أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس منعثر - مونودراما.. بوذا في صومعة الخيزران.. عباس منعثر















المزيد.....

مونودراما.. بوذا في صومعة الخيزران.. عباس منعثر


عباس منعثر
شاعر وكاتب مسرحي عراقي

(Abbas Amnathar)


الحوار المتمدن-العدد: 7035 - 2021 / 10 / 2 - 19:04
المحور: الادب والفن
    


(يدخل البوذا، وهو رجل في الثمانين من عمره)
البوذا:
ما يسعدُ المرءَ هو نفسُهُ ما يُحزنُه! فلا أروعَ من رؤيةِ أبنائكَ يجلسونَ بالآلاف أمامَك، مثلما تفعلونَ الآن! وما أبهجَ القلب في مكانٍ كهذا! تحت قدميّ حشائش ناعمةٌ ندية، أقفُ وظهري الى حافةِ نهرٍ رقراق، الأشجارُ تحضنُنا بالفيء، الرّيحُ تلعبُ بالأغصانِ وعطرُ النباتاتِ يجددُ الطّاقةَ والرّوح. لكن ما أشدّ حزني أن يشكَّ بي أتباعي، ويسمونني بوذا المزيف!
(صوت همهمات خافتة تصدر عن الجمهور المفترض)
أعلمُ أن الحقَّ التبسَ بالباطلِ فما عادَ الإنسانُ يعرفُ خلّهُ من عدوّهِ ولا الأفعى التي ستقتلُهُ بالسمّ من تلك التي ستُصبحُ طعاماً لأطفالِه.. أعلم ذلك.. وأعلم أنّ المُزيفينَ يملأونَ الأرضَ ويُصدّعونَ رأسَ الكونِ بالضّجيج. فالصّادقُ صامتٌ بطبيعتِهِ؛ والكاذبُ مهذارٌ بطبيعتِه.
(همهمات راضية)
هذا وجهُ حزني؛ وهذا وجهُ فرحي. حينما يُساورُكم الشّكّ أفرحُ، لأنكم لا تصدّقونَ إلا الصّدق؛ وأحزنُ لأنكم لم تعرفوني. أنا أتفهّمُ اسبابَكم. فالجماعاتُ البوذيةُ إختلطَ عليها الأمرُ بعد غيبتي. وتعدّدَ من يدّعونَ أنهم البوذا. ظهرَ رجلٌ في الجنوب، وآخرُ في الشّمالِ وآخر.. وآخر.
(همهمات استحسان)
لذا أردتُم أن تستمعوا إلى الجميع كي تقررّوا مَنْ هو البوذا الحقيقي مِن البوذا المزيف. وقد حانَ دوري. وبما أنني لا أملِكُ سوى نصف ساعةٍ أو يَزيدُ بقليل، فسأختصر.
(أصوات استحسان)
سأحكي عنّي، عن المقدّسِ، وعن الوهم. سأحكي عن الخداعِ وكيفَ يتقنّعُ، وعن الكذبةِ كيفَ ترتدي المعنى.
(همهمات تتصاعد)
في زمنٍ ما، صدّقَ أحدُهم أنهُ إله، ذهبَ إلى فوّهةِ بركانٍ وألقى بنفسِهِ إلى الحممِ المتأججة، مُعتقداً أنها لن تُحرقَهُ.
(يضحك فيضحك الجمهور المفترض)
بالطّبع، تشمّونَ رائحةَ الشّواء! الوهمُ يصنعُ منّا أبطالاً أو مجانين. وهذا ما شممتُهُ في كلامِ مَنْ سبقوني مِنَ البوذات، فجئتُ أنقضُهُ في العقول. ستلاحظونَ مرحي أثناءَ حديثي. لأنّ البحثَ الرّوحي من غيرِ ضحكٍ، من غير كوميديا، هو ضربٌ من الكبرياء. لولا الفكاهة لتشمّعتْ نفوسُنا بالصّلَفِ والغرور.
