أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - أبو الحسن سلام - طلاب البحث العلمي-وتدريبهم















المزيد.....



طلاب البحث العلمي-وتدريبهم


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 7255 - 2022 / 5 / 21 - 20:12
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


طلاب البحث المسرحي في مرحلة الدكتوراه
المعارضة المسرحية
في إخراج نص عبثي بمنهج تغريبي
د. أبو الحسن سلام

مقدمة البحث : في مرحلة تدريس مقرر اتجاهات الإخراج لطلاب مرحلة الدكتوراه ، وهي المرحلة التمهيدية التي تسبق مرحلة إختيار الطالب لموضوع لبحثه ، اطرح علي طلابي موضوعا أو قضية إشكالية يكون عليه بحثها ، علي أساس قيامي بكتابة المدخل المقترح للإشكاليةالبحث ، وقد وضعته كالآتي :
درج الفهم النظري في إخراج نص مسرحي ما أن يتبع المخرج الأسلوب الفني النص نفسه ، غير أن ذلك في كل حالات التطبيق لا يتحقق بدقة - حتي في عمل القائلين بهذا - إذ نجد عند كل من المخرج سعد أردش والمخرج أحمد زكي خلطا في الأساليب يغاير تنظيراتهم حول ضرورة تطابق أسلوب إخراج عرض مسرحي لأسلوب النص مناط إخراج كل منهما . ، فالإضاءة الملونة والبؤرة الضوئية إيهاميه الأثر في عرض ماهجوني الملحمي من إخراجه علي الرغم من علمه بأن التغريب الملحمي يقتضي إحلال الدهشة محل الإيهام وهو ما يفرض الإضاءة البيضاء غير الملون وغير المركزة في الصورة المسرحية .
علي أن كثيرا ما يتصادف وجود مقاربة ما بين عناصر اشتغال نص مسرحي عبثي مع عناصر اشتغال نص تغريبي ملحمي من حيث الشكل ؛ ومن ذلك ما بين المسرح الملحمي ممثلا في المسرحية الملحمية التعليمية ( شمس النهار) لتوفيق الحكيم والمسرح العبثي ممثلا في مسرحية ( في انتظار جودو ) بين المألوف وغير المألوف، فالملحمة تحض علي مراجعة المألوف والعادة بالوقوف المندهش من استمرار فعلها السلبي في المجتمع ، ومن ثم الحض علي تغيير عادات المجتمع المعوقة للتقدم.
ولأن هناك مقاربة شكلية بين توصيفه مفهوم المألوف ومفهوم العادة عند المسرحين الملحمي والعبثي مع اختلاف الهدف من توظيفهما عند كل منهما اذ ترفضها الملحمية ولا تتخذ العبثية منها موقفا.
يقول أ.د. أبو الحسن سلام فى مقاله على موقع الفيسبوك جماليات المسرح : " علي أن ما قصدته من طرح مقترح علي طلاب الدكتوراه - وهو مناط مداخلتكم - فهي محاولة لتنشيط خيال الطلاب وفاعليات التفكير علي طريق التجريب ، وهو طرح لا يبدأ من خواء ولكنه ارتكز علي نقطة مشتركة بين فكرة العبث في تص بيكيت و المسرحية الملحمية فالانتظار السلبي التوكيل المغيب أمر مألوف عند شخصيتي بيكيت. لكن الانتظار السلبي غير مألوف عند الملحمية التغريبية فهناك وحدة موضوع مع تضاد في طريقة التعامل معه".
ويضيف :" وبريخت وضع مشروع إنتاج نص في انتظار جودو بمنهج إخراج تغريبي ملحمي اعتمادا الي ترك فلاديميير واستراجون مكافئات بالانتظار فعودا وفي خلفية فضاء العرض شاشة تسقط عليها شرائح فيلمية لعمارات تشيد ومصانع تهدر وجامعات ومدارس وطلاب ومزارع وفلاحين ومصانع وعمال حركة دائبة تحقق بنفسها ما يحقق لها ما تريد بينما يكتفي صعلوكا بيكيت بالجلوس الأبله في انتظار جودو الغائب الواعد بالمجئ دون حضور وبذلك جعلنا نراهما غريبين عن عالمنا .
وهنا يأتي دور الطالب . وهذا نموذج لكتابة أحد الطلاب .
إذا من الممكن إخراج نص عبثي بمنجز إخراج ملحمي تغريبي وهذا ما أطلق اليه العرض المسرحي المعارض".
وللحديث والتعمق أكثر نطرح مقارنة بين المذهبين الملحمى والعبثى كما يلى :
المنهج الملحمى.
يقول الكاتب حسن مختار فى مقاله برتولد بريخت.. صاحب المنهج الملحمي : " استخدم الكاتب المسرحي الألماني برتولد بريخت، الذي تحل ذكرى وفاته اليوم الأربعاء، الشعر في كتاباته الدرامية، الممزوجة بالدراما الملحمية، حيث يعد أحد أهم كتاب المسرح العالمي في القرن العشرين، ويعتمد مذهبه في المسرح على فكرة المشاهد، الذي يعد العنصر الهام في تكوين العمل المسرحي، رغم دراسته للطب في ميونخ، إلا أن العمل المسرحي كان أحد أهم محطاته العملية، حصل على جائزة كلايست عن أولى مسرحياته في 1922".
