أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - منارة رأس سبارطيل بطنجة ولقب -المنارة التراثية لسنة 2023-















المزيد.....

منارة رأس سبارطيل بطنجة ولقب -المنارة التراثية لسنة 2023-


عبد السلام انويكًة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 7470 - 2022 / 12 / 22 - 18:07
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


بهيبة خاصة وشموخ تطل منذ أزيد من قرن ونصف من علو حوالي ثلاثمائة متر، على ملتقى بحرين أسطوريين في زمن المغرب، معلمة بحرية بهندسة وعمارة متفردة كانت بصدى دولي تشويري رائد بأقصى شمال البلاد، حيث غرب البحر المتوسط ومضيق جبل طارق وطنجة وما هو عليه موقع هذه الأخيرة من إحالات شاهدة على روح عبق مكان وزمن وثقافة وحضارة إنسان، فضلا عن سحر مساحة تجويفات ممتدة في رمزيتها من قبيل"هرقل".
تلك هي منارة "رأس سبارطيل" التي تضفي وقعاً خاصا بسلطتها الرمزية التاريخية على جوارها من بر وبحر معا، باعتبارها واحدة من أقدم منارات العالم وأول منارة بحرية تشويرية مغربية. وقد شهدت جملة تغيرات منذ إحداثها فضلا عن اضافات بعد فرض الحماية على البلاد مطلع القرن الماضي، من قبيل تثبيت جهاز بصري لتوفير نظام متكامل لعدسة ضوئية بسعة أكبر، فضلا عن آخر يستعمل استثناء بأجواء غائمة وآخر مساعد لسفن عابرة على تحديد موقعها. علما أن قصة هذه المعلمة البحرية المغربية تعود لسنة ألف وثمانمائة وستين، إثر حادثة غرق سفينة غير بعيد عن طنجة كان ضحيتها مائتين وخمسين قتيلا، لعلها الواقعة التي دفعت قوى بحرية دولية كبرى آنذاك لمطالبة المغرب ببناء منارة في هذا المكان. وهو في ظرفية حرجة خلال منتصف القرن التاسع عشر إثر معركة ايسلي وتطوان، تم استغلال ما انتهت إليه للضغط من أجل توفير أمن ملاحة بحرية دولية بمضيق جبل طارق عبر بناء هذه المنارة على سواحله الغربية.
هكذا كانت المسألة بتدخل دولي من قِبل قناصل طنجة خاصة قناصل بريطانيا والولايات المتحدة ثم فرنسا التي كانت بحرص خاص على هذا المطلب، لِما شهدته تجارتها خلال هذه الفترة من اتساع عبر البحر الأبيض المتوسط بشكل تزامن مع حفر قناة السويس. وقد اضطر المخزن المغربي لقبول إحداث هذه المنارة مطلع ستينات القرن التاسع عشر، والتي استغرق بناءها مدة ثلاث سنوات تحت اشراف مهندس فرنسي "فرانسوا ليونس رينو، وكان بحكم تكوينه بخبرة علمية واسعة في بناء مثل هذه المنشآت البحرية سواء داخل فرنسا أو خارجها. وقد أسند بنائها بدوره للمهندس"ليون جاكي" الذي وضع لها تصميما منسجما مع طبيعة عمارة المغرب التاريخية، وجعلها ببرج مربع مع رواق وفانوس بارتفاع أربعة وعشرين متراً.
وكان الانتهاء من أشغال منارة رأس سبارطيل في خريف ألف وثمانمائة وأربعة وستين، ليبدأ نشاطها وتدبيرها من قِبل هيئة دبلوماسية جمعت الولايات المتحدة وفرنسا وانجلترا واسبانيا وايطاليا وبلجيكا وهولاندا والبرتغال والنامسا ثم السويد، بمقتضى اتفاقية دولية من سبعة فصول تم توقيعها في ربيع ألف وثمانمائة وخمسة وستين، وقد نصت على أن إحداث المنارة جاء بدافع انساني، مع إسناد ادارتها لممثلي الدول المتعاقدة طيلة المدة المشمولة بصلاحيتها، على أن لا يلحق هذا أي مساس بسيادة السلطان ولا يرفع أي علم على البرج إلا العلم المغربي .فضلا عما تضمنته الاتفاقية من تحمل الدول المتعاقدة لنفقات من خلال مساهمة سنوية مادام أن المغرب لم يكن يتوفر على أسطول بحري، مع تعهده بالمساهمة في نفقاتها وبتكلفة اصلاحها وإعادة بنائها عند الاقتضاء عندما يصبح متوفرا على أسطول حربي وتجاري. وكان مما جاء في هذه الاتفاقية ايضا التزام سلطان المغرب بأمن وسلامة هذه المنارة من خلال تعيين هيئة حراسة من قائد وأربعة جنود، مع توفير وسائل صيانة وضمان سلامة حراس ومستخدمين بها في حالة الحرب سواء كانت داخلية او خارجية. فضلا عن احترام الدول المتعاقدة حياد هذه المنارة والالتزام بحصتها، في حالة اندلاع حرب بينها وفيما بين واحدة منها وبين المغرب.
