مختلف ، أو كما يطرح فريدمان " خارج حدود وأعراف السياسات الإسرائيلية" أولئك الرجال المزعجين ديبلوماسيا ، المفضوحين أمام الرأي العام، امثال بن غفير وسموتريتش ، مضافا اليهم رغبة نتنياهو في التضحية بخرافة ليبرالية إسرائيل كي يستعيد السلطة .
كل ذلك شكل صدمة لفريدمان ورؤيته المفضلة للدولة اليهودية؛ فهي تشكل " واقعا لم يفكر فيه احد من قبل... نتنياهو يسوق إسرائيل الى حيث لم يأخذها سياسي إسرائيلي من قبل "، هكذا يستنتج فريدمان أن "إسرائيل التي نعرف قد مضت وانقضت".

الأبارتهايد هو حقيقة إسرائيل

كي نبين عدم واقعية تحليل فريدمان نأخذ في الاعتبار النقاط التالية: عام 2021 قدمت ثلاث منظمات حقوق الإنسان مشهود لها بالاستنتاجات الموثوقة، تقارير عامة مبنية على وقائع حقيقية تظهر إسرائيل، من حيث الثقافة وسياسات الحكومات، دولة تمارس الأبارتهايد.( الأبارتهايد "نظام عزل ممأسس وتمييز بناء على العنصر" أعلن جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي).
بيتسيلم ، المنظمة الإسرائيلية لحقوق الإنسان، اعلنت تقريرها في يناير 2021، وأعلنت امنيستي إنترناشيونال تقريرها في شباط ، اما هيومان رايتش ووتش فقد قدمت تقريرها في شهر إبريل. وفي اكتوبر 2022 أصدرت الأمم المتحدة تقريرا وصف سلوك إسرائيل في المناطق التي تحتلها بأنه نظام " استيطان كولنيالي".
الأبارتهايد ليس بالشيء الذي افاق اليهود الإسرائيليون ذات صباح ووجدوه قائما؛ انه الخيار التاريخي- خيار يبدو أن ثوماس فريدمان يعيره القليل من الاعتبار. هكذا فحين يصف الوضع الراهن لا يشير الى ان هدف الصهيونية كان ولم يزل الاستحواذعلى كامل فلسطين مع بقاء عدد قليل ما امكن من الفلسطينيين. بدلا من ذلك يشير الى مجموعة منفصلة من الإسرائيليين " ممن كرهوا العرب على الدوام" وزيادة عددهم نتيجة " احتدام درامي للعنف-طعن بالسكاكين، إطلاق نار، حروب عصابات والجريمة المنظمة- من جانب العرب الإسرائيليين...ضد اليهود الإسرائيليين ، وبوجه خاص في المجتمعات المختلطة". في نظر الليكود اليميني والاحزاب الدينية وحركة الاستيطان ، لم يحدث هذا العنف لأن إسرائيل دولة أبارتهايد؛ بل نظرا لكون إسرائيل كانت ولم تزل، في نظرهم، تتخذ تجاه الفلسطينيين مواقف ليبرالية زائدة عن الحد.
والأن حان الوقت لوضع حد لتوجه التسامح المزعوم. واحد شعارات نتياهو السياسية الأكثر نجاحا كان: "أجل ، كفى" .

العنصرية تهري جميع نوابض الإنسانية

أخيرا تسبب بالخوف لفريدمان نجاح نتنياهو في تحشيد اليمين بتعدد اوجهه ، الذي لم يفتر نشاطه، إن لم يكن متحدا سياسيا؛ إنه قلق من أن إسرائيل في قبضة جيشان" تطرف قومي عام" . ننقل عن موشيه هالبرتال، الفيلسوف اليهودي بالجامعة العبرية، قوله،" ما نراه الأن تحول اليمين الصقري من هوية سياسية مبنية على التركيز على ’ العدو الخارجي‘ – الفلسطينيين- الى ’العدو بالداخل‘- عرب إسرائيل.
يبني هالبرتال تحليله على انشطار تناحري زائف. لم يحدث ان ميزت الصهيونية بشكل جاد بين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الخارج. فهم جميعا، في نظر العديد من الصهاينة، عرب يتوجب الضغط عليهم ليرحلوا الى البلدان العربية المجاورة. جعلت إسرائيل من هذا الموقف أمرا محتما عن طريق إقامة منذ البداية مجتمعا توسعيا تمييزيا يحدده الدين مسوما بالعرق.
الآن يبدو البحث السابق عن تسوية تقوم على " عملية سلام" أو "حل الدولتين" مجرد حيل لكسب الثقة استمرت طويلا ساعدت على لفت انتباه العالم عن الهدف الحقيقي لإسرائيل. وبالإشارة الى "إسرائيل التاريخية" ظل على الدوام برنامج الاحتلال والاستيطان الظاهرتان الأبرز والحصيلة الوحيدة المقبولة للصهاينة الممسكين بالسلطة.
وهناك طريقة أخرى من خلالها أثارت الظروف الراهنة استياء ثوماس فريدمان؛ فهو يقول:"تحالف نتنياهوهاجم أيضا المؤسسات الحيوية المستقلة التي تثبت ديمقراطية إسرائيل، وهي المسئولة ، من بين اشياء اخرى، عن حفظ حقوق الأقلية" . إن مؤسسات من نمط نظم القضاء الأدنى، والميديا والمحكمة العليا قد جرى تنظيمها من خلال " وصعها تحت السيطرة السياسية لليمين".