وقال الكاتب المسرحي محمد أبو العلا السلاموني، عن بريخت: " إن تجربته مرحلة مهمة في تاريخ المسرح العالمي، دعا لمنهج جديد في الإبداع المسرحي بعد أرسطو، يسمى المنهج الملحمي، فكان له منهجهه الكلاسيكي المعروف، ومسرح المحاكاة في بداية المسرح الإغريقى، يقوم منهجه الملحمي على التغريب ومواجهة الواقع ومحاولة حل مشاكله في القضايا الاجتماعية والسياسية على شكل المسرح الملحي وتعليمي وشكل يؤدى إلى التغيير.
وبعد استيلاء هتلر على الحكم وممارسة القهر والاغتيالات ضد المعارضين، وحرق كتب الأدباء الذين لا ينتهجون نهجا نازيا، وطردهم من ألمانيا، كان بريخت من بين هؤلاء الأدباء الذين حُرقت أعمالهم الأدبية، حيث ظهر في مرحلة مهمة جدا في مواجهة القضايا بمسرحه ومواجهة الرأسمالية والنازية، ودعا إلى حب الطبقات العاملة والاشتراكية الإنسانية التي تحقق مبادئ العدالة الاجتماعية".
"الإنسان هو الإنسان" من أبرز أعمال بريخت المسرحية، وهي نقطة تحول جذري فيما ينتهى بعهد الدراما الأرسطية، وكتبت هذه المسرحية خلال عامي 1924 حتى 1926، وهي نهاية للعصر الأرسطي، الذي يعتمد على الدراما والحركة التصاعدية، ولكن يتميز بريخت بما يصنف بالحركة الأفقية، ويذكر دائما أن المسرح يقوم بدور المعلم، وكسر حاجز الايهام للمشاهد، ومشاركته في العمل المسرحي، ويرى أن البعد الرابع هو المكمل للعمل المسرحي إلا أن حركة الدراما على المسرح لا توصل الشخصيات إلى الاصطدام لظروفها، وإنما تجعل الشخصيات تواجه ظروفها بطريقتها وهذا ما يتبعه بريخت في أسلوبه في المسرح.
اتجه مخرجو المسرح المصري لإخراج العديد من أعمال بريخت المسرحية، وخاصة في فترة الستينات التي كان من بينها "دائرة الطباشير القوقازية" للمخرج سعد أردش، وكانت من الأعمال المجهدة فكانت تسودها الروح الجماعية في العمل، التي تراجعت في الوقت الحاضر وأصبحت أعمال بريخت لا تقدم على المسرح في الوقت الراهن.
ولا يعتمد مسرح بريخت على مشاهدا نائما، أو بغرض التسلية، فهذا المسرح ليس للترفيه وإنما للتفكير والفلسفة، وهناك اختلاف في تناول الشخصية بين "بريخت"، "تشيكوف"، فالشخصية عند تشيكوف تعتمد على العمق، وإنما عند بريخت فهي شخصية ملحمية وتعد جزءا من المجتمع.
ومع بداية الخمسينيات انتقل مسرح بریخت إلى الخشبة العربية في مصر ولبنان وتونس والمغرب والعراق وغيرها، لتتجلى تأثيرات هذا المسرح البريختي في كافة عناصر المسرح من كتابة وإخراج وتقنيات جمالية، ومازال بریخت يمارس حضوره في المسرح العالمي ومن ثم تنهض الأسئلة حول ما تبقى منه عربيًا، وتأثيراته على الخشبة العربية وحاضره اليوم ومستقبل منهجيته.
ويرى نقاد بريخت أن ما يميز منهجه أنه وبالرغم من سقوط الأيديولوجية الماركسية التي قام عليها، يظل منهجًا فكريًا وفنيًا صالحًا للتطبيق في كل زمان ومكان، وأهميته تتركز في أنه المنهج أو الأداء الوحيد في الدراما الذي يحقق وظيفة التنوير كما ينبغي أن يتحقق، وهو يسعى إلى العدل الاجتماعي في غيبة الايدولوجيا.
الناقد د. حسن عطية، أستاذ النقد المسرحى بأكاديمية الفنون، يقول : " بقي من بريخت الكثير وتأثيراته الأساسية على المسرح العربي ليست فقط من خلال التأثير المباشر، وإنما أيضًا تأثيره في الكتابة الدرامية لدى عدد كبير من الكتاب مثل سعد الله ونوس والفريد فرج ويسري الجندي وغيرهم، وبالنسبة لصياغة العرض المسرحي والتعبيرات التي طرحها بريخت مثل كسر الحائط الرابع والجدل مع الجماهير، وفهم المسرح كأداة تأثير تغييري وتنويري في المجتمع،، إن مسرح بريخت يعتبر أهم انقلاب مسرحي في جماليات العرض المسرحي في القرن العشرين، ولذلك سيبقى تأثيره مستمرة إلى زمن طويل قادم، طالما المسرح العالمي وليس العربي فقط في حاجة للتجديد".
وتقول أ.د. رانيا فتح الله فى مقالها على موقع الحوار المتمدن عن المقارنة بين المنهج الدرامى والملحمى : " مفهوم المسرح الملحمى عند بريخت : " إن أهم الفروق الجوهرية بين مقومات المسرح الدرامى والمسرح الملحمى التى وضع لها بريخيت جدولا خاص بها، ليبين ويحدد سمات كل منها ، يمكن ايجازها فى عدة نقاطكما يلى:
1- يقوم المسرح الدرامى على تجميد الأحداث ، وبناء بعضها على بعض ، وتشتمل هذه الآحداث على بداية ووسط ونهاية ، فى حين أن المسرح الملحمى يقوم على القص وسرد الآحداث ، فهو لا يهتم بأن تسير فى خط منتظم ، لانه لا يسعى الى ذروة يتبعها تطهير .
