أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال جمال بك - وجه الخير














المزيد.....

وجه الخير


كمال جمال بك
شاعر وإعلامي

(Kamal Gamal Beg)


الحوار المتمدن-العدد: 7260 - 2022 / 5 / 26 - 10:03
المحور: الادب والفن
    


في ربع دقيقة أو أقل من عام 2013، رأى وجهه اللاجئ منتفخاً في المرآة الجانبية لباص بلدة سويدية صغيرة. حاول اللحاق به غير أن حشرجات أنفاسه خذلته. وفي ما تبقَّى من ملامح، استطال، وتماوج، ثم تضاءل حتى اختفى.
****** ******
في البدء كانت الحبّاباتُ/ الجَدّات يُطوّفن نذورهن شموعاً على جسد الفرات، وفي أحضان حبابتيه زهرة وسلطانة نمت بعد منتصف السّتينات أشجار أغنياته، وعلى جذوعها تسلَّق مردّداً إيقاعهن. ومع طيبة وعذوبة زهرة التي ولد في بيتها، وتمسَّك بأذيال ثيابها، وعاش طفولته الأولى متدفئا عند تنورها، أشرقت تحت وجهه سنابله وأرغفتها:
" هلا بو هلا بو
يا الجاي من كتّابو
الدواية بإيدو
والحبر معبّي ثيابو"
****** ******
يا عينو عين كدري
وجبينو عرض شبري
يا ايدو بالقلم تبري
ويا نسلو نسل الأمَّار"
****** ******
للعملة وجهان وللحقيقة وجه. تفقد العملة قيمتها بوجه واحد، وتصير الحقيقة زائفة بوجهين. وعلى مفارق ستّ جهات الأرض، توزعت وجوه نرده فاختار من حظوظها ما وافق خطوط كفّيه مرات، ولم يستسلم لأهوائها مرات أخرى. كفّاه بعد منتصف العقد الخامس، ما زالت راحتاهما تسندان وجنتين ينبعث من تضاريسهما سناءٌ من وراء شجر. بعض الوجوه شمس وبعضها قمر، ولهما في كلّ حين غير معلوم كسوف وخسوف.
****** ******
بدرٌ غير أنه مكسور، ضمَّه إلى صدره، وخلافاً لعادة تكبير الأب في أذن المولود، همس له بمقطع لقصيدة عنه:
"في ليلة قمراء
سيولد من جسد الفرات فرات بهي
أغوتك الوردة فقطفتها
تلامس العالم بأصابعك كنحلة وزهرة
أصدقاؤك بأجنحة الشمع طاروا
ما ليس لك: الأرض وما عليها
ما ليس لك/ ما ليس لي
سأورثك الأرض بمن عليها
قبعة تخفي الشمس فيها
ونايا تشعل الليل به"
وجهه الطافح بالمحبّة نمّ عن تمايزه عن البشر المتلونين بالأقنعة. غير أن طفل الدّاون والحبّ والسعادة بعينيه البحريتين، كما لون وجهه أثناء ولادته في البوكمال، لم تفارقه الحمَّى. قال الطبيب الدمشقي برنار: إنه يحتاج إلى رعاية خاصة واهتمام وصبر ومتابعة من دون توجّس. فاجأه الجواب: " ولدي، وولدك الطبّي، أريده فقط من دون ألم، حتّى ولو كان وجهه كتلة عجين.
****** ******
أربع سنوات يسمع من القريب والغريب نصائح واستفزازات بل وشتائم من أبيه مخاطبا العائلة كي تصله: "هذا الحمار ما عاد يعرف يخلف ولد ثاني" وهو في كوكب آخر، يفيض على طفله الأول من مشاعر وتدريب ومستلزمات حياة كريمة، ويعتقد أن الظرف غير مناسب لقدوم مولود جديد، هذا الذي قرر المجيء رغما عن اللولب، وأصر على الاكتمال في الرحم رغما عن محاولة طبية لعدم حدوث ذلك. أما الهاجس المسيطر فتكرار ما حدث، وتكلفة أقرب فحص للسائل الأمنيوسي الكاشف عن مثل هذه الحالات في لبنان وهي كبيرة، ما اعتاد أن يأخذ قرضا طيلة حياته، ولم يعلق بالدّين أيضا، ولم يضعف في هذا الاختبار.
وعلى الإيكو تأمل التكوين والتكوير والنَّبض الخافق مع نبضاته، وتخيَّل لو أنَّ هناك جهازاً تستطيع اليد أن تمتدَّ داخله، لمَسَحَ رأس جنينه بأطراف أصابعه، ولأخبره بقرصة خفيفة على خده بأنَّه سيحمل اسم جدّه. مقاطعاً قال الطبيب: ثلاثة أشهر وأكثر عمره التقديري. لم ينتظر ربع ثانية لترتيب الكلمات في جمل، فالأمر المحسوم لا يحتاج إلا إلى إطلاقه: لا حاجة لأي تحليل، أيّاً تكن النتائج لا أقبل بالإجهاض .
****** ******
في تهدّل الليل السويدي استرختْ ثياب هذياناته، واسترسلتْ في رواق المشفى النفسي والعقلي الطويل. ارتجفت قبضته كمدمن وهي تدق نافذة الممرضين، متوسلاً قرص دواء إضافي بعدما نفدت حصته، وخاب مفعولها للنوم. في ومضة غامضة ذهل عن الممرضة وهي تُرقّص سبّابتها كبندول الساعة، وشغل بوجهه الذي غاب حتى في المرايا، وراح يتلمَّسه على الزجاج.
****** ******
في المرَّة الأولى نشر صوراً على صفحته الفيسبوكية، فقالوا له: التصوير ممنوع في المشفى. جادلهم بأنه لا إعلانات عن ذلك. وبعد خمس دقائق امتلأت الجدران بصور موبايل عليها إشارة ضرب بالأحمر. في المرة التالية ذكّرته الممرضة. هز رأسه موافقاً. وفي غرفته دوَّن في كتابه "لاجئ في المشفى":
"أنا ملتزم بالقوانين الأوروبية
لم أصوّر أحداً
رسمتهم بالكلمات
وبها سأحتفظ بصورهم"
جان، توركان، يوهان، إلفا، متّى، لارش، كريستينا، ليلى، بيوار، لكل وجه حكايات.
****** ******
عبر السكايب جلس شارداً، وفي الطرف الآخر أكد الطبيب السوري جمال المقيم في ألمانيا أن تشخيص حالته واضحة من خلال الوجه الشمعي. لاحقاً حين تتوازن معه ناقلات هرمون الدوبّامين بعصا دواء الليثيوم، وتستقر عتبتا الهستريا والاكتئاب، يرسم وجوه من عبر بهم بالشمع ليتبين المعنى بعد أن فقده 2012 في ممر أمنيّ دمشقي شُوهت فيه كلُّ الوجوه.
****** ******
على رقعة شطرنج، تُفتح كضفتي نهر وتُغلق كصندوق الحبَّابات/ الجدَّات، أنسن الأحجار بمن مرُّوا به، وفي كلّ لعبة استغرق تفاصيلها تتغير الوجوه والأسماء والأماكن والأوقات، وتبقى النتيجة مُلتبسةً فيها. كلُّ الوجوه والأسماء تُختصرُ في مَنْ تُحب، وحُسنُ الأماكن والأوقات حيث ترتاح النَّفس وتطمئن وتأمن.
****** ******

