طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 7458 - 2022 / 12 / 10 - 17:55
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الشهادة وصدمة الولادة!
ناقشت في الحلقة 39 موضوعة الاستتشهاد من اجل "القضية"- والقضية يجب ان تكون القضية في اغلب الأحيان, وليست قضية, لأنه في حالة كونها قضية, وليست القضية, يكون السعي الى الشهادة, بعرف الشهيد نفسه والوسط الاجتماعي او السياسي الذي يحثه علنا او بالخلسة و يسهلها ويهلل لها باعتبارها اعلى درجات الصحوة والتمسك بالقضية والايمان بها وبصحتها, نوعا من العبث, وهي العكس تماما باعتقاده, والا لما استشهد من اجلها! والايمان بالقضية لا يقتضي استدعاء حقائق انطولوجية-وجودية او اونطيقية-امبريقية. المثل يقول آخر دواء هو الكي. الكي, كالتعذيب سيكون نوعا من الشويسانس لأن الم الكي سيمتزج ببهجة الأمل في الشفاء. انه, التعذيب من اجل القضية, سيهذب النفس روحيا ويجعلها تتسامى فوق صغائر ألامور. سيرة الشهيد الذاتية لا تحتاج تبيان انجازاته او نجاحاته في مجال وسطه او ابعد. انه, اثناء حياته, كان يترفع عن القيام بالمنجزات الصغيرة او غير الصغيرة من اجل الناس الذين يزعم هو انه يمثلهم بأسم القضية, انها توسخه وتشغله عن "انجاز!" القضية. ان انجازات كهذه ستثبت فقط انه من الفانين! انه لا يريد ان يكون احد الفانين. انه لا يريد ان يكون احد الحند المجهولين. انه يسعى الى ان يكون بطلا ومخلّدا. انه من نوع سوبرمان نيتشه ويستوحي روديون راسكولينكوف في الجريمة والعقاب لدستويفسكي, و لكن بدون معاناته العقلية ومعضلاته الأخلاقية. راسكولينكوف, طالب سابق فقير في سانت بطرسبرغ, يخطط لقتل مرتهنة عديمة الضمير- وقد تكون السلطة كلها بالنسبة للشهيد مرتهنة عديمة الضمير، وهي امرأة عجوز تخزن الأموال والأشياء الثمينة في شقتها. وهو يفترض أنه بالمال يمكنه تحرير نفسه من الفقر والمضي قدمًا في القيام بأعمال عظيمة، ويسعى إلى إقناع نفسه بأن بعض الجرائم لها ما يبررها إذا ارتكبت من أجل إزالة العقبات التي تعترض تحقيق الأهداف العليا للرجال "غير العاديين". ومع ذلك، بمجرد أن يتم الفعل، يجد نفسه يعاني من الارتباك والبارانويا والاشمئزاز. تفقد مبرراته النظرية كل قوتها بينما يصارع الذنب والرعب ويواجه العواقب الداخلية والخارجية لفعلته.ولكن القضية في حالة الشهيد ينبغي ان تكون إمبريالية في محتواها ودوافعها الشعوربة الكامنة في العقل الباطن اكثر من كونها ظاهرة تخص الععل الظاهر. لذا لا يملك الشهيد المعاناة العقلية والمعضلات الأخلاقية, واذا امتلكها فهي من نوع الألم ممتزجة مع اللذة والفخار. انها نشوة النضال من اجل انتصار القضية. انها تسامي لنشوة من نوع آخر, جنسية. انها نشوة القدرة على بلوغ النشوة فقط باستدعاء القضية (رومانسيا) واسمها. انها امتثال الى اسم الاب بعرف لاكان. في حين يرفض راسكولينكوف سلطة الاب, يذعن الشهيد لها, برغم ان سلوكه يوحي بالعكس, وكأنها قدر سماوي او نتيجة اوامر اله طبيعي, اله سبينوزا او هيغل. والاستشهاد في النضال ضد الامبريالية لا يغير من كون ان القضية هي امبريالية وليست قضية ضمن قضايا اخرى. وذكرت في الحلقة نفسها ان غريزة الموت أو دافع الموت هو القوة التي تجعل الكائنات الحية تعمل من أجل الرجوع الى الحالة غير العضوية, وهو أحد مكونات جميع الدوافع, حيث يكون الهدف الرئيسي هو التفكك والتحلل والتشظي. انه الرغبة بالعودة بالانسان الى الحالة الجنينية, الى رحم الأم, او بالبشرية, حسب دراوبن, الى المرحلة التي سبقت نشوء الوعي ووداع القرد للانسان او بالعكس. والرحم هو ليس تركيبا تشريحيا فقط, بقدر انه تمثيل للرغبة في الشعور بالدعة والأمان والذي اختبرناه جميعًا في حياتنا قبل أن نولد وأن البشرية اختبرته قبل نشوء الوعي.