الى جانب أن المسرح الملحمى يرد الآحداث الى الماضى لتحوليها الى أحداث نتهت ، تسردها علينا لمسرحية " فهو يلزم بالتاريخ اذ يذكر جمهوره دائما بأن ما يقدم له ليس الا رواية لأحداث تمت فى الماضى " لكى يشعر المتفرج بأنه ما يراه ليس هو حاضره ، تمت فى الماضى لكى يشعر المتفرج بان ما يراه ليس هوه حاضره ، وبالتالى يبعده عن مجرى الواقع اليومى ، فيستطيع أن ينظر اليه كما لو كان شيئا غربيا ، فيفكر فيما يقدم له بهدوء وتعقل ليصل الى ما يهدف اليه من مسرحه ، وهو ايقاظ فكر وعقل المتفرج ، لاصدار الحكم على ما يراه أذ أن بريخت " ينشد أن يثير مسرحة عند المشاهد عملية نقد الحدث الذى يقدم على المسرح .
2- المسرح الدرامى يصور الانسان كما هو : كائن ثابت غير قابل للتغيير ، متجمد فى أبعاد ثابتة لا يستطيع أن يتخطاها ، بينما نجد الانسان فى المسرح الملحمى قابلا للتغير ، متحكما فى مصيره المتغير دائما " فالمسرحية الملحمية ترفض مبدأ الحتمية فى سلوك الشخصيات ، وتطور المواقف ، وترى فى سلوك الانسان موفقا اجتماعيا ينطوى على كل ما ينطوى عليه الموقف الاجتماعى من عناصر قابلة للتعديل أو التغيير ، لهذا يستعيض المسرح الملحمى عن دراسة الطبيعة البشرية بدراسة العلاقات الانسانية فى صورة قضية من الماضى تورى أمام لمشاهدين " كما فى مسرحيات مثل " دائرة الطباشير القوقازية " و " الاستثناء والقاعدة " محاكمة لوكولوس " فهذه المسرحيات تقوم على دراسة العلاقات الانسانية فى المجتمعات الانسانية وتحت ظروف مختلفة عن طريق رواية الحادثة أمام الجمهور على أنها وقعت فى الزمن الماضى لاناس آخرين .
3- ان البطل يحتل المكانه الأولى فى المسرحية الدرامية بخيت تنشغل جميع الشخصيات المسرحية وتتحرك جميعا من أجل هذا البطل .
كما يتضح فىشخصيات " أوديب ، أنتيجون " ، و " هاملت ، بل انت نجد أن الحوادث كلها تدور حول شخصية عظيمة نطغى على كل الشخصيات الاخرى فى المسرحية ، على عكس هذا نجد أن البطل فى المسرح الملحمى ليس له مكانه بارزة بصفته الفردية ، وانما هو رمز المصير الجماعى " فالانسان فى مسرحه لم يعد هو نقطة الاتكاز كشخص مستقل بذاته ، بل انه يشغل هذا المكان من خلال تعامله مع الواقع الموضوعى " وان كانت هناك مسرحيات لبريخت تشتمل على أسماء بعينها " كجاليليو " مثلا ، او مثلا ، أو" السيد بونتلا " أو " لوكوس " الان أن مصير هذه الشخصيات ليس هوه الاساس الذى يقوم عليه العمل المسرحى ، وانما يطرح السؤال هذا البطل مشكلة اجتماعية تعنى المجتمع ككل ومن ثم يفقد البطل الفردى مكانته فى مسرح بريخت .
4- اذا انتقلنا الى طبيعة المتفرج فى كل من المسرحين ، نجد أن المسرح الدرامى يسعى الى أن يدمج المتفرجين فى الاحداث ، ويجعلهم يتفاعلون معها ، ليثير فى عواطفهم مشاعر الخوف والشفقة فيطهرهم بذلك من الانفعالات الدفينة ليصل بهم الى ما رمى اليه اسطو ، وهو التطهير kaoapoco catharasis الذى لم يكن يقتصر فى الحقيقة على الماساة فقط ، وانما يغطى بعض الموافق الكوميدية كالمفارقات ، والمطبات التى يقع فيها الشخوص ".
أما المسرح الملحمى ، فيسعى الى عرض المشكلة على المتفرج دون أن يدمجه فيها بل يريد منه أن يحتفظ بشخصيته ووعية الكامل لما يدور أمامه ليتيح له فرصة التأمل والتفكير بشكل نقدى القضية المطروحة ذلك لأن بريخيت " يرى المتفرج فى مثل هذا الدرما التلقليدية يفقد القدرة على التفكير فيما يجرى أمامه ، ويسلنا القدرة على مواجهة المشاكل الأساسية وحلها بشكل فعال يقضى على أصل المشكلة المطروحة ، بعد أن تكون عواطفه قد تطهرت ، لهذا نجده يلجأ الى تغريب الحدث عن طرق السرد لآحداث وقعت فى الماضى ، وذلك لان فى المسرح الملحمى " يجب أن يدرك المشاهدون انهم لا يرون وقائع حقيقة تحدث امام أعينهم فى تلك اللحظة التى يرونها فيها ، بلى يجلسون فى قاعة مسرح يصغون أو يستمعون الى حكاية أمور حدثت فى الماضى فى مكان وزمان محددين ولابد من الجلوس فى حالة استرخاء لكى يفكروه فيما يمكن أن تعملهم أحداث الماضى من دروس " .
ولقد فرق بريخت فى كتاباته النظرية بين موقف المتفرج فى المسرح القديم وموقفه فى المسرح الجديد ، فيقول " عندما يتسأءل مشاهد المسرح الدراماتيكى معاناة البطل يقول " نعم لقد عانيت انا أيضا الشئ نفسه ، انثى على شاكلة البطل انه لشى طبيعى وسيكون كذلك دائما ، ان مصيبه هذا الانسان تهزنى ، لانه لا يملك مخرجا ، انه فى عظيم كل شئ هنا يبدو بديهيا ، اننى أبكى مع الباكين واضحك مع الضاحين "
وتضيف عن مشاهد المسرح الملحمى : " أما مشاهد المسرح الملحمى فيقول :
" لم يخطر هذا على بالى ، انه لتصرف خاطئ ، انه مدهش أقصى حد ، انه تقربيا مغاير للحقيقة ، يجب أن يوضع حد لكل هذا , ان مصيبة هذا البطل تهزنى ، لآنه يملك ، على أى حال ، مخرجا ، انه فن عظيم ، ليس فيه شئ بديهى . اننى أضحك على اولئك الذين يبكون ، وأبكى على أولئك الذين يضحكون .
5- لهذا سنجد أن طبيعة المتفرج فى المسرح الملحمى ستفرض كذلك طبيعة خاصة على المثل ، فكما أن على المتفرج ألا يندمج فى الاحداث بل براقبها ليصدر حكمه عليها ، كذلك نجد ان على الممثل ، هو الآخر ، أن يندمج فى دوره ، بلى يظل مدركا انه " يمثل " دورا ولا يقدم "حقيقة " على عكس الممثل الدرامى الذى تبرز براعته فى التمثيل قدر تقصمه للشخصية التى يؤديها ، وبقدر تصوره أنه أمام واقع حقيقى".
ويؤكد بريخيت على هذا فى " الاورجانون الصغير للمسرح " حيث نجده يقول فى هذا الصدد:
" ينبغى للمثل مطلقا أن يصل فى أدائه الى التحول الكامل الى الشخصية التى يلعبها ، فالعبارة " المشهورة " لم يكن يمثل لير ، كان لير " يجب أن تكون بمثابة ضربة قاتله له ، كل ما عليه هو أن يرينا الشخصية وهذا لا يتطلب أكثر من مجرد " ليس الدور " أو " الدخول تحت جلد الدور " ألا أن هذا لا يعنى أن يظل باردا ، اذا كان يلعب أدوارا تحتاج لعاطفة مشبوبة ، كل ما ينبغى عليه ، وذلك حتى لا تصبح عواطف الجمهور فى الاعماق هى الاخرى عواطف الشخصية ، فلا بد ان يترك للجمهور الحرية المطلقة فى هذا المجال ".
اى أن بريخيت يريد من الممثل ، المتفرج أن يحتفظ كل منها بشخصيته المستقلة ، لتتاح لهما فرصة التفكير النقدى .
على أننا يجب أن نلاحظ هنا ، أن منهج بريخت يطرح فى الواقع مرة أخرى نظرية " المسرح مسرحا " التى طرحها وتبنها الكثيرون من الرواد ، بالتناقض مع المسرح الواقعى قسطنطين ستانسلافسكى ، ابتداء من مايرهولد وكريج وابيا ، وانتهاء بلويجى بيراندللو ، ولكن بريخيت لايتوقف عند التناقض الفلسفى فى تعريف الظاهرة المسرحية ، بل يتجاوز ذلك الى طرح أهداف أيديولوجية واضحة ، يريد الجماهير أن تنهض من خلال حوار ديالكتيكى محسوب .
واذا كان استانسلافسكى يقيم منهجه الواقعى ، الدرامى على لو الساحرة ، التى تتيح لفنان المسرح أن يتمثل الحقيقة كل الحقيقة ، فتضيق المسافات بين الممثل والشخصية ، حتى ليصبح المثل " لير " أو " عطيل " أو " مكيث " فان بريخت يقع على عامل ساحر اخر يحقق فى العرض المسرحى النقيض ،ذلك هو عامل التغريب".
المنهج العبثى.
نجد أن المسرح العبثي من أجل أن يحقق الرسالة التي يرمى إليها، كان يسلك طريقة توجيه الصدمة للشخص بحيث يخرج عن نطاق حياته اليومية التقليدية المريحة، وضمنياً يجعله إنسان مبتذل فى كافة تصرفاته. لذا فإن مسرح العبث هو شكل من أشكال الأعمال الفنية المبتكرة وغير المعتاد عليها، يجعل المتفرج يحملق معه من الدهشة والاستغراب، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما تلاها من مفاهيم سلبية مثل عدم وجود معنى لحياة الإنسان كان لابد من الخروج عن النماذج التقليدية للفنون التي فقدت قوتها الإقناعية .. وبمعنى آخر يمكن القول بأن المسرح العبثي ما هو إلا تمرد على المسرح التقليدي .. أجل فهو "مسرح ضد المسرح"، مسرح تغلب عليه
السمات التالية :
- عدم المنطقية (غير عق
- مسرح بلا حبكة بعيدة عن المنطق ليس لها معنى، والأفكار غير متسلسلة وغير منطقية..
- الحوار ليس محكماً.
