أمريكا الجنوبية وبحر الكاريبي

الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 7391 - 2022 / 10 / 4 - 18:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

1
كوبا، نموذج تطوير الصحة الأساسية والتّثقيف الصّحِّي
حاولت الولايات المتحدة الإطاحة بالثورة الكوبية سنة 1961، بعد عامَيْن على انتصارها (سنة 1959) من خلال محاولة غزو جزيرة كوبا عبر "خليج الخنازير"، وفشلت محاولة الغزو وفشلت عشرات المحاولات الانقلابية ومحاولات اغتيال قادة الثورة، لكن كوبا تخضع للحظر منذ أكثر من ستين عامًا.
تكيّفت الدّولة مع شُحّ الموارد وأصبحت كوبا نموذجًا للتكيف مع الظروف المناخية والمالية الصعبة للغاية، واستثمر النظام السياسي الذي انبثق من الثورة موارده المحدودة للغاية في الصحة والتعليم والعمل الاجتماعي التربوي والتربية البدنية، إلخ.
قبل الثورة ، عانى السكان من الجوع والأمية واعتلال الصحة، وكان معدل وفيات الرضع 59 لكل 1000 ولادة حية سنة 1959، ثم أصبحت النّساء الحوامل يتَلَقّيْنَ فحوصات منتظمة من المهنيين وأطباء أمراض النساء، ويحظى الصّغار برعاية أطباء الأطفال، فأصبحت وفاة الرضع والنساء أثناء الولادة حدثًا استثنائيًا، في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 11 مليون نسمة، بينما تصل وفيات الأطفال إلى أربعين بالأَلْف في بعض بلدان بحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية.
منذ بداية الثورة ، وعد النظام الكوبي بالقضاء على أمراض الفقراء، فتم تطوير حملات محو الأمية والتطعيم ومواجهة مظاهر الفقر، وتمكّن نظام الرعاية الصحية من القضاء على الوفيات الناتجة عن الإسهال أو سوء التغذية، وعلى مجمل الأمراض المرتبطة بالفقر، إذْ يتلقى كل طفل ما بين اثني عشر إلى ستة عشر لقاحًا ضد أمراض مثل الجدري والتهاب الكبد، وما إلى ذلك، فضلا عن تطوير التثقيف الصحي (أو التربية الصّحّية) الذي أصبح جزءًا من المناهج الدراسية ومن برامج وسائل الإعلام الكوبية، وخاصة ضد الأمراض الجديدة بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية وسرطان البروستاتا والثدي التي يمكن الوقاية منها بفضل التّوعِية الصحّية.
على الرغم من الموارد المحدودة للبلاد ، فقد نجحت البحوث الذي أجراها مركز الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية في هافانا في ابتكار العديد من اللقاحات والأدوية، ومن القضاء على التهاب الكبد B بفضل لقاح طوره المركز (Heberbiovac HB )، والذي استفاد منه نحو 70 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، ما يساعد في القضاء على التهاب الكبد في البلدان الفقيرة.
تؤكّد منشورات الحكومة أن الاستثمار في التربية البدنية والرياضة قلل من المشاكل الصحية، ففي كوبا يعمل أكثر من 70000 من العاملين في مجال الصحة الرياضية مع مؤسسات التعليم ومراكز رعاية المُسنّين، لتوفير فرص ممارسة النشاط البدني، كما تبث وسائل الإعلام برامج تدعو لممارسة النشاط البدني، وأصبحت برامج التربية البدنية الجماعية وسيلة للحد من الأمراض المزمنة التي تسبب أضرارًا كبيرة للسكان وللإقتصاد...
في الخارج، استنجدت عديد الدّول بالأطباء وعناصر فيالق الإنقاذ الكوبيين الذين أصبحوا مشهورين في جميع البلدان التي عانت من الزلازل والفيضانات أو غيرها من الكوارث الطبيعية.