ولكن, على العكس من الاعتقاد السائد, ان رحم الام هو ليس موطن السعادة الموعودة, ان سعادته, كما ينبغي ان نعلم من جون ميلتون وملحمته, ان الفردوس الموعودة, ,الرجوع الى رحم الأم, اسوء بما لا يقاس من الفردوس المفقودة. وكلمات الشاعر العظيم تؤيدها البحوث النفسية التي أجراها باحثون مقل نيلسون وروتمان ولوكيش بخصوص ما يسمى صدمة الولادة- المزيد أدناه. فالشهيد, كالطفل, لا يمكن ان يستمر في البقاء في رحم امه الافتراضي الى الأبد, فترة تتجاوز فترة الحمل, مثلا, والا لأصبح الفناء مصيره ومصير امه, وسيتخلى طوعا او كرها عن ناسه. ان لجوء الشهيد الى رحم الام امر موقت فقط وعليه ان يولد من جديد وبالتالي فسيعاني من جديد ولمرة اخرى ما يسمىه المحلل النفسي اوتو رانك صدمة الولادة.
يعتقد أوتو رانك أن صدمة الولادة كانت الفصل الأول من العصاب وأنها وضعتنا بثبات في عالم الإنسان. بعبارة أخرى، عالم المستحيل. تغمرنا هذه التجربة بقلق أساسي يبقى معنا لبقية حياتنا.
صدمة الولادة
The Trauma of Birth (بالألمانية: Das Trauma der Geburt) هو كتاب عام 1924 للمحلل النفسي أوتو رانك. نُشر لأول مرة بالترجمة الإنجليزية في عام 1929. خاصة مع تركيزه على العلاقة بين العالم الصغير microcosmos والكون الكبير macrocosmos. وكتاب رانك الأكثر شهرة، الفن والفنان، اعتبر تحفة من قبل علماء تاريخ الفن, كان تمهيدا لكتابه صدمة الولادة. استجاب سيغموند فرويد، مؤسس التحليل النفسي، بشكل نقدي لصدمة الولادة.
يهدف رانك إلى تطبيق التحليل النفسي على "فهم التطور الكامل للبشرية، حتى بلوغ الحقيقة الفعلية للتحول إلى إنسان".
الغرض الرئيسي من الكتاب، حسب رانك، هو توضيح كيفية تعبير شكل الرحم عن أشكال الحماية التي يزودنا بها الفن والأسطورة والدين والفلسفة والثقافة.
قرأ سيغموند فرويد، مؤسس التحليل النفسي، المخطوطة، ورحب بالكتاب في البداية، وكتب إلى رانك ليخبره أنه سيقبل ولاءه له. تغير موقف فرويد من الكتاب فيما بعد، وتناوب بين الثناء عليه وانتقاده. كان رد فعل العديد من أعضاء لجنة تأسست سراً في عام 1913 لحماية فرويد أكثر قسوة على "صدمة الولادة". أعرب المحللان النفسيان الكبيران كارل أبراهام وإرنست جونز عن معارضتهما للعمل، لأنهما يعتقدان أنه يتعارض ضمنيًا مع بعض أفكار فرويد الأساسية. اقترح المؤلف ريتشارد ويبستر أن أبراهام وجونز كانا على صواب في هذا الاعتقاد. كان كتاب -التثبيط، والأعراض، والقلق- لفرويد (1926) ردا على كتاب -صدمة الولادة-.
Rank s book was more than an adaptation of Freud s explanation of the form taken by anxiety. He argued that all later attacks of anxiety were attempts at "abreacting the trauma of birth. He accounted for all neuroses on similar lines, including incidentally dethroning the Oedipus complex, and proposed a reformed therapeutic technique based on the overcoming of the birth trauma. Freed published references to the book seemed at first to be favorable. but the present book shows a complete and final reversal of that opinion. His rejection of Rank s views, however, stimulated him to a reconsideration of his own, and Inhibition, Symptoms, and Anxiety was the result.
"كان كتاب رانك أكثر من مجرد تعديل لتفسير فرويد للشكل الذي اتخذه القلق. وجادل بأن جميع النوبات اللاحقة للقلق كانت محاولات "للتغلب" على صدمة الولادة. لقد وضع في
الاعتبار ان جميع حالات العصاب تسير على خطوط مماثلة، مما حمله عرضيا على ازاحة عقدة أوديب عن عرشها، واقترح تقنية علاجية معدلة تعتمد على التغلب على صدمة الولادة. بدت المراجع المنشورة للكتاب من قبل فرويد مواتية في البداية، لكن الكتاب الحالي يظهر انعكاسًا تامًا ونهائيًا لهذا الرأي. ومع ذلك، فقد دفعه رفضه لآراء رانك إلى إعادة النظر في أراءه نفسه، و -التثبيط، والأعراض، والقلق-, كان النتيجة."
Inhibition, Symptoms, and Anxiety
P. 86
Sigmund Freud
https://web.english.upenn.edu/~cavitch/pdf-library/Freud_Inhibitions_Symptoms_Anxiety.pdf
E. James Lieberman, مواليد عام 1934، تدرب في الطب النفسي والصحة العامة في جامعة هارفارد: مارس الطب النفسي، وخاصة العلاج النفسي، حتى التقاعد في عام 2007. أستاذ الطب النفسي الفخري في جامعة جورج واشنطن. درّس أيضًا في كلية الطب هوارد يو وكلية هارفارد يو للصحة العامة. أصبح مهتمًا بعالم النفس أوتو رانك (1884-1939) وكتب "أعمال الإرادة: حياة وعمل أوتو رانك". مؤلف مشارك مع روبرت كرامر: "رسائل سيغموند فرويد و أوتو رانك: دواخل التحليل النفسي"، 2012.
E. James Lieberman
https://www.amazon.de/E.-James-Lieberman/e/B001HPGSE4%3Fref=dbs_a_mng_rwt_scns_share
وصف ليبرمان كتاب "صدمة الولادة" بأنه أحد "أكثر الكتب تميزًا في تاريخ علم النفس"، وكتب أنه يقدم رؤى "تم وضعها على أسس تاريخية وفلسفية وأنثروبولوجية وفنية وأدبية متينة". وأشار إلى أن العمل كان "نسويًا" في نقده لإيديولوجية تؤكد وجهات نظر الرجال على حساب النساء وإدراكها لأهمية العلاقات المبكرة بين الأم والطفل. من وجهة نظره، تدعم الأدلة السريرية "ملاحظة رانك بأن إنهاء العلاج أوجد أحلامًا ومشاعر قوية مليئة برموز الولادة". وأكد أن الكُتاب الآخرين شوهوا أفكار رانك، على سبيل المثال من خلال محاولة ربطها بآراء طبيب الولادة الفرنسي فريديريك ليبوير Frédérick Leboyer, الذي اشتهر بكتابه عام 1974، "ولادة بلا عنف"، الذي اشاع تقنيات -الولادة اللطيفة-، ولا سيما ممارسة غمر الأطفال حديثي الولادة في حوض صغير من الماء الدافئ - المعروف باسم "حمام ليبويير" - للمساعدة في تسهيل الانتقال من الرحم للعالم الخارجي. كما دعا إلى اشاعة الإضاءة المنخفضة والهدوء في غرفة دافئة للحد من صدمة الولادة المفترضة
Frédérick Leboyer obituary
https://www.theguardian.com/lifeandstyle/2017/jun/15/frederick-leboyer-obituary
وكذلك بالعلاج الاولي للمحلل النفسي آرثر جانوف
The primal scream
Arthur Janov
https://archive.org/details/primalscreampri000jano/page/n13/mode/2up
أو عن طريق الادعاء كذباً أن رانك يعتقد أن جميع الأطفال يجب أن يولدوا بعملية قيصرية لمنع صدمات الولادة. وأشار إلى أن رانك كان مسؤولا عن بعض هذا الالتباس، من خلال الحديث عن صدمات الولادة أكثر فأكثر.
"النائفي يقول أن كل شخص ولد مرتين. المرة الثانية عندما تكسب مكانك بين الناس إلى الأبد ".
Watching Movies Sam Worthington Joins The Na’vi And Leaves His Casio Behind In ‘Avatar’
-سام ورثينجتون، أفاتار--
https://www.hodinkee.com/articles/sam-worthington-joins-the-navi-and-leaves-his-casio-behind-in-avatar
الحقيقة هي أن الأطفال يعانون أثناء الولادة. لا يوجد مفهوم صدمة الولادة في عالم علم النفس فقط. فهو موجود أيضا في المجال الطبي. الفرق هو أنه في الطب، يراه الأطباء من وجهة نظر تشريحية وفسيولوجية.
