أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عادل عبدالله - الخاطفُ و الضحيّة ... قصّة فلسفية














المزيد.....

الخاطفُ و الضحيّة ... قصّة فلسفية


عادل عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 7078 - 2021 / 11 / 15 - 12:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الخاطفُ و الضحية" ... حكاية فلسفية
أحيانا قد يلجأ العلماءُ و الفلاسفةُ الى عالم القصّة القصيرة لنسج حدث واقعي أو متخيل من أجل دحض أفكار خصومهم. في هذا المنشور سنتعرّف على واحدة من أجمل القصص المستخدمة لهذا الغرض، و هي قصة الفيلسوف المعاصر " سوينبيرن " لدحض اسلوب فهم الفلاسفة و العلماء الملحدين، للمبدا الانثروبي، الذي ينص حسب فهمهم: أنّ الكون قد تم خلقه بالصدفة، لذا فلا تسأل عن سبب وجوده، لأن وجوده يغنيك عن البحث عن سبب وجوده.
يقول سوينبيرن:
لنفترض أنّ رجلاً مجنوناً خطفَ ضحيةً و قادها الى غرفةٍ مغلقة فيها آلة تستخدم لخلط أوراق اللعب في القمار. أمام أعين الضحية، قامت الآلة بخلط عشرة رزم من ورق اللعب، ثم أخرجت ورقة واحدة من كلّ رزمة، عارضةً الأوراق العشر المستخرجة مرةً واحدة. فكان من الطبيعي ان تكون الأوراق مختلفة.
في هذه الاثناء أخبر الخاطفُ الضحيةَ، بأنّه سيقوم بضبط الماكنة بعد قليل للعمل، و ستقوم الماكنةُ بعرضِ سحبة جديدة مؤلّفة من عشرة أوراق أخرى من بين جميع رزم الورق الموجود في الماكنة، و لكن، إذا لم تكن الأوراق العشر التي ستخرجها لك الماكنة - من بين الرزم العشر الموجودة- جميعها من فئة "الآس ذي القلب" فإنّ الماكنة قد تمّ ضبطُها لتنفجرَ في الحال و ستقوم بقتلك.
في حالٍ حرجٍ كهذا، ستكون الضحية في مواجهة أحد مصيرين، إمّا إخراج الآلة لعشرة أوراق مختلفة – و هو الأمر عظيم الاحتمال – و حينها ستنفجر الآلة حتّى قبل وقت كافٍ لمعاينة الضحية للأوراق، و إمّا أنْ تُخرج الآلة عشر أوراقٍ جميعها من فئة الآس ذي القلب – و هذا أمرٌ شبه مستحيل من ناحية الإحتمال الرياضي – و حينها ستبقى الضحية على قيد الحياة.
و هكذا شرعت الماكنة بالعمل، لكن كم كانت الدهشة عظيمة و الفرج أعظم بالنسبة للضحية حين عرضت الماكنة عشر أوراق كانت جميعها من فئة الآس ذي القلب، مستخلصة كلّ واحدة منها، من بين رزمة من الرزم العشر المخلوطة.
أعتقد الضحية بأن ما حدث كان واقعة استثنائية بحاجة الى تفسيرٍ، من قبيل أنّ الماكنة قد تمّ التلاعب بها بطريقة ما . أمّا الخاطف الذي عاد الى الظهور مجدداً الآن، فألقى ظلالاً من الشك على مثل هذا التفسير المقترح من قبل الضحية، قائلاً: إنه لأمرٌ مستغربٌ حقاً، أنْ تكون الماكنة قد أخرجت عشر أوراق من فئة الآس ذي القلب، ليس من المحتمل أن ترى شيئاً غيرها، لأنه لن يكون بوسعك ان تكون هنا لترى أيّ شيئ على الاطلاق، لو أنّ الماكنة قد سحبت أية ورقة أخرى غير ما ترى الآن.
إلى هنا تنتهي القصة ليبدأ التفسير الفلسفي لها و على النحو التالي:
إنّ ما كان متوقَعاً، هو موت الضحية، و ما لم يكن متوقّعاُ هو نجاتها، غير أنّ هذا اللا متوقّع قد أصبح الآن حاضراً مُدركاً، لذا فإن السؤال عن سبب النجاة - و هو الأمر غير المتوقع – سيبقى متعلّقا يخص ذلك اللا متوقع حتّى و إن أصبح متوقّعاً، و لا يمكن للسؤال هذا نفسه أن يُوجّه للمتوقع – الذي كان متمثلا بموت الضحية – بسبب من أنّ ذلك الذي كان متوقعا، و هو موت الضحية، قد أصبح لا وجود له بحدوث اللامتوقع.
و معنى هذا أن سؤال الضحية عن سبب نجاته سيكون متعلّقا لا بكونه موجودا، بل يكون متعلقاً بسبب بقائه موجودا. و لمّا كانت الصدفة مستبعدة جدا في فرضية كهذه، أعني أنْ تكون الأوراق العشر المستخرجة من فئة الآس قد خرجت من أول محاولة عن طريق الصدفة المحض، فلا بدّ للضحية من نسبة سبب نجاته الى عامل آخر فيما وراء اللعبة كلّها.
بعبارات أُخر: بما أنني مدينٌ بوجودي الى اللا احتمال – الذي أصبح متاحا لي – فإنّ ما ينبغي عليّ فعله – قدر تعلّق الأمر بالسؤال عن سبب وجودي – هو أن أتوجّه بهذا السؤال الى ذلك اللا احتمال نفسه، و ليس الى وجودي، لأن وجودي هو معلول لذلك اللا احتمال، و ليس من المعقول ان ينسب الانسان للمعلول علته الخاصة بوجوده.
خلاصة القول:
1- إنّ الحساب الرياضي المحض لنجاة الضحية عن طريق الصدفة منذ المحاولة الأولى، أمرٌ مستحيل.
2- إن عملية وجود الكون و الحياة عن طريق الصدفة أكثر تعقيدا و استحالة رياضية من عملية نجاة الضحية من آلة الخاطف، لذا
3- مثلما لا ينبغي على الرجل الذي خرج حياً من تلك الظروف النادرة، أنْ لا يبحث عن سبب بقائه حياً في " واقعة بقائه حيّاً" إنّما عليه ان يبحث عن ذلك السبب في الظروف التي سببت نجاته، ينبغي على الإنسان أنْ لا يتوجّه بالبحث عن السبب في وجوده و عن السبب في وجود الحياة على الأرض، الى وجوده نفسه، لأنّ وجوده حيّاً يغنيه عن مثل هذا السؤال بحسب المبدأ الأنثروبي . إنّما عليه أنْ يبحث عن السبب في ذلك كلّه، في الظروف شبه المستحيلة التي جعلت وجوده و وجود الحياة ممكناً. و بذا تسقط فرضية المبدأ الانثروبي – على وفق فهم الماديين لها – من أساسها
مما يعني أخيراً أنّ فرضية القيم الستّ الثابتة التي جعلت الكون ممكنا، - و هي قيم تفوق في مقدار استحالتها او تظافرها عن طريق الصدفة، احتمال ظهور الأوراق العشر من فئة الآس ذي القلب عن طريق الصدفة – إنما هي فرضية جرى التخطيط لها و هي الأقرب لوسائل التصديق العقلي من سواها التي تفترض الحظ بديلاً للخالق.



