أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عباس منعثر - أين ما عشناه في العراق بعد 2003 مما حلمنا به؟















المزيد.....

أين ما عشناه في العراق بعد 2003 مما حلمنا به؟


عباس منعثر
شاعر وكاتب مسرحي عراقي

(Abbas Amnathar)


الحوار المتمدن-العدد: 7384 - 2022 / 9 / 27 - 04:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نتيجة ممارسات نظام صدام حسين (1979-2003)، فقد كان له القليل من المؤيدين في الوسط والجنوب، خاصة من 1994 حتى سقوط الديكتاتورية، أي ذروة الأوقات العصيبة فيما سميّ بالحصار. كان الكثير من العراقيين يعلمون أن الحصار أتى ليزيد عليهم الخناق وليس على النظام، فالحصار نخر روح المواطن وجعله هيكلاً تسوقه الاستمرارية وتحفّ به الاحباطات من كلّ صوب.

كانت كل ثانية تمرّ لا تقتل داخل العراقي البسيط وطنيته فحسب، بل وتسحق آدميته كذلك. وكانت قصص انتحار اليائسين في نهر الفرات أو قصص الذين يسممون عائلاتهم الصغيرة لعدم قدرتهم على أهوال الحياة أشهر من أن تُنكر ودليلاً فاضحاً على أن ما وصفه نعوم جومسكي كلص صغير من نيكاراغوا قد وصل بشعبه الى قمة اليأس ووصل بنظام الحكم الى قاع الفشل والارتباك المؤدي الى الانهيار.

في خضم عناء الشعب، كان يبدو على صدام الرفاهية التي تستعد للزوال، وقوة ورقية وسلطة باهتة مع شعب أعزل وجائع. كانت الكهرباء التي دمرها بوش الاب قد أصبحت وسيلة لتعذيب الناس ومحق كرامتهم. فالمولدات الخاصة لم تكن قد ظهرت بعد عاصفة الصحراء، والكهرباء الحكومية بالأخص في الوسط والجنوب مقننة بحيث يسيح مخ الإنسان ويكاد يخرج من جمجمته في ظهيرة الصيف العراقي اللاهب.

يضاف الى هذه الرداءة ما هو أنكى من ممارسات النظام بالقمع والقتل متجسدة بالمقابر الجماعية ومداهمة البيوت للانخراط في الجيش الشعبي او التقارير الكيدية التي تسببت في اعدام الآلاف، حتى وصل الوضع الى إعدام رجل لمجرد انه كان سكراناً ونظر الى صورة السيد الرئيس شزراً كما تذكر لائحة الاتهام.

حكم قرقوش المجنون يحتضر.

بالنسبة إلى العمل الحزبي، فإن قبضة النظام الوحشية الباطشة قد جعلته صعباً الى درجة أن قلّة من الجيل الشاب في ذلك الوقت قد تجرأ ومارسه، خاصة أن نظام صدام كان يركز حتى على كثافة اللحية ولا يقبل تجاوزها الحد المقبول. في كل مكان، يعدم 20 شاباً او أكثر وهم في العمر الجامعي بسبب أن من بين كتب أحدهم المدسوسة سراً في مكان بعيد كتاب (فلسفتنا) او (اقتصادنا) للصدر الأول مثلاً.

تحت وطأة الفنطازيا الصدامية، أُشيع أن النظام يزرع أجهزة تنصت في كل بيت مخبأة في الحيطان، تنقل الأحاديث العائلية الى رجال الأمن. وكانت وسائل الاعلام مركزية مغلقة في وجه المتطلع، ولم يكن الستلايت قد ظهر إلا في مراحل متأخرة وقد تم تقنينه هو الآخر، وأُعدم بعض المغامرين ممن كان يتابع أخبار العالم بواسطة ذلك الجهاز المحظور(الستلايت).

لم يبق في علبة الصفيح المغلقة من وسائل التواصل مع العالم آنذاك سوى الراديو. كانت إذاعات المعارضة تفشل كثيراً في اختبار المصداقية فيما يتعلق بحياة الديكتاتور. كثيراً ما يعلن عن محاولات الاغتيال الناجحة ثم يظهر رأس النظام في زيارة شعبية، الى أن أصبحت تلك القنوات محط سخرية او اهمال، وتُتابع لأنها تبث أغاني عزيز علي من غير تصديق لعنترياتها الوهمية.

