أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - حديث الجبل والغابة (5)















المزيد.....

حديث الجبل والغابة (5)


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 7434 - 2022 / 11 / 16 - 23:51
المحور: الادب والفن
    


سمع والد عمر نغم الوتر تحت الشلال فتلصص إليهما ليرى من ينغم لكنه فوجئ بالأمر، لم يكن يتصور أن أبناءه في حفلة خاصة يدخنون ويشربون الخمر أيضا وهي أمور لم تكن معتادة في البلدة، خصوصا داخل أسرته، كان يعتبر الأمر نوعا من الغربة وفقدان الهوية لأن هذه العادات خاصة بالنصارى (في السياق المقصود هم الفرنسيين او الاوربيين بشكل عام) وحتى حين كان عمر طفلا، يتذكر أن أباه يقول له: "هذه الأمور لا تتوافق مع أصلنا وعادة حين يمارسها شخص تحدث له مصائب معينة.." وحتى لعبة الورق كانت محرمة داخل الأسرة لأنها عند والد عمر ليست نفعية ومضيعة للوقت وتلهي الرعاة عن القيام بمهمة الرعي بشكل مسؤول لأن البلدات في المنطقة عبارة عن "جزيرات" وسط بحر الغابات التي تكثر فيها الذئاب المفترسة ، وكان حين ينصح عمر يضرب المثل دائما بأخيه "مولاي" الذي كان يدرس بفاس بجامعة القرويين، كان إنسانا نزيها وأنيقا وكان اول من لبس "الكورفاتا" من العائلة، يتذكر عمر عمه "مولاي" الذي يقطن الآن بمدينة اكادير والذي كان يزوره في كل عطل الصيف أنه اول من أدخل الشامبو ومعجون الأسنان وكريم الحلاقة إلى المنزل ويتذكر عمرأيضا كيف اقتضم معجون الأسنان اعتقادا منه أنه شيء يؤكل، لم يكن يعرف انها أمور للغسيل إلا فيما بعد، حتى "الشامبو" حاول شربه لولا أنه مر : "لقد كانت ألوانها تثير الشهية، إنهم يغذونها بألوان الفاكهة!"، يتذكر عمر ذلك حين يجالس أصدقاءه من نفس المنطقة حين يستثيرون حياة التخلف التي عاشوها بالبلدة: "لا زلت اتذكر او درس في النظافة من عمي مولاي، الماء في البلدة بارد بشكل عجيب، وكان اول مرة زارنا، يوم أكلت معجون الأسنان ناداني ان اقترب إليه، كنت اعتقد أنه سينهال علي بالضرب عقابا على هضمي للمعجون، اقتربت إليه، شدني من اذني وهو يقول : "القرّان" (شكل من كلام التوبيخ بالأمازيغية والدارجة المغربية أيضا)، نزع ثيابي وبدأ يغسل جسدي في العين الباردة نفسها وهو يقول: "الشامبو لا يشرب بل يغسل به شعر الرأس، المعجون هو صابون ألأسنان.. قدميك رثة قد تتقطع من تلقاء نفسها بسبب الأوساخ أيها الوقح "القران"، نفس كلام والدتي حين امتنع عن التحمم، يقول عمر، كان الاغتسال بماء العنصر بمثابة عقاب بسبب برودته غير المحتملة خصوصا في الصيف أما في فصل الشتاء فيكون نسبيا دافئا وهذا ما يعبر عنه اهل البلدة ب"أمان درين" (الماء الحي)..
ــ هذه إحدى خرافاتك الجميلة يا سي عُمر، يعلق ساخرا أحد أصدقائه من المدنيين حين شرح لأصدقائه ماذا يعني الماء الحي
ــ لا! ليست خرافة بل حقيقة، العيون المتدفقة والأودية دائمة الجريان تكون دائما هكذا وناس الأرياف يعرفون هذا، حتى عندما عملت بمنجم سكساوة بجبال الأطلس الكبير وغطت الثلوج المنطقة وانقطعت الطرقات، وبعد نفاذ أغذيتنا اضطررنا أن ننزل قدما إلى المدينة القريبة لشراء اللوازم الغذائية، نصحنا احد الشيوخ أن ننزل مع مجرى الماء لا أن نختصر الطريق من خلال المرور العام المعبد، ثم إن المسألة مفروغ منها وليست خرافة، جرب فأنت في المغرب، ضحك عمر وهو يتوجه إلى محاوره
ــ أعرف هذا ولا أستغرب! رد محاوره فردد كل محاوريه الجملة المغربية المعروفة وهم يضحكون: "إذا كنت في المغرب فلا تستغرب".

