أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - من أرشيف تازة الرمزي..















المزيد.....

من أرشيف تازة الرمزي..


عبد السلام انويكًة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 7291 - 2022 / 6 / 26 - 22:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ما أنجز من أعمال بحثية ذات طبيعة تاريخية تراثية، وما تحقق من قيمة مضافة عبر اجتهاد واسهامات مهتمين ناشطين، وما حصل من التفات في هذا الاطار صوب زمن مدن المغرب العتيقة عموما خلال العقدين الأخيرين، ومن هذه المدن ما يسجل لفائدة تراث وتاريخ حاضرة تازة، لا شك أنه كان بأثر في إغناء مقروء من جهة ونصوص خزانة تراثية مغربية من جهة ثانية. وبقدر ما كان من تباين مبحث وسؤال فيما تراكم تجاه منعطفات ومحطات ووقائع محلية ومكونات رمزية، بقدر ما استفاد من شروط معرفية داعمة فضلا عن نهج علمي وجوانب عدة جاذبة للبحث والدراسة. سياق كان موضع تثمين وتحفيز عدد من مكونات المجتمع المدني الفكري البحثي، كما بالنسبة لمركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث، من خلال دعوته لمزيد من العناية بزمن وتراث المدن العتيقة عموما وتاريخ وتراث تازة خاصة، وفق ما ينبغي من طبيعة موضوع وموضوعية ومعايير نبش. وغير خاف أن من شأن مسلك بحثي بتطلعات ورؤية محددة أن يكون بأثر فيما يجب من اعتبار لحواضر البلاد الأصيلة التراثية، ومنها حاضرة تازة التي تحفل بأحداث وتطورات عدة ومتداخلة كانت بصدى في حينها منذ العصر الوسيط، ما لا نجده بما ينبغي من مقاربة وانصات شاف في ثنايا ما هو حديث من أبحاث ودراسات.
ولعل جزءا من تراث مدن المغرب العتيقة الواسع على مستوى مجالها الأصيل، يحيل كل باحث ومهتم على مساحة مقدس وتمثلات روحية شعبية، تلك التي بقدر ما تجمع بين رمزية جوامع ومساجد وزوايا وأضرحة صلحاء ومتصوفة وغيرهم، بقدر ما تدفع للسؤال حول تاريخ المدينة الثقافي الذي يخص ما هو ذهنيات وعقليات وشواهد وغرائبية واعتقاد وقناعات وغيرها. ولا شك أن ما يتقاسم روح هذه المدن التاريخية وروح دروبها وأزقتها من أضرحة صلحاء على امتداد قرون من الزمن، هو إرث وذاكرة بخصوصية وهوية ثقافية في علاقة حاضر بماض وعلاقة خلف بسلف. مع أهمية الاشارة لِما بات عليه موضوع الذاكرة عموما من عناية أبحاث تاريخية وسسيولوجية وانتروبولوجية حديثة، ولِما بات ضمنه لأضرحة الصلحاء كمكون ثقافي من مرجعية ووظيفية لدرجة حضور موت في خدمة حياة كما يذكر الأستاذ عبد الأحد السبتي، ولدرجة كون التاريخ معنى من المعاني تاريخ معاصر في جميع الأحوال كما في فهم لوسيان فيبفر.
وضمن مدن المغرب العتيقة، يسجل أنه رغم ما هو عليه إرث تازة الرمزي من أهمية وما يطبع وعاء هذا الارث الروحي من جذب وإغراء بنبش وجمع وتعريف واضافة وتحليل وابراز وتنوير، فهو لا يزال بنصوص في حكم النادر دون ما ينبغي من إقبال دارسين وباحثين ومهتمين. لدرجة قد يجد المهتم بالموضوع نفسه أمام بياضات ومتاهات، لشدة ما هناك من غموض جوانب وجهل بمواقع وعناوين وأسماء وتباين رواية فضلا عن تأويل وقراءات.
