أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - المهرج العجوز














المزيد.....

المهرج العجوز


محمد الإحسايني

الحوار المتمدن-العدد: 1692 - 2006 / 10 / 3 - 09:42
المحور: الادب والفن
    


من قصائد نثرقصيرة" سأم باريس"
لشارل بودلير
ترجمة: محمد الإحسايني

ما زال الناس ينتشرون في كل مكان، يظهرون ويبتهجون أيام العـــــطل، وكان ذلك عيداً من تلك الأعـــياد الاحتفالــية التي يعول عليها المهرجون،
صانعو المخارط ، وعارضو الحيوانات،وأصحاب الدكـاكـين المتجولون،
زمنا طويلاً ،تعويضاً عن سوء الأحوال الجوية للسنة .
يبدو لي أن العامة هذه الأيام تنسى كل شيء، تنسى الألم والشغل، ويصبح
الأمر كذلك بالنســبة إلي الأطفال، وبالنســبة إلى الصغار،فهو يوم إجازة، وهوا لرعب اليومـي من المدرسـة الذي مرده إلى أربع وعشرين ساعة .
وبالنسبة إلى الكبار، فهو هدنة أبرمت مع قوى الشر في الحياة،وتوَقـّــُف ٌ
عن العناد والصراع الشاملين .
ينجو رجل المجتمع ذاته، والرجل المشغول بالأعمال الروحية بصعــــوبة من تأثـير ذلك اليوبـيل الشعــبي؛ فهــما يمتصـان دون أن يرغـبا في ذلك، نصيبهــما من هذا الجـو الاستهـتاري، وبالنسـبة إليّ كباريسي حقيقي؛ فلا ينـقص أن أفحـص كل البـيوت الحقـيرة التي تمشـي اختـيالاً في هذه الأيام الاحتفالية،فظلت تتنافس حقاً فيما بيــنها منافسة عجيبة: تتصايح، وتزعق،
وتعوي بدون انقطاع .
كان ذلك مزيجـاً من الصرخـات، ومن الآلات النحاسية النافخة، وفرقعات
السـياط، وما انــفك أصحـاب الذيـول مـن الشـعر المـعقود بعــقدة حمراء، والمهرجون المغفلون يشنجون قسمات وجوههم السمراء، البردُ قسا عليهم
، والمطر والشمس،وكاـنوا يلقـون نكثـاً وطـرائف من أفانين القول هزلية، متـينة وثــقيلة، تشـبه هزليـات موليير يلقــونها بثيمات الممــثلين الواثقــين بتأثـيرهم على الجـمهور...والأبـطال الهــرا قل مزهوون بـتزايد أعدادهم، وهم بلا جباه ولا جماجم، كأنهم وحوش الغابة من القردة، ظلوا يتبخترون
في أبهة تحت القماطات المغسولة عشية َ تدعو الحاجة ُ إلى ذلك. ومازالت الراقصات الجميلات، كالغيد الفواتن، يثبن ويتشقلبن تحت ضوء الفوانيس
التي كانت تملأ تنوراتهن ألقاً .
لم يكن كل شيء إلا ضوءً وغباراً،وصرخات ٍ،وفرحاً وصخباً. وما فتـــئ بعض الـناس ينفــقون وآخرون يكــسبون، كذلك؛ فإن الأوليــن والآخـرين مرحون، وظل الأطفال يتعلقون بتنورات أمهاتهم ليشاهدوا أفضل مشاهدة
، مشعبذاً متألقاً زاهياً مثل إله، وكانت تطغى على جميع العطـــور، رائحة طعام مقلي، كأنه بخور هذا العيد .
عن كثب، وفي الطرف الأقصى من صف الأكواخ، رأيت مهرجــــاً فقير الحال، مقوس الظهر،متساقط الشعر،متداعي الجسم،خائر القوى، عجوزاً
عفا عليه الزمن،رأيتُ تهدمـاً إنسانــياً، كأنـما أزيلت عـنه هو نفسُه؛ وذلك عار،جميع تلك المهابات، رأيته يسـتند إلى أعمـدة مخبئه، مخبإ ٍ أشد بؤساً
من مخبإ المتوحـش الأبله بلاهة أشـد،الذي كانت ثروته الزهيدة تتبد د ولا
تزال تنير أيام شدته الكالحة .
الفرح في كل مكان، والكسب والفجورفي كل مكـان،لقد تحقق الخبز للأيام
التالية، والانفجار الحيوي المسـعور في كل مكا، هنا الفقر المدقع،والبؤس
المتزيي بزي غريب، زيادة ً في الرعب، وهـنا الأسمـال المضـــحكة أوما يُلبس للضـرورة مع أن الفن كان قد مهد للتناقض، ياله من بئيس! من كان يضـحك ولا يبكي، ولا كـان يرقص أ ويومئ بحركات أ ويصرخ أ ويغني
أي أغنية، ولا هو فرح أوداع أمرُه للرثـاء، كان أخرس، وغـير متـــحرك من مكانه، وكان قد زهد واعتزل؛ فمصيرُه قد حُسِـمَ فيه.
لكنْ، أي نـظرة عمـيقة، غـير قا بلة للنــسيان، كانت تتــــسكع حول الحشد والأنوار التي كان امتدادها المتحرك يتوقف على بضع خطوات من بؤسه
المشمئز!
إني أحس حـلقي مخـنوقاً باليـد المرعبـة للهستيريا، وبـدا لـي أن نظراتي كانت مصدومة من خلال تلك الدموع المتمردة، العصية عن السقوط.
ما العمل؟ ماجدوى ســؤال ذلك البئــيس، وأي فضـول، وأي لعبـة عجيبة كانت عنده ليُـريها آية للنـاظرين، وفي ذلك الظـلام المقـيت، وراء سـتاره الممزق؟
حقاً، لاأتجرأ ُ، وربما كان من شأن سبب خجلي أن يضحككم، وسأعترف أنني كنـت أخاف إذلاله،، وأخـيراً صمـمت بعد قليل أ ن أ ضع وأنا ما ر، شيئاً من النقود على لوحـاته الخـشبية، عله يحدس مقصـــدي من ذلك، لما جرني اندفاع حشد كبير من الناس، بعيداً عنه إلى الوراء،قدسببته أي بلبلة غير محدودة .
وعند التفاتي إليه،حاصرتني تلك الرؤية، فبحثت في تحليل ألمي المباغت
، وقلـت في نفسـي: لقد رأيت بـعد قلـيل، صـورة الأديب المسـلي اللامــع، ورأيت صورة الــــــــشاعر العـــــجوز بلا أصـــدقاء، وبلا أ ســرة، ولا أولاد، المتدهور بسبب بؤســه، وبسبب التنكر العلني له، وفي الكوخ الذي لا يرغب الناس النسيون في الولوج إليه قط .



#محمد_الإحسايني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من هو المبدع؟
- تباشير الصباح / غسق المساء.لبودلير
- تباشير الصباح
- أوفيليا
- الجمال... لشارل بودلير
- باروديا بودلير تهدم الصورة والصورة الأخرى للأم
- باروديا بودلير
- سمو
- صولجان باخوس لبودلير
- الدعوة إلي السفر شعراً ونثراً للشاعر شارل بودليراً
- هبات الجنيات
- نكد الطالع لشارل بود لير
- رامبو/ أطلق عليه صديقه فبرلين النار ليلتهب فصل في الجحيم
- لماذا نجمة الجنوب؟
- هوس قصيدة النثر
- قراءة في-مرثية إلى عصفورةمن الشرق- لمرح البقاعي
- احزان القمر
- ماالذي يحدث في عالم خال من الشعراء
- البطروس ... لشارل بودلير
- صلاة اعتراف الفنان


المزيد.....




- ميريل ستريب تلتقي مجددًا بآن هاثاواي.. إطلاق الإعلان التشويق ...
- رويترز: أغلب المستمعين لا يميزون الموسيقى المولدة بالذكاء ال ...
- طلاق كريم محمود عبدالعزيز يشغل الوسط الفني.. وفنانون يتدخلون ...
- المتحف الوطني بدمشق يواصل نشاطه عقب فقدان قطع أثرية.. والسلط ...
- وزارة الثقافة السورية تصدر تعميما بمواصفات 6 تماثيل مسروقة م ...
- هنادي مهنّا وأحمد خالد صالح ينفيان شائعة طلاقهما بظهورهما مع ...
- السعودية تُطلق -أكاديمية آفاق- لتعزيز الشراكة بين التعليم وا ...
- بدورته الـ 46.. مهرجان -القاهرة السينمائي- يكرم خالد النبوي ...
- مع تحدي السياحة.. هل يحافظ دير سانت كاترين بعمر 1500 عام على ...
- -أعرف مدى دناءة دونالد ترامب-.. جيفري إبستين في رسالة عن قضي ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - المهرج العجوز