ورغم واقعيته، إلا ان الذين يتجهزن بالماء بواسطة شبكات الأنابيب لا يلامسون هذا الأمر الذي توضحه الفيزياء، والمتمثل بظاهرة الاستحمام بالماء وسط الثلوج في المناطق الباردة، حيث يغطس الناس في برك مائية محاطة بالثلوج، وتنقل عدسات الإعلام هذه المشاهد كما لو كانت ظاهرة عجيبة..
استشعر قاسم حركة قريبة، فتوقف عن الضرب على الوتر، ثم سأل عمراً:
- هل سمعت حركة ما؟
- لعلها صخرة تدحرجت إلى الأسفل.
- شان أوبولخير إداد أذيسو (قد يكون خنزيراً جاء للشرب).
جاءت فاطمة لتعلمهما بأن مصدر تلك الحركة أنما هو والدهما، وليس أي خنزير.
قفز عمر ليخفي قارورات الجعة، لكن فاطمة أخبرتهما بأنه يعرف عنهما كل شيء..!
ــ كيف؟ - سألها عمر.
ــ جاء عمك ذات يوم ليخبره بأنه قد رآك وأنت تدخن، فأسكته والدي، ونصحه بأن لا يأتي إليه مرة أخرى بنميمة أبنائه لأنه يعرف عنهم كل شيء. وبيَّن له بأنهم قد بلغوا سن الرشد، وليست له الآن أي سلطة عليهم- أوضحت فاطمة.
لم يكن عمر يحسب أن والده يعرف عنه كل تلك الامور التي كان يحرص على اخفائها عن أسرته. صحيح أن أمه قد اكتشفت تدخينه للسجائر- فلطالما أخبرته بأن ثيابه فيها رائحة دخان ..أما أبوه، فلم ينوّه له يوماً عن مثل هذه الأمور.
اقترح عمر على قاسم أن يعزف نغمة: "موعنذا بولحوب أوا". كانت تلك هي أول أغنية قرَّبت الامازيغية إلى قلبه حالما سمعها لأول مرة بصوت خالته الملائكي المتفرد الذي يهتز له الوجدان. ومنذ ذلك الحين، عشق خالته عشقاً أمومياً أكثر من حبه لأمه. كانت خالته أيضاً محبوبة لدى كل الأقارب بصوتها الجميل الذي بوأها مكانة خاصة في حفلاتهم. الكل كان يحب صوتها رغم أنها ليست "شيخة" – وهي التسمية الشعبية التي تطلق في المغرب على الفنانة الأمازيغية، والتي تتشابك فيه دلالات الابداع الفني مع سوء السمعة. ففي ختام احدى حفلات العرس الذي هز فيها صوت خالته المتسلطن عقول الناس هزاً ، سمع عمر ضيفاً شاباً من المدينة يتحاور مع صديقه الأمازيغي على انفراد:
- إن من الغناء لسحراً !
- ربة بيت فاضلة ، وذات صوت حريري تغار منه أشهر الشيخات !
- للأسف أن اسم الشيخة قد تلوث معناه لدى العامة عندنا بربطه بالعهر ظلماً. أين الفن الرفيع من التحلل الأخلاقي؟
- أنت تعرف: هو نمط من أنماط القمع الاجتماعي للمرأة من طرف الرجل. لم نعرف هذه التسمية إلا بعد ظهور الغناء الفردي بالاطلس المتوسط عندما تحول الغناء الجماعي في طقس أحيدوس لنمط الرحّالة إلى الغناء الفردي الذي ينتمي إلى المجتمع المستقر.
- وكيف حصل هذا؟
- كان تحولاً من غناء فضاء الخيمة والجبل إلى فضاء غناء الدار والاستقرار بالمكان، ومن ثم ظهور نمط غناء "لقصارة" الذي أشعل هذا اللغو بالربط تحكما بين غناء المرأة وسوء السمعة.
- وما الفرق بين طقس أحيدوس والقصارة ؟
- في نمط الترحال بين الجبل والسهل - الذي نسميه أزاغار – كان اللون السائد هو الغناء الجماعي في طقس أحيدوس. وهو رقصة جماعية ولدت فيها أغاني "المعلقات" الأمازيغية التي تردد حتى الآن في ما يسمى بموجة الأغاني الجديدة التي سميت بـ "لقصارة". في هذا التحول، ظهرت الآلات الموسيقية الجديدة كالعود والوتر والكمان، التي أصبح يرافقها الناي المرتبط في الأطلس المتوسط بالرعاة منذ أقدم الأزمان.
