أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي باقر خيرالله - في رثاء الفراسة














المزيد.....

في رثاء الفراسة


علي باقر خيرالله

الحوار المتمدن-العدد: 7333 - 2022 / 8 / 7 - 21:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قيلَّ عن الفراسة انها الاستدلال بالأمور الظَّاهرة على الأمور الخفيَّة(1) , وبمعنى ابسط انها معرفة امور تخفى عن المرء من خلال الامور الظاهرة او الواضحة للعيان , ومثله ما حكي أن أبا العلاء المعري كان يتعصب للمتنبي فحضر يوما مجلس الشريف المرتضى فجرى ذكر أبي الطيب فهضم المرتضى من جانبه – اي انه لم يرتح لذكره - فقال أبو العلاء لو لم يكن له من الشعر إلا قوله "لك يا منازل في القلوب منازل " لكفاه – اي انه لو اكتفى بهذا الشطر فقط , فقد كفاه هذا من الشاعرية العالية -
فغضب المرتضى وأمر به فسحب وأخرج وبعد إخراجه قال المرتضى هل تدرون ما عنى بذكر البيت فقالوا لا والله فقال عنى به قول أبي الطيب في القصيدة – نفس القصيدة التي ذكر ابو العلاء منها الشطر الذي قاله - :
( وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ ... فهي الشهادة لي بأني كاملُ )(2) , وفي هذا الموقف تتجلى لنا الفراسة في اوضح معانيها , فموجه الاهانة استخدم اسلوب المواربة واراد من ذلك توجيه اهانة تتخفى خلف كلامٍ يتضح من ظاهرة انهُ عادي , اما من وُجهت اليه الاهانة فقد استعان بفراسته لكشف هذا النية المخفية في طيات الكلام , وعند قراءة الكثير من كتب المحكيات والمرويات يتبين لنا ان هذه المواقف كثيرة , وقد خصصت لها الكثير من كتب الادب القديمة والحديثة باباً كاملاً لذلك , فيحق لنا اذاَ ان نتساءل كيف ان هذه الصفة اخذت بالتناقص في شخصية انسان ما بعد الحداثة , حتى كادت تنعدم , وان اي شخصٍ يشترك معي في استخدام اساليب الاستعارة والتشبيه في كلامه مع الآخرين يتجلى له هذا الأمر بوضوح .
اننا نحنُ اليوم , نستخدمُ الحروفَ والكلماتِ كأنها مادة قابلة للنفاذ , فيكتفي واحدنا باستخدامِ أقل قدرٍ ممكنٍ منها , فإنسان اليوم هو ليس سطحياً قدر كونه نابذاً للعمق , فيكفيك ان تقول ان فلانة "hot" كي تعبرَّ انها مثيرة للشهوة , لها خصرٌ نحيف , ومؤخرة بارزة , متناسياً ان اثارة الشهوة هو نمطٌ يختلفُ باختلافِ طبيعة المُثار , فلو تم استبدال كلمة "hot" بتوصيف ادق عن شخصية انسانة لها من الصفات الشخصية كذا وكذا , ولها من الصفات الجسدية كذا , لكانَ المتلقي قادراً على تكوين صورة شبه متكاملة لما وصفه المتحدث .
وبما ان نظرتنا اصبحت نظرة احادية الجانب , المهمُ ما نراهُ نحن , وما نراهُ نحن هو المعيار , فلم يعد المتحدث بحاجة الى ايضاح ما يتحدث عنه بتفاصيلٍ ادق , بل اصبح لزاماً عند الكثيرين هو اختصار الاختصار .
و حتى من يعول عليهم ممن يمتلكون ذوقاً ادبياً او مقدرة على القراءة , تراهم يتركونَّ قروناً من الابداع اللامتناهي متجهين نحوَ "واتباد" , فاغلبا يهمه ما يحدث , لا يهمهُ كيفَ يحدث .
وبهذا حتى امثالُ و توصيفات الأمس , لم تعد ذاتَ معنى في وقتنا الحالي , فعاشق اليوم لم يعد ذلك الانسان الذي يتغنى بالقصائد الطويلة , والكلامِ المتوسع بالتوصيف , بل أصبح يكتفي بالاشتهاء تعبيراً عن الرغبة , وبالتعلقِ دليلاً على المحبة .
وتبقى كلمةُ (لكن) , ملازمةً لمن يشك , وانا منهم .
لكن هل ان انسان اليوم لم يعد بحاجةٍ الى الفراسة حقاً ؟
يحملُ الجواب من وجهة نظري , جانبين , الجانبُ الاولُ انهُ نعم , فالتعاملاتُ اليومية للإنسان الحديث لا تحتاج الى ذلك , فهو يطلبُ طعامه من تطبيقٍ على الهاتف ولا يحتاجُ الى التواصلِ مع نادلٍ في مطعم , و مشبعٌ جنسياً الى حدٍ كبير من دون ادنى تواصلٍ ايضاً , فهو يرى على الشاشةِ اجساداً تلبي جميعَ رغباتهِ , فكأنهُ يختارُ منها ما يناسبُ ذوقه , دون الحاجة لانتظار ردٍ او موافقة .
اما على الجانبِ الآخر , فنحن , اي الجيل الذي فتح عيناهُ على الدنيا وهو يسأل الشيخ جوجل عن جميع ما يصعب عليه فهمه , ما زلنا بحاجةٍ للفراسة حتى ولو كانت بحدها الادنى , فجوجل لن يفسر لنا ردود افعال اصدقائنا الغريبة – حتى الآن على الأقل - , و لن يجيبنا اي محرك بحث عن اسباب وحدتنا , او اسبابَّ كوننا غيرَّ مرغوبينَّ من قبل شركائنا جنسياً , وغيرَّ مرضيين من قبلِ مدراءنا عملياً .
اذاً نحنُ مازلنا بحاجة الاستدلال , بحاجة بناء غريزة تخبرنا على الاقل بمعاني الكلمات والتصرفاتِ الخفية , نحنُ نحتاجُ ان نكونَّ قادرين على استبيانِ مدلولات الكلمة الباردة , نحتاجُ القدرة على استشعار مدلولات الاشياء حولنا , كي نتخلص من عادتنا السيئة في تسطيح الاشياء حولنا , حتى لا يأتي اليوم الذي نكون فيه على فراش الموت جاهلينَّ لما ومع من عشنا .
ـــــ
الهوامش
ـــــ
(1) كشاف اصطلاحات الفنون , محمد علي التهانوي الحنفي
(2) خزانة الأدب وغاية الأرب , تقي الدين أبي بكر علي بن عبد الله الحموي الأزراري .



#علي_باقر_خيرالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضاحية و المتوكل
- شهية الضعف
- نصوص في ساعات البهرة (1)
- السعادة داخل رؤوسنا
- النظرية اللوبونية / الحلقة 6
- النظرية اللوبونية / الحلقة 5
- النظرية اللوبونية / الحلقة 4
- النظرية اللوبونية / الحلقة 3
- النظرية اللوبونية / الحلقة 2
- النظرية اللوبونية / الحلقة 1
- الاعلام العراقي في منافسة غير متكافئة !!
- سكرتيرة المدير .. أعلى سلطة في الدوائر الحكومية
- -طائفية فاخرة- - المسلسلات التاريخية والدينية
- أدوات تغيير المجتمع العراقي .. بيد القوى اليسارية


المزيد.....




- البيت الأبيض يدعو إسرائيل إلى إعادة فتح المعابر إلى غزة
- مسيرة -لانسيت- الروسية تدمر منظومة استطلاع أوكرانية حديثة في ...
- البيت الأبيض: إسرائيل أبلغتنا بأن العملية العسكرية في رفح مح ...
- -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر!
- تبون: ملف الذاكرة بين الجزائر والمستعمر السابق فرنسا -لا يقب ...
- في الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات بين البلدين.. أردوغان يستقبل ...
- تسريب بيانات جنود الجيش البريطاني في اختراق لوزارة الدفاع
- غازيتا: لهذا تحتاج روسيا إلى اختبار القوى النووية
- تدعمه حماس وتعارضه إسرائيل.. ما أبرز بنود اتفاق وقف إطلاق ال ...
- في -قاعة هند-.. الرابر الأميركي ماكليمور يساند طلاب جامعة كو ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي باقر خيرالله - في رثاء الفراسة