أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عباس منعثر - القائد العظيم صدام حسين!














المزيد.....

القائد العظيم صدام حسين!


عباس منعثر
شاعر وكاتب مسرحي عراقي

(Abbas Amnathar)


الحوار المتمدن-العدد: 7396 - 2022 / 10 / 9 - 11:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الصعب أن تكون موضوعياً وأنت تحاكم أو تستذكر من تلاعب بمصيرك في يوم ما، وها هو الآن مجرد سيرة في التاريخ تحاولُ استقراءها بعيداً عن جراحك الخاصة.

بعد انقلابات عسكرية عديدة، وصل نظام بعثيّ، ساسَ العراق بالحديد والنار، ولا أحد يدري، لو أن نظاماً مختلفاً حكم العراق، ما هي النتائج المختلفة التي من الممكن أن يصل اليها؟

على مستوى العائلة العراقية، وكمكرمة، وزّع نظامُ صدام التلفزيونات، أعجوبة ذاك الزمان، على الناس. وكانت مفارقة أن تمتلك أحدث وسيلة في حينها للتواصل مع العالم، في حوش طيني أو بيت من قصب. لم يفكر صدام في تحويل المدارس المتهالكة الى أماكن تصلح للاستخدام البشري؛ لكنه اعتبر الأمر أمناً وطنياً حساساً، فراح يخطط لسيطرة البروباغندا، مستخدماً وسائل غسيل الدماغ اليومي لخلق طراز الفارس حبيب الملايين من جهة، والمرعب القاسي الذي لا يرحم من جهة أخرى.

وكانت القادسية. ربما كسب النظام من حربه ضد إيران خاصة في السيطرة على الداخل الجموح وفي حصوله على الدعم الأمريكي؛ لكنه خسر المستقبل.

مع القادسية الثانية كان مشهد السيارة وهي تحمل نعشاً ملفوفاً بعلم مشهداً رهيباً وغريباً. عيون الناس تطارد مسار التابوت، وتتساءل: أيّ باب سيطرق؟ والسيارة، وكأنما باستعراض مقصود، تنتقل بين المناطق والناس تتجمهر لمعرفة بيت الشهيد. اكتشف الناس، حينها، أن الشباب سيموتون في حرب او مقبرة او سجن. بعدها اعتادوا الموت المبكر. كان الناس يتعرفون حينذاك على حقبة ستستمر لأكثر من 35 عاماً، وهذه النعوش هي المقدمة الطللية للقصيدة الرثائية القادمة.

إضافة الى الاستشهاد في المعارك، كان الفقر قاسياً يتخلل العظام، والسرطان الأخلاقي ينتشر في جسد المجتمع، وكانت القيم تتساقط كأوراق الشجر في الخريف.

ورغم أن القائد الضرورة كان كثير الزيارات للفقراء وللقطعات العسكرية؛ غير أنها كانت تفتقر الى الحميمية والصدق. الخيبة الليلية هي التي تتبقى في ضمير المراهقين حين تحرمهم تلك الزيارات السخيفة من الرياضة في أسبوع أو عدسة الفن أو مسرحية الجمعة أو فلم السهرة، لا لسبب إلا لأن صدام أعجبه أن يظهر على الشاشة ضيفاً ثقيلاً لساعتين او ثلاثة، ممثلاً دور الأب يتوّسط عائلة مسحوقة أو يفتح ثلاجةَ عائلة فقيرة، وتأقلمَ الناس على مشاهدته مرغمين، لأنهم ببساطة لا يمتلكون خياراً آخر.

ورغم أن الطائفية لم تكن بارزةً على السطح كثيراً؛ لكن النظام في جوهره طائفي مارس أقسى أنواع الإقصاء والحرمان. في الكلية العسكرية، لا يسمح للشيعي أن يقدم كضابط، بالإضافة الى أن الكرد لا يملكون ممثلاً عنهم في قيادة الدولة غير الشخصية الهزيلة طه محيي الدين معروف.

مارس نظام صدام الإخصاء بحقّ الجميع. لم يكن يحقّ لك كشاب أن تطيل لحيتك؛ بينما ابن رئيس النظام الأكبر يُطلق لحيته بحرية، وفي الوقت الذي يتعمد التلفاز اظهار صدام واحتفالياته الباذخة، كان اليائسون ينتحرون بسبب الفاقة وعدم القدرة على الاستمرار.

زلتهُ الكبرى أنه اعتقد أنّ ما يصلح للداخل، يصلح للخارج أيضاً. كان العالم قد سمح لصدام باضطهاد شعبه وممارسة دور البلطجي على نطاق محدود ضد الشيعة والكرد، وكان المبدأ: دعه يلعب مادام لا يؤذينا، وما دام يحقق لنا ما نريده بلا جهد وخسائر.

