أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نوري المرادي - ثأر السبي البابلي والمكارثية القادمة!















المزيد.....


ثأر السبي البابلي والمكارثية القادمة!


نوري المرادي

الحوار المتمدن-العدد: 501 - 2003 / 5 / 28 - 01:36
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    



 
 
في التاريخ، لم يحدث أن قوّة قررت إحتلال بلد، وقالت أو تصرفت بغير ما قاله وتصرفه الأمريكان جهارا نهارا، قبل غزو العراق! وهذا عرف عام!
والعميل بمنزلة منديل الكلينكس، قبل الإستعمال في جيب الصدر وخلال الإستعمال في اليد وبعد الإستعمال في المزابل! وهذا عرف عام أيضا!
والشعوب قد تؤخذ على حين غرة، وقد يغلبها المحتلون، لكنها سوى أيام وتفوق، ولا يبقى للمحتل غير أحد خيارين، الخروج حيا أو الخروج ميتا! وهذا عرف عام وقانون!
وليتذكر مندوبوا مؤتمر لندن ما ناقشوه بإنفعال وتبايعوا عليه!
وليتذكر كلبي أساريره يوم نزل من الدبابة الأمريكية بملابس رعاة البقر!
ولمن أعاد لنا شعار الفداء المشؤوم، نقول: تريث! فلربما ينقلب الشعار نفسه إلى: (( بالنوح والسم نفريك يا،،، ))

قبل أيام وتحت عنوان: (( تالي الليل تسمع حس العياط )) كتبت ردا إلى القائلين بفكرة محررية ومخلصية الأمريكان للعراق. وهذا العنوان هو مثل يشكل البديل الشعبي الدارج لبيت الشعر ((ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا،،،،)) وقد إستخدمته للقول بأن حقائق إحتلالية الأمريكان للعراق ستظهر عاجلا.
ومنذ التسعينات كان واضحا أن السلوك الأمريكي في القضية العراقية، يسير وفق برنامج دقيق لإحتلال العراق ومن ثم المنطقة، معد بعناية، قد يرتبك بعوامل ثانوية، إلا أنه يعود ويكمل مشواره خطوة بعد خطوة، وعلى ثلاثة محاور لم تكن خافية على أحد.
الأول: الإعداد للغزو
وذلك بدراسة وضع العراق العسكري وكشف ثغراته، عن طريق التفتيش وعن طريق عملاء ما أطلقوا على أنفسهم بالمعارضة، ناهيك عن إيجاد ثغرات داخل جسد الجيش نفسه، بالإستفادة من رعونة رئيس النظام وعنجهياته الفارغة، مثلما هيّأت قوة ضاربة وبخيارات عديدة، يبدو أنها جربتها في نهايات الحرب.
المحور الثاني: شراء ذمم قادة الدول
وبالأخص تلك التي لم يعد لها من دور على الساحة الدولية، كبلغاريا ودول البلطيق وبقايا الدول الإشتراكية، فلم يعد لرؤسائها (الأمريكيون قلبا وقالبا) من دور سوى المتاجرة بأصوات بلادهم، أو إسمها الذي غدا كالحشوة المالئة للأريكة.
