|
هيجل و ماركس في أربع مقالات قصيرة
عادل عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 7347 - 2022 / 8 / 21 - 13:04
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
1- حكاية عبارة: هل قلب ماركس هيجلَ رأسا على عَقِب؟
على حدّ سواء، غالباً مايرددُ المثقفون و العوام عبارة محددة مفادها: إنّ ماركس قلبَ فلسفة هيجل رأسا على عقب، أيْ أنّ فلسفة هيجل كانت تمشي على رأسها، و أن فلسفة ماركس جعلتها تمشي على قدميها. الغريب في المسألة، أنّ هذه العبارة يتمّ استحضارها على نحو وحيد بوصفها المعنى الكامل الذي يصف بدقّة مجمل العلاقة الفكرية بين الفيلسوفين الكبيرين، حتّى أنها تسوّغ القول لبعضهم بأنه لم يعد بحاجة الى قراءة فكر هيجل لأن في قراءة فكر ماركس ما يغني عن ذلك!! ما حقيقة هذه العبارة؟ هل لها من أصل في فلسفة هيجل نفسها؟ ما السياق الذي وردت فيه في فلسفة ماركس؟ و هل كان الرجل يعني هذا المعنى الشائع حقا؟ هذا ماسنتعرّف عليه الآن: يقول هيجل في كتابه " ظاهريات الروح " : ان الوعي الشائع يحدد وجهةَ نظرهِ في معارضته لأفكار الآخرين، و هو يشعر أنه في بيته عندما يقول " أمّا بالنسبة لي ". وجهة النظرهذه – بشرح امام عبد الفتاح امام – تمثل نظرة فلسفية فرعية يقف هيجل ضدّها. يقول هيجل: و عندما يكرّس "الوعي الطبيعي" نفسه للعلم مباشرة فانه يقوم بمحاولة يسير فيها على رأسه، و لو انه اضطر الى هذا الوضع المقلوب، لكان ذلك عنفاً يفرض عليه قسرا، دون ان يكون مستعدا له ... فليكن العلم في ذاته ما يكون، فإنه يعرض نفسه للوعي الذاتي المباشر، بوصفه شيئا مقلوبا رأساً على عقب. قدر تعلّق الأمر بماركس، يقول د. امام عبد الفتاح امام في هامش الصفجة 170 من ترجمته لكتاب هيجل : لقد طوّر ماركس هذه العبارة بغير جدال في عبارته الشهيرة التي يُساء اقتباسها عادة، بأنه يباهي بأنه أوقف هيجل على قدميه، مع ان ما قاله ماركس بالفعل في تصديره للطبعة الثانية من كتاب "رأس المال" هو ان جدل هيجل كان يقف على راسه، من حيث ان الروح هي الاساس، و انه ينبغي ان يوضع، مرة أخرى، مستقيما أي في وضعه الصحيح. هذه هي الحكاية كلّها، و لكم ان تفهموها كما شئتم. 2- معطف هيجل فرغتُ قبل قليل من إعادة قراءة كتابَي هيجل " علم ظهور العقل " و الموسوعة الفلسفية " لذا لا أجد حرجاً في تأكيد ما سبق لي قوله في مناسبة ماضية، إنّ: نيتشه، كيركغارد، فويرباخ، ماركس، ماركوز، هيدجر، جون ديوي، مدرسة فرانكفورت، لوكاش، جان فال، ديريدا، رورتي و عشرات من الاسماء المهمة سواهم، هؤلاء جميعا خرجوا من معطف هيجل، بل أن العبارات الأكثر أهمية في فلسفاتهم، كقول ماركس ( بجعل الفلسفة تمشي على قدميها ) و قول نيتشه ( لقد مات الله ) و قول هيدجر ( العدم هو السلب الاساسي لمجمل الوجود )، هي في حقيقتها عبارات وردت في فلسفة هيجل على نحو بالغ الوضوح، لكن وفق معاني أخرى تنسجم على نحو تام مع صرحه الفلسفي. و بغض النظر عن مناهضة هولاء