2
عرض كتاب
رواية المهزوم – تأليف ناثان واشتل (دار النّشر - غاليمار - باريس 1971).
العنوان الفرعي: "هنود بيرو قبل الغز الإسباني"
La vision des vaincus - Nathan Wachtel -(Editions Gallimard - Paris 1971).
Sous-titre : « Les Indiens du Pérou devant la Conquête espagnole »
إن الروايات التاريخة التي تصل إلينا والتي يتم تدريسها تعكس دائمًا وجهة نظر المنتصرين، وهو ما يحصل للشعب الفلسطيني، حيث يتبنّى "الغرب" الإستعماري الإمبريالي المُهَيْمِن على الثقافة والإعلام رواية الكيان الصهيوني ويتجاهل رواية الشعب الفلسطيني رغم جهود التوثيق السمعي والبصري والمكتوب، ويُمثل الإستعمار الأوروبي قُدْوَةً للحركة الصهيونية التي استلهمت أقوالها وأفعالها من تجارب المستوطنين الأوروبيين الذين أبادوا سكان أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) وكذلك أمريكا الجنوبية، ونهبوا أراضيهم ووطنهم، ولذا سيكون من الحكمة دراسة تاريخ ورواية المهزومين، سواء في أمريكا الجنوبية أو في أي مكان من العالم...
بدأت الحضارات العظيمة لأمريكا الشمالية والجنوبية في التدهور قبل أن يهزمها الغزاة الأوروبيون بنهاية القرن الخامس عشر، إذْ زعم المستعمرون الإسبان أنهم "اكتشفوا" الفضاء الذي أطلقوا عليه إسم "أمريكا"، أو "العالم الجديد"، وهو أقدم منهم بكثير، وشَرّعُوا لأنفُسهم "حق" ذبح سكان جزء كبير من هذه القارة، منذ هذا الغزو، أي منذ حوالي أربعة قُرُون ونصف، وذبح الأوروبيون الشماليون السكان الأصليين لأمريكا الشمالية بداية من القرن السابع عشر، وكذلك السكان الأصليين لأستراليا ونيوزيلندان فيما بعد...
دمر هذا الاستعمار الحضارات العظيمة للأزتيك والإنكا والمايا وغيرها، على الرغم من مقاومة السكان الأصليين بالمكسيك أو بيرو الحالية، مثل تلك المقاومة التي قادها توباك أمارو، زعيم الإنكا (بيرو) الذي تم إعدامه في ساحة عامة في 24 أيلول/سبتمبر 1572، ليكون عبرةً لمن يعتزم مقاومة الإستعمار.
يستحضر كتاب الباحث "ناثان واشتل" نضالات السكان الأصليين ضد المستوطنين الأوروبيين ويظهر طبيعة العنف الاستعماري ومدى المذابح وتدمير الحضارة. بلغ عدد السكان الأصليين في الإنكا 8 ملايين نسمة في عام 1530 و 1.3 مليون فقط في عام 1590. وكان هذا الانخفاض بسبب المذابح وكذلك بسبب الأمراض الجديدة التي جلبها المستوطنون الأوروبيون.
نُشِرَ كتاب الباحث ناثان واشتل، الذي يعتبر نفسه تلميذ "كلود لفيس ستروس"، سنة 1971 تحت عنوان رؤية المهزومين (العنوان الفرعي: "هنود بيرو قبل الغزو الإسباني") ويندرج ضمن عملية استعادة كرامة الإنكا المهزومين في بيرو، وأراوكان في تشيلي أو قبيلة ( Chichimecs )، وهي قبيلة بدوية قاومت لفترة طويلة الجيش الاستعماري الإسباني، ولما انهزمت، رفضت التحول إلى دين المُستعمِر.
كان "توباك أمارو" آخر زعيم عظيم للمقاومة المسلحة للإنكا في بيرو ضد العنف الاستعماري الإسباني الذي نهب وخرب الأراضي والثروات المادية، ودمر الثقافة ومعارف الأجداد وتراثهم، وذبح السكان، وكانت وحشية الجُنود الجيوش الاستعمارية مُقدّمة لمصادرة الأراضي ونهب الثروات كالذهب والفضة، وبذلك دمر الاستعمار الإسباني، الذي استولى على الأرض، محاصيل الذرة والبطاطس ودمر أسس العلاقات الاجتماعية والدينية للإنكا، ليستبدل الزراعة والدّين والثقافة والسّكّان بمجموعات بشرية وبثقافة وبذور جلبها معه من أوروبا، فضلاً عن الجراثيم والأمراض التي لم يكن السّكّان المحليون مُحصّنين ضدّها.
كان استعمار الأمريكتين أول استعمار استيطاني واسع، حاول محو قرون من الحضارة والثقافة المحلّيّة، وهو من نفس طينة الإستعمار الذي عانى منه الشعب الفلسطيني ( مع مراعاة فارق الزمن وظهور آلة التصوير وجهار التلغراف والمِذْياع...)، بعد أربعة قرون تقريبًا من إعدام زعيم مقاومة الإنكا "توباك تامارو"، في 24 أيلول/سبتمبر 1572، غير إن الصهاينة لم يتمكنوا من ذبح كل الشعب الفلسطيني، فهَجَّرُوا ثلاثة أرباعه خارج وطنهم، لأن السياق تغير، ولم يعد ممكنا ذبح مليون فلسطيني، ولا تزال مقاومة الشعب الفلسطيني مستمرة، وتمُرُّ حاليا بفترة جَزْر.
إننا بتكريمنا للشعوب الأصلية في الأمريكتين وأستراليا ونيوزيلندا، نُكرّم ونحيي الشعب الفلسطيني وجميع الشعوب المستعمَرَة والمُضْطَهَدَة من قبل الإمبريالية ووكلائها الدّاخليين، ونُكَرِّمُ كذلك العاملين والكادحين الذين يكافحون ضد الاستغلال و القهر في كافة أنحاء العالم...

#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات