أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال جمال بك - وجه الخير – مقتطفات من أصابع النهر














المزيد.....

وجه الخير – مقتطفات من أصابع النهر


كمال جمال بك
شاعر وإعلامي

(Kamal Gamal Beg)


الحوار المتمدن-العدد: 7288 - 2022 / 6 / 23 - 21:00
المحور: الادب والفن
    


"لا آكلُ إلا من شلف يدي" قالت عرّافته، ومدّت يدها إليه، ابسط يدك. ما أنا بباسط يدي، وابتسما. لمحت عيناه بين سنابل أصابعها ثغراً مفتوحا لحبّة قمح في تلّة الإبهام. وهوّنته – كعادتها - " زغيرة"، وبسّطته بأثر حساسيةٍ خفيفةٍ لزوم عملها. انشرحت ملامح وجهه فرحاً. مدّ حبل ذراعه الملفوف على الرقبة، وأفرد عقدة كفّه اليسرى برفق.. وعلى بساط يديها انقبضت أنفاسه خوفاً ورهبةً بعد شهقتها: " يا للخطوط المتشابكة". وانكمشت كما لو أنها كبكوبةُ صوف لعبت بها قطط الحارة. ومثل دكتوره لارش قالت له: لا عليك سننسل الخيوط، ونعيد منسوجها ثيابا ملوّنة. وعلى دولاب نولها قرأت كفه وحفظت طالعه كراحة يدها، وقرأ عينيها و عرف من أناملها ما تتكهن به التعرجات من صفات و مستقبل طيّ الغيب.
**** ****
على صفحات دفتر أسمر قديم نقش الفتى حسابات الأبراج العربية بالأحرف التي تقابلها الأرقام. علَّمه زوج خالته أبو فاضل ذلك، وبَذلَ الكتب الصفراء غير المتداولة عند عموم الناس بين يديه ك"دليل الحيران في طالع الإنسان" وسواه. وساعده الفتى في تسطير الحُجب وكتابة الآيات ورسم الطلاسم اتقاء للشر وعلى نيّة الخير.
وفي صفحات ثانية ألحقها بمختصرات عن قراءة الكف. تلاها بظواهر ما وراء علم النفس الباراسايكلوجيا، أو ما فوق الإدراك الحسي من تخاطر واستبصار وتحريك عقلي.
في طفولته أيضاً استدل على ثلاثة ألعاب بالكفين وأصابعها، على خط الحياة معرفة الأشهر الميلادية إن كانت 31 يوميا فهي على عظمة السلاميات. وما دون ذلك في الفجوة بين أصبعين، وعلى خط العقل أو الرأس أو الحكمة إيجاد حاصل جدول الضرب من 6 إلى 9 بأن يبدأ العد من البنصر بالستة فيظهر مثلا حاصل 9 ضرب 9 اصبعين مستيقظين حاصل ضربهما 1 ، و جمع الأصابع النائمة في الكفين 8 فالنتيجة 81. وعلى خط القدر الرقم نفسه معكوس وملتبس في الكف اليمنى، ولم يدخلهما في خطوط المصير ولا الزواج ولا الأطفال ولا الصحة، بل راح يقلبهما بين لهو غيبي وبين منطق صوري، جَمْعهما 99 للأسماء الحسنى، وحاصل الطرح 63 عمر النبي محمد. والرقمان متداخلان بين خطي الحياة والقلب وغير صافيين مع تشكيل أرقام أخرى، 1812 ، 812، 188، 188
**** ****
ثيابُكَ حلوة أيُّها الغريب. ثيابُكِ أَيَّتها العرَّافة. والعروق لها بروق عَلِقَتْ في أسلاكِ ظروفٍ خاطئة، فجاءت على غير ما تريده خياراتها.
مبكّراً جدا تراكم السحاب بائعاً فراتيّاً جوّالاً، بسَطْل معدنيّ فيهِ ذرةٌ صفراء مسلوقةٌ مع كيسِ ملح، أو بازلاء، أو حُمّص حَبّ، أو بزر بطّيخ مسلوق ومحمّص، ومكيالُه كاسةٌ صغيرةٌ أَو نصفُ ورقةٍ ملفوفةٍ بشكلٍ مخروطي لها اسم محبَّب البُوري. ودّع البائع الجوَّالُ الأَخيرُ في تموز وآب، والإسفلتُ يغلي، وغُبارُ العجاجِ يرمّدُ العيون. استأجر من معملِ البوظة برَّاداً صغيراً يكادُ أَنْ يلامسَ قدميّه لولا أن شدّ قشاطه مرتين. إلا أنَّ أبيه الذي يصرُّ على عدم الانشغال عن الدراسة، رآه قبالةَ مكتبهِ فرماه بالخرَّازةِ وكسرَ برَّاد البوظة. وفي لمعان العمل الجماعي بدأ سرّاً مع فتيان حارته ليلياً إلى سوق الهالِ لتنزيلِ الخضرةِ وتحميل الصناديق، أو إلى بنايات جديدة لتحميل الرمل والإسمنت والبلاط وغيرها. وفي البدائل عمل بعد دوامه المدرسيّ في مطعمٍ للفلافل. وصيفاً في معملٍ للمشروباتِ الغازيَّةِ الكازوز. و مع بدء دراسته في القوس الدمشقي، سكن في بيتِ مخالفاتِ قبالةَ مشروع دمّر أَوّل تأسيسِهِ، وله بطاقتان جامعية، ومعاون معلّم بلاط وبورسلان. عاد لسنة إلى البوكمال وطلب ساعات تدريس معلّمَاً وكيلاً في ابتدائية قريةِ المراشدة. وبعد تخرجه الجامعي التحق في عمل وظيفي في إذاعة دمشق مدة 23 سنة.
**** ****
على مغزلها ظلَّت حبَّابته زهرة تفتل جدائل الصوف، وعلى ركبتيها النحيلتين استرخت رؤوس الأبناء والأحفاد، أطفالاً وشباباً ونساء ورجالاً، ولكلّ هدهدته في قماط الأغاني. ستَّ عشرة ثمرة حملت شجرتها. تساقط منها مبكّرا عشر حباّت لأسباب مجهولة أو مرضية كحمّى الإنفلونزا القاتلة يومذاك. حبابته التي بكرها أمه، وأمه التي نجت - كما ساد الاعتقاد – باسمها المريميّ، وبأمهاتها بالرضاعة، جده كان يقرأ سورة مريم حين ولدت. وحبابته الثانية الكردية سلطانة حملتها ودارت بها البيوت لتعيش. فحظيت بحليب أربعة من النساء الكرديّات، قبل أن تعود لترضع من أمها. و من أمها تدرُّ الأَغاني أيضاً، بأصابعها كبرت "كل شبر بنذر" ومع أصابع مشط العظم المربع ينسدل بين شعرها تهدل الزهرة:

" ريام ملّا ريام
گانوص ما صادها
ريام ملّلا ريام
لوحات عشب الربيع
هالداستو مريم
ريام ملّلا ريام
ما ياخذك غيري
وآنا أجرع الميّة"
**** ****
أصابعه أقلام رصاص في المشفى، وحقل عمله أوراق بيضاء أو بطاقات الطعام، أو قطع المحارم، أو الدفاتر التي زوده بها من غرفة الممرضين، بعدما أضجرهم جيئة وذهابا لبري الأقلام وطلب الأوراق. وفي استراحة من نزيف حمم الكتابة المستمر وآلام انصهاره في بوتقة المتوهَّم والمتخيَّل وشبه المتذَّكر، مع ربع تيار متقطّع للوعي والإدراك والإحساس واضطراب توازن "هرمون السَّعادة الدوبَّامين" نقصاناً أو زيادة، وفقدان التركيز وقلّة النوم وفرط النشاط وانعدام تقدير المسافات بين الأنا والهو بالتعبيري الفرويدي. و إذا أَقرَّ سارتر بأنَّ " الآخر هو الجحيم" فالغريب خَبرَ مع الفيلسوف لودفيج كلاجيز بأنَّ " الجحيم هو الأنا".
إلى باحة التدخين أوصلته الممرضة إيلينور. وذكَّرته بإيلينور في قصيدة الغراب لإدغار آلان بو ولازمتها: " ما مضى لن يعود". كوّرت راحتيها كفوهة تنّور طيني. أشعلت سيجارته بولاعتها. قالت له: Snö / ثلج. قال لها بالإشارة وبكلمة سويدية Värma و أخرى إنجليزية Stars: انظري إلى حبّات الثلج مع الضوء الدافئ إنَّها نجوم، نجومُ " الأمير الصغير" لإيكسبوري. ضحكا بعد إطفاء عقبي سيجارتيهما، وعادا كصديقين إلى أروقة المشفى.
**** ****
*من كيسه في المشفى .. مقتطفات من نص بعنوان وجه الخير



#كمال_جمال_بك (هاشتاغ)       Kamal_Gamal_Beg#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجه الخير- أصابع النهر
- صفصاف الربوة
- اليوم السادس
- وجه الخير مقتطفات ثالثة
- وجه الخير مقتطفات ثانية
- وجه الخير
- من ثمار سلال الحب
- ناجون أم ضحايا؟
- مختارات من لاجئ في المشفى
- ما العمل؟ من العمّال؟
- تغريبتان فلسطينية وسورية بدور عبد الكريم
- لاجئ في المشفى
- ماري
- في التدوين الخامس للعمر
- المنفى في جمع تكسير الأَصابع للشاعر حكمت شافي الأَسعد
- مورق يا حُبُّ في كلّ الفصول
- الحبُّ -يمشي كنهر دونما ضفاف- للشاعر عمر شبانة
- العطش والحرية في رواية - لا ماء يرويها - لنجاة عبد الصمد


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال جمال بك - وجه الخير – مقتطفات من أصابع النهر