أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بوياسمين خولى - من سيخلف محمود عباس؟















المزيد.....


من سيخلف محمود عباس؟


بوياسمين خولى
كاتب وباحث متفرغ

(Abouyasmine Khawla)


الحوار المتمدن-العدد: 7389 - 2022 / 10 / 2 - 10:42
المحور: القضية الفلسطينية
    


التكهنات والإشاعات حول خليفة الرئيس الفلسطيني محمود عباس سائرة في التداول بين السياسيين والدبلوماسيين والصحفيين. منذ مدة ، بدا أن الجدال بهذا الخصوص أخذ منحى أقل تخمينًا، حيث تم تنحية مجموعة متنوعة من القادة الوطنيين القدامى جانبا أو انفصالهم علنا عن محمود عباس ، البالغ من العمر 87 عاما والذي يشغل منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ، ورئيس اللجنة التنفيذية لحركة فتح الحاكمة في الضفة ، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
من سيخلف محمود عباس ؟
هناك جملة من الأسماء يتم تداولها كخليفة لعباس، لكن الأهم - من الإشاعات والتخمينات - التساؤل حول كيفية التعامل مع قضية الخلافة هذه، من حيث الإجراءات. فالأمر لا يخلو من التعقيد بالنظر إلى إشكالية الهياكل والمرجعية.

في حالة تخلي عباس عن مناصبه القيادية في السلطة الوطنية الفلسطينية ، ومنظمة التحرير الفلسطينية ، وفتح ، ودولة فلسطين ، فإن كل من هذه المؤسسات لديها إطارها التنظيمي وهو مرصود لمعالجة الشواغر. وتتداخل هذه الإطارات التنظيمية بشكل كبير في الممارسة على أرض الواقع ، علما أن كل منها منفصل ومستقل قانونيا وتنظيميا. وهنا تكمن أهمية الإجراءات الرسمية، وتبرز إشكالية الاختيار بين هكذا إجراءات رسمية وسياسة القوة المجردة. فسياسة القوة المجردة حاضرة وقائمة، و من المرجح أن يتم توجيهها من خلال الإجراءات المعمول بها.

إن تلك الإجراءات والهياكل مهمة للغاية في الحالة الفلسطينية، وهي التي تحدد الدور الذي يمكن أن ينجح أو يفشل فيه خليفة محمود عباس. نظرًا لأنه تم الجمع بين المناصب القيادية وخطوط السلطة وما بين السلطات التي ظلت غير واضحة في بعض الأحيان ، ومن هنا ينبع تعقيد القواعد بعض الشيء - التي قد تفقد مفعولها وفعاليتها، وتتم المصادق على خيار يتم التوسل إليه من خلال وسائل أخرى (مثل الصفقات الخفية، أو التخويف والتهويل، أو التفاوض) ، ويضل أفضل سبيل لجعل هكذا خيار ثابتًا هو اعتماد التدوين والتوثيق والكتابة ليشكل مرجعا وسندا علنيا.

وبما أن النضالات السياسية تحدث عمومًا داخل المنظومات والهياكل القائمة ، فهذا يعني أنها لا تحدث في بيئة ينعدم فيها القانون والقواعد. لكن يمكن أن تتج عن هذه القوانين والقواعد آثار وانعكاسات غير مقصودة وغير متوقعة ( تجربة 2006).