(همهمات استحسان)
بعيداً عن الادعاءاتِ الرخيصةِ وعن الأساطير، هاكُم قصّتي. سنرجعُ إلى الخلف قليلاً أيامَ كانَ الرّجالُ- رجالُ الدّينِ- مثلَ الكلابِ يعضُّ الواحدُ منهم بذيلِ الآخر. تصوّروا أينَ ستنتهي سلسلةُ الكلاب!
(ضحك وصخب)
كانوا كَمَنْ يفتحُ دكّاناً يبيعُ فيه بضاعتَهُ الفاسدة، أو كَمَنْ تقسو عليهِ الحياةُ فيجدُ ملاذَهُ في المعبد. تخيّلوا أرضاً تموجُ بالملحدينَ والسّفسطائيينَ واللاأدريين، مثل سوقٍ مليئةٍ بالأصوات الزّاعقةِ والأفكارِ المتناحرةِ والكلابِ النابحة. هناك من يدعو الى إغراقِ النّفسِ في الملّذات؛ يناقضُهُ من يدعو إلى الإنعزالِ عن الحياة. ثمّةَ السّاخرونَ من الآلهة؛ بمواجهةِ المتذللينَ للأوثان. في مَعمعةٍ كهذهِ، سيولدُ إنسانٌ وسيكونُ لهُ أن يُغيّرَ وجهَ العالم.
(همهمات استحسان عالية)
إسمعوا هذهِ الطّرفة: كانت نساءُ قريتِنا تجلبُ التبنَ من الحقلِ إلى المنزل. بالطّبع، سيسقطُ بعضُهُ على الطّريق مكوناً ممراً ذهبياً لامعاً. ولمئاتِ السّنين اعتادت النّسوةُ أن تمشي في الممرِّ نفسِه.. من أعلى جبلٍ، راقبَ صبيٌّ حاذقٌ المنظرَ المُضحكَ المُبكي. ورأى أن طريقَ التبنِ يلتفُ مرتين حولَ الحقلِ، ثم يتّجهُ إلى القرية.
(همهمات إعجاب)
في يومٍ ما، طلبَ من النسوةِ أن يتبعنَ خطواتِهِ من الحقلِ إلى المنزل. رفضت النسوة. فالناسُ تخافُ ما تجهل. لكنهُ أقنعهنَّ، ومشى الجميعُ في الطّريقِ الجديد.
(همهمات استحسان)
كان أقصر وأقلَّ وعورة.. مع ذلك؛ رجعت الأقدامُ إلى طريقِ التبنِ القديم.
(همهمات عدم رضا)
بل إنهم أطلقوا عليهِ طريقَ الآلهة!
(ضحك جماعي)
أرايتُم كيف يصنعُ الوهمُ الحقائقَ ويُجملّها؟ قبلَ قليل ذكرَ البوذا الذي سبقني بالكلامِ أن أُمي حلمتْ أن فيلاً سكنَ في بطنِها فكانت ولادتي!
(همهمات تبجيل)
فيلٌ يدخلُ بطنَ إمراةٍ فتلدُهُ صبياً؟! نحّوا عواطفَكم جانباً وتفكّروا لو أنّ عدوكم قالَ بهذهِ الفكرة. ماذا سيكونُ ردّكم عليه؟ إخرس! كذّاب! أحمق!
(همهمات استياء خافتة)
روى لي شحاذٌ ذاتَ مساءٍ عن قاطعِ طريقٍ قَتَلَ رجلاً كان ينوي اغتصابَ إحدى النساء. نادت المرأةُ: يا بوذا أنقذني! وفي الحال، أصبحَ الرّجلُ ملقىً على الأرض سابحاً بدمائه. ستُحرّفُ الرّوايةُ ويُنسى قاطعُ الطّريق. بمرورِ السّنين، ستصدّق كلُّ إمراةٍ أنني قريبٌ منها وأنقذُها من الشّرور.
(الهمهات تتصاعد)
إقترنتْ بي أساطيرُ كثيرة: حينما أموتُ لن أموت، ستطلعُ من روحي روحٌ أخرى، وتحلُّ في النّبتةِ والجبل! إذن يمكنُ للحجارةِ ان تتكلّمَ وللخنزيرِ أن يُلقي المواعظ.
(الهمهات تتصاعد أكثر)
وما أروعَها من صورةٍ تلك التي تقولُ أنني عشتُ حيواتٍ لا حصرَ لها ولا عدّ! كنتُ قطاً، وفيلاً، وفراشةً، ورجلاً، وامرأةً وحشرةً وحصاناً! ثم أصبحتُ ما أنا عليهِ الآن. هراءُ الآخرينَ واضحٌ للعيان؛ وهراؤنا يجدُ المسوغاتِ الدّامغة!
(همهمات مستاءة)
يُحكى أن رجلاً إدّعى أنهُ مُرسَلٌ من السّماء. كانت بلدتُهُ في تحاسدٍ وحربٍ طاحنةٍ مع بلدةٍ مجاورة. وكانَ جدُهُ سيّدَ قومِه، يسمعونَ كلامَهُ ويطيعونَهُ في الصّغيرةِ والكبيرة. أعطاهُ جدّهُ مكانةً بارزةً منذُ صغرِه، وقدّمَهُ على رجالِ البلدةِ جميعا. حلمَ الجدُّ أنّ حفيدَهُ سيصبحُ ذا شأن، وصدّقَ الطفلُ هذهِ الأحلام. ومن أجلِ منافسةِ البلدةِ المجاورةِ التي طلعَ من بينِها نبيٌّ صارَ هذا الطّفل نبيَّهم المرتقب. الأشجار تنحني لهُ! الشّمس تنتظرُ أن يستيقظَ حتى تُرسلَ أشعتَها! والهواءُ يستأذنهُ حين يقتربُ يقترب من أنفه!
(ضحكات عالية)
ومثل من ظنَّ نفسَهُ إلهاً وألقى بها إلى البركان آمنتُ أنا نفسي بنفسي في وقتٍ ما وقرّرتُ أن لا أتغوّط.
(يضحك)
فما دمتُ مقدساً كيفَ أتغوّط. لم آكل لأيامٍ وأيام، وكان برازي بقدر حبّةِ الأرز، جافاً وصلباً. لكنني رضختُ إلى أن البشرَ يجب أن يتغوّطوا.. فعدِلتُ عن الفكرةِ الحمقاء!
(همهمات استياء)
هاجمَني الإغواءُ، كما تروي الرّواياتُ، هجومَهُ الأوّل، بقيتُ مُتسمّراً.
(همهمات مساندة)
واقفاً هكذا في مكاني أنتظرُ البدرَ في تمامِهِ.
(همهمات مؤازرة)
صامتاً، انتظرتُ اللّيلةَ التي يكونُ فيها القمرُ تاماً.
(يسكت لوقت طويل فتتصاعد همهمات الاستياء)
مللتُم من وقوفي؟! لأنكم لا تظنّونَ أنني البوذا الحقيقي فسترونَ سلوكي شائناً وحقيراً، ولو إعتقدتُم أنني البوذا لقدّستُم خرائي!
(همهمات استياء عالية جدا)
ظهرَ لي مارا العاطلُ عن العمل، مديرُ الملذات، وتصارعتُ معهُ صراعاً شديداً عنيفاً مخيفاً رهيباً غريباً.
(همهمات مساندة)
أرسلَ لي مجموعةً من الجميلات؛ لكنّني صبرتُ.
(همهمات إعجاب)
لا شكّ أنّ الإغراءَ عظيمُ الجبروت. لكنَّ الأرواح السّامية.. إحم، إحم.. صَمَدَتْ أمامَ النّساءِ الرّقيقاتِ المثيراتِ المزيناتِ المهندماتِ الفاتنات!
(همهمات مساندة)
وحينما همَّ مارا بقتلي.. تحوّلتْ سهامُهُ إلى ورود.