استخدم النظام السابق الكيمياوي ضد الكرد وكذلك قام بتنشيف الاهوار والمقابر الجماعية وتعامل مع المواطنين بطريقة تخلو من أي رأفة أو حسّ انساني بسيط. لم يكن يُنظر الى الضحية سوى انها رقم ناقص بعد موته، حتى أن الرصاصة التي يُقتل بها، يؤخذ ثمنها من أهل المعدوم إيغالاً في الإهانة والشماتة.

يروى عن أبناء الطاغية (عدي وقصي) أنهما كانا يذهبان الى السجون ليقوما بالتدريب على شواخص حيّة من المساجين المساكين. ويحكى عن أن الابن الأصغر قد زار أحد السجون في يوم ما، وحين وجد الزنازين مليئة استفسر من أحد المسئولين: (شنو ذولة؟)، فجاءه الجواب: (رهن التحقيق سيدي)، فما كان منه إلا أن أصدر أمره بلا قضاة ولا محاكمة ولا شهود: (اعدموهم).

كان نظام صدام أبشع نظام قبلي، مارس أقسى أنواع الاستهتار بالدم البشري، وكان وصوله بممارساته الحقيرة الى الحضيض يعني أن أي نظام آخر لن يكون بالدرجة نفسها من السوء، ناهيك عن وصول الأحلام الوردية بالتغيير إلى ذروتها وبالتحديد فيما يخص الحالة الاقتصادية المزرية التي قد تتحسن على يد الحاكم الجعفري الممثل الرمزي لإمام الثقلين علي بن أبي طالب، وسيسلك سلوكه العادل في الحكم الرشيد بلا ريب.

وبفعل أمريكي لا فضل فيه لأحد، انهارت جمهورية الموز الصدامية. كان سقوط الصنم في بغداد وانهيال الناس عليه بالنعال والأحذية تعبيراً صادقاً عن مدى ما يكنه الأغلبية من رفض لكل ما يمثله من ظلم واضطهاد وعنجهية.

سقط صدام، وبرز على الساحة كل من: المؤتمر الوطني العراقي، والاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وحركة الوفاق الوطني، والحركة الوطنية الدستورية بالإضافة الى زمرة كاملة من التابعين الذين انتشروا كالجراد في الحقل الأخضر استعداداً للفتك بالمحصول.

لكن، مع رفع الحصار ورجوع العلاقات العربية والانفتاح على أوربا وأمريكا فإن نجاح أي تجربة سياسية قادمة قابل للحصول لأن الأرضية مهيأة تماماً. حتى الشاك والمترقب كان يحدوه الأمل أن نظاماً مدنياً متصالحاً مع نفسه والعالم سيحمل من الإمكانيات ما يجعل العراق في مصاف الدول المتطورة.

بعد 35 عاماً من أوتوقراطية صدام الهمجية، مرّ 20 عاماً على الحكم الجديد فماذا تحقق من أحلام العصافير؟

للأسف، أخفق القادة الجدد في كل شيء إخفاقاً مطلقاً. وجاءت التبريرات على لسان شيخ المجاهدين هادي العامري بالقول لقد حاربونا لأننا أتباع علي، وصرح مختار العصر المالكي أن جيش يزيد في مواجهة جيش الحسين وتعالت الصيحات أن الأمويين لم يتركونا نعمل. مع مثل هكذا نوع من العقليات، لن يكون هناك خيار سوى الفوضى والفشل.

مضت السنوات والقطار لم يركب على السّكة بسبب خطأ ما. الأعوام تجري والدوّامة لا تنتهي، حتى المكاسب ضيعتها الصدمات المتتالية. صورة القادمين الجدد تتشوّه والأوضاع تسوء، أما الاحلام فتتبدد.

بالمختصر:
- كان العراق دولة فاشلة وأصبح أكثر فشلاً.
- كانت الصناعات تتدهور لكنها اختفت بطريقة مذهلة ما بعد 2003.
- كانت الزراعة تساهم جزئياً في الاقتصاد الوطني؛ فأصبحت عبئاً على الفلاح نفسه.
- كانت الحدود شبه مؤمنة فصارت ملعباً لكل المحيط الدولي.
- توالت على المواطن العادي الأيام الدامية التي تحصد أرواح المصلين او العمال البسطاء في حين حمت المنطقة الخضراء نفسها بأسوار ظلّت تعزلها عن الناس وهمومها الحقيقية.
- صار هناك جنسان بشريان يسكنان العراق: جنس منعم مرفه هي الحكومة وبقية الناس العاديين الذين عليهم أن يجمعوا طعامهم من المزابل أو تقتلهم هموم الحياة.