وغير خاف كما بالنسبة لعدد من مدن البلاد حيث مساحات روحية عدة عالقة شاهدة هنا وهناك، أن ما تحضنه تازة من أضرحة صلحاء وعلماء وفقهاء ومتصوفة رغم ما هناك من تحولات مجتمعية وتدفقات قيم جديدة، لا يزال بمكانة وهيبة خاصة لدى الأهالي. وأن ما يرتبط بهذه الأضرحة من تقاليد وعادات، يكاد كائنها كطقوس يتشابه في كل جهات وبوادي ومدن البلاد العتيقة منها طبعا، فضلا عما هناك من تقاليد زيارات مؤثثة ودعاء ولمس وهبة وهدايا وغيرها، ناهيك عما يحصل من حين لآخر من احتفاء وقراءات قرآنية وذكر ومديح وسماع. بل ما لا يزال يطبع بعض أضرحة تازة من ذبيحة وما يتم من طواف عبر دروب وأزقة خلال عيد المولد النبوي مثلا، لجمع تبرعات حفل وموسم واحتفاء. واذا كانت بلاد المشرق أرض أنبياء ورسل، فإن المغرب بلد أولياء وصلحاء كما جاء في احدى اشارات بوول باسكون منذ عقود من الزمن. ولعل الحديث عن اضرحة صلحاء المغرب عموما كإرث رمزي ثقافي ومنها اضرحة صلحاء تازة، يقتضي حفرا اركيولوجيا فيما هناك من خريطة مفاهيم وسلوكات وتمثلات ذات صلة بعالم تصوف ومتصوفة.
وفي علاقة بتازة وحتى لا تظل القراءة ومن ثمة حديث مهتم بشأنها التاريخي الثقافي، سجين تحف وقضايا متحفية باتت بنوع اللازمة من شدة إعادة تدبير وتخمة، نعتقد أنه من المفيد توسيع تيمة ما هناك من ارث رمزي محلي، لا شك انه بقدر كبير من تنوع وقيمة مضافة بالنسبة لراهن مدينة واشعاعها. وعليه، من شأن اطلالات على مكامن رمزية من ماضي المدينة ليس فقط اغناء ما هو معرفة وتفكير، انما ايضا إعادة نظر في مداخل ومظاهر وتجليات زمنها الانسانية، من خلال ابراز ما هو دفين وعيا بما شهده نهج الكتابة التاريخية من تحول رافع خلال القرن الماضي مثلا مع مدرسة الحوليات، تلك التي جعلت أفق الكتابة بنوع من العلاقة الوثيقة بالانسان عبر اثارة ما هو ذهنيات وعقليات ونمط وسبل حياة ويوميات وغيرها.
إن التأمل في تاريخ تازة من اجل انسانية مكان وتشكلات أحوال وتحولات ينتهي الى حقيقة بقدر كبير من الأهمية، تلك التي مفادها كون تجليات كل تأمل في سيرورة هذا التاريخ ما هو سوى شغف من أجل معرفة ذاتٍ لا غير، ذاتُ مكان وزمان وانسان في بعده الحسي وغير الحسي معا، بل في جوانب ملتبسة دفينة في أفق اعادة حياة لأشياء ما ومن ثمة وللنحن والآن. وعليه، لا شك أن اكتمال زمن انسانية انسان تازة رهين باكتمال سؤال خبايا محيط ووعي بأزمنة وتحول وسلطة ومكانة معالم. ولعل الحديث في هذا الاطار عن أضرحة صلحاء المدينة وأولياءها هو حديث عن زمن ماض يعمل الباحث على دراسته، انما هذا الماضي ليس أمرا ميتا بل حيا قائما في حاضر بمعنى من المعاني كما يرى" كولينغورد"، وتاريخ بهذا الايقاع في فهم فرنان بروديل هو الانسان والباقي لدرجة يرى معه هذا الأخير أن كل شيء هو تاريخ.
وليس الحديث عن موت من خلال أضرحة صلحاء وفقهاء ومتصوفة حاضرة تازة أمر دون جدوى كما قد يعتقد البعض، علما أن هذه المكونات في شموليتها ليست سوى جزءا من بناء واعتقادات شعبية وارث ثقافي جامع بين بيئة نفسية وسلوك وتقاليد وعادات وغيرها. ومن هذه الأضرحة المنتصبة في الوعي الشعبي من تحضر معها كرامات وتقوى وورع وطاعة، ومنها من ازدادت مكانتها وسلطتها الرمزية لدى الأهالي مع الزمن من خلال ما نُسج حولها من صورة ذهنية في مشترك جمعي، تمت المحافظة عليه من جيل لآخر عبر ما هناك من بنية ممتدة وتلاقح واحتفاء. باعتباره تراثا لا ماديا جامعا بين تعبير ومعرفة وتفاعلات وغيرها، تلك التي تعتبرها الجماعات البشرية وأحيانا منها الفرد جزءا من تراثها الثقافي. وغني عن الاشارة الى أن المتوارث من التراث بين الأجيال خاضع بشكل مستمر للإضافة، إن بهذا السبيل أو ذاك وفق ما ينسجم مع بيئة وتفاعل وطبيعة تاريخ شعوب، فضلا عما له من أهمية على مستوى انماء الشعور بهوية ما وخصوصية.
