أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صلاح الدين ياسين - قراءة في كتاب -فكر ابن خلدون: العصبية والدولة – معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي- لمؤلفه محمد عابد الجابري















المزيد.....

قراءة في كتاب -فكر ابن خلدون: العصبية والدولة – معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي- لمؤلفه محمد عابد الجابري


صلاح الدين ياسين
باحث

(Salaheddine Yassine)


الحوار المتمدن-العدد: 7466 - 2022 / 12 / 18 - 15:19
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


كتاب صدرت طبعته السادسة في العام 1994 عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، من تأليف محمد عابد الجابري (1935 – 2010)، الفيلسوف والمفكر المغربي، صاحب مشروع "نقد العقل العربي"، والذي تناول في مؤلفه هذا النتاج الفكري لأحد أهم أعلام الفكر في التاريخ العربي الإسلامي، ألا وهو ابن خلدون (1332 – 1406)، المؤرخ ومؤسس "علم العمران".
ويضيء الجابري في الصفحات الأولى من مؤلفه على الحقبة التاريخية التي عايشها صاحب كتاب "المقدمة" في القرن الرابع عشر (م)، والموسوم ببداية أفول شمس الحضارة الإسلامية (من مظاهر ذلك الانحطاط يمكن أن نشير إلى الاضطرابات السياسية، والجمود الفكري، فضلا عن انتشار التفكير الخرافي... إلخ)، حيث انكب ابن خلدون على سبر أغوار وخلفيات ذلك التقهقر الحضاري انطلاقًا من منهجه التاريخي المميز، والذي لا يقتصر على رصد ظاهر الأحداث، بمقدار ما ينصرف إلى التنقيب في بواطنها، ومن ثم الكشف عن العوامل المستترة والخفية التي تؤثر في تعاقب الدول وأحوال العمران، طبقا لنظريته الشهيرة حول "العصبية". فما الذي يعنيه ابن خلدون بمفهوم العصبية؟ وكيف يفسر تعاقب الدول وتطورها استنادا إلى تصوره لذلك المفهوم؟
مفهوم العصبية من منظور ابن خلدون
إن العصبية كلفظ كان شائعا ومتداولا قبل أن يبدع ابن خلدون نظريته الشهيرة، لا سيما في أعقاب مجيء الإسلام، والذي أضفى عليها معنى خاصا، إذ أضحت تحيل إلى "الفرقة والتنازع والاعتداد المفرط بالأنساب" (وهو ما تجسمه أقوال مأثورة في الثقافة الشعبية، مثل "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، أو "أنا وأخي على ابن عمي...").
وفي رأي صاحب "المقدمة"، فإن العصبية تتعرف أساسًا في كونها "رابطة دفاع"، إذ لا يَبرز دورها إلا حين يتعرض أهل البدو خصوصًا لعدوان خارجي، فتنتصب كمحرك أساسي لرد ومدافعة ذلك الهجوم، على عكس العدوان الذي يتعرض له أهل المدن والحواضر، بحيث تتكفل الدولة بصده بما تحوزه من قوة عسكرية (أسوار، حامية... إلخ)، مما جعل ابن خلدون يخلص إلى أن العصبية ظاهرة بدوية قَبَلية بامتياز، وأن العمران البدوي هو أساس العمران الحضري.
وفي تقدير مكتشف علم العمران، تقوم العصبية على جملة من الأسس والمرتكزات الضرورية، والتي لا تشمل النسب فحسب، نظرًا إلى ما قد يشوبه من مخالطة لاستحالة وجود نسب نقي وخالص، بقدر ما تنهض على مقومات أخرى من أبرزها الملازَمة وطول الصحبة والعشرة. غير أن الأساس الحقيقي لأي عصبية، وفقا لنظرية ابن خلدون، يظل هو المصلحة الدائمة المشتركة التي تؤلف بين أعضائها، ذلك أن العصبية هي بمنزلة رابطة معنوية يغلب فيها الأنا العصبي للجماعة على الأنا الشخصي للأعضاء المنتسبين إليها.
أما فيما يخص العوامل التي تفسر سعي العصبيات للحصول على السلطة السياسية عن طريق الثورة على العصبية الحاكمة والإطاحة بها، فيبرز العامل الاقتصادي كمعطى ضروري في التفسير، ولا سيما العصبيات البدوية، التي تعتمد على الزراعة من حيث هي مصدر أساسي لعيشها، الشيء الذي يملي نوعا من التكاتف والتعاون بين أعضائها، كنتيجة طبيعية لنمط الإنتاج الجماعي، الذي تنعدم فيه الملكية الخاصة. وهكذا فإن الباعث الأساسي على السعي وراء السلطة عند هذا الصنف الأول، هو ما قد تواجهه من قساوة الطبيعة (موجات قحط وجفاف... إلخ)، بخاصة إذا تَرافق ذلك مع فرض الضرائب والمغارم الثقيلة من لدن السلطة المركزية، مما يضطرها، بالتالي، إلى الطمع في الحكم وما يستتبعه من رخاء وسَعة في العيش.
غير أن العامل الاقتصادي لا يكفي وحده لتفسير سعي العصبيات إلى السلطة، إذ نصادف اعتبارات موضوعية أخرى لعل أهمها الدعوة الدينية، لا سيما إذا تعلق الأمر بأهل البدو الرحل من "العرب وما شابههم"، فهم قوم، بحسب ابن خلدون، لا تستهويهم رفاهية المدن وحياة الترف، لفرط ما ألفوا قساوة الطبيعة وشظف العيش. وعليه فإن ظهور دعوة دينية هو العامل القمين بتوحيد عصبياتهم ولم شملهم، الأمر الذي يستحثهم على طلب السلطة السياسية. ومثلما تتغذى العصبية من الدين، فإن الدعوة الدينية من دون عصبية قوية تسندها لا تجد سبيلها إلى النجاح.
الدولة وتطورها في علاقة بالعصبية
إن الدولة، وفقا لنظرية ابن خلدون، تحيل إلى "الفترة الزمنية التي يمتد فيها حكم عصبية ما". فهو يعتبر بأن الدولة، كما الأشخاص، تمر بمرحلة الطفولة (طور التأسيس)، ثم الشباب (طور القوة والعظمة)، فالكهولة والشيخوخة (طور الهرم). وتبعا لذلك، فإن العصبية هي سر نشأة وقوة وضَعف الدول، والمقصود هنا بقوة العصبية ليس كثرتها من حيث العدد، بل مدى تلاحمها وانسجام العناصر المكونة لها.
وفيما يخص الطور الأول للدولة، أي مرحلة النشأة والتأسيس، وبالنظر إلى قرب عهد العصبية الحاكمة من حياة البداوة، فهو يتسم بتغليب المصلحة العامة للعصبة الحاكمة على المصالح الخاصة، إذ لا تفرط العصبية في وحدتها وتماسكها، ويَعد الحاكم نفسه مجرد خادم لها. كما تتميز السياسة المالية للدولة - في هذا الطور - بالاقتصاد في النفقات وعدم مجاوزة الحد المعقول في فرض الضرائب والتكاليف المالية على الرعية، مما ينجم عنه كسب رضى الرعية وتوافر المال في خزينة الدولة بفعل عدم الإسراف في النفقات.
وكنتيجة لذلك، تدخل الدولة في طورها الثاني، طور القوة والعظمة، بحيث تلوح بوادر حياة الرفاهية لدى مختلف الفئات الحاكمة والمحكومة، فتسود رقة الحضارة ونعيمها بدلا من خشونة البداوة وبساطتها، والاستبداد بالحكم والمجد من لدن الحاكم وبطانته عوضا عن مشاركة مجموع العصبية، إذ يلجأ الحاكم إلى الاستعانة بالموالي والمرتزقة لتثبيت سلطته، فتعظم بذلك الحاجة إلى الإنفاق نتيجة للإكثار من الاعتماد على الجند، ناهيك بحياة البذخ والترف لدى الخاصة، بما يفضي إلى الزيادة في المغارم والتكاليف المالية على الرعية من عامة الناس وفلاحين وتجار (ضرائب، مكوس...)، مما يولد لديهم الشعور بالنقمة على حكامهم، فتدخل الدولة طورها الثالث، طور الهرم والشيخوخة، والذي يؤذن بزوال وتفسخ العصبية الحاكمة.
وبما أن العصبية والمال هما قوام الدولة (بالمفهوم الخلدوني)، فإن الأخيرة تهرم وتتداعى حين تفسد إحدى تينك الدعامتين، وهنا يبرز تأثير العامل الاقتصادي في بلوغ الدولة طورها الأخير، حين تقع في ضائقة اقتصادية خانقة ناتجة عن زيادة النفقات مقارنة بالمداخيل، فتعجز الدولة ماليًا عن تغطية الحاجات المتعاظمة المتولدة عن حياة الترف والرفاهية، كما تَفسد العصبية الحاكمة بفقدانها لتلاحمها بما هو سر قوتها. وهنا ينتهي ابن خلدون إلى أن الحضارة مفسدة للعمران (يعني بذلك عمران العصبية الحاكمة على وجه الخصوص)، في حين يَقصد بلفظ "حضارة" ذلك النمط من العيش والاستهلاك، القائم على البذخ والترف لدى الفئة الأرستقراطية الحاكمة ومن يدور في فلكها من الموالي والموظفين.



#صلاح_الدين_ياسين (هاشتاغ)       Salaheddine_Yassine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب -غرق الحضارات- لأمين معلوف
- كتاب -هجرة الأفكار-: التلاقح الحضاري كرؤية بديلة للصدام بين ...
- قراءة في كتاب -نظام التفاهة- للفيلسوف الكندي آلان دونو
- كتاب -معارك التنويريين والأصوليين في أوروبا-: سبرٌ لأهم المر ...
- قراءة في كتاب -سيكولوجية الجماهير- لمؤلفه غوستاف لوبون
- كتاب -سوسيولوجيا النخب-: دليلك لفهم ظاهرة النخبوية ومرتكزاته ...
- كتاب -التجربة اليابانية: دراسة في أسس النموذج النهضوي- لمؤلف ...
- كتاب -تشريح الثورة-: دراسة للثورات وأسباب حدوثها
- قراءة في كتاب المغرب قبل الاستعمار... المجتمع والدولة والدين ...
- قراءة في كتاب -النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي- ل ...
- قراءة في كتاب -الديمقراطية- للمؤلف تشارلز تيللي
- كتاب -الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخل ...
- كتاب -الحرب الهادئة: مستقبل التنافس العالمي- لصاحبه نوح فيلد ...
- قراءة في كتاب -الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ- لها ...
- الفكر السياسي عند فلاسفة اليونان
- هل القوة القهرية هي الضامن الوحيد لبقاء الأنظمة السياسية أم ...
- قراءة في كتاب الديمقراطية والتحول الديمقراطي – غيورغ سوزنسن
- دليلك لمعرفة دلالة مفهوم -الميتافيزيقا-
- قراءة في كتاب -علم النفس السياسي- لصاحبه دايفيد هوتون
- كتاب مدخل إلى الأيديولوجيات السياسية ل -أندرو هيود-: دليلك ل ...


المزيد.....




- عطل بالمكابح يدفع الشرطة لإجراء مناورة لإنقاذ سائقة حامل.. ش ...
- -عشوائيا ولن تتجاوز أحدا-.. أوكرانيا تعلن عن حملة تعبئة عسكر ...
- موسكو: واشنطن تصنف الإرهاب معارضة معتدلة
- مشاركة عزاء للرفيق سمير بعباع بوفاة ابن عمه
- سيارتو: الناتو يريد أن تقاتل أوكرانيا حتى آخر جندي شاب
- وسائل إعلام: إيطاليا تنقل صواريخ لأنظمة الدفاع الجوي إلى كيي ...
- وزير الصحة اللبناني يعلن حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على ...
- تحذير عاجل من عقار للصلع يسبب -متلازمة المستذئب-
- العثور على مجرات تعود إلى -فجر الكون-
- الطيران الحربي السوري يدمر مستودع أسلحة وآليات للمسلحين جنوب ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صلاح الدين ياسين - قراءة في كتاب -فكر ابن خلدون: العصبية والدولة – معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي- لمؤلفه محمد عابد الجابري