وفي علاقة منارة طنجة هذه بما هو تطورات تاريخية كان عليها الحوض الغربي للبحر المتوسط ومعه مضيق جبل طارق، من المفيد الاشارة الى أنه في اطار مصالح الولايات المتحدة الأمريكية الاستراتيجية وما يمكن أن تسهم به من أدوار بالمغرب، وبعدما شاركت في مؤتمر الجزيرة الخضراء وأدركت ما كان هناك من مناورات وصراعات خفية بين دول مشاركة طامعة في الانفراد به، اقترحت جملة أمور منها فضلا عن إحداث شرطة مغربية تابعة للمجلس الصحي، وهو ما رفضته فرنسا تجنبا منها تدويل القضية المغربية، هناك مقترح بناء منارة رأس سبارطيل التي كانت تعرف ب"الرأس الأشقر" ربما في علاقة بموقع اشقار البحري الشهير بطنجة من جهة الغرب. علما أنه رغم قلة السفن الأمريكية التي كانت تزور الموانئ المغربية، إلا أن الدبلوماسية الأمريكية كانت ترى في المغرب مجال عبور لتجارتها في علاقتها بالبحر الأبيض المتوسط. ومن هنا جاءت فكرة بناء المنارة لتوجيه السفن وتسهيل دخولها لطنجة زمن حكم السلطان مولاي سليمان، وهي الفكرة التي بقدر ما أثارت شكا واسعا حول نوايا الولايات المتحدة، بقدر ما تعززت بدعم انجليزي مطلع خمسينات القرن التاسع عشر، خاصة عندما غرقت سفينة انجليزية جنوب رأس سبارطيل بطنجة. هكذا جاء اعلان بناء المنارة بعد توقيع اتفاقية مغربية اسبانية مطلع ستينات القرن التاسع عشر، وقد تضمنت في أحد بنودها انعدام الانارة البحرية بالشواطئ الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، وأن على سلطان المغرب المساهمة في تأمين الملاحة والتجارة وتجنب أخطارها، من خلال بناء هذه المنشأة مع التزام بالمحافظة عليها وإيقادها.
يذكر أن بداية بناء هذه المنارة من قِبل الحكومة المغربية، كانت سنة ألف وثمانمائة وواحد وستين إثر اجتماع ممثلي الدول الأجنبية بطنجة. وقد انتهى لاتفاقية مغربية اسبانية خلال نفس السنة قبل أمر سلطاني بجلب "الماكينة" التي تزود المنارة بالاستصباح سنة ألف وثمانمائة واثنين وستين. ليتم الانتهاء منها بعد ثلاث سنوات حيث طالبت فرنسا وبريطانيا واسبانيا السلطان المغربي بضمان حياد المنارة، وهو ما تعهد به شريطة تحمل الدول المهتمة بتحمل مصاريف العناية بهذه المنشأة البحرية. ويسجل أنه رغم بداية اشتغالها سنة ألف وثمانمائة وأربعة وستين، فإن الاتفاق الدولي بشأنها لم يوقع سوى في ماي من السنة الموالية ولمدة عشر سنوات. مع أهمية الاشارة لِما شهدته هذه المنارة البحرية من تغييرات خاصة بعد غرق سفينة بريطانية في دجنبر ألف وتسعمائة وأحد عشر، فضلا عما زاد من اهتمام دولي بهذا الجزء من المغرب.
جدير بالإشارة الى أن مرسى طنجة- الإسم الذي كان متداولاً في أواسط خمسينات القرن التاسع عشر-، كان لا يتوفر سوى على بقايا حاجز مائي قديم تركه الإنجليز منذ القرن السابع عشر. بحيث لما عاينه القنصل البريطاني"ريد" أشار الى أنه بالإمكان إعادة بناء هذا الحاجز لتوفير مرفئ مناسب من شأنه مساعدة استقبال المسافرين بالمدينة، داعيا في تقريره المخزن المغربي للتفكير في بناء منارة عند رأس سبارطيل، وهو ما عملت الحكومة الفرنسية ومعها قوى بحرية أوربية أخرى على اقناع السلطان محمد بن عبد الرحمن للموافقة على تحقيقه، وإسناد ادارته لهيئة دبلوماسية بمقتضى اتفاقية دولية في ربيع سنة ألف وثمانمائة وخمسة وستين.
بعض فقط من ذاكرة منارة رأس سبارطيل بطنجة، التي تُوجت مؤخرا بلقب "المنارة التراثية لسنة 2023" من قِبل الجمعية الدولية للتشوير البحري، لتكون هذه المعلمة المغربية المنارة المغاربية والعربية والإفريقية الأولى والوحيدة التي بلغت هذه المرتبة والتتويج واللقب. حصل هذا إثر انعقاد مجلس هذه الجمعية في دورته السادسة والسبعين بالبرازيل في الفترة ما بين 12 إلى 16 من دجنبر الجاري. مع أهمية الاشارة الى أن تتويج منارة طنجة هذه، جاء اثر ملف تقني متكامل تقدم به المغرب منذ حوالي سنة لنيل جائزة ”المنارة التراثية”، ضمن دائرة تنافس أثثها 41 ملف ترشيح من 20 دولة عضوة في هذه الجمعية الدولية. ولعل تتويج منارة رأس سبارطيل بهذه الالتفاتة الدولية، بقدر ما هو تثمين لمكانتها وقيمتها الرمزية ودعوة لإحاطتها بما ينبغي من عناية وصيانة ومحافظة فضلا عن التعريف بها واستحضارها باعتبارها تراثا ثقافيا بحريا، بقدر ما يمكن أن تسهم به هذه من موقعها إثر هذا اللقب والصدى والالتفات الدولى، على مستوى ما ينبغي من حوار حضاري وتسويق تراب ونماء سياحي وبحث العلمي الخ. وكانت منارة "كوردون" الفرنسية قد فازت باللقب سنة 2019، ومنارة "سانتا انتونيو دي بارا" البرازيلية سنة 2020، ومنارة "كاب بايرون" الأسترالية سنة 2021، ومنارة "هوميكوت" الكورية سنة 2022، وها هي منارة "رأس سبارطيل" المغربية" بطنجة تتوج بهذا اللقب سنة 2023.
مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث



#عبد_السلام_انويكًة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسرح بتازة بين واقعِ وسؤالِ وَهَنِ السنوات الأخيرة ..
- سلطة اللغة الرمزية بين فضاءات ومكانة فئات المجتمع من خلال -ب ...
- من تراث المغرب الفني الفرجوي الجبلي اللامادي- رقصة تَشْكَلَّ ...
- تازة : في الحاجة الى رد الاعتبار لشأن المدينة الثقافي ..
- تازة : من أجل مقابر بروح عناية وحسن تدبير وحرمة مكان ..
- الأرشيف الخاص في ورش وحضن مؤسسة أرشيف المغرب ..
- أرشيف المغرب .. قراءات وشهادات ..
- أرشيف المغرب بمناسبة اليوم الوطني للأرشيف ..
- أرشيف المغرب وندوة ذاكرة العلاقات المغربية السعودية..
- في رحاب الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية..
- تقرير شارل دوفوكو الاستكشافي حول تازة بالمغرب..
- تازة: المدينة العتيقة بعيون أرشيف المجتمع المدني ..
- الولي الصالح سيدي عزوز في وجدان مدينة..
- تازة : من تجارب وأسماء الزمن الموسيقي بالمدينة ..
- حماية تراث تازة.. حماية لهوية مدينة..
- من أرشيف تازة الرمزي..
- الى روح تازة .. امحمد الباهي العلوي
- حول ندوة تازة التربوية في نسختها الربيعية الوطنية الأولى..
- ندوة المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فرع تازة ..
- الأرشيف وسؤال المدينة العتيقة المغربية ..


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - منارة رأس سبارطيل بطنجة ولقب -المنارة التراثية لسنة 2023-