استخدام الرمز فى المسرح العبثي
خير مثال على ذلك مسرحية "بيكيت" فى انتظار جودو/Waiting For Godot:
"فى انتظار جودو" لصمويل بيكيت من أكثر أمثلة للمسرح العبثي شهرة، والتي تتبنى الفكرة التي قام عليها مفهوم العبث ألا وهو غياب القدر أو المطلق الذي يتمثل فى غي
الديكور فى مسرح العبث
من خلال العناصر المرئية الملموسة تعطى إيحاء باتجاه ميتافيزيقي (الفلسفات التي تفسر ما وراء الطبيعة)، أو اللجوء إلى الحركة الصامتة (البنتوم
المزج بين الكوميديا والتراجيديا (التراجيكوميديا) فى المسرح العبثي
كانت المسرحيات العبثية تميل إلى الطابع الكوميدي للوصول إلى عقل المتفرج، ومن هنا يتأكد للجميع أن مسرح العبث ما هو إلا دراما تمثل طبيعة مصطنعة لا تعكس الواقع وإنما تحلله من أجل كشف الزيف والوصول إلى حقيقة أن الواقع مؤلم.
التراجيكوميديا وهو بناء المسرحية على حدود الحماسة والفكاهة سوياً، وهو فى نفس الوقت ليس توحيداً ميكانيكاً للكوميديا والتراجيديا بقدر ما هو إيماءة لضرورة وجودهما جنباً إلى جنب. فالتراجيديا متعلقة بالواقع والكون والحقائق من الحياة أو الموت أي أنها تتعلق بالمسائل الأبدية أما الكوميديا فهي متعلقة بالمسائل الذاتية التى تتصل بالإنسان ومشاعره.
دور المرأة فى المسرحيات العبثية
ليس كدور الرجل بل هي أقل منه شأناً وتميل إلى الكآبة.
غياب عناصر المسرح التقليدية فلا مكان ولا زمان فى المسرح العبثي
خشبة المسرح والجمهور
يجلس الجمهور أمام خشبة المسرح لكي يرى نافذة أو مرآة وليس خشبة بالمعنى التقليدي للمسرح الكلاسيكي.
وكما هو متوقع كان استقبال هذا النوع الجديد من الفن بعدم فهم وعدم قبول.
الشخصية الملحمية والشخصية العبثية
يقول د. أبو الحسن سلام فى محاضرته عن الشخصية العبثية والشخصية الملحمية
" بين الشخصية المسرحية الملحمية والشخصية العبثية سمات تقارب وسمات تفارق
تبعا لاختلاف هدف كل منهما فالملحمية تهدف إلي تغيير الصفة الاجتماعية النفس البشرية من حالة العادة والمألوف وتغيير السلوك الجماعي ، ومعني ذلك أن يكون علي الشخصية الملحمية اتخاذ موقف من كل مألوف يثبت علاقة استحواذ الطبقة العليا في المجتمع علي وسائل الإنتاج وعوائد الإنتاج وحرمان الطبقة العاملة من النصيب الأكبر من عوائد قوة عملها ".
ويضيف " فمبدع الشخصية الملحمية تأليفا وإخراجا وتمثيلا ومصاحبة فنية في تشكيل الصورة المسرحية ونقدا لها يعيد رسم صورة الشخصية الدرامية بصفتها نائبة عن جماعة أو فئة أو طبقة بعينها دون أن يجسدها ذاتا تعبر عن نفسها في ثراها مع الآخر علي المستوي أو مع نفسها علي المستوي التعبيري الذاتي ولا باعتبارها الإنسان رمزا مجردا وعلي ذلك برسم الصراع ببن شخصية تنوب عن جماعة تنتمي إليها في مواجهة شخصية مضادة لانتمائها الطبقي ؛ وهنا يلتزم الممثل بعدم الاندماج في تجسيد الشخصية التي يقوم بتشخيصها ( أي أدائها عن بعد .. بينه والشخصية مسافة ، أي يشخص الدور دون مصداقية كمال الأداء ) ".
أما عن المصاحبات الموسيقية والضوئية الباد عن إيهام المتلقي بمصداقية الصورة ؛ فيقول " فالموسيقى والصوتيات لا تجسد تأثيرا نفسيا يطابق الحالة النفسية للموقف الذي يشخص علي المسرح ولكن يشخص نقيضها حتي يدفع المتلقي إلي الدهشة - فيسائل نفسه : تري لماذا تستخدم موسيقي ( زفة عرس : " دقوا المزاهر أو يا محلا جمالك يا عروسه " في جنازة ) ويدرك أن إسقاط مقل هذا المقطع الغنائي الفرح ليس مألوفا في مناسبة حزينة ؛ وبذلك يبحث عن موجبات ذلك الفعل غير المألوف - تلك الموسيقي غير المألوفة التي أزاحت الموسيقي الجنائزية أو الصياح المردد مكررا للدعوات للمتوفي أو عبارات الترحم عليه وحلت محلها في مصاحبة غير مناقضة ومألوفة لهذه الحالة - مراسم الجنازة -
و هكذا تم تغريب مراسم الجنازة عن مألوف فى ثقافة المجتمع".

يقول الكاتب بهاء جاهين فى مقاله ( الفن بين محاكاة الحياة وإعادة صياغتها ) : " بينما بلغ المسرح البريختى الملحمى ذروته فى برلين فى منتصف القرن الماضى, كانت باريس تقدم على مسارحها بعض أفضل نماذج مسرح العبث وأنضجها. نذكر منها أول أعمال الكاتب الرومانى يوجين يونيسكو «المغنية الصلعاء» (1950), التى مازالت تعرض إلى الآن على خشبة مسرح «أوشيت» بباريس ضاربة رقما قياسيا عالميا لمسرحية تعرض بلا انقطاع على خشبة مسرح واحد؛ كما نذكر الرائعة العبثية الأخرى «فى انتظار جودو» (1953) للكاتب الأيرلندى صمويل بيكيت".