- ولكنني سمعت أن الآلة الوترية التي تسمى بالبندير، أو الطارة، هي آلة وترية قديمة لديكم.
- صحيح؛ وهي الآلة الموسيقية التي كانت تصدح في رقصات آحيدوس الجماعية، في حين أن فن "لقصارة" يعتمد الآلات التخصصية التي أعطتنا شهرة فنانين معينين على حساب آخرين لإتقانهم الضرب على تلك الآلة. ارويشة مثلا، ليس له صوت جميل، لكن براعته في الضرب على الوتر هو من أشهره . في هذه الموجة، ظهرت أصوات فردية متميزة في الغناء وليس في العزف الموسيقي، مثلما تعلم.
- صحيح. عندنا المغني الذي لا يتقن العزف على الوتر لكن صوته أسطوري معشوق.
- وهناك دور الشعر الغنائي أيضاً. أنظر – مثلاً – الفنان قدور: إنه يتقن الضرب على الطارة وعلى البندير مثله مثل أي راعي في مجتمع الرحال الأطلسي ، و ليس لدية صوت جميل، لكنه شاعر يفاجئ المستمع بشعر يمس المشاعر الإنسانية. أسمع هذا: "أوزظخ أفوس غور موش أر إسعزيز أخفنش *** مور إييي إزم أذ إتتش إنجذا غو سكال"( مددت يدي للقط فعزَّت عليه نفسه *** لو كان أسداً لافترس الناس في السفوح).هذا البيت الشعري الغنائي هو للفنان قدور الذي لا يمتلك صوتاً جميلاً، وأداؤه البارع على "البندير" لا يرفعه ليكون مشهوراً. الذي رفعه إنما هو شعره وكلماته القوية في الغناء.
- أفهم من كلامك هذا أن التراث الموسيقي الأمازيغي متميز جداً!
- إن تميزه كامنٌ في خصوصيته. خذ مثلاً الضرب على إيقاع الطارة أو البندير. هذه الآلة الموسيقية الامازيغية هي كالناي أيضاً؛ الضرب عليها يتقنه أي راعي وأي شاب بالأطلس المتوسط كمكسب وراثي. وفي الرقص الجماعي، من يملك بنديراً ذي إيقاع متميز يكسب عطفاً زائداً. ففي مسلكيات الرقص الجماعي في دائرة أحيدوس، عادة ما تختار النساء الرجل ذي الإيقاع المتميز في الضرب على البندير لأسباب عديدة، منها أن إيقاع الضرب على البندير يساعد في اتساق الرقصة، وليس بالضرورة أن دخول النساء إلى جنبه هو لعشقهن له.
- هذا ما يسمونه بالانسجام الايقاعي..
عند سماعه لهذه المحاورة، تذكَّر عمر خالته في ذلك الصيف الذي زارهم فيه لقضاء عطلته بمدينة أزرو. لقد كانت مدعوة لحضور حفلة بإحدى الفيلات بمنطقة "شرمو" بمدينة أزرو بمناسبة نجاح أحدهم في امتحان الباكالوريا. وقتها، كان الاحتفال بالنجاح في الباكالوريا أمراً يستحق إقامة حفلة أشبه بحفلة العرس.. اقترحت خالته على أسرتها أن يصاحبها عمر للحفلة منعاً لأي إحراج. وهذا ما حصل عندما لعب عمر دور الحارس لها في تلك الحفلة من أي شطط أو تحرش جنسي أو غير ذلك. ورأى بأم عينه كيف كان الناس في الحفل يتوددون إليها، طالبين أن تغني لهم أغانيهم المفضلة. في حينها، نفض صوتها العذب الجميل كل تلك المكروهات التي أورثتها لعمر جعجعات عمه "مولاي" ذي النزعة المحافظة لجامعة القرويين برغم هيأته بربطة العنق. من يومها، أحب خالته حباً روحياً؛ وهو حتى الآن لا يصدق ان أي امرأة يمكن أن تمتلك صوتاً عذباً مثل صوتها.