المحور الثالث: تهيئة الرأي العام الشعبي
وعلى مستوى الشعب الأمريكي لم يكن الأمر بذي بال، بحكم قلة إهتمام الرأي العام الداخلي بالقضايا الدولية، ناهيك أنه رأي لا يلتهب، إلا حين يصاب جنوده بالخسائر، أو حين يتصارع كباره على موقع القرار. أما على مستوى الرأي العام الشعبي العالمي، فقد إستخدمت أمريكا فيه صحافتها وخبراتها الإعلامية، وأوكلت التنفيذ إلى مجموعة المعارضة الست، التي قامت بدورها خير قيام، بعد أن هيّأت لها مساعدات عينية ودبلوماسية، مثلما هيّأت لها منبرا عالميا وهو إذاعة وصحافة آل الصباح. وتناوبت هذه المعارضة الأدوار وبشكل دقيق أيضا. فتشكيلة حميد مجيد في الحزب الشيوعي العراقي، كانت أشبه ما تكون موكلة بالحديث الدوري عن سلوك الدكتاتورية العراقية، وبفترة لا تقل عن إسبوع قبل كل ضربة وجهتها (دفاعا عن النفس) أمريكا وبريطانيا لمواقع عراقية عسكرية أو مدنية. وهي بهذا تهيّء الرأي لإختيارية الرب الإمريكي وجعل كل ما يفعله بالشعب العراقي رحمة، أقلها هو غسل ذنوبه التي إقترفها بجريرة وقوعه تحت حكم النظام. وغالبا ما زار القنصل الثاني في السفارة الأمريكية بدمشق مقر الحزب وتبادل(!) معه الرأي(!) بشأن الوضع الراهن. مثلما صار هم هذه المجموعة الحديث عن حقوق الأكراد وضرورة إستثنائهم من الحصار الإقتصادي على الشعب. ولم يلح من خطابها أنها بوارد الإهتمام ببقية طوائف الشعب العراقي ولا إستنكرت يوما ما قصف الدور ولا قتل المدنيين بقنابل التحالف. وأناطت مجموعة (كلبي، المليك، علاوي) بنفسها مهمة التخاطب مع شعوب دول الجوار وقواها السياسية، مثلما درب الأمريكيون 700 فرد منها ليعملوا ككبش فداء لمثدمة جيش الغزو. وقام الطرزان بالدور الأخطر حيث نجحوا وبشكل ملفت في عزل الأكراد عن الجسد العراقي وجعله ليس لا أباليا لما يحدث لبقية الجسد العراقي وإنما متشمتا متعاليا وبما لا يأتيه غلاة المتطرفين العنصريين. وإستكمالا للإسقاط، تناوبوا في إطهار الذلة لعدوهم التقليدي – الأتراك، بحيث قال بياع الخواتم – جلال، أنه لن يأكل الديك الرومي بعد اليوم لأن إسمه (تركي) باللغة الإنجليزية، وأنه، أي بياع الخواتم، إذا ما خيّروه، فسيلحق كردستان بتركيا. إلا أن الدور الأخطر على الإطلاق، قام به باقر حكيم ومجلسه. فهو لم يؤجج المشاعر الطائفية وحسب، بل وأقنع العالم بأن الجسد الشيعي ينظر إلى الجيش الأمريكي نظرته إلى المهدي المنتظر ليرد الظلامات عن الشيعة. وكم من مرة لجأ على طريقة أبيه المشؤومة بإصدار الفتاوى (التي ولا واحدة منها تحدثت عن إسرائيل) وكم مرة ضرب بالقرآن عرض الحائط في مسألة إتخاذ الكفار أولياءً، ودافع دفاع المستميت عن علاقته بأمريكا. وليس هذا وحسب، بل ولجأ لما يتأنف عنه البشر السوي – الكذب. فكم من مرة إدعى بوجود إسلحة محظورة مدفونة في ساحات عامة بالبصرة، وتحت مدارس ثانوية في العمارة، وكم من مرة إدعى أنه سرق أسرار أسلحة النظام المحظورة وأعطاها لأمريكا. وكل هذا فعله، وبدرجة عالية من الجهادية، بحيث يجوز معها القول: (( عفارم ليد خفية صنعت هذا العميل! ))
ومن الجانب الآخر ومنذ التسعينات وإلى حين صار مشروع الغزو أمرا واقعا، ظهر كثير من الكتاب أصحاب الرأي خارج ما يسمى بالمعارضة، مؤيدين مقدما وبشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الشعوب، هذا الغزو، ومعتبرينه تحريرا.
إعتبروا الغزو (( تحريرا )) ربما كثاني إنقلاب خطير في عالم المصطلحات السياسية، بعد مصطلح ((العالم الجديد)) الذي أدى دوره وخرج عن الإستعمال.
وكان خطاب القائلين بمصطلح (( التحرير )) ومخلصية الأمريكان للعراق، يتمحور حول ثوابت لم يأت بها، لا الله ولا الوقائع من سلطان. وأهمها: عفة الأمريكان (أو بمفهومنا عفة اللوبي الذي يحرك سياستهم) ومصداقية وعودهم، ولاحاجتهم لنفطنا، وأنهم لم يحتلوا بلدا مطلقا، وأنهم بصدد إسقاط النظام العراقي ويعودون إلى بلدهم مشكورين.
ولأجل هذا بحثت الكتب القديمة وإستصدرت الفتاوى. وكتب سيد عن التحرير وحث الشيوعيين على المساهمة به وإلا فاتهم القطار. وبعدها، وإثر جدال له مع جماعة الحل الثالث، صرخ زميل وهو مهندس متظلما: (( لماذا بالله عليكم تضعون العصي في عجلة الحل الأمريكي!)) (كتابات، والحوار المتمدن- شباط). وما بين هؤلاء وألئك شتم إخوة فناصرهم آخرون ،، وهكذا!