ولكن قبل التحدث عن تفاصيل هذين العملين, لابد من الحديث عن ظاهرة مسرح العبث بشكل عام, كمولود لأحداث أوروبا الفاجعة على امتداد النصف الأول من القرن العشرين, لا مجرد رد فعل شكلانى لانتزاع السينما من المسرح القدرة على محاكاة الواقع بدقة. فمُسَمَّى «العبث» أو «اللامعقول», الذى يلخص رؤية كُتّاب هذه الحركة, ناتج طبيعى لوقوع أكبر مذبحتين فى التاريخ, أولاهما فى الربع الأول من القرن الماضى فى أرقى مهاد الحضارة الغربية, وهى الحرب العالمية الأولى(1914-1918) التى استغرقت أربعة أعوام حصدت أرواح عشرين مليوناً وخلفت من العاهات عشرين أخرى من الملايين. وهو عبث فى حد ذاته؛ أما قمة العبث: أن تتورط الحضارة الكبرى نفسها بعدها بعشرين من الأعوام فى مذبحة أبشع بما لا يقاس, انتهت بثمانين مليونا من القتلى بعد ستة أعوام من الذبح المتواصل (1939-1945). وقبل عرض المسرحيتين سابقتى الذكر فى الخمسينيات, صدر عمل فلسفى هو مقالة طويلة لألبير كامى فى كتاب بعنوان أسطورة سيزيف (1942) أى فى ذروة مجزرة الحرب العالمية الثانية, قدَّم فيه كامى مفهوم العبث ومصطلحه, الذى أطلقه فيما بعد الناقد الإنجليزى مارتن إيسلين على مجموعة من كتاب المسرح, منهم, إضافة لبيكيت ويونيسكو, الفرنسى جان جينيه, والإنجليزى هارولد بينتر, والإسبانى فرناندو آرابيل, والأمريكى إدوارد أولبى, وآخرون. وذلك فى كتابه مسرح العبث (1962). وسيزيف فى الأساطير الإغريقية آثم عاقبته الآلهة بجحيم خاص به هو اللاجدوى, حيث يحمل إلى الأبد صخرة على ظهره إلى قمة جبل, لتتدحرج الصخرة فى كل مرة للسفح فيحملها من جديد لقمة الجبل لكى تسقط مرة أخرى.. وهكذا بلا نهاية. وفى الإطار التاريخى العبثى لمجزرة عالمية ما إن انتهت حتى تكررت وبعنف أشد, رأى كامى فى كتابه أن الوجود الإنسانى عبث يتكرر بلا معنى. وفى نفس ذلك الإطار التاريخى وُلد مسرح العبث وازدهر فى خمسينيات وستينيات القرن العشرين, فكان المعادل المسرحى للسيريالية والتكعيبية والدادا (مذهب التشويه) فى الفن التشكيلى, وكلها- كمسرح العبث نفسه - من مواليد باريس, فكان مثلها تمردا شكلانيا على الواقعية الفوتوغرافية, وفى الوقت نفسه كان احتجاجاً سياسياً ذا عمق فلسفىّ على المأزق الذى سقطت فيه مرتين الحضارة الغربية فى نصف قرن كان ذروة التقدم وذروة التوحش والهمجية, وذروة العبث واللامعقول فى آن معاً. فكيف جسّد كتاب العبث هذه الرؤية؟ سنكتفى بمثالين هما الأشهر: المغنية الصلعاء ليونيسكو, و « فى انتظار جودو» لصمويل بيكيت .

فى «المغنية الصلعاء» قدم يونيسكو التواصل الإنسانى المزعوم فى شكل حوار بين الشخصيات لا معنى له فى حد ذاته وغير مترابط فى علاقته بكلام الآخر؛ فكلام الزوج على سبيل المثال عجيب فى ذاته, ورد الزوجة لا علاقة له بكلام الزوج, ولكن الزوجين مستمران فى الحديث وكأن التواصل حادث والمعنى موجود. وتنتهى المسرحية بنفس حوار بدايتها, ولكن على لسان الزوجين آل مارتن اللذين حلا ضيفين على الزوجين آل سميث اللذين بدأت بهما المسرحية.

هكذا تتكرر الأيام كما يتكرر سقوط الصخرة أبدياً عن كتفى سيزيف, وكما يتكرر انتظار إستراجون وفلاديمير فى مسرحية فى انتظار جودو لذلك المخَلِّص المجهول الغامض الذى لا يأتى أبداً. نفس الحركة الدائرية للأحداث التافهة التى يبدأ بها كل يوم أو ينتهى؛ نفس العجز ونفس الملل ونفس الانتظار اليائس, ونفس الأمل فى الخلاص رغم أن كل شىء يدعو إلى اليأس؛ نفس الغرق فى اليأس ونفس التشبث الأبله بالأمل ــ كصخرة سيزيف ــ يتكرر للأبد؛ نفس الجحيم المأساوى المضحك الذى يولد ويموت كل يوم.. مما دعا بيكيت لأن يسمى مسرحيته بـ التراجيكوميديا,ٍ أى المأساة المضحكة أو الملهاة المبكية.. ومن أجل تجسيد ذلك العبث اليومى جَرَّد الواقع من كل التفاصيل لكى يضع كل الخطوط تحت كلمتى الانتظار اليائس - الذى لا يفقد الأمل تماماً رغم الإحباط اليومى- لشخصين على خشبة مسرح عار, تحت شجرة شبه عارية بلا ورق أخضر.. إلا ما يتوهمه المنتظران أحياناً من خروج ورقة خضراء.