تذهب نظرية أوتو رانك إلى أبعد من تلك الفكرة. يجادل بأن هذه الصدمة الأولية هي أحد العوامل الأساسية التي تحدد نفسيتنا وأساس القلق في المستقبل. أفكاره هي مصدر جدل حتى اليوم.
يتعلق أحد مصادر الجدل حول صدمة الولادة بنمو الدماغ. يعتقد البعض أن دماغ الطفل لم يتطور بما يكفي لتسجيل تجاربه كصدمة، على الأقل بالمعنى الدقيق للكلمة. نعم، يعاني الطفل عندما يولد، لكن يعتقد الكثير من الناس أن هذه المعاناة لا تحدد مستقبل صحة الطفل العقلية.
ومع ذلك، تظهر بعض الدراسات بعض الظواهر العقلية شديدة التعقيد عند الأجنة. أجرى نيلسون وروتمان ولوكيش دراسة مثيرة للاهتمام بشكل خاص. لقد درسوا الحياة داخل الرحم لأجنة الأمهات اللواتي لم يرغبن في الحمل. وجدوا أن الأطفال المولودين لهذا النوع من الأمهات أظهروا السلوكيات التالية:
متلازمة اللامبالاة: يرغب الأطفال في النوم طوال الوقت ولا يكونون نشيطين.
متلازمة فرط النشاط: عكس متلازمة اللامبالاة. هؤلاء الأطفال يتنبهون بسهولة ويبكون كثيرًا.
عادات الأكل غير الطبيعية.
القيء المفرط.
استنتج الباحثون أن رحم الأم ليس جنة محايدة. يمكن للجنين أن يشعر بالتغيرات الفسيولوجية في أمه، وكل ذلك له تداعيات على سلوك الطفل في المستقبل.
يعتقد أوتو رانك أن أصل القلق هو صدمة الولادة. أن كلمة "قلق" تأتي من الجذر اللاتيني لكلمة "angere" التي تعني الخنق أو الاختناق. "النضال" الأول في حياة الإنسان يمر عبر قناة الولادة الضيقة، التي تضغط وتخنق الطفل المولود.
يعتقد بعض الباحثين أنه عندما تكون صدمة الولادة شديدة، سيعاني الشخص أحاسيسا مشابهة لاحقا لتلك التي كان يعاني منها عند الولادة: عدم انتظام دقات القلب غير المبرر، والصداع الذي يشبه الضغط الشديد على الرأس، والشعور بالغرق أو الاختناق، وما إلى ذلك من الأعراض الجسدية لنوبة الهلع.
حدد أوتو رانك أيضًا عنصرًا عاطفيًا قويًا لصدمة الولادة: الفصل بين الأم والطفل. وبالتالي، لا تقتصر صدمة الولادة على الأحاسيس الجسدية، ولكن أيضًا على فقدان الحالة المثالية. وفقًا لرانك، فإن هذه التجربة لها تأثير خطير وتجعلنا حساسين بشكل خاص لجميع الخسائر.
أدت صدمة الولادة إلى واحدة من أكبر الانقسامات في تاريخ التحليل النفسي. كان أوتو رانك أحد تلاميذ فرويد. ومع ذلك، فإن أطروحته لم تعترف بعقدة أوديب لفرويد. هذا الخلاف النظري أضر بعلاقتهما بشكل لا يمكن إصلاحه.
نظرية صدمة الولادة لأوتو رانك ليست معروفة على نطاق واسع. ومع ذلك، يتقبل عدد كبير من المحللين النفسيين وعلماء النفس والأطباء أفكاره. في الواقع، يعتقد البعض من اتباعه أن الخضوع للعلاج النفسي يشبه الولادة من جديد, كما في فيلم Avatar. إنها فرصة للتغلب على أول صدمة في حياتنا.
من الواضح إننا نعرف الآن المزيد عن حياة ما قبل الولادة والأشهر القليلة الأولى للطفل بعد ولادته. نعلم، على سبيل المثال، أن تجارب الطفل خلال هذا الوقت تترك انطباعات دائمة على الرغم من نظامه العصبي البدائي. تؤثر هذه التجارب على التجربة البشرية. إنها تؤثر على من نحن وماذا نفعل في حياتنا.
Otto Rank and the Trauma of Birth
https://exploringyourmind.com/otto-rank-trauma-of-birth/
وحسب بعض الباحثين, هنالك 5 سمات مرتبطة بصدمات الطفولة:
1. التثبيط
2. الغضب
3. رفض المديح
4. الاعتذار باستمرار
5. الهروب من الصراع أو العيش فيه
5 Traits Associated with Childhood Traumas
https://exploringyourmind.com/5-traits-associated-childhood-traumas/
يتبع
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