على كل حال فالسعي للتحكم في المؤسسات الاجتماعية مجهود لم يبذل بصورة أولية ضد الفلسطينيين؛ فهو يعكس كراهية اليمين لليسار ( وكما يجري بالولايات المتحدة فالكراهية يبدو انها كلمة قابلة للتشغيل) ، ومواقف صهاينة المركز بصدد مسائل تؤثر على اليهود في إسرائيل: من هو اليهودي؟ ، "حقوق الأقلية" للآزواج من نفس الجنس، المثليين، قضايا النساء،اليهود الإصلاحيين وغيرهم من المهمشين .
يبدو ان فريدمان عاجز عن الإمساك بالحقيقة القائلة ان العنصرية في لب الثقافة والنشاط السياسي في إسرائيل مقدر لها ان تقوض اية دوافع إنسانية داخل ذلك المجتمع، حتى تلك الدوافع التي تؤثر على الإخوة اليهود.
أخيرا يبدي فريدمان الاهتمام " بمستقبل اليهودية في إسرائيل", وحسنا فعل . بالرجوع الى الفيلسوف اليهودي هالبرتال، يلاحظ أن " التوراة تدعم المساواة بين الشعوب كافة والفكرة القائلة بأننا جميعا مخلوقون على صورة الرب".
يطلب من الإسرائيليين من بين شعوب الأرض احترام حقوق الأقلية لاننا ، كيهود، نعرف كيف يكون حاال الأقلية؛ وهذا مبدأ أخلاقي يهودي عميق.[ دافيدسون يهودي الديانة يؤمن انها تدو الى المساواة بين الشعوب]
إذن ما سبب ضعف هذا الجوهر من تعاليم اليهودية داخل إسرائيل الصهيونية؟ لم يمسك فريدمان ولا هالبرتال بالسبب الجذر- الطبيعة العنصرية تاريخيا ، وبالفعل الأبارتهايد في دولة إسرائيل . لم يمسكا بجذر المسألة، لآن خرافة إسرائيل الليبرالية قد أصابتهما بالعمى، وهي الأن تواجه المخاطر ربما بسبب مقاومة الفلسطينيين .
ينقل عن هالبرتال شكواه " عندما تواجه تلك المخاطر الأمنية الداخلية في الشارع كل يوم، يغدو أسهل كثيرا على الإيدلوجيات البشعة ان تُقلع بجهدها الخاص.
ان تأكيد فريدمان أن " إسرائيل التي عرفناها قد مضت وانقضت" هي وهم الى حد كبير، في الشطر الجيد؛ فإسرائيله لم توجد قط . بالتأكيد ، كان يوجد، وما زال يوجد، واجهة من الديمقراطية الشكلية- شيء ما مثل " الديمقراطية " في ألاباما، الولاية الأميركية في عقد الخمسينات.
تتطور الأمور في الوقت الراهن نحو المزيد من العنصرية، بيزاليل سموتريتش ، أحد المنفرين في نظر فرييدمان، قد أعلن ان حقوق الإنسان والمؤسسات الداعمة لتلك الحقوق تشكل " خطرا وجوديا" لإسرائيل. ومعظم الإسرائيليين سوف يمضون مع هذا التأكيد ، على الأقل فيما يتعلق بالفلسطينيين؛ فذلك يلائم تاريخا من الحساسيات الإسرائيلية.
بعد كل هذا يمضي الاحتلال بكل ما يلازمه من مجد لا أخلاقي خلال نصف قرن بدون معارضة تذكر من معظم اليهود في إسرائيل وأنصارهم في المهجر.
ما تراه الآن جليا للعموم وظل كذلك هو على الدوام ثقافة إسرائيل الحقيقية وشخصيتها – حالة جرى تصميمها لمجموعة واحدة وبنيت على السيطرة على الآخرين ونهب ممتلكاتهم. انكار هذه الحالة هو إنكار للتاريخ ولمنطق أيديولوجيا الصهيونية.
والثمن؟ يجب أن يفهم ليس فقط فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، إنما بجوهر اليهودية بالذات. كلا الأمرين يدمران في آن واحد. كل هذا توجب أن يخضع فريدمان وغيره ممن يؤمنون بإسرائيل الليبرالية لكوابيس متكررة آناء الليل.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار الصهيوني وتوزيع الأدوار
- شواحن الرأسمالية سياسية واقتصادية وثقافية نشطة بالولايات الم ...
- الفاشية الإسرائيلية تتوعد بتنفيذ الضم والتهجير
- كيف جلب الغرب الحرب لأكرانيا
- بتأثير غباء وعماء الحكومة الأميركية وجبن ولامبالاة القادة ال ...
- لمن يؤرقه الاحتلال الإسرائيلي تجاوز نصف القرن .. فتش في المد ...
- ميديا الغرب أذرع البروباغندا للامبراطورية الإمبريالية ومركزه ...
- النظام الأبوي تخلف وتبعية وإحجام عن التغيير
- ثورة اكتوبر -- الحلقة الرابعة والأخيرة
- ثورة اكتوبر دينامو الفكر التقدمي والتحرر الوطني والاجتماعي ( ...
- ثورة اكتوبر دينامو الفكر التقدمي والتحرر الوطني والاجتماعي ( ...
- ثورة اكتوبر دينامو الفكر التقدمي والتحرر الوطني والاجتماعي ( ...
- يتزاحم الشهداء ويحتجب أفق التحرر
- يحظر القانون الدولي على إسرائيل، دولة الاحتلال، استخدام القو ...
- الفاشية توطد ركائزها في الولايات المتحدة ويتجول شبحها في الع ...
- من أجل مقاومة وطنية تستعصي على الكسر
- قوى الشر متفوقة وتدفع البشرية نحو الدمار ..والخلاص في تفاؤل ...
- تفجير نوردستريم 1و2 ..الغاية وصاحب المصلحة
- بدون الثقافة يستحيل توطين الديمقراطية وكرامة البشر
- الفجور الأميركي


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - يستحيل تعايش ليبرالية مع الأبارتهايد في إسرائيل