الفلاسفة لهيجل، أو انتصارهم له، يمكن القول أن فلسفاتهم جميعا هي حوار و تفنيد أو تأويل لفلسفة السيد المعلم هيجل، كما يسمّيه ديريدا، الذي لم تكن تفكيكيته بدورها، سوى محاولة فاشلة للنيل من ميتافيزيقا هيجل . أما لماذا اتبنى مثل هذا الرأي، ففضلا عن تحققي من صحة هذه المسالة بنفسي، من خلال قراءتي لمؤلفات هيجل، أدرج لكم هنا ما يعززها من خلال ثلاثة من اعلام الفلسفة المعاصرة : يقول هيبوليت – و هو واحد من اعظم شرّاح هيجل - : ( إن هيجل قاد الفكر الفلسفي الى نهاية مطافه، إنه الفيلسوف الأخير الذي يكشف فكره ماهية الفلسفة كلها، و ليس بوسع المرء أن يتفلسف حقا بعد هيجل، و عندما ندحض هيجل، فانما ندحض الفلسفة نفسها ) اما غادامير، فيقول : ( إن المنطق الهيجلي يشبه مقلعا ضخما من الحجارة، أخذَ منه تاريخُ الفلسفة اللاحق باسره مواد بنائه ) فرانسوا شاتليه – الماركسي الفرنسي و معلم الفلسفة الكبير – يقول : ( إن أية واحدة من الفلسفات التي وُضعتْ منذ قرن و نصف لم تستطع أنْ تتحلل جديا من النتائج التي حصل عليها هيجل .. ان هيجل اخر الفلاسفة بالمعنى الدقيق للكلمة) أمّا لمن يقول بأنّ فلسفة هيجل تجريد خالص، لا يعنى بمشاكل الانسان الواقعية، كما قال كيركغارد عنه " لقد بنى الفيلسوف قصرا من الافكار، و هو يعيش في كوخ" فيكفي ان يُردّ عليه بنص من اعظم شراح هيجل، يقول هيبوليت " ان الفلسفة الهيجلية هي رفض لكلّ علّوٍ، ليس هناك عالم آخر لديه، و ليس هناك شيء في ذاته، إنه يتجاوز نفسه و ما يكشف عنه او يظهره هو الوجود نفسه"
3- قصيدة "أنجلز" في وصف "شتيرنر"
انظر إلى شتيرنر، انظر إليه، إنه العدو السلمي لكل القيود. إنّه لا يزال يشرب الجعة في هذا الوقت، وسرعان ما سيشرب الدم وكأنه ماء. عندما يصرخ الآخرون بكلّ ما بهم من ألم: "يسقط الملوك" يكمِّل شتيرنر على الفور "و تسقط القوانين أيضًا". مليئاً بالكرامة يعلن شتيرنر؛ أنت تحني قوّة إرادتك، وتجرأ على إطلاق سراح نفسك. لقد تعودت على العبودية، لتسقط الدوغمائية، و ليسقط القانون. ماكس شتيرنر، لمن لا يعرفه، واحد من اهم الهيجليين الشباب الذين كانوا يجتمعون في حانة أطلقوا عليها اسم " Die Freien " اي الأحرار. و كانت الغاية من اجتماعهم هي، دحض تعاليم سيدهم هيجل. كان قادة Die Freien هم الإخوة Bauer و Bruno و Edgar. و كان ماركس وإنجلز والشعراء هيرويغ وهوفمان فون فالرسليبن من الزوار العرضيين. أمّا لودفيج فيورباخ، ويلهلم جوردون، كوبين، والدكتور آرثر مولر، وموسيس هيس، ولودفيج بول، وأدولف روتنبرغ، وإدوارد ماين فكانوا من رواد هذه الحانة . أرنولد روج، كان الكاهن الأكبر الذي نصب نفسه قائدا لهؤلاء الهيغليين. السؤال الأكثر أهمية هو: ما معنى هذا القصيدة؟ و ما الذي اراد أنجلز أن يعبّر فيها؟ شحصيا، اعتقد أن معنى القصيدة هو إدانة موقف شتيرنر الفكري و السياسي من أحداث عصره من جهة و وقوفه ضدّ مشروع فلسفة فويرباخ التي كلن ماركس و انجلز على وفاق تام معها.