ومعلوم أنه لا حرج في الجدل وإختلاف الرأي طالما كنا في عالم التوقعات قبل الغزو. كما، وخلال وبعيد الغزو، قد لا يلام الذي عاش وطأة نظام كالعراقي، حين يغلّب، وفي فورة الحدث، الفرح بسقوط هذا النظام على الحزن لإحتلال الوطن، ما بالك حين لا يكون متاحا أمامه غير هذين الخيارين فقط.
لكن فورة الحدث إنتهت، وبدأت الحقائق تظهر تباعا.
وأنا شخصيا وكأحد أشد المعارضين للقائلين بمخلصية أمريكا للعراق وتحريرها له، أعترف أن بعض هذه الحقائاق لم يدر بخلدي مطلقا. فلم أتوقع مثلا أن تنقلب أمريكا بهذه السرعة (والوقاحة) على حلفائها رموز المعارضة السبعة، لتدعي علنا أنهم لا يمثلون الشعب. هذا رغم ما وصفهم به بوش قبل أسبوع من الغزو، بالشجاعة وتمثيل الشعب العراقي. ولم أتوقع أن المحتلين سيعمدون إلى هذا الخراب المريع والسلب والنهب. ولا أن يعلنوا جهارا نهارا بأنهم سيحكمون العراق مباشرة، ويطبقون مستلزمات ذلك على الواقع دون تهيب من أحد.
كنت أتوقع على سبيل المثال، وإرضاءً لرموز تلك المعارضة وحفظا لماء وجههم، ودعما ولو مؤقتا لمصداقية تصريحاتهم السابقة، أن المحتلين سيشكلون حكومة مطهمين، ليس لها غير الإسم والتوقيع على قرارات الحاكم العسكري الأمريكي.
لكن المحتلين ترفعوا حتى عن هذه الصورية. ترفعوا عنها بتأثير عاملين أهمهما أنهم لاحظوا بالملموس مدى رخص نفوس رموز المعارضة هؤلاء ودونية أعرافهم، إن من حيث تآمرهم على بعضهم، أو كذبهم الصريح بمعلوماتهم، إلى ميكافيليتهم وشخصانية سلوكهم البعيد كل البعد عن الخلق المفترض لسياسي يتعامل بقضية كالإستقلال الوطني. والله وحده العالم كم من تقرير قدمه هؤلاء الرموز ضد بعضهم البعض للصهيوني أنديك أو زلماي ومن خلفوه. والعامل الثاني، هو أن للمحتلين برنامج ضخم مبيت لإحتلال المنطقة إستعماريا، لا يشكل غزو العراق إلا بدايته، ولابد من زخم وعجالة في تنفيذ مفرداته التي أهمها فرض حقائق الحكم المباشر على الأرض، وبلا زائدة دودية - إسمها حكومة مؤقتة.
ثم تتالت حقائق الإحتلال، إبتداءً من الوجود العيني لجيش جرار على الأرض، إلى ست مذابح أتاها خلال شهر، ثم بدأ يتدخل حتى بأرزاق الناس، بالتوزيع المباشر لمرتبات بعض المتقاعدين، كإشارة أولى، لكون ولاية النعمة من الآن فصاعدا بيد الحاكم العسكري. إلى إستصدار قرار من مجلس الأمن يعترف بالإحتلال ويجيز له التصرف بالنفط. ثم قرار حل مجلس البصرة القبلي الذي هلل له بعضهم. وأخيرا جاء القرار الأخير بحل الجيش العراقي وإلقاء ما لا يقل عن ربع مليون عائلة عراقية، إثره، إلى مهالك الفقر.
الغريب أن قرار حل الجيش ترافق مع قرار حل وزارة الإعلام العراقية السابقة، فإبتهج زميل لنا بقرار حل الإعلام فقط، ونسي قرار حل جيش تموز وأنتصارات 1948، ناهيك عما ستعانيه عوائل هذا الجيش من ضائقة! أو على الأقل نسي أن الأموال التي كانت تصرف على هذا الجيش ستذهب الآن لجيوب المحتلين!
وتتوارد حقائق الإحتلال الإستعماري البغيض تباعا. وقبل أيام فقط تبين أن الصالحي المتفاني بميله لأمريكا والغزو، هذا الصالحي، لم يسمح له بدخول العراق ألا بعد الخامس عشر من مايو الجاري، رغم ما نشره أنصاره(!) من مقابلات له مع عشائر عراقية خلال العمليات العسكرية وما بعدها. أي لم يثق الإحتلال بهذا التابع. ويوم أمس صدر قرار بتجريد ميليشيات كلبي من السلاح. وهذا التجريد هو بطبيعة الحال حكم صريح مفتوح بالموت المحتوم لا ينتظر إلا من يطلق الرصاصة الأولى وحسب، لتجري إحتفالات ثأر وتشف لم ترد بالقصص. الغريب، وهذا ما لم يتوقعه أحد، أن كل مسلحي ميلشيات كلبي بما فيهم هو نفسه، من عراقيي اللجوء والذين دربتهم وكالة المخابرات في المجر ورومانيا وأمريكا، وأتت بهم إلى حيث موتهم. ولن يكون غريبا أبدا أن قوات الإحتلال ذاتها ستمنعهم من مغادرة البلد!
وبقية حقائق الإحتلال متوفرة، وستأتي بغيرها الأيام تباعا.
لكن، بقي أناس يتشبثون بالمستحيل، ليقنعوا أنفسهم بمصير غير الذي يستحقون. وكلنا يرى مفتي الغزو باقر حكيم، يتنقل بين هذه المدينة وتلك تصحبه الإستقبالات المفبركة، التي إعتاد (إطلاعات) تنظيمها له أيام زمان. ويبدو أنه لم يتعظ من تلك الإشارة – الصفعة التي تلقاها يوم برّزوه لغاية في نفس يعقوب، فأعطوه 35% من مقاعد لجنة تنسيق الكراكيز، حتى وقعت هذه اللجنة لأمريكا على الغزو، فتخلوا عنه وعنها عاجلا. وكذلك لم يتعظ من إنذارهم له بعدم التدخل خلال العمليات رغم أنهم على يقين من أنه لن يتدخل لغير صالحهم، سواءً ضد الجيش العراقي أو ضد الوطنيين العراقيين ككل. وأنه إن تدخل، فليس بأحسن منه يوم تدخل وأجهض الإنتفاضة. رغم ذلك أنذروه بعدم التدخل، ووافق. فأدخلوه إلى العراق محروسا بأربعة ضباط مخابرات. وهو لم يتعظ من مصير كل الخونة في التاريخ. وحبذا لو يدرك أنه بالأساس مشروع طائفي بغيض، لو حتمت الظروف على المحتلين اللجوء إلى المشاريع الطائفية، فلن ينل هو شيئا وقد شاهد المحتلون أن غيره يجتاح الساحة الشيعية والإسلامية عموما. وما هذه الظهورات المسرحية والهتافات النشاز التي تصاحبه، سوى دور موكل إليه، علم أو لم يعلم، ليكون الكفة المقابلة للتيار الصدري المعادي لهم، أو غير المأمون الجانب بلا جدال.
بقي القادة الطرزان. وليكونوا على ثقة من أن الحضوة التي لهم الآن عند المحتلين، ما هي إلا مسرحية أتفه من مسرحية معاهدة (سيفرس) التي جعلتهم ينقبلون على (باف كردان). وهذه المسرحية هي دون أية مسرحية ضحكت عليهم بها واشنطن وتل أبيب سابقا. ولابد أن مام جلال أدرك هذا، فصرح منذرا (أو مبتزا، أو مناكدا) جيش الإحتلال بأنه ليس سيجير عائلة صدام فحسب، وإنما سيمنحها اللجوء!
وحبذا لو قال بأية زاوية سيمنحهم للجوء، وقد سلم كل كردستان، خرائطا ومكامن وحواضر، سهلا، إلى هذا المحتل الذي يهدده الآن بعائلة صدام!
إن الإحتلال الماثل على الأرض الآن، ما هو إلا جزء من مشروع كبير مبيت للمنطقة. وقد كان النظام العراقي سيفا ذو حدين ضمن هذا المشروع. فهو في القضايا العامة والأساسية، تساوق مع مشروع الإحتلال هذا كليا، بحيث يمكن القول أنه مكنه من الظهور أساسا، ومن خلال عدة مبررات، وكأنها أنيطت به حصرا ليقدمها.
