أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - كتاب من الله















المزيد.....

كتاب من الله


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7428 - 2022 / 11 / 10 - 00:24
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


سألني أحد القراء مرة بصورة مباغته أثناء حوار في منتدى التنوير عن حقيقة صادمة لا يدرك فهمها تتلخص في السؤال، وهل هي فعلا حقيقة أم أننا نفترضها هكذا، السؤال كان "هل أن كتب الأديان المقدسة لدى معتنقيها هي كتب الله كتبها وأنزلها للبشر"؟ "أم أنها كتب وجوديا عن الله ومن كتبها البشر بإيحاءات عقلية أو ربما روحية؟"، هذه الكتابات تتحدث يمكن أن تتحدث عن فكرة ذهنية تصورية في عقل كاتبها وكأنه يستمع لتعاليم الرب عن قرب؟ الحقيقة كنت مذهولا من جرأة السائل الذي يريد فعلا أن يصل إلى جوهر ما يعرف بكلام الله المشاع عنه، أولا لا بد أن أشرح فكرتي أنا التي أعتقدها كمدخل للإجابة، وهي أن الله لم يكلم أحد لا بالمباشر ولا بواسطة كائن أخر سمع كلام الله ثم نقله بحرفية إلى شخص بشري، السبب يعود لما في هذا الكلام من مسلمات أما أن نؤمن بها فنخرج بهذه النتيجة، أو لا نؤمن بها فننكر وحدة الكلام وأن بعضه يفسر بعضه بما يعني أن الكلام مختلط ولا يصح أن يصدر عن واحد عاقل.
في أسلوبية الخطاب في كل الكتب المقدسة ترد على شكل راوي يروي نص ما عن متكلم مره حاضر ومرة غائب هذا كأسلوب عام، ومرة يروي الراوي أحداث ينقلها هو وليس حديث مباشر للمتكلم الحاضر، وفي نسق ثالث ينقل النص الديني الحدث عن قصة كانت وحدث سابق أو تنبؤ قادم، في المظاهر الثلاث لا يمكن أن يكون من الناحية التعبيرية اللغوية حديث مباشر بين متكلم حاضر ومستمع حاضر، بعض الفقهاء والمتكلمة والأعتقاديين يرون أن الكلام ورد في هذه الصيغة لأنه منقول عبر وسيط ناقل غيري عن المتكلم وعن المستمع، السؤال هنا معرفة حقيقة الوسيط من فحوى الكلام المنقول، أما أنه ينقل النص حرفيا عن القائل للمتلقي ولا يتصرف به على النحو الذي يجعل منه هو المتحدث وليس الناقل، أو أنه يخبرنا ويقول أنه سمع من الله أن الأمر كذا وكذا، فيكون الكلام للرسول الناقل حتما وهو خبر بحد ذاته بعيدا عن إيماننا به قطعي أو ظني، ولكنه يبقى كلام مخلوق وليس كلام الخالق تعيينا وتحديدا.
هذه النتيجة ليست محاولة لتخطئة أو الطعن في شكلية الخطاب المنسوب لله ولا هي أجتهادات مجردة من دليل، فعشرات النصوص التي تنقل أنها تصف النص الديني على أنه كلام الله تؤمد علة هذه الحقيقة، فانهد إلى تلك النصوص لنستطلع منها المفهوم، مثلا النص التالي (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) من سورة التوبة، هذا النص إخباري عن الله بالتأكيد فلا يجوز أن يكون الخير عن الشيء هو الشيء ذاته، فهو عند الله وليس عندي حتى نقول أنه كلام الله، وأيضا نقرأ نص أخر أنفعالي وليس فعلي من نفس السورة (عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ)، هل هذا الخبر منقول عن الله أو خبر مروي عنه أم كان حديث بالمباشر، نستمر في تفحص النصوص (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ).
هذا النص لا يمكن أن يكون حديث مباشر أبدا ولا يمكن إلا أن يكون رواية أو خبر منقول عن ولي من، وهذا دليل على أن ما بزعم أنه كلام الله المباشر لا يمكن أن يكون كذلك حتى في النصوص التي تتحدث بأنا ونحن مثل (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، فالله لم ينزل الكتب بذاته ولكنه وحسب النصوص كلف كائن أخر بالنزول (تنزل الملائكة والروح فيها بأذن ربهم من كل أمر)، فنحن ليس شرطا ومنطقيا أن تشير إلى أن المتحدث هنا الله، ربما يكون الروح أو الملائكة أو غيرهم لأن الأمر لا ينافي النص ولا يعارضه، (... ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ) ﴿١٥١ الأنعام﴾، هل هناك من يشك أن المتحدث هنا بصفة الجمع هو الله بدليل أن ما ورد عن نحن هو تقصيص ونقل وخبر بموجب النص التالي (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) ﴿٣ يوسف﴾، فالقاص هنا نحن وهو من أوحى إليك والوحي ليس كلام مباشر بل وسيلة نقل وأنتقال (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ﴿١١ ابراهيم﴾.