عندما توفي "ياسر عرفات" (1) أدى "روحي فتوح" (2) اليمين الدستورية كرئيس مؤقت وأصدر مرسوما بإجراء انتخابات رئاسية ، ونتيجة لذلك ، تم التصويت على محمود عباس لمنصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. وكانت فتح قد رشحته لمنصب السلطة ، لكنها اختارت "فاروق القدومي" كزعيم لها وفق إجراءاتها الداخلية. من جهتها وافقت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية على ترشيح فتح واختارت محمود عباس لرئاسة الهيئة.
_________________________
(1) - ( 1929 - 2004 )، واسمه الحقيقي محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني. لقب بأبي عمار. هو أحد مؤسسي حركة "فتح" وجناحها العسكري "العاصفة". رئيس منظمة التحرير الفلسطينية منذ 1969 وحتى 2004، وثالث شخص يتقلد هذا المنصب منذ تأسيسها عام 1964، وهو القائد العام لحركة فتح أكبر الحركات داخل المنظمة التي أسسها مع رفاقه في 1959. عارض منذ البداية الوجود الإسرائيلي ولكنه عاد وقبِل بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 في أعقاب هزيمة يونيو 1967، وموافقة منظمة التحرير الفلسطينية على قرار حل الدولتين والدخول في مفاوضات سرية مع الحكومة الإسرائيلية. شرع عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية في آخر فترات حياته في سلسلة من المفاوضات مع إسرائيل لإنهاء عقود من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومن تلك المفاوضات مؤتمر مدريد 1991، واتفاقية أوسلو. ترأس السلطة الوطنية الفلسطينية في 1996 بعد انتخابه. وأدانت الفصائل الإسلامية وبعض الفصائل اليسارية والعضوة في منظمة التحرير الفلسطينية التنازلات التي قُدمت للحكومة الإسرائيلية، وأصبحت من المعارضة. في نهاية سنة 2004، مرض ياسر عرفات بعد سنتين من حصار الجيش الإسرائيلي له داخل مقره في رام الله، ودخل في غيبوبة. وتوفي ياسر عرفات في 11 نوفمبر 2004 في مستشفى "بيرسي العسكري" بباريس عن عمر جاوز 75 عاما. لا يعرف سبب الوفاة على التحديد، ولم يتم تشريح الجثة. ضاربت الأقوال كثيرا في وفاة ياسر عرفات، إذ يعتقد بعض الفلسطينيين والعرب بأن وفاته كانت نتيجة لعملية اغتيال بالتسميم، أو بإدخال مادة مجهولة إلى جسمه، فيقول طبيبه الخاص الدكتور أشرف الكردي إن وفاة عرفات نتجت عن تسميمه، وطالب بتشريح الجثة، مؤكدًا أن تحليل عينات الدم لا يكفي وحده للكشف عن الإصابة بالتسمم، مشيرا إلى أن الأمر في حاجة إلى تشريح للجثة وتحليل عينات الأنسجة، للتأكد من السبب الحقيقي على وجه اليقين. وتعليقا على تفاقم النزيف الدماغي لدى عرفات، قال الكردي إن هذا النوع من النزيف ينتج عما يعرف بتكسر الصفائح الدموية، الذي يسببه التسمم، أو الإصابة بالسرطان، أو الاستخدام الطويل والمتكرر للأدوية.. وقد دفن في مقر المقاطعة في مدينة رام الله بعد أن تم تشيع جثمانه في مدينة القاهرة، وذلك بعد الرفض الشديد من قبل الحكومة الإسرائيلية لدفن عرفات في مدينة القدس كما كانت رغبة عرفات قبل وفاته.
(2) - روحي أحمد محمد فتوح (أبو وسام)، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني منذ 7 فبراير 2022، ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني سابقاً، كما عين خلفاً للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات رئيسًا للسلطة الوطنية الفلسطينية ، حيث تولى مسؤولية الرئاسة لمدة 60 يومًا قبل انتخاب محمود عباس.
__________________________


غالبًا ما تتبع الأنظمة السياسية التي تمر بمرحلة "انتقالية مربكة وصعبة"، الميل إلى اعتماد "الاستقلال والاكتفاء الذاتي" واستبعاد الحاجة إلى التشاور والتنسيق مع الأطراف الأخرى ، لاسيما إذا تكررت النكسات والفشلات . علما أن أقصر السبل وأوضحها في هذه الحالة، هو تنسيق العمل والتفاوض والجدال حول المسار.

لكن اتباع القواعد قد لا يكون بالضرورة يمثل الخيار الوحيد. أولاً ، في بعض الأحيان تكون القواعد غير واضحة أو تتضمن إجراءات عرجاء أو ملغومة. و قد يكون مستوى اليأس الشعبي وفك الارتباط عن الهياكل الوطنية أعلى مما كان عليه سابقا، مثلا عندما تركت آثار الانتفاضة الثانية العديد من الفلسطينيين محبطين ، ولكن كان هناك في الوقت نفسه دفعة قوية لإصلاح المؤسسات الفلسطينية. في ذلك الوقت ، كان هناك إصرار من العديد من الجهات على أن تكون القواعد مصممة بشكل أفضل وأن يتم اتباعها بأمانة أكبر ؛ الآن ، يبدو أن هناك انفصال أكبر عن السياسة الرسمية، لذلك قد يكون هناك ضغط أقل (أو توقع أقل) لاحترام القواعد. فالحركة الوطنية الفلسطينية منقسمة حاليا بشدة بين حماس وفتح - وقد فشل هؤلاء الفاعلون لمدة ستة عشر عامًا في إيجاد أي "شيء دائم ومستدام" يتفقون عليه ويصون ولو درجة معينة من الوحدة والتعاون . كما أن الانتخابات فقدت الكثير من مصداقيتها وإن الشكوك حولها قوية بين القادة الفلسطينيين والجهات الفاعلة الدولية الذين ظلوا يخشون فوز حماس أو حتى الخوف من تداعيات تنافس حماس (3).
_________________________
(3) - حركة حماس أو (حركة المقاومة الإسلامية، وتسمى اختصاراً حماس) هي حركة فلسطينية، مقاومة للاحتلال الصهيوني وتعرف نفسها على أنها حركة تحرر وطني ذات فكر إسلامي وسطي معتدل، تحصر نضالها وعملها في قضية فلسطين. تعمل على توفير الظروف الملائمة لتحقيق تحرر الشعب الفلسطيني وتحرير أرضه من الاحتلال الإسرائيلي، والتصدي للمشروع الصهيوني المدعوم من قبل قوى الاستعمار الحديث، وتحرير الأرض والقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وعودة اللاجئين والنازحين، وإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الحقيقية. أعلن عن تأسيسها الشيخ أحمد ياسين في 1987. وتعتقد حماس أن مسيرة التسوية بين العرب وإسرائيل التي انطلقت رسمياً في مؤتمر مدريد عام 1991 أقيمت على أسس خاطئة، وتعتبر اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل والذي وقع عام 1993 ومن قبله خطابات الاعتراف المتبادل ثم تغيير ميثاق المنظمة وحذف الجمل والعبارات الداعية إلى القضاء على دولة إسرائيل تفريطا بحق العرب والمسلمين في أرض فلسطين التاريخية. بدأت حركة حماس بالعمل العسكري في 1984، وكان عبارة عن مجموعة صغيرة من الخلايا العسكرية السرية ، وفي 1991 برزت كتائب الشهيد عز الدين القسام. ومع بداية انتفاضة الأقصى في سبتمبر عام 2000، طورت حماس ذراعها العسكري فحولته من مجموعات صغيرة إلى جيشاً حقيقياً تحت تشكيلات عسكرية. أطلق أول صاروخ محلي الصنع "قسام1" في أكتوبر 2001، وتلا ذلك تطور بشكل ملحوظ حتى تمكنت من صناعة أول طائرة استطلاع حربية عربية "أبابيل" وصواريخ ذات قدرة تفجيرية عالية، وصل مداها لعمق إسرائيل. و ترى "حماس" أن إسرائيل وافقت على "سلطة الحكم الذاتي (السلطة الفلسطينية) والمجيء بها إلى فلسطين وتدعيمها بأكثر من 40 ألفاً من رجال الأمن لتفرض على السلطة مجموعة من الالتزامات، أهمها ضرب المقاومة الفلسطينية المسلحة "والاختباء خلف ستار الحكم الذاتي". وعلى الرغم من أن العلاقة بين الطرفين غالباً ما تنتكس ، فإن الحوار بينهما قلما ينقطع. وتطور الوضع بينهم لاستخدام السلاح حتى حدث الانقسام الفلسطيني بين حركة حماس (حاملة المشروع المقاوم) وحركة فتح (حاملة المشروع السلمي المفاوض).
___________________________________

لذلك قد يبدو من المحتمل ألا يتم احتواء السياسة بالكامل في الإطار الإجرائي وأن بعض النزاعات السياسية و / أو الاتفاقات ستكون خارج "النطاق الدستوري". ومع ذلك ، من المرجح أن تكون طبيعة النزاعات بين الفلسطينيين والحل المحتمل في الإطار المؤسسي إلى حد كبير.

في السياسة الفلسطينية في الماضي ، ساد عادةً نمط " الزعيم الذي يشغل مناصب متعددة"، حتى حالة الاستثناءات (الرئاسة المؤقتة لـ "فتوح" وقيادة فتح من طرف "القدومي") لم تحجب هذا النمط بل تم اعتماده (تركيز السلطة في يد شخصية واحدة). وبالفعل ، حل عباس محل "القدومي" كزعيم لحركة فتح في 2009. كان هناك جدال حول مدى صواب تركيز القوة هذا. ويرى جملة من المحللين والنقاد أنه يقود إلى الاستبداد ويقوض المساءلة ؛ لقد بدا بصيص من الانفراج عندما تم إنشاء منصب رئيس الوزراء في السلطة الوطنية الفلسطينية في 2003، إلا أن هذه التجربة لم تكن دائمًا تجربة مقنعة وسعيدة. عندما تولى إسماعيل هنية - زعيم حماس - السلطة في 2006 تحت رئاسة محمود عباس ، لم تكن النتيجة النهائية تعايشًا بل عيشا في "منزل يتداعى". ومع استمرار انقسام الحركة الوطنية ، يخشى البعض المراقبين أن يؤدي تقسيم السلطة إلى ترسيخ الانقسام بدلاً من أن يؤدي إلى وضوح السلطة أو السياسات التوافقية. لكن لا يزال هناك من يرى أن تقسيم السلطات سابق لأوانه.

قد يتم اختيار رئيس جديد للسلطة الوطنية الفلسطينية ، لكن "فتح" قد تفشل في التغلب على خصوماتها الداخلية وانقساماتها أو التستر عليها بقيادة جماعية. في الواقع ، ربما تكون حركة "فتح" اليوم أكثر انقسامًا -عمقًا - من أي وقت مضى في تاريخها.

فكيف ستتحدد قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية؟ قد يكون الجواب أكثر تعقيدا مما يبدو على صعيد القانون الدولي، تعتبر السلطة الوطنية الفلسطينية الهيئة المنشأة، بموجب اتفاقيات أوسلو (4) في تسعينيات القرن الماضي، لإدارة شؤون الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة ، في انتظار التسوية النهائية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. ويبدو اليوم ، أنه لم تعد هناك أي عملية للتوصل إلى مثل هذه التسوية ، بل ولم تعد أجزاء كثيرة من اتفاقيات أوسلو تعمل ببساطة. إلا أن السلطة الوطنية الفلسطينية حية ترزق رغم انقسامات سنة 2006. تشير مختلف المؤشرات إلى أن السلطة الوطنية الفلسطينية، اليوم بشكل عام، تدير الشؤون الفلسطينية في مدن وبلدات الضفة الغربية (هياكل السلطة الوطنية الفلسطينية في غزة تعمل ولكنها لا تخضع لقيادة الضفة الغربية). من الناحية النظرية الصرفة ، للسلطة الوطنية الفلسطينية رئيس وبرلمان وسلطة قضائية وتعمل وفقًا لإطار "دستوري" (يسمى "القانون الأساسي"). في الممارسة العملية على أرض الواقع ، تم تعليق البرلمان وأصبح القضاء خاضعًا إلى حد ما. ومن الطبيعي أن تركز كل التكهنات على من سيخلف محمود عباس في الرئاسة.
_______________________
(4) - أو معاهدة أوسلو، أو أوسلو 1، والمعروفة رسمياً باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي هو اتفاق سلام وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن في 13 سبتمبر 1993، بحضور الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون". وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرّية التي تمت في 1991. وتعتبر اتفاقية أوسلو، التي تم توقيعها في 13 سبتمبر 1993، أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. و بموجبه التزمت منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن والوصول إلى حل لكل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة من خلال المفاوضات، وأن إعلان المبادئ هذا يبدأ حقبة خالية من العنف، وطبقا لذلك فإن منظمة التحرير تدين استخدام الإرهاب وأعمال العنف الأخرى، وستقوم بتعديل بنود الميثاق الوطني لتتماشى مع هذا التغيير، كما تأخذ على عاتقها إلزام كل عناصر أفراد منظمة التحرير بها ومنع انتهاك هذه الحالة وضبط المنتهكين. في حين قررت حكومة إسرائيل، الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني، وبدء المفاوضات معها. وينص إعلان المبادئ على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطينية (أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية)، ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، للوصول إلى تسوية دائمة بناء على قراري الأمم المتحدة 242 و338. تبعت هذه الاتفاقيات المزيد من الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات. في إسرائيل ، دعمها اليسار الإسرائيلي دعمها، بينما عارضها اليمين ( وافق 61 عضو كنيسيت وعارض 50 آخرون، وامتنع 8 عن التصويت). وكانت الردود الفلسطينية منقسمة أيضا. ففتح التي مثلت الفلسطينيين في المفاوضات قبلت بإعلان المبادئ، بينما اعترض عليها كل من حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وجبهة التحرير الفلسطينية (المنظمات المعارضة) لأن أنظمتهم الداخلية ترفض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود في فلسطين.
______________________________

في حالة شغور منصب رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية ، فإن "القانون الإطار" الإرشادي لملئه هو القانون الأساسي لسنة 2005. وهذا واضح، لأنه " يتولى رئيس مجلس النواب ، المجلس التشريعي الفلسطيني ، تلقائيًا منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية مؤقتا لمدة أقصاها ستون يومًا ، يجب إجراء الانتخابات خلالها" . ويضيف قانون الانتخاب (المعدل في 2021) خطوة إضافية: "مرسوم الدعوة للانتخابات يجب أن يصدر عن الرئيس المؤقت". علما أن هذا الإجراء غير مذكور صراحة وبالحرف في القانون الأساسي ، لكنه ضمني في منح الرئيس المؤقت سلطة إصدار المراسيم.

لكن اتباع هذه الإجراءات الواضحة وتكريسها على أرض الواقع اليوم قد يواجه مشكلة عويصة، إذ أن معظم الهياكل التنفيذية معطلة. لا تزال الرئاسة قائمة بالطبع ، لكن الخلافة الرئاسية ستتم في ظل "فراغ رئاسي". لا تزال لجنة الانتخابات المركزية موجودة ، وهي في الواقع هيئة ذات كفاءة عالية إلى حد ما - لكنها ليست في وضع يمكنها من فرض حل سياسي. والأهم من ذلك ، أن القانون الأساسي والقانون الانتخابي قد لا يستطيعان معالجة الواقع الأكثر إشكالية على الأرض: تم حل المجلس التشريعي من قبل محمود عباس ، وحصل قراره على دعم المحكمة الدستورية العليا، في حين ترفض حماس هذا الحل لكنها لا حول لها ولا قوة لفعل الكثير حيال ذلك.

لذا قد يبدو أن الخيارات الإجرائية المحتملة ليست ثابتة ثبوتا راسخا، ولتفعيلها لا مناص من القيام بشيء ما، إما عبر فرض الأمر الواقع أو صفقة تفاوضية. وهنا تتناسل جملة من التساؤلات بخصوص (الأطراف المفترضة لهذه الصفقة ، اقتصارها على قادة الضفة الغربية ومن هم؟ هل ستكون هناك محاولة لضم حماس؟...).

تبدو الاحتمالات معقدة للغاية. فمنذ أن رفضت حماس حل المجلس التشريعي ، ظلت تزعم أن رئيس مجلس النواب المنتخب في 2006 - "عزيز دويك" - لا يزال هو الرئيس الشرعي المؤقت "المفترض" في حال شغور منصب الرئاسة. علما أنه ، من غير المرجح أن يتم دعم ادعاء حماس من قبل أي طرف سياسي آخر، من جهة ومن جهة أخرى، سيكون من الصعب لجوء حماس للمحكمة المتخصصة ، اعتبارا لأن حماس رفضت شرعيتها ، ما دامت تعتبرها موالية لمحمود عباس ولفتح. والخيار الأفضل لحماس هو، على الأرجح، السعي لاتفاق سياسي مع فتح ، مما من شأنه إمكانية استخدام التهديد بمنع الانتخابات في غزة. وهناك احتمال آخر، إذا كان هناك قادة فتح (أو أحد الخلفاء المتنافسين) على استعداد للمساومة على إدخال حماس إلى اللعبة ، قد تكون هذه فرصة متاحة. لكن كل المحاولات السابقة كانت قد باءت بالفشل. علاوة على أن أصحاب رأي المصالحة داخل فتح (مثل جبريل الرجوب) قد تم تهميشهم.

لكن في حالة عدم حل إشكالية الرئاسة المؤقتة ، فهل يمكن المرور مباشرة إلى انتخاب الرئيس الدائم؟ ومن الناحية القانونية الصرفة، من سيصدر مرسوم الدعوة للانتخابات في ظل غياب رئيس مؤقت؟

من المعلوم أن القانون الأساسي لا يشترط بصريح العبارة إصدار المرسوم في حالة وجود شغور قانون الانتخابات. وقد تصر المحكمة الدستورية العليا على أن المطلب الدستوري بإجراء الانتخابات في هذا الإطار الزمني بالذات يلغي أهمية الجهة التي تصدر المرسوم ( وهناك سابقة)، ومن المسارات المحتملة، دعوة المحكمة المتخصصة إلى إجراء انتخابات دون مرسوم رئاسي وربما دون رئيس مؤقت ، حيث يتولى رئيس الوزراء (حاليًا "محمد اشتية") رئاسة الحكومة المؤقتة.

لكن مسألة المضي قدما في الانتخابات دون حل الخلاف على الرئاسة المؤقتة وربما دون مرسوم هي ذات أهمية حاسمة بالنسبة للجنة الانتخابات المركزية. ومن غير المرجح أن تتخذ هذه الأخيرة زمام المبادرة وتشرع في تنظيم انتخابات دون حل سياسي وقانوني. فهناك خياران : إما انتظار القرار أو طلب حل المحكمة الدستورية الفلسطينية العليا.

كما أنه، حتى لو كان معظم الفاعلين المؤسسيين الفلسطينيين مستعدين لذلك، يمكن لحركة حماس و"جماعات فتح المنشقة" وإسرائيل (التي تسيطر على تحركات وعبور الممرات) أن تعرقل العملية، فمثلا لم تجر الانتخابات الرئاسية لعام 2004 والانتخابات البرلمانية لعام 2006 إلا باتفاق محلي قوي ودعم دولي قوي .

هناك مخارج ، لكنها كلها معقدة ، ومن المرجح أن تكون محل نزاع. وقد تكون النتيجة الأكثر ترجيحًا أن تتحد فتح حول حل للرئيس المؤقت (أو آلية بديلة) والسماح له بالبقاء مؤقتًا لفترة طويلة. إذا فعلت ذلك بطريقة خارج الإطار القانوني للسلطة الوطنية الفلسطينية تمامًا ، فمن المحتمل أن تلجأ إلى منظمة التحرير الفلسطينية للمباركة - ومن الناحية الدستورية الفلسطينية ، غالبًا ما يُنظر إلى منظمة التحرير الفلسطينية على أنها متفوقة على السلطة الوطنية الفلسطينية.

لكن كل هذا يشير إلى أن فتح يجب أن تلتئم حول الحل. لسنوات عديدة ، تكهن مراقبو التطورات السياسية الفلسطينية فيما إذا كان الرئيس سيؤسس لمنصب نائب الرئيس ، من خلال مرسوم ستقر به المحكمة المتخصصة. ومع ذلك ، حتى الآن ، لم يتم اتخاذ أي خطوات بهذا الخصوص. والاحتمال الآخر هو قد يكون الخلف معروف ينتظر خلف الستار، مما قد يفسر الكثير من المناورات الآن ، حيث تقدم شخصيات مختلفة نفسها على أنها المرشح المنطقي أو الحتمي.

لكن كيف ستحدد منظمة التحرير الفلسطينية قيادتها؟
إن منظمة التحرير الفلسطينية هي الهيئة التي تمثل جميع الفلسطينيين في كل مكان، وهذا ما كرسته دوليًا عبر الدبلوماسية. ودستوريا تعتبر مرجعية جميع الهياكل الأخرى ، بما في ذلك السلطة الوطنية الفلسطينية نفسها. علما أن حماس تصر على انتمائها إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وإنما بشروط. ولكن منذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية ، تلاشت العديد من هياكل منظمة التحرير الفلسطينية، وهي اليوم "مظلة وطنية" مهمة، خاصة على المستوى الرمزي.

وفقًا للقانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية ، فإن جميع أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني هم تلقائيًا أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية ، والذي يضم أربعة وسبعين عضوًا من حماس. علما أنه تم نقل صلاحيات المجلس الوطني الفلسطيني إلى المجلس التشريعي حيث لا يتم تمثيل حماس. وحتى مع حل المجلس التشريعي ، قد لا يُسمح لنواب حماس بأخذ مقاعدهم في المجلس الوطني الفلسطيني.

في 2004 ، أنتخب محمود عباس رئيسًا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتم الإعلان عن انتخابه من قبل رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (سليم زنون) ، لكن لم يكن واضحا الدور الذي لعبه المجلس الوطني الفلسطيني بهذا الخصوص.

فما هي القواعد التي تحدد من سيقود فتح؟
تبدو فتح ، بمعنى ما ، "الحزب الحاكم" في السلطة الوطنية الفلسطينية، لكنها لا تقدم نفسها كحزب فحسب ، بل كحركة، يصفها قادتها بأنها تجسيد للحركة الوطنية الفلسطينية بشكل عام - وعلى استعداد للعمل مع فصائل أخرى و تفخر بتراثها في قيادة الثورة الفلسطينية. يتم انتخاب أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح من قبل المؤتمر العام. كما يتم انتخاب الرئيس مباشرة من قبل المؤتمر العام. على الرغم من ذلك ، في حالة وجود شغور ، لا ينص الميثاق على انتخابات مباشرة في إطار زمني معين. بدلاً من ذلك ، يكون الخلف هو نائب الرئيس (محمود العالول حالياً) من خلال تكليفه بتنفيذ مهام الرئيس في حالة الغياب.

فمن سيرأس "دولة فلسطين"؟
تم إعلان دولة فلسطين عدة مرات. وفي 2012 ، تم الاعتراف بها من قبل الأمم المتحدة كدولة مراقبة غير عضو. وموقف دولة فلسطين ليس معقدًا على المستوى الدولي فحسب ؛ وإنما مرتبكة على الصعيد المحلي. إذ ما هي العلاقة القانونية بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين؟ وهل أصبح القانون الأساسي للمنظمة الآن دستورًا للدولة ، أم أنه لا يزال وثيقة لتوجيه السلطة الوطنية الفلسطينية (هيئة نادرًا ما يشار إليها رسميًا بعد الآن)؟ عند طرح هذه الأسئلة ، يتفق المسؤولون الفلسطينيون على أنها مهمة - لكن ليس لديهم إجابات عنها حاليا.

إن دولة فلسطين لديها الآن ما يكفي من الاعتراف الدولي والمحاورين الدبلوماسيين ، و منصب الرئيس فيها أضحى دي أهمية بالغة وحاسمة ، لكن إطار تعيين رئيس دولة فلسطين ما يزال قرار اللجنة المركزية الفلسطينية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، ربما لأن دولة فلسطين ليس لديها هيكلها الدستوري الخاص بها بعد. ومع ذلك ، فإن قرارات هذه اللجنة، في هذا السياق، لا ترقى إلى الإطار التنظيمي للدولة بالمعنى الكلاسيكي ، وإنما مجرد إجراءات تعيين. فقد تم تعيين محمود عباس ، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ، من قبل المجلس السياسي الفلسطيني كرئيس لدولة فلسطين. لذا من الناحية الإجرائية ، لا تزال دولة فلسطين ملحقة بمنظمة التحرير الفلسطينية ،على الرغم من أنها قد تضم منظمة التحرير الفلسطينية في نهاية المطاف بطريقة ما ؛ من الناحية المؤسسية ، يبدو أن هناك تشابه إلى حد كبير مع السلطة الوطنية الفلسطينية. وبالتالي سيظل من المرجح أن أي خليفة لمحمود عباس سيحتاج إلى مباركة منظمة التحرير الفلسطينية ، وإن في شكل تعيينه كرئيس للدولة - من أجل ممارسة السلطة محليًا ودوليًا.



#بوياسمين_خولى (هاشتاغ)       Abouyasmine_Khawla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل انقلب الأمر على بوتين؟
- علماء إسرائيليون تمكنوا من تحديد الآلية التي تسبب السرطان بع ...
- رخصة عطلة الأبوة في المغرب – سابقة عربية
- إسرائيل وإفريقيا : دبلوماسية برامج التجسس
- هل سيسقط بوتين في الحفرة التي حفرها ؟
- تصدير السلاح، آداة إسرائيل لتوسيع شبكة علاقاتها عبر العالم
- محنة الباحثين والباحثات في الشرق
- -الرواية البوليسية- في الأدب العربي
- الشباب المغربي : معطيات رقمية مؤلمة
- الأديب الجزائري مولود فرعون المغتال الذي ظلمه أبناء جلدته
- هل تهديدات الحرب بين الصين والولايات المتحدة حقيقية ؟
- روسيا تشن حربا استعمارية في أوكرانيا تحت الحماية النووية
- استقطاب جديد : هل هو عهد الديكتاتوريات؟
- -معجزات- الأمم المتحدة في مواجهة نقص المياه
- البيئة والحرب العدوانية على أوكرانيا
- الخرافات اليهودية – الجزء السابع
- الخرافات اليهودية – الجزء السادس
- الخرافات اليهودية الشعبية – الجزء الخامس
- الخرافات اليهودية الشعبية – الجزء الرابعة
- الخرافات اليهودية الشعبية – الجزء الثالث


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بوياسمين خولى - من سيخلف محمود عباس؟