(همهمات ارتياح)
الخيالُ البشري يخترعُ القصصَ كي يصدّقَ المرءُ ما يؤمنُ به! أساطيرٌ وخرافات!
(همهمات استياء)
في الحقيقةِ، الجوعُ يجعلُكَ تتخيلُ وتهذي. مارا الحقيقي هو الشّغفُ بالحياةِ والإنغماسُ في اللّذة. مارا الحقيقي حبُّ المالِ والطّعامِ والشّهوة. مارا هو الكذبُ الذي تطلقونَهُ والظّنّ والاعتقاد.
(همهمات مساندة وأخرى معارضة)
في طفولتي، رأيتُ العجوزَ شديدَ النحول، والمريضَ الذي يئن، والجثةَ المحترقة والناسكَ المتجول. من الحياةِ تعلّمتُ. مارستُ النّسك، بحثتُ عن الحقيقةِ من مغارةٍ إلى قريةٍ الى كوخ. عذّبتُ الجسدَ وما وجدتُ فيه ترياقا. بحثتُ عن الترياق. حولَ شجرةِ التين درتُ سبعَ دورات، ونمتُ على وسادةِ العُشب لكي أبلغَ الهدف.
(همهمات مساندة)
كنتُ أظنُّ، ويال غبائي، أنني إذا جلستُ تحتَ الشّجرةِ صامتاً سأنالُ الحكمة. تعالوا واجلسوا تحت الشّجرةِ إلى الأبد، ماذا سيحصل؟ لا شيء! لا شيء! لا شيء! بل إنّ رائحتَكَ ستتعفن، ويطلعُ القملُ قبائلَ في رأسِك، وتتهرأ ملابسُكَ الداخليةُ إتساخاً فحسب!
(همهمات غاضبة)
مع ذلكَ، جلستُ. جلستُ حتى تيّبستْ أطرافي و تكسّرتْ عظامي و نشفَ الماءُ في جسمي.
(همهمات أعلى)
لقد غبتُ لسنواتٍ في مكانٍ لا يعلمُ به إنسان كما تعلمون.. رحتُ في رحلةِ التأمّلِ وبعد عودتي وجدتُكم وقد جعلتُم منّي ديناً، أنا الهاربُ من الأديان! وجدتُ أن أتباعي المقربينَ قد انغمسوا في الحياةِ بل إنّ بعضَهم بكروشٍ وطعامُهم أرقى طعامٍ ويرتدون أفخرَ الثياب! يا لهُ من تخلٍ عن الشّهوات! هل جعلتُم منّي تجارة؟
(همهمات معارضة)
رأيتُ الناسَ تجتمعُ تحتَ الشّجرةِ المقدسة. وجدتُهم يحجّونَ من كلِّ بقاعِ الأرضِ للإحتفاءِ بي. يغسلونَ أجسامَهم بماءِ النّهرِ المقدس، ويشعلونَ الشّموعَ ويتلّونَ الترانيم! الطّقوسُ كم هي مضحكة!
(همهمات مستاءة)
مجرّدُ نهرٍ جعلتموهُ مقدّساً ويُشفي من العللِ الجسديةِ والرّوحية! إنهُ نهرٌ قذرٌ يسبّبُ الأمراض.
(همهمات مستاءة أكثر)
من تصفونَهم بالضّلالِ يقومونَ بما تقومونَ بهِ انتم أيضاً من ضلال.
(همهمات استياء أعلى)
تعالوا استمعوا إلى التعاليم التي نُسِبَتْ إليّ.
(يضحك)
الولادةُ أكبرُ الخطايا.. خيرٌ للإنسانِ ألا يولد، وما دامَ قد وقعَ فيها، أي في الحياةِ، في الولادةِ، في هذا العذابِ المستمّر، فعليهِ أن يخرجَ منها. التناسلُ جريمة. والحلُّ في الكفِّ عن السّرير. المعنى واضح؟ هه! واضحٌ جداً. وللحمقى منكم، للذين لا يفهمونَ بالإشارةِ أُوضّحُ الأمر: كفّوا عن الجنس إذن.. توّقفْ عن مضاجعةِ زوجتِكَ أيها العجل. هكذا لا يولدُ مجرمٌ أو سافلٌ أو ساقطة، فيقلُّ عددُ الضحايا وتنقصُ عصاباتُ القتلة!
(يضحك من جديد)
يظنونَ أنّ في ذلكَ نقضاً لفكرةِ الفرديةِ التي تأتي من الشهوة، شهوةِ المال، شهوةِ الجسد، شهوةِ ذيوعِ الصّيت.
(استهجان ولغط)
الولادةُ يا هؤلاءِ ليست خيراً ولا شراً لذاتِها. فلو أنّ أبي لم يفعلْها لم يكنْ لي وجود.
(استياء عارم)
والأمر نفسُهُ يحدثُ بين البغلِ والبغلةِ
(استياء أعلى)
أو بين الخروفِ والنعجة!
(استياء أعلى)
ها هي الحقيقةُ بين أيديكم: أنتم واهمون.
(استياء أعلى)
والمعضلةُ الأكبرُ أنكم راضونَ بالوهم؛ بل تغذّونهُ بالخرافة.
(استياء أعلى وأعلى)
بعد تجربتي، عرفتُ أنّ الحقيقةَ تكمنُ في الخلو، أيّ في الفراغِ من الإنفعالِ ومن الفكرِ أيضاً، حيث ينمحي الزّمانُ والمكانُ وتتلاشى الحياة!
(همهمات موافقة)
وبافتراضِ أنّ المرءَ عرفَ الحقيقةَ، هل يصمتُ فيربحُ راحةَ البالِ، أم يوقظُ النيامَ فيدفعُ ضريبةَ الإختلاف؟
(لغط خافت)
هل الكلامُ حلٌّ أم الصّمت؟ وهل هيَ العزلة، أم النزولُ إلى النّاس؟
(لغط أكثر خفوتا)
إذا قالَ المُتنبهُ اليقظُ ما يعتملُ في صدرِهِ؛ سينهارُ اطمئنان النّفوسِ المخدوعة. إذا لزمَ الصّمت؛ ظلّتْ على عماها وخانَ ضميرَه؟ّ!
(لغط لا يكاد يسمع)
هكذا يتمزّقُ العارفُ وتضيعُ الدّروب. إذن أين الينبوع؟
(صمت مطبق)
تمةَ من يبحثُ في الجهلِ والعماءِ عن الحقيقة، سيعثرُ لا محالة على جهلٍ آخر وعماءٍ مماثل، لأنّ الغشاوةَ في الأصلِ تقبعُ في عينِ الرّائي. أُنظرْ إلى شجرةِ التين. ستراها شجرةَ تينٍ إن كنتَ متيقظاً؛ أو ستراها فيلاً لو أقنعتَ نفسَكَ أنها فيل.
(أصوات هائلة من الاعتراض)
وبافتراضِ أنكَ رايتَ شجرةَ التينِ شجرةَ تين، هل ينتهي الأمرُ هناك؟ لا.. لا.. لا. منكم من سيحتطبُ منها الخشب، أو يقطفُ الثمرَ ومنكم من يتبولُ عليها!
(إستياء كبير يطغى على صوته)
تُريدونَ التنبه؟ تبحثونَ عن اليقظة؟ تابعوني في ما أفعل إذن: اجلسوا جلسةَ المتامل، إحبسوا أنفاسَكم، أغمضوا عيونَكم، أفرغوا عقولَكم.. أفرغوها من أيّ شيء.. دعوها تُحسُّ باللاشيء أولاً ثم ينتفي الإحساسُ تماماً.. تخرجُ الرّوحُ من الجسد، فتصلونَ إلى ذروةِ الوجود، إلى الجوهر. بذلك يغمرُكم الحدسُ الخلاّق وتصلونَ إلى التّنبهِ، إلى اليقظة.