مرة، اصطحب عمر فناناً يتقن العزف على الوتر إلى حفلة عائلية عندهم. أثناء أداء أغنية امازيغية، فقد بادرت خالته للمشاركة فيها. بعد إتمامها لوصلتها ألغنائية، همس أحد الفنانين لصديقه بأن خالة عمر هي "شيخة". كان يقصد بهذا أنها فنانة حقيقية بكل المعايير. لكن أحد أخواله التقط هذا الهمس، فأرعد في وجوههم: "ليست "شيخة"، بل هي سيدة متزوجة ولديها اطفال وزوج". عندها تدخل عمر طرفاً في النقاش ليشرح لأخواله بان صديقه الفنان لم يكن يقصد بكلامه تلك الشيخة المعروفة اجتماعياً، بل يقصد أنها تغني أحسن من الشيخات؛ أي أنها ليست هاوية بل فنانة بالفعل. دخلوا في جدل عقيم، ثم اعتذر الفنان عن نطقه بكلمة "شيخة"، غير أن اعتذاره لم ينفع، وأجهض الحفل. لام الجميع عمراً كونه قد جاءهم بفنان لم يأنف عن تسمية خالته بـ "شيخة"!
وفكر عمر: كم تنطوي الترسبات التاريخية للدلالات السلبية للكلمات في العقل الجمعي على الأحكام الاجتماعية الدامغة اعتباطاً.
حتى حين تزوجت، حكت لعمر أن دخلتها كانت على مرحلتين: تقصد نزفت مرتين بشكل تقصد أنها لم يلمسها جن قبل زاجها، وكون انها لها صوت جميل محبوب لا يعني انها أنت متاحة كاما توحي كلمة "شيخة"، كانت تحب الغناء لأنه موهبة عندها، لكن لم تكن باغية ولا باعت يوما جسدها، يضيف عمر
ــ لكن الشيخة لها دائما هذا المعنى!
ــ رابحة التي "قصرت" في عيد ميلاد أخي مثلا، هل هي شيخة بالمعنى الذي تريد؟ هل تعلم أنها اهدت الحفلة له، يعني قصرت دون مقابل كهدية الميلاد لأخي حمو؟
ــ تقصد انها "قصرت" مجانا؟
ــ نعم هي والفنان الذي أطرب الحفلة، اعتبروا حفلتهم هدية لأخي حمو بسبب انه هو وعمال المناجم مضربون منذ مدة ولا يتلقون أجورا.
ــ لم أكن اعرف هذا، والحقيقة أن رابحة ليست بائعة جنس برغم أنها تؤنسنا في "القصارات"..
ــ نعم هي تحب الغناء، وتقوم به لذاتها عشقا في الغناء.. سكت قليلا ثم أضاف ساخرا: كانت تغني في سبيل الله! (ضحك عمر قليلا ثم أضاف: اتذكر صوتها في السبعينات وسط الغابات عندما كانت طفلة ترعى الغنم، كانت تزأر بصوت عال وسط الغابة: "اذيكشم إسيظ اداريخ عاري عاري" (سيدخلني السعار(مرض الكلب) وسأصعد الغابات)، كانت اغنية ترددها الراعيات وسط الغابة وكانت رابحة واحدة منهن.
ــ إنها الأغنية التي شهر بها فلان وفرتلانة!
ــ نعم لكن ليست من إنتاجهما، إنها أغنية موروثة من الغناء الجماعي، نفس الإشكال دائما، البعض يغني أغنية متوارثة بلحن جديد وينسبها لنفسه والفنانة والفنان الذي تقول بانهما شهرا بها هم فقط غنوها للإذاعة الأمازيغية، شكل من أشكل السرقة التي ألفناها في هذا الزمن الغريب، نفس الطريقة التي سرقت بها أراضي الجماعات السلالية!
ــ تعرف الكثير من هذا التاريخ، انا لم أولد بعد، لكن كيف تتذكر هذا وانت بعيد عنا؟ حتى انك فقدت لغتنا! هل تتذكر؟
ــ نعم، أول صدام لي مع الحياة المدنية عندما أرسلوني للدراسة هي انهم أدخلوني إلى مجتمع اجهل لغته بالمرة، كانت اللغة المتداولة هي اللغة المغربية أو الدارجة المغربية، وكان شعوري حينها هو أني لا أنتمي إلى هذا العالم، وكنت والاطفال المنحدرين من الجبل شبه معزولين، كنا ايضا خشنين...!