السياقات اللغوية في علم اللسانيات تشير بصورة منهجية وعلمية أن النص المنطوق لا بد عن يعبر عن ثلاثة حقائق ليعكس مصداقية القائل، أولى هذه الحقائق أن الكلام بتناسب مع ماهية المتكلم، فالله العليم الخبير القادر على كل شيء عندما يتحدث بفضية فهو يتحدث عن أمر نهائي لا ترديد فيه ولا ترجيح، بمعنى أن أحكام الله ثابتة ومبدئية ومنطقية (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه إِمَّا يُعَذِّبهُمْ وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِمْ وَاَللَّه عَلِيم حَكِيم) و (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ)، هذه الصور المتأرجحة بين الشك واليقين والمترددة بدون حسم لا تصدر عمن يقول (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، إذا أن الله لا يمكن أن يضع إيمان الإنسان ومصيره على قاعدة الأحتمال والشك والترجيح طالما أنه هو من بيده مفاتيح كل شيء ويعلم كل شيء، ومن يعلم عن خلقه كل شيء أوبى بأن يكون أعلم بأمره من كل شيء.
الله إذا لم يقل هذا الكلام المنقول عنه بصورة مباشرة ولا يمكن تصور أن أحدا أستمع لحديث الله بدون ألية ناقلة وواسطة تشرح أمر الله واتكلم عن ما تعرفه وتريد أن يصل الأمر والحكم للناس، فلا من مظهر حقيقي لوجود كلام يمكن أن يستوعبه عقل الإنسان من قبل الله وهو يؤمن أن لا شبيه ولا مثيل لشيء مع الله، لا كلامه ولا حديثه ولا ظهوره تجليا لبشر لأن الله ليس كمثله شيء، والإنسان شيء يتعامل مع أشياء يعرفها ويدركها ويفهمها، أما الذي لا يدرك ولا يترك وليس له شبيه ولا مثيل إنما يتجلى في ذهنه مترجما بصور ذهنية، تقترب وتبتعد عن الحقيقة بمقدار ما تتوافق مع المنطق الطبيعي للأشياء.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المدنية بين العنوان وواقع النظم
- الرب الصديق في حانة الفقراء
- -دولة وطنية حضارية للأمة العراقية- 3
- -دولة وطنية حضارية للأمة العراقية- 2
- في ثلاثية العقل والعلم والحاجة
- -دولة وطنية حضارية للأمة العراقية-
- فلسفة السياسة العراقية تاكيد للمسارالفوضوي وضبابية الهدف وال ...
- عصر الأحزان
- لعبة الحياة
- إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح16 ملحق
- إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح15 الخلاصة البحث ...
- زغاريد في مساء يوم حزين
- إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح14 والأخير
- إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح13
- إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح12
- إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح11
- الشيعة وحاكمية الماضي الاستراتيجية... فشل في العنوان وأنهيار ...
- إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح10
- إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح9
- إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح8


المزيد.....




- ترامب يخطئ باسم طبيبه أثناء تحدي بايدن لإجراء اختبار لـ-قدرة ...
- ألمانيا: الشرطة تطلق النار على رجل هاجم عناصرها قبل مباراة ف ...
- السعودية.. ضبط 16 مواطنا ووافدين اثنين ووزارة الداخلية تشهر ...
- من أول لمسة.. فيخهورست يمنح هولندا الفوز على بولندا
- -مستعدون لبدئها غدا-.. زيلينسكي يضع شرطا للمفاوضات مع موسكو ...
- صحيفة عبرية تحدد شريان حياة وحيد لإسرائيل بعد حرب غزة معلق ب ...
- زعيم حزب فرنسي يدعو لصحوة أوروبية بعد تصريحات لقادة الناتو - ...
- زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب جنوب البيرو
- ليبيا.. 145 إصابة بسبب الاستخدام الخاطئ لأدوات ذبح الأضاحي ف ...
- كأس الأمم الأوروبية 2024: البديل فيخهورست يمنح فوزا متأخرا ل ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - كتاب من الله