(همهمات متصاعدة وعالية جداً تقطع عليه تأمله)
بسببِ ذلك غبتُ عنكم! لأنكم حولتموني إلى معبد. وللسببِ نفسِهِ لن تصدّقوني. فلا حاجةَ لكم بي؛ ولا حاجةَ لي بكم.
(همهات وصفير)
يبدو أنني المزيفُ وأنتم الحقيقيون.
(ستتصاعد الفوضى وتتداخل الأصوات)
الجشعُ والطمعُ والشّهوةُ لا يمكنُ هزيمتُها. لسنا قادرينَ على التحكّمِ بالغرائز ولا بالعيش في سعادة.. تبدأ حياتُنا بالولادةِ وتنتهي بالموت. ونحن بينهما حلقةُ وصلٍ لا أكثر. تُسيطرُ علينا النزواتُ وتُسلّمنا الى العجزِ والهزيمة. أما القداسةُ فهي متأصلةٌ في النفس.. لكي ننجو، ولأنّ الإلهَ غائبٌ أو ميتٌ أو غير موجود، نُضفي صفاتِهِ المتخيلةَ على بعضِنا. فالفاني يرتدي قناعَ الخالد، كي يهزمَ الفناءَ المحتّم. والطريقُ إلى الخلاصِ هي نفسُها الطريقُ إلى الدّمار. ولا شيءَ أكبرُ من الحياة.. الحياةُ نفسُها أصغرُ من الوهم. مصيرُ كلِّ عنفوانٍ جثةٌ هامدة. وها أنا في الثمانينَ من عمري. قرّرتُ أن أُغادرَ صومعةَ الخيزران، اتفقتُم على أنني هو أم لا، إعترفتُم أنني البوذا أم لا.. لم يعدْ يهمّني..
(صمت كامل)
عندي رجاءٌ أخير، أملٌ واحد، أن أرى هملايا، تلكَ التي رأيتُها في مطلعِ شبابي، أرى هملايا الطفولة والبراءة، أرى هملايا العشب والمرعى، وأموتَ هناك.
(يغادر الصّومعة تشيّعه صيحات الغضب والشتائم المقذعة)
..................
نشر هذا النص في كتاب (مونو) الصادر عن دار المتن للطباعة والنشر سنة 2016، وتضمن النصوص المونودرامية التالية (صولو جماعي، الإسراء والمعراج، الخنازير، حديقة أوفيليا، لو كان للقطط سبعة أرواح، 1890، فارماكوس، بوذا في صومعة الخيزران).



#عباس_منعثر (هاشتاغ)       Abbas_Amnathar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرحية.. هو الذي رأى كلَّ شيء.. عباس منعثر
- مسرحية.. مأساة روما.. عباس منعثر
- مسرحية.. وداعاً مؤقتاً.. عباس منعثر
- مسرحية.. أسنان الحصان: كم هي؟.. عباس منعثر
- مسرحية.. براميسيوم.. عباس منعثر
- مسرحية.. أحلامُ السيّد حُفرة!.. عباس منعثر
- مسرحية.. عَوْ.. عباس منعثر
- مسرحية.. سريرُ مورفيوس.. عباس منعثر
- مسرحية.. 400 متر موانع.. عباس منعثر
- أف تي أم
- مونودراما.. أعظم قصيدة في العالم.. عباس منعثر
- مونودراما.. فارماكوس.. عباس منعثر
- مونودراما.. 1890..
- مونودراما.. لو كان للقطط سبعة أرواح.. عباس منعثر
- مونودراما.. حديقة اوفيليا.. عباس منعثر
- مونودراما.. الخنازير.. عباس منعثر
- مونودراما.. الإسراء والمعراج.. عباس منعثر
- مونودراما.. صولو.. عباس منعثر
- مونودراما.. الشّقشقةُ الألمعيّة في العُصبةِ النعاليّة.. عباس ...
- مونودراما.. كريستوفر مارلو.. عباس منعثر


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس منعثر - مونودراما.. بوذا في صومعة الخيزران.. عباس منعثر