ولم يتوقف صدام عند حلبجة وغاز الخردل وتنشيف الأهوار والمقابر الجماعية، بل أقدم على فعل سيكون له أفدح الأثر على وجوده الشخصي: غزو الكويت. هنا وصل تورم الذات الى حالات متقدمة. كان دخول الكويت مغامرة غبية جعلت العالم يلتفت الى إجرامه خاصةً أنه قد يمسّ المحرمات من مصالح الدول الكبرى. وسواء أُستدرج الى الفعل أم أنه من بنات أفكاره، فقد ارتكب أكبر حماقة على الإطلاق وكان الطريق الممهد لمشهد الحفرة الشهير.

عرف صدام حجمه حينما واجهته الآلة العسكرية الأمريكية الهائلة، لكنه ناغمَ فكرته عن نفسه مع كينونة البطل- محارب الامبريالية والصهيونية العالمية. وفي حين كان نظامه من أكثر الأنظمة فائدة لإسرائيل؛ ظلّ محتفظاً، إعلامياً على الأقل، بصفة المدافع الصلب عن القضية الفلسطينية.

أيام الحصار، اتضحت شيخوخة النظام. وبات واضحاً ان البلد كله يتدحرج من أعلى الجبل نحو الوادي من غير ان يتحكم فيه أحد. ولم يبقَ سوى أمل واحد هو الانقلاب الذي لم يأتِ، فظل النظام يتآكل من الداخل في مشاهد مضحكة مبكية مثل قضية حسين كامل ومحاولة اغتيال عدي والخلافات العائلية الدموية التي سادت الرّبع الأخير من حياة رجل العصابات آل كابوني.

وزّع صدام ثروات العراق على الدول وجنرالات التمرد ومومسات الفن؛ لكنهم جميعاً لم يكونوا قربه وهو يشاهد تمزق كل ما بناه بالعرق والدم والغدر والخيانة.

عاش الرجل 40 عاماً كإمبراطور يُنفذ أمره قبل أن يفكر فيه، وانتهى حبيس حفرة تحت الأرض. تلك الفترة من سقوطه الى إخراجه من الحفرة جعلت كل سنين إمبراطورتيه وهماً. كل لحظة خوف عاشها، كل لحظة ذل، هي تعويض لصرخات المعذبين في سجونه التي ملأت البلاد. كل ألم أُم فُجعت بابنها المعدوم او ابنها الملفوف بعلم كانت طعنة في صدر القائد المغدور.

ياله من ثقل روحي لا يمكن وصفه على كرامة وكبرياء الامبراطور السابق بملابسه العربية المتربة ولثامه القذر، وهو يجوب بلدة الدور، بلحيته الكثة، مهملاً ضعيفاً بلا حماياته ولا أرتاله الضخمة وبعيداً عن قصوره العديدة وسيجاره الجرود وغزلانه ولياليه الحمراء!

ربما كان مستعداً وقتها أن يقايض كل امبراطوريته بلحظة أمان واحدة وسط عائلة طبيعية ودودة.

مهما نشرَ المحبّون أنّ صدام حسين (1979-2003) بطلٌ قوميّ مناضل، يبقى نظامه أسوأ ما يمكن تخيله على جميع الأصعدة؛ لولا أن حكم نوري المالكي (2006-2014) قد نافسه بالسوء والغباء والفشل.

اعتقد صدام أنه جدير بدور البطولة في فلم السهرة؛ لكن المؤلف والمخرج قد وجداه ملائماً جداً لدور كومبارس تنقلب حياته بطريقة درامية لا تحدث حتى في الأفلام الهندية.



#عباس_منعثر (هاشتاغ)       Abbas_Amnathar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحولات صورة الحشد الشعبي من القداسة إلى الدناسة
- بين العجم والروم بلوة ابتلينا!
- بين غاندي وجيفارا، أيكون الحل مستحيلاً في العراق إلا باستخدا ...
- أين ما عشناه في العراق بعد 2003 مما حلمنا به؟
- هل تُلدغ المليشيات العراقية من الجحر نفسه مرتين؟
- هل إيران حليف حقيقي أم مصاص دماء؟
- التصحر في العراق والموقف الشخصي والحزبي
- هل عمار الحكيم هو الضد النوعي المناسب لمقتدى الصدر؟
- كيف يُهدد الصّراعُ بين الشّيعة الأمنَ العراقي؟
- إخلاء المنطقة الخضراء من الميليشيات
- مقتدى الصدر هو أمل الولايات المتحدة الأفضل
- تصويت لا يؤدي الى مكان: لماذا لا يحتاج العراق إلى انتخابات م ...
- خلاف طهران والصدر يؤجج عدم الاستقرار في العراق/ ج2
- خلاف طهران والصدر يؤجج عدم الاستقرار في العراق
- عدمُ اكتراثِ بايدن سلّمَ العراقَ لإيران
- النزاع المستعر في العراق والخشية من اندلاع العنف من جديد
- الانقلابان في العراق، وكيف تستجيب الولايات المتحدة لهما
- مونودراما.. بوذا في صومعة الخيزران.. عباس منعثر
- مسرحية.. هو الذي رأى كلَّ شيء.. عباس منعثر
- مسرحية.. مأساة روما.. عباس منعثر


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب بنيويورك
- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عباس منعثر - القائد العظيم صدام حسين!