* من كيسه في المشفى.. مقتطفات من نص كتابي بعنوان "وجه الخير"



#كمال_جمال_بك (هاشتاغ)       Kamal_Gamal_Beg#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ثمار سلال الحب
- ناجون أم ضحايا؟
- مختارات من لاجئ في المشفى
- ما العمل؟ من العمّال؟
- تغريبتان فلسطينية وسورية بدور عبد الكريم
- لاجئ في المشفى
- ماري
- في التدوين الخامس للعمر
- المنفى في جمع تكسير الأَصابع للشاعر حكمت شافي الأَسعد
- مورق يا حُبُّ في كلّ الفصول
- الحبُّ -يمشي كنهر دونما ضفاف- للشاعر عمر شبانة
- العطش والحرية في رواية - لا ماء يرويها - لنجاة عبد الصمد


المزيد.....




- في سابقة تاريخية.. CNN تعرض مسرحية لجورج كلوني في بث مباشر م ...
- “مفيش زن وعياط من تاني” اضبط فورا تردد قناة طيور الجنة 2025 ...
- بيبر يكشف حقيقة تعرضه لاعتداء جنسي من طرف ديدي حين كان مراهق ...
- ضباط القوات المسلحة الإندونيسية سيتعلمون اللغة الروسية
- -10 قصص عن الحب والموت-.. مسلسل تلفزيوني عن أحداث دونباس
- بعد غياب 3 سنوات.. توم كروز يعود إلى مهرجان كان بفيلم -المهم ...
- مهرجان كان السينمائي في دورته الـ78: خمسة أفلام عربية تنافس ...
- فاز بجائزة -بوليتزر- الأميركية .. مصعب أبو توهة: نحلم بالعود ...
- نواف سلام بمعرض بيروت الدولي للكتاب: مستقبل الأوطان يُبنى با ...
- -باريس السوداء-.. عندما كانت مدينة الأنوار منارة للفنانين وا ...


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال جمال بك - وجه الخير