كان منظر المكديات في الشوارع مع أطفال مخدرة مألوفاً، أو رؤية العائلات التي تعيش على ما يوجد في الطمر الصحي من نعم الله عادياً. ولم تكن البيوت وحدها طينية في زمن الميزانيات الانفجارية بل حتى المدارس لبلد يعوم على النفط. جميع ما يمكنك أن تتصوره كان أسوأ أو برداءة ما قبل 2003، بالإضافة الى أحداث مهولة قلبت وضع المجتمع العراقي منها الحرب الطائفية وسقوط الموصل وجريمة سبايكر والصقلاوية وانتشار الفساد وهدر المليارات من دون أي تحسن يذكر.

أحلام ما بعد صدام حسين خابت إذن، وتلك الجنة العراقية المزعومة او التي توقعها العراقي فتحت له أبواب الجحيم. ليس هذا فحسب، بل إن مستقبل البلد كله مشكوك فيه، والتقسيم أو حتى الاختفاء من الخريطة ممكن جداً بعد التصحر وهيمنة اللادولة وانتشار السلاح وغياب أي رؤية اقتصادية للنهوض بالبلد من الهوة التي وقع فيها.

للتاريخ، ورغم أن حجم الاختناق كان في قمته في زمن صدام؛ إلا أن الوقائع والاحداث بعد 20 سنة من الحكم الجديد أثبتت أن النماذج الحاكمة أكثر قذارة، وأشد غباءً وأوغل طائفية وأقتم مستقبلاً. لقد سقطت حتى الهياكل العظمية للمؤسسات التي خلّفها النظام السابق.

وضع ما بعد 2003 يشبه حين يُفتح سبتتنك مغلق لسنوات وسنوات.

ربما سيذكر التاريخ صدام حسين باللعنات لتحطيمه بلداً عظيماً كالعراق وتسليمه الى الحثالة، وسيذكر كذلك أن نحيب أمهات ضحاياه سيلاحقه حيث يتعذب في الجحيم؛ لكن التاريخ نفسه سيكون أكثر قساوةً مع شلة اللصوص والمافيات الوضيعة التي حكمت العراق منذ انهيار صدام في 2003 حتى انهيار العراق واختفائه بجهودهم في زمن قريب من المستقبل.



#عباس_منعثر (هاشتاغ)       Abbas_Amnathar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تُلدغ المليشيات العراقية من الجحر نفسه مرتين؟
- هل إيران حليف حقيقي أم مصاص دماء؟
- التصحر في العراق والموقف الشخصي والحزبي
- هل عمار الحكيم هو الضد النوعي المناسب لمقتدى الصدر؟
- كيف يُهدد الصّراعُ بين الشّيعة الأمنَ العراقي؟
- إخلاء المنطقة الخضراء من الميليشيات
- مقتدى الصدر هو أمل الولايات المتحدة الأفضل
- تصويت لا يؤدي الى مكان: لماذا لا يحتاج العراق إلى انتخابات م ...
- خلاف طهران والصدر يؤجج عدم الاستقرار في العراق/ ج2
- خلاف طهران والصدر يؤجج عدم الاستقرار في العراق
- عدمُ اكتراثِ بايدن سلّمَ العراقَ لإيران
- النزاع المستعر في العراق والخشية من اندلاع العنف من جديد
- الانقلابان في العراق، وكيف تستجيب الولايات المتحدة لهما
- مونودراما.. بوذا في صومعة الخيزران.. عباس منعثر
- مسرحية.. هو الذي رأى كلَّ شيء.. عباس منعثر
- مسرحية.. مأساة روما.. عباس منعثر
- مسرحية.. وداعاً مؤقتاً.. عباس منعثر
- مسرحية.. أسنان الحصان: كم هي؟.. عباس منعثر
- مسرحية.. براميسيوم.. عباس منعثر
- مسرحية.. أحلامُ السيّد حُفرة!.. عباس منعثر


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عباس منعثر - أين ما عشناه في العراق بعد 2003 مما حلمنا به؟