ــ كيف؟
ــ كانت العابهم لطيفة اما نحن فكانت ألعابنا خشنة مثل "تاموغزيلت" (نوع من المصارعة الأمازيغية) ولكي أكون من عالمهم كان علي تعلم ألعابهم وكذلك تعلم لغتهم، اما في المدرسة فكانت لغة اخرى قريبة من الدارجة المغربية ، لكنها مختلفة كثيرا، وكان حبي لبلدتي وأهلي هو هذا الانسجام بيننا في اللغة: الكل يفهم بعضنا، مع طول الدراسة والتكلم باللغة العربية والدارجة المغربية بدأت انسى لغتي الأم وكان كلما زرت البلدة، كان جدي يمتحنني وغالبا ما كان يحكم علي باني فقدت هويتي الأمازيغية، وكان بحكمه يثير عقدة الهوية في دواخلي لدرجة لازلت أستضر استفزازه لي على فقداني للغتنا
ــ لكن كيف عدت إلى التكلم بها؟
ــ مرة زرت صديقا ببلدة "أنكيزدم" وصديقا آخر ببلدة "اعزيزة"، على الرغم من ان اصدقائي هؤلاء تعرفت عليهم في الدراسة، هما في بلدتيهما يتقنان الأمازيغية، اعجبني نمط السخرية في الأمازيغية، احيانا يقولون شيئا واضحا، لكن في العمق يقصدون ضده
ــ مثلا؟
ــ كانوا ينعتون محمد ابن يامنة بالجميل، والحقيقة يقصدون قبحه بسبب طول أنفه، انفه لا يتسق مع ملامحه.
ــ محمد ابن يامنة إنسان طيب!
ــ صحيح، لكن مشكلته كانت مع أنفه، بسبب حجمها كانت تمتلئ اكثر بسوائلها وكان الأمر موضوع سخرية، خصوصا أنه علق بصدريته منشفة لمسح سوائله وكان الأمر مثيرا ومستفزا ، كان بحق مثار سخرية..
ــ دقيق الملاحظة ، قالها وهو يضحك
ــ لا، لست دقيق الملاحظة، كان عمي هو صاحب الملاحظة، كان يحكي لنا قصة محمد مع أنفه عندما يخرجان للحطب ونحن أطفال، كان يقلد سعاله وطريقة مسح أنفه بشكل مثير للضحك .
قطع بلقاسم حديثهما بالضرب على آلة الوتر وهو يؤدي مقطع أغنية رابحة في الغابة وهو يشير إلى عمر بحركة من الرأس يقصد بها إن كان عمر يتفق على أدائها ثم بدآ يغنيان:
"امشاون يوذر واشال
أذيكشم إسيط أذاريخ عاري "
(إذا ووريتم في التراب يا حبيبي&& سأصاب بالسعار واعتلي الغابات (يقصد سيصاب بالهذيان أو داء الكلب بالعربية)).
ولما انتهيا من الأغنية سأل عمر أخاه:
ــ لماذا لا تتزوج يا قاسم، تعلم أن والدك يريد تزويجك؟
ــ لماذا لم تتزوج انت، انت كبيرنا يا "حنيني"؟ (احنيني كلمة تقال للجد لأن عمر أخذ اسم جده من ابيه لأنه كان اول مولود بعد وفاة جده وكانت العادة أن يحترم أفراد الأسرة اسم أبيهم، وحتى اعمام عمر ينادونه ب أبي كما لو كان أبوهم الحقيقي وهي أخلاق بدأت تندثر أخيرا)
ــ أبي يريد أن يقيدني به، قالها قاسم وكأنه يتحصر، كلكم هربتم وبقيت هنا مربوطا بالأرض والماشية، والدي يريدني عبدا عنده لذلك يفكر في زواجي اكثر مما أفكر أنا فيه
لم يتوقع عمر مثل هذا الجواب لأن قاسم معروف بخجله ولا يتكلم عادة في المسائل الاجتماعية، وربما هذه المرة بسبب الخمرة تجرأ أكثر بشكل يريد إفراغ قلبه .. وكان من عمر أن استحسن فيه هذا الجواب الذي أشعره بنكهة التمرد التي علت كل اخوته: "يبتدئ عصيان الدولة بعصيان الوالدين" قالها عمر في داخله وهو يبتسم.



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امنحني قليلا لأني جننت
- أزمة السوريين في صحراء النيجر
- مقتطف رابع: حديث الجبل والغابة (تتمة للمقطتفات (4))
- مقتطفات 3 (تتمة)
- تتمة للمقتطفات 2
- الأنسنة قبل البحث عن كوكب آخر
- حديقة جوزيف بوريل
- مقتطف من رواية لم انشرها
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين
- الحرب هي الحرب...!
- أسلمة الفيزياء
- ضربتني بالكيماوي!
- أعياني أني أرث شوقك في دواخلي
- موسم صيد الكلاب
- رحلات الموت من جنوب الصحراء
- البن والشاي في المغرب
- حوارات سوريالية 2 (تتمة)
- حوارات سوريالية
- مشكل الصحراء الغربية
- نافذة على واقع الإعلام المغاربي


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - حديث الجبل والغابة (5)