ولعل أضرحة صلحاء تازة التي لا تزال بنوع من الشموخ هنا وهناك داخل مجال المدينة العتيق وعلى جنبات اسوارها التاريخية المحيطة، هي تراث رمزي ثقافي في أبعاده وتجلياته الانسانية، كذا موارد زمن بحاجة لحماية وعناية عوض ما يسجل أمام الأعين من لامبالاة واهمال لافت للنظر، مثل حال ما هو عليه مثلا ضريح سيدي عيسى الذي كان الى عهد قريب بدور تربوي مثله مثل عدد من اضرحة صلحاء المدينة التي كانت كتاتيب قرآنية بدور تنشئة، فضلا عما كان يرتبط بها من احتفاء رمزي ووعاء جمعي تواصلي من حين للآخر، بل من شأن مشاهد هذه الأضرحة التي تؤثث واقع تصنيف تازة كتراث وطني، أن تكون مجالا لاستثمار ما في القادم من الزمن على مدى متوسط وبعيد وفق حديث واشارات مؤتمرات دولية عدة بمحاور ذات صلة. مع أهمية الاشارة الى أن أضرحة صلحاء تازة بقدر ما هي بجدور وامتدادات، بقدر ما تتجاوز كونها مجرد أمكنة وقباب وعمارة وطقوس عابرة للزمن، صوب ما هو ذاكرة معينة ذات صلة ببنيات ثقافية ومخيال محلي وأحداث وغيرها. علما أن المدينة لا تزال بحاجة لدراسات محلية رافعة بمساحة تفاصيل تخص أولياء وصلحاء المدينة، ومن خلالهم أضرحتهم كمشاهد اتنوغرافية وما ارتبط بها منذ القدم ولا يزال من وعي وزيارات وغرائبية وحساسية روحية شعبية. ويذكر في هذا السياق أن من أضرحة صلحاء وأولياء ومتصوفة تازة نجد ضريح سيدي علي بن بري امام القراء المغاربة زمن العصر الوسيط، وضريح سيدي بن عطية وضريح سيدي بلفتوح وضريح سيدي مصبح وضريح سيدي امحمد بن الجبش وضريح سيدي بوقنادل وضريح سيدي علي الجبار وضريح سيدي عزوز وضريح سيدي علي الدرار وضريح سيدي عبد الله الدرعي وضريح سيدي عبد الله وضريح سيدي عبد الله بودربالة وضريح سيدي واضح وضريح سيدي محمد بلحاج، وغيرهم كثير ضمن شتات أضرحة هنا وهناك داخل فضاء المدينة العتيق وجوارها في تماس ما أسوارها التاريخية المحيطة.
واذا كانت أضرحة صلحاء المدن المغربية العتيقة ومنها أضرحة صلحاء مدينة تازة تعكس مشاهد وشواهد تصوف عبر الزمن، فإن القاء نظرة خاطفة على مجالها ونسيجها العتيق يظهر معه ما لهذه الأضرحة من تأثيث لكيان أزقة ودروب وساحات وغيرها، ومن ثمة لهوية وروح وهيبة رمزية خاصة محفوظة لدى الأهالي. أضرحة صلحاء كانت ولا تزال بدفئ خاص في قاموس متخيل شعبي تحضر فيه ب "شايْ الله آرِجال لبلاد"، فضلا عما هناك من رمزية عون وكرامة وبركة وشفاء وأمن وضمان. هكذا يدخل ما لا يزال قائما من علاقة لأهالي مدن المغرب الأصيلة بأضرحة صلحاءها، ضمن إرث ثقافي واعتقاد ومقدس شعبي فضلا عن وجدان جمعي.

مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث



#عبد_السلام_انويكًة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الى روح تازة .. امحمد الباهي العلوي
- حول ندوة تازة التربوية في نسختها الربيعية الوطنية الأولى..
- ندوة المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فرع تازة ..
- الأرشيف وسؤال المدينة العتيقة المغربية ..
- في رحلة إبداع من تازة الى إملشيل ..
- في عزاء تازة لأوفياء قسم أبقراط ..
- تازة: منتزه تازكا الوطني ..
- فاس : من أمس احتفاءٍ بوثيقة المغرب الوطنية..
- تازة: حول شأن التصوف بالمدينة..
- تازة: من أمس تشكيل مدينة..
- تازة: في رحاب روح رمضان ..
- في رحاب خزانة جامع تازة الأعظم ..
- مسرح تازة ذاتَ ربيع ..
- نادي المسرح والسينما بتازة في احتفاء بأبْيَض وأسْوَد..
- الأغنية المغربية
- نوستالجيا أغنيةِ مغربِ أمس ..
- حول تاريخ تازة القديم ...
- العلاقات المغربية الايطالية..
- العلاقات المغربية البلجيكية..
- تازة في زمن المغرب الوسيط..


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - من أرشيف تازة الرمزي..