أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كلكامش نبيل - الآثار أم الإنسان: أيهما أهم من المنظور الإنساني والآثاري!














المزيد.....

الآثار أم الإنسان: أيهما أهم من المنظور الإنساني والآثاري!


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 7331 - 2022 / 8 / 5 - 18:18
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


طوال سنوات، وبسبب اهتمامي بالآثار والتاريخ القديم، كنتُ أجد أن الآثار واللقى والمباني التاريخية طويلة العمر أهم من الإنسان الفاني وأهم من مصالحه الراهنة. ففي النهاية، هذه الآثار حصيلة ما تركه البشر، وهي أبقى منهم على مستوى الأفراد. لذات السبب، كنت احترق ألما، وأذرف الدموع لتدمير الآثار في العراق وسوريا على يد الجماعات الإسلامية المتطرفة. لقد كان ذلك إعتداءً على الإنسان وما يتجاوز الإنسان: ذاكرته الخالدة ووجوده الجماعي.

لذات الأسباب، كنتُ أواجه نفسي أمام تناقضٍ أقع فيه: حزني على المدن التي تضم آثارًا مهمة مثل نينوى وحلب وغيرها، وقلة اكتراثي بما يجري في بلدة صغيرة لا تاريخ لها، أو منطقة لا تضم معالم بارزة. كشخص يؤمن بالإنسانية Liberal Humanism، كنتُ أقف أمام تناقض تأليه الإنسان ومركزيته، وبين عدم الاكتراث به أمام الذاكرة، أو الجمادات التي تحمل ذاكرة الإنسان.

ذات مرّة، في تلك الفترة العصيبة، سألني الصديق المقرب، الذي أدعوه أنكيدو: لو كان هناك إرهابي يمسك بإنسان وقطعة أثرية، وخيّرك بين إنقاذ أحدهما فقط، ماذا ستختار؟ قلتُ: سوف أحاول إنقاذ الإثنين، لأن هذا المجرم هو من يدمر الإثنين. ربما يجب التخلص منه بدلاً من الاختيار. قال: لا يمكن، لديك خيارٌ واحد فقط: الإنسان أم القطعة الأثرية. قلتُ: "لن أجيب على سؤالٍ افتراضي غير واقعي". لقد كانت تلك الإجابة هروب من مواجهتي لتناقضي مع مبدئي الإنساني، لأنني كنتُ سأفضل القطعة الأثرية التي تحمل ذاكرة حقبة كاملة على فردٍ عادي، ومجرد نسخة من الكثير من البشر.

في ذات الوقت، كان صديقي المهندس المعماري، الذي يشاطرني عشقه للآثار، أكثر ثقة وجرأة في التعبير عن تفضيله للآثار على الإنسان، وقد أخبرني قبل فترة أنه واجه ذات السؤال من صديقٍ له، ولكن بصيغة أخرى. فقد سأله صديقه قائلا: لو كنتُ أسيرًا بيد مجموعة مسلحة وتركت لك الخيار بين قتلي أو تدمير قطعة أثرية، ما الذي ستختاره؟ أجاب صديقي: يعتمد ذلك على طبيعة القطعة الأثرية، لو كانت مجرد قطعة مكررة، كسرة فخار، أو لوح طيني مكرر، سأختار إنقاذك، أما إذا كانت قطعة فنية ضخمة وفريدة من نوعها، كثور مجنح أو فازة مميّزة، فسوف أضطر للتضحية بك، بكل أسف. في النهاية، كان صديقي أكثر جرأة في التعبير عن موقفه، وكلانا اعتمد على التضحية بما هو متكرر وممل، قطعة أثرية أو إنسان، والتركيز على الفريد والمميز. وهذا بحد ذاته سقوط لمبدأ تقديس الإنسان، لا يمكن أن أكون إنسانيا وأفكر للحظة في عدم إنقاذ الإنسان.

مؤخرًا، شارك معي الصديق المعماري تغيّر رؤاه بعد تجربة غريبة له في آخر زيارةٍ له إلى بغداد. هناك، وقف فوق سطح خان مرجان، الذي يعود تاريخه إلى منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، وإذا به يسمع أصوات تكسّر للطابوق. فكر فجأة في أنه سيتسبب في إنهيار سقف مبنى تاريخي وأنه لن يغفر لنفسه، لكنه بعد لحظات قال: ليذهب المبنى إلى الجحيم، ربما أسقط وأموت! من أهم: أنا أم المبنى؟. في لحظة الصدق تلك، وجد صديقي أنه يرى أن حياته أهم، وسارع في النزول من أجل إنقاذ نفسه، أكثر من خوفه من التسبب في تداعي السقف.

لستُ أدري إن كانت الأنانية وحب الذات قد قادته لتغيّر فكرته، وهل هو تغيّر آني، وسيعود لتفضيل الأثر على الإنسان، أم أنها تجربة حية ستخلق تغيرًا دائما في المفاهيم والأحكام. في النهاية، المركزية الإنسانية نابعة من أنانية جماعية للمجموعة التي نمثلها، وهي إنعكاس لأنانية الأفراد في طبيعة الأمر. المفارقة أنني، وصديقي، نتفق اليوم على أن الإنسان مهم، كما الآثار، وقد نختار إنقاذه أولاً، مع حرصنا الدائم على حماية الإثنين. هل هو تحوّل نحو الواقعية أم تعاظم النزعة الإنسانية لدينا؟ لستُ أدري.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تبدل اللغات والهويات عبر الأزمنة: الهويات المنقرضة والهوية ا ...
- ما الذي تخبرنا عنه أسماء الشعوب: ذاتية أم مصطنعة!
- اختزال التاريخ: خطأ تقييم خيارات الماضي وفق معطيات اليوم
- منظور تطوري لتفسير الأخلاق: ردود على النظرة الدينية للأخلاق
- جدلية الإجهاض في عالم التطرف والاستقطاب
- إثبات الذات وسط دوامة من ردود الأفعال - قراءة في مسلسل لعبة ...
- صراع البحث عن التعاطف
- أسود وحملان: الحرب على الإرهاب تحت المجهر الأميركي
- العلوم أيضًا في مرمى الأحكام المسبقة والتحامل
- فيلم ابن علي بابا: رؤية استشراقية لبغداد فارسية!
- أيام سيئة في البصرة: كتاب يبرر فشل مهمة سلطة الإئتلاف في جنو ...
- هارا أوتيل: رواية بريطانية عن أزمة اللاجئين السوريين في اليو ...
- في يومها العالمي: لم أعد أكره العربية
- بلاد فارس في مطلع القرن العشرين بعيون زوجة طبيب إنجليزي
- الموصل في مطلع القرن العشرين بعيون زوجة طبيب إنجليزي
- مسلسل ماركو بولو - إطلالة مثيرة على عالم المغول في القرون ال ...
- تمجيد القوة واحتقار الشفقة – تتمة في قراءة كتاب -هكذا تكلم ز ...
- أرض الأرواح: رؤى قبيلة كوز عن الخليقة والطوفان والموت والحيا ...
- مسلسل فرويد - دراما ورعب وتشويق، كل شيء عدا التاريخ
- فيلم -بطاقات القتل البريدية-: الهوس بالفن والحب الممنوع والج ...


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كلكامش نبيل - الآثار أم الإنسان: أيهما أهم من المنظور الإنساني والآثاري!