أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - المسافة بين القرية والمدينة … ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

المسافة بين القرية والمدينة … ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 7287 - 2022 / 6 / 22 - 14:26
المحور: الادب والفن
    


سوزان .. فتاة جميلة في العشرين من عمرها .. ملامحها دقيقة ، وبشرتها صافية تميل قليلاً الى الشحوب المحبب ، اكثر ما كان يثير الاهتمام في شخصيتها - المنديل - الذي كانت تربط به عنقها ، والذي أصبح جزءً مهماً منها ، ويزيدها إثارةً وغموضاً .
ربما تغطي به شيئا لا تريد أن يراه أحد .. يقولون آثار نُدبة .. كأنها آثار سكين .. عندما أراد أبوها نحرها لانها أحبت شاباً من قريتها ، وكانت تلتقيه في السر .. لكن الناس لحقوه ، وحالوا بينهما ، واوقفوا الذبح ، وبقي أثر السكين شاهداً على ذلك الحب .. وبعدها فرّت الفتاة من قريتها ، وغيرت اسمها ، واختفت في أحشاء المدينة الواسعة ، وزحام الحياة فيها .. حتى انتهى بها المطاف في حيّنا .
ثم تنقلت بين بيوت كبار الموظفين تعمل كخادمة .. فأخذت منهم مظاهر المدنية الحديثة ، والذوق النسائي الرفيع .. واستطاعت بذكائها أن تلم بالقراءة والكتابة التي دعّمت شخصيتها ، وساعدتها بعد ذلك على قراءة المجلات ، والاطلاع على آخر صيحات الازياء وتسريحات الشعر .. واشياء اخرى طبعت شخصيتها بالجرأة والتحدي ، فتكونت شخصيتها المدينية المتحررة كثمرة في غير موسمها .. ورغم ذلك ظلت في نظر الناس مجرد خدامة بدون زيادة أو نقصان !
وكانت اول فتاة تخرج على تقاليد مجتمعنا المحافظ المغلق ، وتقتحمه بمنتهى الجرأة .. إذ كانت تسير سافرة بدون عباءة ، وشعرها يتطاير في الهواء .. وقوامها الممشوق يتثنى بخفة كغصن الورد ، وعيون الرجال المتحفزة تجري خلفها .. حتى قال البعض عنها انها شيوعية ، وقال البعض الآخر انها مسيحية !
انها الحسناء سوزان .. حتى اسمها كان يثير لغطا .. ولا ندري اذا كان هذا اسمها الحقيقي ، أم هو مجرد اسم مستعار تخفي وراءه شخصيتها الحقيقية .. لكن البعض يجزم بأن اسمها الحقيقي هو نعيمة ، وبعضهم قال سعدية .. !
قالوا أن الزواج .. ستر ، واستكمال لشخصية الفتاة ، ولوضعها الاجتماعي ، فتزوجت سوزان أو نعيمة رجلاً مهاجراً من الريف .. كافح نفس كفاحها ، وأصبح يدير مطعما صغيراً ، ثم بدأت أحواله تتحسن ، ودخله يزيد ، وكان يمكن ان تكون سعيدة في زواجها لولا اصراره على أن تلبس العباءة والبوشية .. !
ورفضت .. كما لم ترفض في حياتها .. !
كان يمكن ان تتحمل أي شيء في الدنيا إلا أن تضع على وجهها البوشية ..
لكنه أصر ..
قالت دون أن تفقد هدوءها :
— تزوجتني وأنا هكذا .. ما الذي تغير ؟
قال في استسلام ، وهو يتنهد :
— لم أستطع .. لم استطع ..
انه كما يقول لا يحتمل أن يرى زوجته تسير في شوارع المدينة مكشوفة الوجه ، وفي ثوب يكشف عن ذراعيها وصدرها ، وتكون نهبا للعيون الجائعة .. !
وارضاءً له غطت ذراعيها وصدرها ولبست العباءة .. لكنه أصر على العباءة والبوشية معا .
قالت له بأنها سعيدة في العيش معه ، وتعرف كيف تحمي نفسها من الرجال ونياتهم ، وشرف المرأة لا يقاس بقطعة القماش الصغيرة على وجهها ، وقالت له أيضا انها تعرف الكثيرات لا يحفظن غيبة أزواجهن .. ولهن مغامرات كثيرة ، يتسترن بالبوشية ، ويفعلن الافاعيل من وراء ظهورهم !
لكنه لم يقتنع ، وبقي مصراً على رأيه .. !
كانت كأنها تقول للماء أن لا يتبلل ، والى الجمر أن لا يلسع .. شعرت انها أمام جدار سميك جداً من الغربة يفصلها عن هذا الرجل .. وهذا المجتمع .. !
حتى فاض بها الكيل .. فوقفت أمامه ، وقد قطّبت جبينها كأنها تجمع كل عنادها ، وكل قوتها بين عينيها ، وقالت له في صوت متحفز ليس فيه ضعف ، ولا بكاء ولا استجداء :
— تريد تحبسني في قمقم ؟ لن أضع البوشية على وجهي ، وأعلى ما في خيلك اركبه !
ارتفعت نظرة دهشة في عينيه كأنه فوجئ .. وقفز واقفاً كأنما لسعته نار ، ثم رفع كفه وصفعها .. وامتلأ البيت صراخاً ، ونشب بينهما شجار عنيف .. هددها وتوعدها ، فهربت من البيت ، وبقيت اسابيع عند بيت مخدومها حتى توسط البعض بينهما وعادت اليه ، فتحولت حياتهم بعد ذلك الى شجار مستمر لا يُحتمل .
وكانت نعيمة تجد في الاسطى حسن سائق سيارة بيت مخدومها .. قلبا حنونا طيبا ، فأخذت تشكوه همها ومعاناتها .. وحسن هذا شاب اسمر أنيق حلو التقاطيع فارع الطول .
وآساها الاسطى حسن ، وطبطب على ظهرها ، فوجدت نفسها تنساق في الاستماع اليه والى نصائحه ، وسرعان ما تحولت مواساته الى حنان دافق ، ثم انقلب الحنان الى حب متبادل .
وفي يوم .. وفي فترة ما بعد الغداء .. فترة الخمول والكسل ، وكان كل من في البيت نيام ، والجو حار خانق ، والانفاس ساخنة .. والاجساد ملتهبة منتفضة ، وجدت نفسها تذهب معه الى غرفته منقادة كأنها جاريته .. تحس بشيء في داخلها يرتعش ، ويشدها اليه ، ثم أصبح الحب خطيئة ..
وعادت الى بيتها ، وهي لا تدري كيف تواجه زوجها ، وبصمات اصابع رجل آخر لا تزال ساخنة فوق جسدها !
والغريب انها وجدت نفسها تقابله بابتسامة عريضة ، وتتحمل صراخه صامتة ، وتنحني لتخلع حذاءه ، وتهتم بعشائه كما لم تهتم به من قبل ، وتبالغ في حنانها ودلالها أكثر مما تعودت ، واعطته في تلك الليلة من نفسها ما شاء .. حتى امتلأ .. وارتوى !
ونام الزوج المسكين تلك الليلة سعيداً كالعصفور ..
وفي الصباح .. فتح عينيه ليرى زوجته أمامه ، وعلى وجهها البوشية ، وعلى جسدها العباءة .. فغر فاه دهشة ، وقال وبين شفتيه إبتسامة عتاب طيبة :
— مو كان من الأول أحسن ، يا نعيمة ؟!
كان يصر على تسميتها بأسمها الحقيقي ..
قالت في صيغة أكثر تواضعاً كأنها تريد أن تكفّر عن شيء ما يحز في نفسها :
— سماح .. تُبت وعقلتْ .. والله غفور رحيم ..
اتسعت ابتسامة الزوج حتى آخرها .. وارتسمت في عينيه فرحة كفرحة الاطفال ليلة العيد !
ثم رفع اليها عينين سعيدتين وقال :
— سماح هذه المرة .. نسأل الله أن يصلح الحال ..
استيقظت في صباح اليوم التالي ، وذهبت الى بيت مخدومها .. تكاد خطواتها أن تكون رقصاً .. بعد أن بذلت مجهودا اكبر في اختيار أحب فساتينها وأجملهن ، ودخلت الى غرفة الاسطى حسن ، وعطرها يسبقها .. وابتسامة واسعة معلقة على شفتيها ، وكل شئ فيها يهتز فرحاً ، ثم نزعت البوشية والعباءة ، والقت بهما على الأريكة ، وارتمت في غياهب أحضانه !
ولم تمر سوى أسابيع قليلة حتى استيقظ الناس على خبر اختفاء نعيمة ، أو سوزان .. الى الابد !
وعادت الى الطريق من حيث أتت .. !
كانت كأنها حلماً عابر .. مرَّ بمنام .. وطلع عليه فجر الحقيقة .. فتوارى .. !!

( تمت )



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مثلما تُكيلون يُكال لكم … ! ( قصة قصيرة )
- التنور … ! ( قصة قصيرة )
- العين الحمرة … ! ( قصة قصيرة )
- خيوط العنكبوت … ! ( قصة قصيرة )
- حيرة زوجة … ! ( قصة قصيرة )
- لم كل هذه الدموع … ؟! ( قصة قصيرة )
- زوجة .. مع وقف التنفيذ ! ( قصة قصيرة )
- أيامٌ مرَّت وراحت … ! ( قصة قصيرة )
- وكانت أيام … ! ( قصة قصيرة )
- من شابه أباه فما ظلم .. ! ( قصة قصيرة )
- الولد سر أبيه .. ! ( قصة قصيرة )
- الأفعى … ! ( قصة قصيرة )
- زوج .. أبو عين زايغة ! ( قصة قصيرة )
- وداوها بالتي كانت هي الداءُ … ! ( قصة قصيرة )
- في البدء كانت الخيانة … ! ( قصة قصيرة )
- جحلو … ! ( قصة قصيرة )
- العقاب من جنس العمل … ! ( قصة قصيرة )
- فقراء يائسون … ! ( قصة قصيرة )
- الزواج فوبيا … ! (قصة قصيرة )
- رباب … ! (قصة قصيرة )


المزيد.....




- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...
- في مهرجان بردية السينمائي.. تقدير من الفنانين للدعم الروسي ل ...
- أوبرا زرقاء اليمامة.. -الأولى- سعوديا و-الأكبر- باللغة العرب ...
- ابنة رئيس جمهورية الشيشان توجه رسالة -بالليزر- إلى المجتمع ا ...
- موسيقى الراب في إيران: -قد تتحول إلى هدف في اللحظة التي تتجا ...
- فتاة بيلاروسية تتعرض للضرب في وارسو لتحدثها باللغة الروسية ( ...
- الموسم الخامس من المؤسس عثمان الحلقة 158 قصة عشق  وقناة الفج ...
- يونيفرسال ميوزيك تعيد محتواها الموسيقي إلى منصة تيك توك


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - المسافة بين القرية والمدينة … ! ( قصة قصيرة )