أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - ميس كاميليا … مسيو موريس














المزيد.....

ميس كاميليا … مسيو موريس


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7357 - 2022 / 8 / 31 - 12:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دخلت السيدةُ "كاميليا"، المدرسة بالمعاش، إلى عيادة الطوارئ لوعكة ألمّت بها، لتفاجأ بالطبيب المعالج ينحني ليقبّلَ يدَها! تفرّستْ في ملامح الطبيب لتتعرفَ على أحد تلاميذها القدامى ممن لم ينسوا فضلَ مُعلّميهم. الدكتور "هاني غيث" كان تلميذها المتفوق في الصف الرابع الابتدائي. لمحت "ميس كاميليا" شغفَه بالعلوم فتنبأت أن يكون طبيبًا. وحين التقته في المرحلة الثانوية قالت له: “هاتدخل الطب كما اتفقنا يا هاني.” وكان ما توقعت. لم ينس تلاميذُها، الذين صاروا أطباء ومهندسين وأساتذة جامعيين، أن "ميس كاميليا" كانت تستغل وقت "الفُسحة" لتشرحَ ما استغلق عليهم لكيلا يلجأوا إلى الدروس الخصوصية. فظلّوا حاملين لها الفضل وكلما التقوا بها أمطروها بآيات الحب والامتنان. تابعنا هذه القصة الجميلة على صفحات الميديا والقنوات فذكرتني بأحد أصحاب الفضل عليّ في مسيرتي التعليمية ممن كرّسوا شغفي بالرياضيات والهندسة وعلموني "الأخلاق”. مسيو "موريس إسكندر"، معلم الرياضيات الفذّ الذي علمنا أن في الرياضيات تكمن مفاتيحُ سرّ هذا الكون المعقّد. حين كنتُ في الثانوية العامة، تقرَّر سفره إلى "غينيا" في منحة دراسية. حزنتُ وتأكدتُ أنني لن أحقق المجموع الذي يؤهلني لكلية الهندسة! لكنه ابتسم لدموعي قائلا: (اطمني. انسي الرياضيات وذاكري بقية المواد. أنا شرحت لك منهج الثانوية العامة، ومنهج سنة أولى هندسة كمان، لأنك ببساطة هاتدخليها!” وبعد أسبوع من سفره، جاءني ساعي البريد بخطاب أزرق يحمل طابع "غينيا"، به معادلات في "التفاضل والتكامل"، وبالأسفل مكتوب: “حلّي المعادلات وابعتيها! مسيو موريس” وتوالت الرسائلُ، ودخلت هندسة عين شمس، وتخرّجتُ في قسم "العمارة"، وتزوجتُ وأنجبتُ وتخرّج ابني "مازن" من كلية الهندسة أيضًا، لكنني لم أنسَ أستاذي؛ الذي لم يعلّمني الرياضيات وحسب، بل علّمني قيم: "الالتزام والمهنية"، وقبلهما علمني: "المحبة"لتي لا تسقط أبدًا. آنذاك لم يكن هناك إيميلات، ولا موبيلات تُيسّر أمر التراسل كما اليوم، لكن كان هناك شيءٌ أعمقُ، اسمه: “المسؤولية”.
عام 2006، فزتُ بجائزة أدبية من هونج كونج، وقرر "اتحاد الكتّاب المصريين" عقد ندوة أدبية للاحتفاء بجائزتي وتكريمي؛ وكتبتِ الصحفُ الخبر. في الندوة طلب أحدُ الحضور الكلمة. قال: (منذ أكثر من عشرين عامًا، تنبأتُ لهذه التلميذة النجيبة التي تجلسُ على المنصّة الآن، أن تكون ذات شأن في مُقبل أيامها. لم أتصوّر أن تبرع في الآداب، بل في الرياضيات التي نبغتْ فيها! فإذا بها تدخل الهندسة، ثم تنال جائزة أدبية من الصين! نبوءتي تحققت، لكن في مسار مختلف!) تفاجئتُ بأن المتحدث هو “مسيو موريس"، فصرختُ من فرح المفاجأة. حين يهاتفني اليوم ويقول: (صباح الخير يا أستاذة! )، أشعرُ أن الكون "تشقلب" وأن الكلمة “فيها حاجة غلط". فهو سيظلُّ "الأستاذ" وأنا "التلميذة" الصغيرة التي كانت تناوله "كراسة الواجب" وقلبها يرجفُ ترقّبًا: “هل حللتُ المعادلات صح؟" وأقرأ الإجابةَ من ابتسامته، فأطمئن. (مينفعش تقولي "أستاذة” أنا تلميذتك!)، هكذا أهتفُ في غضب. فيضحكُ قائلا: “التلميذة كبرت وبقت أستاذة.”
قبل سنوات كتبتُ في جريدة "المصري اليوم" مقالا عنه بعنوان “مدرّس الرياضيات”. وانهالت عليّ الرسائلُ من تلامذةٍ قُدامى لهذا المعلم المحترم، وقد صاروا اليومَ رموزًا رفيعة في المجتمع، يفخرون، مثلي، بأنهم تتلمذوا على يديه. إحدى الرسائل كتبها المستشار "محمد الشربيني" المحامي الدوليّ، جاء فيها: “إلى الأستاذة/ فاطمة ناعوت. أقول ’أستاذة‘ لأؤكد أن مَن ترعرع تحت قبّة الأخلاق الذهبية التى شيّدها المعلّم الفاضل مسيو "موريس إسكندر"، لابد أن نقرَّ له بالأستاذية. حين راحت الأخلاقُ تخبو كشبح خيالىٍّ من الفولكلور المندثر، صار القليلُ من المعلمين يستحقون لقب: "مُعلِّم فاضل”. يُعلّم الأخلاق قبل أن يعلّم اللغة العربية أو الرياضيات أو الفلسفة. لقد ترك فينا الأستاذُ علامتَه وبصمتَه. فلم يكن معلمَ الرياضيات وفقط، بل معلّمٌ للأخلاق كذلك. كان "مسيو موريس" يعلمنا القيم والأخلاق مقتبسًا من آيات القرآن الكريم الذي يحفظه عن ظهر قلب. لقد حظيتِ يا أستاذة، كما حظيتُ أنا، بفرصة التربية قبل التعليم من نموذج أرجو أن يحذوه كلُّ معلم؛ حتى يجد في مقبل الأيام رموزًا عالية في المجتمع تستوقفه قائلة: أنا كنت تلميذك، ونفسى أشكرك. أرجو أن توصلي كلماتى للأستاذ"موريس”، مع احترامى.”
في عيد ميلادي قبل عدة أعوام، فوجئتُ بزيارة رائعة من مسيو "موريس"، وزوجته الجميلة مدام "ماجي”. وقدّما لي قلمًا أنيقًا ماركة Cross محفورًا عليه اسمي F.Naoot. وكأنما قدّم لي قطعة جميلة من سنوات عمري السابقة. مسيو "موريس اسكندر بشاي"، أستاذ الرياضيات العظيم، أقبّل يدك وجبينك بهذا المقال. شكرًا لك وليت المعلمين يتعلمون منك كيف تُعلّم أبناءك "درس الحياة الرفيع”.

                                               ***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سميرة موسى … نابغةُ مصر الخالدة
- في حب العذراء مريم
- أشقائي … شهداء كنيسة -أبو سيفين-
- ماذا علَّمني أبي … وأبي؟
- التعليمُ الراهن … مُعاصَرةٌ وأخلاق
- مهرجان -چرش- … يصدحُ ويزهو
- مدارسُ الفرير … على شرف الماعت
- لماذا تدنّى مستوى خطابِنا؟
- ٢٦ يوليو … تفويضُ الكرامة
- خطاباتُ جدّي وجدّتي … تعليم زمان
- أولادُكم ليسوا لكم … شكرًا للنائب العام
- في الطريق إلى الثمانين … السعادةُ اختيارٌ
- أيّها الوحيدون … اصنعوا زحامَكم!
- العيد … العائلة … الجنّةُ التي على الأرض
- الضمير… القطّةُ التي كسرت عنقي!
- دقّوا الشماسي
- شمس ٣٠ يونيو
- مَن يُسَلِّعُ المرأةَ ويُشيّؤها … على هامش مقتل نيّرة
- شمعةٌ جديدة في بلاط المصري اليوم
- عيد الأب … العيد المنسيّ!


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية: استهدفنا هدفا حيويا في إيلات وهدفا حيويا ...
- “ثبتها فورًا للعيال” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد لمتابعة ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق-: استهدفنا هدفا حيويا في إيلات ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق-: استهدفنا هدفا حيويا في إيلات ...
- متى موعد عيد الأضحى 2024/1445؟ وكم عدد أيام الإجازة في الدول ...
- تصريحات جديدة لقائد حرس الثورة الاسلامية حول عملية -الوعد ال ...
- أبرز سيناتور يهودي بالكونغرس يطالب بمعاقبة طلاب جامعة كولومب ...
- هجوم -حارق- على أقدم معبد يهودي في بولندا
- مع بدء الانتخابات.. المسلمون في المدينة المقدسة بالهند قلقون ...
- “سلى أطفالك واتخلص من زنهم” استقبل دلوقتي تردد قناة طيور الج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - ميس كاميليا … مسيو موريس