أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم محمد الجمال - وجه رجل ليس وحيد














المزيد.....

وجه رجل ليس وحيد


كريم محمد الجمال
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 7465 - 2022 / 12 / 17 - 00:33
المحور: الادب والفن
    


الكاتب والأديب ابن بيئته ،فلا يمكن أن يعيش بمعزل عن تلك البيئة ،وبالتأكيد ستظهر في كتاباته وإبداعه. فكتاباته تشبه شخصيته وهي انعكاس مباشر أو غير مباشر لما في داخله من تفاعلات نتيجة حصيلة قراءات وخبرات. ومن أكثر البلدان العربية المبدعة تاريخاً وجغرافية لبنان هذا البلد الصغير مساحة ،ولكنه مثل لوحة فسيفساء رائعة ،كثير من أبنائه مبدعون وبالأخص أبناء الجنوب بداية من ميناء صيدا حتى الحدود مع فلسطين المحتلة.

هذا الإبداع الرباني بين البحر والجبل أخرج سلسلة من الكتاب والأدباء والمبدعين ومن هذه السلسلة كاتب جنوبي ابن مدينة صور من بلدة دير قانون النهر الجميلة التي ينتاز أهلها بالطيبة و حسن الخلق والسماحة وحب الآخرين، مهدي زلزلي الذي كتب مجموعته القصصية (وجه رجل وحيد ) وطبعتها دار الفارابي ببيروت عام 2018 مثال لهذا المثال السابق ،مثال للمثقف المتشبع بمفردات بيئته الجنوبية المقاومة من جهة والغارقة في الرومانسية من جهة أخرى ،فهذه المجموعة تشبه كاتبها مثل اشجار الآرز ثابت في أعماق الأرض عنيد مقاوم صامد يشير إلى الأعلى يحب الحياة والضياء، مترابط مع الأرض والتاريخ والجغرافيا العبقرية.

المجموعة القصصية تنوعت القصص فيها فلم تكن مرتبطة بغرض محدد ولكن محورها هو الإنسان في العموم بمواقفه ومفرداته ،والمدقق والناظر بعين الناقد المتفحص حيجد أن هناك رسالة للكاتب وهي أن الإنسان الجنوبي خصوصاً واللبناني عموماً هو في النهاية إنسان له شعور ووجدان وإحساس ومشاكل وليس بالصورة النمطية التي رسبتها وسائل الإعلام في الأذهان عن الجنوب وأهله ، أراد مهدي زلزلي إخراج تلك الصورة من الاذهان وأن يقول نحن بشر لنا حياة طبيعية فيها الكثير من المعوقات والصعوبات ولسنا حجارة أو جليداً ،تميزت المجموعة بشكل عام بلغة جذابة راقية وأسلوب لغوي فريد ليس بالصعب وليس بالعامي وهي نقطة ايجابية للكاتب حيث يستخدم كثيرون العامية ،وقد يبالغ البعض في تقعير الفصحى وهذه الكتابة باسلوب السهل الممتنع من سمات الكاتب الشخصية ومن سمات بلدته الجميلة الهادئة ولكنها برغم ذلك بلدة الشهداء والعلماء.

فاجأني الكاتب بابتعاده عن مواضيع المقاومة والتطرق للصراع مع الاحتلال أو الحرب الأهلية كأغلب الكتاب اللبنانيين بالأخص الجنوبيين فكتب بلغة مطلقة تشير إلى الإنسان وقد جرده قلم مهدي زلزلي من حواجز الهوية والدين والطائفة وغيرها من حواجز الكتابة و التأطير عند القراء وهو منحى حداثي أضاف أبعاداً وأعماقاً للقصص.

اعتمد مهدي زلزلي بشكل كبير على التركيز والاختزال وهي من أهم سمات القصص القصيرة، تنوع استخدام تقنيات كتابية وفنية من وحدة الزمان والمكان أحياناً إ تنوعه في أحيان أخرى ،كذلك حجم القصص من حيث الطول لم يكن متطابقاً .أسلوب مهدي زلزلي رقيق المشاعر ليس فيه غلظة ولكنه ابتعد عن الجرأة في المواضيع وهذا مثال عن طبيعته المحافظة ولكنه استخدم بعض التعبيرات الملائمة فلم تكن فجة أو مفتعلة.

القصص كانت أغلبها من مواقف حياتية تميل إلى الجانب الاجتماعي وهو ربما ما جعلها متوقعة النهايات وتقليدية في كثير منها وهو الجانب السلبي الأبرز في المجموعة فهي لم تدهش القارئ المتمرس المجرب ولكن في جانب آخر فإن لغة مهدي زلزلي وتعبيراته كانت جاذبة بشكل كبير ، والقصص تنتمي أكثر إلى النمط الواقعي والكلاسيكي وهو ما افتقدناه كثيراً في الأدب العربي الحديث.

كل هذه السمات تظهر في اختيار أسماء وعناوين القصص ،ويتضح مع الوقت أن للقصص ترتبطات وتشابكات داخل المواضيع نفسها وكأنها فصول متقاطعة من رواية ، أبرزت المجموعة قضايا المجتمع بطريقة الإشارة والتلميح وليس التوجيه الصريح ،ربما لخوف الكاتب من الوقوع في التأريخ او الخطابية أو التصنيف السياسي ،فأراد أن تكون كتابته عن المجتمع ومتصالحة مع الجميع ومنحازة لآرائه بدون أن تتحمل نصوصه التمييز الواقع في لبنان وغيره من بلادنا العربية ، وهذه الإرادة أن يكون النص ملك من يقرأه يكون للجميع غير محدود للجنوب وأهله فقط هي نقطة إيجابية للمجموعة ككل.

جاءت العناوين أيضاً لخدمة الأفكار التي أراد طرحها الكاتب مثل الطبقية والعمالة الوافدة والبطالة ونقص الخدمات في الجنوب والتهميش أحياناً وتمثلت في موضوع الطاقة والكهرباء مثلا ، والمجتمع الذكوري وإهدار قيمة المرأة ومكانتها في كثير مواضع وانتقاصها في قضايا مثل التحرش وغيره .
واتضح ذلك من اختيار عناوين مثل الخادمتان ،بعد عشرين عاماً ، بيتي ، في وداع عمتها .ظهرت جوانب فلسفية وراء القصص وتنوعت بين الصوفية العرفانية وبرزت في الإهداء مثلاً وبين العدمية والعبثية التي تحاول السخرية من الواقع لإيضاح قيمة الحياة الحقيقية أنها لا تستحق هذا التناحر والتصادم على فتاتها وحطامها الزائل مثل صورة أخيرة لعامل المخبز ، وأيقونة ، وذكرى ، وموت نظارة شمسية .
ظهرت مقارنات بين الواقع والخيال وبين الواقع والمأمول وحدث تداخل بينهم في كثير من اللقطات والمشاهد لإثارة ذهن القارئ ودفعه للتفكير بدون إملاء وتلقين من الكاتب وكان هذا في اغلب القصص مثل قصة الرجل الخطير.

إن كان الأستاذ مهدي زلزلي اختار وجه رجل وحيد كعنوان لإحدى قصصه بعنوان ابتسامة على وجه رجل وحيد ،وكعنوان للمجموعة ككل وهي قصة تتحدث عن قيمة الحب في زمن صعب طغت فيه المادة على كثير من القيم بل والمشاعر أيضاً ، وظل هذا الرجل الوحيد ضميراً مستتراً في كل القصص لا يعرف أن يولي وجهه في حيرة بين القيم والتقاليد والحب وبين المال وهذا الصراع الذي يعيشه كل شخص فينا بين الوحدة أو الانضمام لمجموعة ليس مثلهم وليسوا مثله ،هذه الحيرة والتساؤلات لدى مهدي زلزلي نقلها لنا بأسلوبه ولم يجب عنها وترك الإجابة لكل شخص فينا بين أن يظل وحيداً او لا .

في النهاية لا يسعني إلا أن أشكر القدر الذي أعطاني فرصة لقراءة المجموعة والتعرف على كاتبها ،وهو بالقطع ليس وحيداً بين محبيه وأهل بلدته الجميلة وقرائه وأتمنى له كل التوفيق والسداد.



#كريم_محمد_الجمال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تل أبيض
- دير قانون بلدة الشهداء
- صخرة الكونين وبرزخ البحرين
- حبر الصحيفة
- فيلم سيدة الجنة
- نظرة في بعض إشكالات تراث ابن تيمية
- شخصيات ثورية في تاريخنا الإسلامي
- خواطر حول حادثة الإفك
- معرض بيروت للكتاب
- الخليج وموجات التغيير .. الكويت نموذجاً
- اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة..ماذا بعد عشرين عاماً؟
- تطوير الخطاب الديني في الصين والهند وميانمار
- الديمقراطية بين رفاهية الاختيار وضرورة الواقع
- الحرية للأمل
- ليس دفاعاً عن أمينة عبد الله
- رواية صبح الأعشى
- مناضلة من البحرين
- مستقبل الثقافة العربية بين التطبيع والمقاومة
- مشهد من مسرحية تعويذة باب زويلة
- الحرية للحرية ...ليس شيماء سامي وحدها


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم محمد الجمال - وجه رجل ليس وحيد