#عادل_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولة في التفسير العلمي لعبارة - كن فيكون-
- الوضعيةُ المنطقية : البداية و النهاية
- القرود تفشل في امتحان شكسبير
- أدونيس - و - أنا - بين - تناص - المنصف الوهايبي و - انتحال - ...
- - يومَ ضَبطتُ أدونيس مُتَلبّساً -
- هناك.... حيثُ كنّا ندافعُ عن الوطن
- الله و الإمام: بحوث فكرية في الأسلوب الإلهي لإقامة الدين في ...
- أربع قصائد
- أحداث التفّاح الكبرى
- لماذا تضحكون علينا أيّها الفلاسفة؟
- William Lane Graig : ( وهم الإله ) كتابٌ بصفحتين فقط !
- العدوانيةُ المُضمرة لتحريض معلن
- داوكنز يخسرُ في - رهان باسكال -
- مُقدّمةٌ في عِلم الدين، هيجل - محمد باقر الصدر
- قصيدةُ المَحْفَل، لذّة الحضور و استمناء الكتابة
- ثلاث مقالات فلسفية قصيرة
- بائع الموت المتجوّل - قصائد في تحايث الموت و الحياة
- هدنةٌ في حروب العِلم على الدين، الاختصاصات غير المتداخلة
- أدورنو و صناعة الثقافة - بحثٌ في الأساليب الرأسمالية للتسلّط ...
- قُطّاع طريق الفلسفة


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عادل عبدالله - الخاطفُ و الضحيّة ... قصّة فلسفية