4-
لماذا أقرأ هيجل منذ 50 عاما؟ هذه التحفة الفكرية النقدية لفرانسوا شاتيليه، تجيب عن ذلك. 1- ليس في مذهب هيجل أيّ نقص و أيّ تناقض، إنه مذهب خال من الفجوات، مذهب يقول ما يقول حتى استنفاد المعنى. 2- إنه مذهب يطرح الأسئلة كلّها في المكان المناسب، معطيا لها الأجوبة كلّها، بلا إبهام و بلا لبس أبدا. 3- إنه مذهب غير قابل للدحض على نحو جزئي، مثل التذرّع بتجاوزه للوقائع، من حيث ان الدحض الوحيد المجدي هو: إظهار الطابع المغلوط للفكر الهيحلي بمجمله. 4- الى هيجل وحده، ترتد النظريات المجاورة له و اللاحقة به و كأنها منه. 5- ما أسمّيه " الطعيان الهيجلي " هو: ان أية واحدة من الفلسفات التي وضعت منذ قرن و نصف لم تستطع ان تتحلل تحللا جديا من النتائج التي حصل عليها هيجل 6- إذا كانت غاية الفلسفة هي الكشف عن كيفية سلوك الفرد سلوكا حرّا و عاقلاً في وقت واحد، فهذا ما بناه هيجل و انجزه. 7- لقد أجاب هيجل مرّة واحدة و الى الأبد عن جميع المسائل التي تركها افلاطون و ارسطو معلقة دونما اجابة. 8- ليس هيجل روحانيا و لا ماديا، ليس مثاليا و لا واقعيا، ان مذهب هيجل هو تجاوز فعلي و دمج حقيقي لكل المواقف المذهبية التي سبقته. 9- المذهب الهيجلي نظام يؤول اليه كل قول يريد لذاته ان سصيح قولا فلسفيا. 10- كل شيء في فلسفة هيجل هو عقلي و واقعي في آن واحد فـ " العقل هو الواقع، و الواقع هو العقل" 11- إن هيجل هو آخر الموسوعيين، ففيه تحقق حلم افلاطون – حلم المعقولية الكاملة، و حلم أرسطو – حلم الادراك الكامل لكل ما تنجزه الطبيعة، و حلم جوته – فهم الاعمال الانسانية من اولها الى اخرها. 12- ليس هيجل مجرد مناسبة يستحدمها كيركغارد للشكوى و ماركس للانجاز و نيتشه للرقض، ان هيجل يحدد أفقا و لغة و نظاما ما نزال قائمين في صميمه حتى اليوم 13- لكل ما تقدم : ان المرء لتساوره الرغبة بعد قراءة هيجل، في ان يكتب في اي قاموس مختصر " الفلسفة أسم مؤنث، نوع ثقافي، وُلد في أثينا عام 387 ق.م في حدائق الالكاديمية، ومات في برلين عام 1816 – اي نشر هيجل لكتاب علم المنطق.
#عادل_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبء الاثبات في الحوار الفلسفي: الفصل الرابع: أنطوني فلو: افت
...
-
عبء الإثبات في الحوار الفلسفي - الفصل الثالث: الله و إبريق ش
...
-
عِبءُ الإثباتِ في الحوار الفلسفي على أيٍّ من الطرفين يقعُ عب
...
-
عِبءُ الإثباتِ في الحوار الفلسفي على أيٍّ من الطرفين يقعُ عب
...
-
عبء الإثبات في الحوار الفلسفي - على أيّ من الطرفين يقع عبءُ
...
-
التصوّف، فيزياء الكم، و شيزوفرينيا العالَم
-
الخاطفُ و الضحيّة ... قصّة فلسفية
-
محاولة في التفسير العلمي لعبارة - كن فيكون-
-
الوضعيةُ المنطقية : البداية و النهاية
-
القرود تفشل في امتحان شكسبير
-
أدونيس - و - أنا - بين - تناص - المنصف الوهايبي و - انتحال -
...
-
- يومَ ضَبطتُ أدونيس مُتَلبّساً -
-
هناك.... حيثُ كنّا ندافعُ عن الوطن
-
الله و الإمام: بحوث فكرية في الأسلوب الإلهي لإقامة الدين في
...
-
أربع قصائد
-
أحداث التفّاح الكبرى
-
لماذا تضحكون علينا أيّها الفلاسفة؟
-
William Lane Graig : ( وهم الإله ) كتابٌ بصفحتين فقط !
-
العدوانيةُ المُضمرة لتحريض معلن
-
داوكنز يخسرُ في - رهان باسكال -
المزيد.....
-
مصر.. بدء تطبيق التوقيت الشتوي.. وبرلمانية: طالبنا الحكومة ب
...
-
نتنياهو يهدد.. لن تملك إيران سلاحا نوويا
-
سقوط مسيرة -مجهولة- في الأردن.. ومصدر عسكري يعلق
-
الهند تضيء ملايين المصابيح الطينية في احتفالات -ديوالي- المق
...
-
المغرب يعتقل الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني
-
استطلاع: أغلبية الألمان يرغبون في إجراء انتخابات مبكرة
-
المنفي: الاستفتاء الشعبي على قوانين الانتخابات يكسر الجمود و
...
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
الحرس الثوري الإيراني: رد طهران على العدوان الإسرائيلي حتمي
...
-
الخارجية الإيرانية تستدعي القائم بالأعمال الألماني بسبب إغلا
...
المزيد.....
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
المزيد.....
|