من هذه المبررات، مثلا دمويته وفاشيته التي لم يسبقه فيها سوى بول بوت في التاريخ الحديث. هذه الفاشية والدموية جعلت المواطن العراقي، وعلى غرارية المثل: (( من يرى الموت يرضى بالحمى )) يقبل حتى بمحتل لمجرد أن يخلصه من ذلك الكابوس. ألا ترانا الآن نتسابق على عرض صور مقابره الجماعية غاضين الطرف عن المقبرة الجماعية الكبرى التي دامت 13 عاما من الحصار وراح ضحيتها مليون مواطن عراقي، إن من الجوع أو نقص الأدوية أو جراء اليورانيوم، أو المذبحة التي أبيد بها 64 الف جندي خلال إنسحابهم من الكويت. ألا ترانا أيضا نتابع بشغف صورا عن ترحيبات أو تقبيل أطفال لجنود الإحتلال، رغم أنها صور إعدادها وجودتها وزايا إلتقاطها، لا ولن يترك لأبسط إنسان مجالا للشك بأنها ليست عشوائية، وأن من إلتقطها ليس مصور هاو وعلى حن غرة.
ومن هذه المبررات أيضا، حربه غير المبررة على إيران، والتي نشرت أساطيل أمريكا بالمنطقة على نحو لم يسبق له مثيل. مثلما حركت مصانع السلاح ووفرت لها أسباب إعادة النشاط، فتراكمت خبراتها وإمكانياتها وأدت إلى فائض من الأسلحة لابد من إستخدامه في مكان ما.
ومن هذه المبررات أيضا التوقيت المشبوه لإستعادة للكويت، بإعتباره هو وحزبه وليس غيرهما من ألغى المحاولة الجادة للزعيم الراحل عبدالكريم قاسم، والذي لاشك كان مؤهلا أكاديميا وتاريخيا، على هكذا خطوة. بينما توقيت النظام، ما نتج عنه سوى الإستحكام الكامل لأمريكا بالمنطقة فصارت تقرر بنود مؤتمراتها العربية والإسلامية والنفطية وعدمالإنحيازية.
لكن هذا النظام من الجهة الأخرى وحيث إمتلك هذا الكم الهائل من القدرات المالية والعسكرية وحرك الإمكانات العلمية الكامنة في المجتمع العراقي، فبرز أخطر العلماء في مجال السلاح وغيره، فهو وجراء هذه، أصبح مبعثا للصداع وبحكم الخطر المباشر على أمريكا والمنطقة. إن جراء تصرف منه سيسموه أو يعتبروه أحمقا، أو جراء سقوطه المفاجي بإنقلاب عسكري، فتبرز قيادة وطنية ديمقراطية يؤيدها الشعب، وحازمة بالقدر الذي سيشجع قوى التحرر العربية بالنهوض مجددا، ناهيك عن ردعها المحتوم لإسرائيل.
وإسرائيل، حالها حال الثور، ما دام قويا يرهبه الجميع، فإن تحداه ثور أقوى منه، يقع، وإذا وقع الثور تكثر سكاكينه، وسيطعنه حتى من كان راعيه.
وسيف النظام العراقي في حده الأول إستنفذ مهماته، أو قلها أداها على خير وجه. بقي الحد الثاني، الذي تقرر على ضوءه إحتلال العراق، تحسبا. ناهيك عن عامل هام أيضا دفع بإتجاه إحتلال العراق تحديدا.
وهو تجربة لبنان. فلأعتبارات عديدة أهمها الحرب الأهلية التي عاشها والتمزق الداخلي ووقوف بعض القوى علنا مع أمريكا وإسرائيل وإنتصار هذه القوى في صبرا وشاتيلا ونجاحها بإبعاد المقاومة الوطنية والفلسطينية، كل هذه جعلت من لبنان الحلقة الأضعف في المنطقة وهيّأت لأن يكون إحتلاله، بالون إختبار للإحتلالات الأمريكية القادمة. لكنه إختبار قاس مات على يد الشعب اللبناني البطل، وقبرت أثره أية محاولة للإعتداء على لبنان في المدى المنظور على الأقل. ثم جاء الصومال، كتجربة للعلاج، بإعتباره حلقة أضعف وأنه بلد ناء، ولا خيرات به سيرتي لها أحد. لكنها تجربة إنتهت إلى أسوأ من تجربة لبنان.
وربما كانت العبرة الأساسية التي أخذها صاحب القرار الأمريكي، أن (( الصخرة التي لا تعجبك تفلق رأسك )). لذا، وتحت ضغط تطور الآلة العسكرية وتراكم أساب القوة، وبالتالي حتمية إحتلال بلد ما، تقرر ترك الحلقة الأضغف وعوضا عنها غزو حلقة أقوى وأغنى. وكانت هذه الحلقة العراق. فأنهك بالحصار لضمان تقليل الخسائر المحتملة، وكشفت ثغراته بالتفتيش، وأشتريت معارضته بأبخس الأثمان،، حتى تم الإحتلال.
لكنه إحتلال لا يبدو أنه سيكون مريئا. ولا أفترضه يطول أصلا. وقد بدأت أسباب مقاومته تشتد يوما بعد يوم. وقد رصدت عمليات المقاومة خلال شهر مايو وحده، فوصل عدد قتلى جنود الإحتلال لأكثر من 70 فردا، وحسب ما أوردته الوكالات وأغلبها عن ناطق عسكري أمريكي. وسأنشر هذا لاحقا. لقد كانت الخسائر جسيمة، رغم أن الجسد الأعظم من الشعب العراقي لمّا يشترك بهذه المقاومة بعد. وأعني به الجسد الوطني الروحي، حيث ينشغل رموزه بهموم الرعايا، بعد أن تركهم الإحتلال بلا سقف ولا ميعن. إضافة إلى الدخول المحتمل لعناصر من الجيش العراقي الذي حله المحتلون. وأفراد من الجيش سيشتركون حتما، بإفتراض أنه ولو 1% من عناصره كان صادقا بوطنيته ومخلصا لمهنتيه. وهذا الواحد بالمئة يعني 4000 عنصر مسلح ومتدرب. وحاشى الجيس العراقي الباسل أن يكون فيه 1% فقط من الوطنيين. إنه جيش تموز، وكله وطني بلاشك، ولا يستثنى منه غير تلك النسبة التي تستثنى منها كل جيوش العالم.
ومن هنا، فمقاومة الإحتلال ستكون قاسية وخسائر المحتلين لن تحتمل، ما لم يشدد هؤلاء المحتلون قبضتهم ويحكموا بقسوة تجعلنا نترحم على قسوة النظام. قسوة مكارثية لن نستطيع درءها بمحامين ولا عرائض إسترحام. ما بالك وأن ما يقود عقلية المحتلين، ليس دوافع إقتصادية وحسب. ذلك أن اليمين المسيحوصهيوني، الذي يوجه القرار الأمريكي حاليا، له ثأر على العراق بسبب السبي البابلي. وهذا اليمين لابد ويعتنق التوراة، ولابده قرأ المزمور 137 الذي قال: (( على أنهار بابل جلسنا، بكينا أيضا عندما تذكرنا صهيون،،، إن نسيتك يا أورشليم تنس يميني ليلصق لساني بحنكي إن لم أذكرك إن لم أفضل أورشليم على أعظم فرحي، إذكر يا رب لبني آدوم يوم أورشليم القائلين هدّوا هدّوا حتى إلى أساسها. يا بنت بابل المخربة، طوبى لمن يجازيك جزاءك الذي جازيتينا. طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخر ))
وهكذا تجتمع المكارثية السياسية والحقد الأصولي اليميني على الشعب العراقي، الذي لا ولن تكن له نفس ما لم يطرده.
بقي أن نعد الأيام!

 



#نوري_المرادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع الطُخا !!
- التذابل
- يا عمال العالم،،، صلّوا على النبي!
- أيها الحوزويون،، حاط العباس أبوفاضل ويّاكم!
- عبدالخالق حسين، يدعوكم!
- لا للإحتلال! عراق حر وشعب سيّد!
- لا حياد وبغداد تحترق !!
- وهذا مثال بسيط على ديدنه
- The Meg War
- الـ CIA لا تـَـقـْهَر!
- بعديش يا باقر؟ بعد خراب البصرة؟!
- لحظة الحقيقة!!
- المجتمع الدولي،،،، المنبوذ!!
- إلحان عبدالوهاب بدرخان في ألحان الأمريكان!
- من هو السرب ومن الذي يغرِّد خارجه؟!
- زوبعة في قبق كوكا!
- إنتفاضة القنادر
- ماذا قال العميد الركن نجيب الصالحي
- خَبَب في صباح العيد!!
- كواليس مؤتمر السماسرة


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نوري المرادي - ثأر السبي البابلي والمكارثية القادمة!