تعددية المذاهب المسرحية وأثرها على كتاب المسرح العربى.
برزت ظاهرة التعددية في النص المسرحي العالمي، بعد ظهور المذاهب الأدبية، وتعاقبها على الساحة الأدبية،

إذ كانت عملية ظهور المذاهب أشبه (بالموجات في مجرى الفكر الإنساني، لكل موجة بدؤها، وصعودها وهبوطها، ولكنها حين تهبط تدفع بأختها في طريق تقدّم عام، لا تخلّف فيه) . وإن ما يميز عملية التعاقب هذه بين المذاهب الأدبية المختلفة، أن كل مذهب من هذه المذاهب، يمثّل مرحلة من مراحل تطور الأدب العالمي، مرحلة غنية، ومثمرة أملتها ضرورة تاريخية. لذا تعددت المذاهب ما بين، كلاسيكية، ورومانسية، وواقعية، ورمزية، وتعبيرية، على الساحة الأدبية، وظهرت تيارات وأساليب أخرى، كالمسرح الملحمي، والمسرح التسجيلي، والعبث واللامعقول، مما جعل الكاتب المسرحي كثير التحول والتجريب، كل ذلك جاء نتيجة لظهور نظريات فلسفية، ونفسية، جديدة، ونتيجة للمتغيرات الحضارية المختلفة والحروب المتتالية، التي ولّدت حالة من القلق، والاضطراب، وشعور الإنسان بالغربة، والوحدة، وعبثية الحياة، وعدم الاستقرار، كذلك (التطور السريع للتكنولوجيا، الذي لم يؤد فقط إلى زيادة سرعة تغير الأمزجة، بل أدى أيضا إلى تغير مجال الاهتمام، فيما يتعلق بمعايير الذوق الجمالي، وأدى إلى شغف جنوني بالتجديد، وسعي مستمر إلى الجديد، لمجرد كونه جديدا).
لذا تداخلت هذه المذاهب ولم تبق بعد الحرب العالمية الثانية مذاهب أدبية واضحة المعالم، وشاملة، ومرتكزة إلى فلسفة، أو نظرة إلى الحياة، كما عهدنا في المذاهب الأدبية الكبرى، بل بقيت شذرات من المذاهب القديمة، متمازجة مع مذاهب، واتجاهات صغيرة. كل تلك المعطيات جعلت الكتّاب ينسجمون مع الحالة الجديدة، التي وصل إليها الأدب، وجاءت كتاباتهم بأطر، وفلسفات، ومضامين جديدة تعبر عن روح العصر الجديد، فظهرت التعددية في النص المسرحي وأصبح الكاتب يخلط في كتاباته بين مذاهب، مختلفة، من واقعية إلى رمزية إلى عبثية أو لامعقول، واستعين بالأساطير، والتحليل النفسي، ولم يلتزم بالشروط الأساسية في تكوين المسرحية. لذا بات من غير الممكن القول في (سيطرة مذهب واحد على فترة واحدة، أو إبداعية عمل أدبي واحد، فصفاء أي مذهب من شوائب المذاهب الأخرى، هو صفاء نسبي ).
فأصبح من الممكن أن يلاحظ في النص الواحد تعددا لمذاهب مختلفة.
اما في الوطن العربي فقد كانت ظاهرة التعددية في المسرح العربي أكثر وضوحا منها في المسرح العالمي، وذلك لأن الكاتب العربي، لم يعرف المذاهب الأدبية، منذ نشأتها الأولى، وتعاقبها، وتطورها التدريجي، وظهور كتّاب ونقّاد ومفكرين لكل مذهب، إنما اطلع عليها كلها في فترة زمنية واحدة، وذلك عن طريق، ترجمة الكثير من الكتب النقدية، والنصوص المسرحية، التي تنتمي الى عصور، ومراحل، ومدارس مختلفة، فتأثره بها جميعا. إذ أن الكاتب العربي قد تأثر بالمسرح اليوناني، وبمسرح شكسبير، وبالكلاسيكية، والرومانسية، والواقعية، وبمسرح ابسن، وتشيخوف، وبرانديللو، دون أن يعيش في زمن هذه المدارس، أو ينتمي إلى أية أمة من أُمم هؤلاء الكتاب، كذلك تأثر بتيارات القرن العشرين من مسرح ملحمي، ومسرح تسجيلي، ومسرح عبث ولامعقول، ولأن الكاتب المسرحي العربي (لا جذور له في هذا الفن تعصمه من الانبهار، فقد تتراكم في نص واحد من نصوصه تأثيرات مختلفة متعددة متناقضة).
فإذا تذكرنا أن كل كاتب من هؤلاء الكتّاب الأجانب، الذين تأثر بهم الكاتب المسرحي العربي، ينتمون إلى مذاهب شتى، وأساليب مسرحية مختلفة، أدركنا مدى الاختلاطات، التي كانت تتم عند كل واحد من كتّاب المسرح العربي، وتلك هي الورطة التي وجد الكاتب العربي نفسه فيها، وهي تعدد المذاهب في أغلب النصوص التي يكتبها، وأصبح الكاتب العربي الذي تأثر بمختلف المذاهب والتيارات المسرحية الأجنبية -القديمة والحديثة -، مضطراً أن يصوغ من مجمل ما تأثر به من هذه المذاهب المختلفة التي اطلع عليها والمسرحيات المختلفة التي قرأها، أسلوبا فنيا خاصا به، مقنعا لعصره، ومتناسبا مع الواقع الذي يعيشه .لذا برزت ظاهرة التعددية في كثير من النصوص، التي حاول كُتّابُها أن يُعالجوا من خلالها قضايا اجتماعية، وسياسية مختلفة، إذ يمكن أن تلاحظ بذور هذه التعددية في كتابات رواد المسرح العربي، بدءا من (مارون النقاش) الذي قدم أول نص مسرحي عربي وهو مسرحية (البخيل) عام (1847م) بعد أن زار ايطاليا، واطلع على بعض العروض المسرحية، وأظهر انبهاره بهذا الفن، وحاول نقله الى بلاده، وقد أخذ فكرة مسرحيته (البخيل) من مسرحية (البخيل) لـ (موليير)، ونسج على غرارها مسرحيته، التي تتناسب والذوق العربي في تلك الفترة، وقد خلط في هذا النص ما بين الكلاسيكية والرومانسية، إذ ظهرت الكلاسيكية من خلال تقديم الجوقة، والفصول الخمسة، وتاريخية الحدث، أما الرومانسية فمن خلال عدم التزام الكاتب بالوحدات الثلاث ونهاية المسرحية السعيدة، وتقديم الأناشيد، والأغاني. كذلك تلاحظ التعددية في مسرحيته الأخرى (حسن المغفل) عام (1849م)، والتي أخذ موضوعها من ألف ليلة وليلة، فالمسرحية تتكون من ثلاثة فصول، حاول (النقاش) أن يلبسها لبوسا جديدا قريبا الى واقع البيئة العربية في تلك الفترة، وجعلها تتناسب وذوق الجمهور آنذاك، فجعل حوارها خليطا من النثر، والشعر، وأدخل الفكاهة، والغناء، والموسيقى فيها. كذلك استخدم الجوقة، وهي تنشد، وتدعو للخليفة بالتوفيق، كذلك تقنية مسرح داخل مسرح، عندما يؤدي (حسن المغفل) شخصية الخليفة (هارون الرشيد)، بينما يراقبه الخليفة ويهزأ منه، وفعل الشيء نفسه في مسرحيته الأخرى (الحسود السليط)، التي ضمّنها الشعر، والفكاهة، والغناء، محاولا التنقل فيها ما بين المسرح الغربي، والتراث العربي، مستخدما الموسيقى، والشعر، والرقص. لذا يمكن القول إن (النقاش) حاول في مسرحياته الثلاث التنقل بين الكلاسيكية والرومانسية، وأن يجمع في المسرحية الواحدة شعرا، ونثرا، وأنغاما، والسبب في ذلك، إن (النقاش) عندما اطلع على المسرح العالمي، وحاول أن يقلّد هذا المسرح لم يلتفت الى ما يحكمه من قواعد، وأصول، بل ربما تجاهل هذه القواعد، فبرزت التعددية في نصوصه من خلال انتقاله بين هذه المذاهب .

كذلك ظهرت بذور التعددية في المسرح العربي من خلال كتابات (أحمد أبي خليل القباني) المسرحية، الذي استعان بالتراث العربي والمسرح الغربي من أجل تأليفها، والتي أضاف إليها الشعر، والرقص، والغناء، وبما يتلاءم وذوق الجمهور العربي . ويرى (علي الراعي) أن (القباني) لم يعتمد (النص الأدبي في المحل الأول، أساسا للمسرحيات التي كتبها بل ألتفت التفاتا أكبر الى عناصر الغناء، والإنشاد، والرقص).
وقد ظهر ذلك واضحا في مسرحيته الأولى التي ألّفها وهي (ناكر الجميل)، التي قدّم فيها إضافة إلى الحكاية، الغناء، والموسيقى، والرقص، لذا يلاحظ أن (القباني) على مستوى البناء الفني لمسرحياته لم يكن (مجدداً أو مخترعاً، بل نقل شكل المسرح الغربي، إذ قيل له في الغرب فن هذه صورته فقلّده، وكل ما فعله القباني، أنه نقل الحكايات التراثية، وجسّدها، وجعل القصة، والحادثة في خدمة الأغنية، والموشح، والرقص، والموسيقى ).
لهذا يرى الباحث أن القباني لم يلتزم في مسرحياته بمذهب معين، لأنه لم يكن على دراية بذلك، وإنما اطلع على أعمال مسرحية، ونصوص، وقلّدها من خلال حكايات تراثية، أو تاريخية مازجا معها الغناء، والرقص، والموسيقى، لتتلاءم مع ذوق الجمهور وقت ذاك .

وإذا انتقلنا إلى رائد المسرح الشعري العربي (أحمد شوقي)، يلاحظ أن التعددية موجودة في كثير من مسرحياته الشعرية، إذ كثيرا ما كانت تتعدد في مسرحياته (اتجاهات المذاهب الأدبية المختلفة، من كلاسيكية، ورومانسية، ثم واقعية ضيئلة).
وذلك لأن شوقي قد تأثر في بداية حياته الأدبية بالمدرسة الكلاسيكية، من خلال دراسته في فرنسا، واطلاعه على الآداب المسرحية العالمية ولاسيما الكلاسيكية الفرنسية، لذا آثر أن تكون مسرحياته شعرا، ومال الى المواضيع التاريخية، مقلدا بذلك (كورني)، و(راسين) . فكتب مسرحيات، استمد مواضيعها من التاريخ العربي القديم، أو القريب، مثل مسرحية (كليوباترا) (1929م)، و(مجنون ليلى) (1921م)، و(قمبيز) (1931م)، و(عنترة) (1932م)، و(علي بك الكبير) (1932م) .كذلك اختار شخصيات مسرحياته من الأبطال، والقادة، والأمراء، مثل (كليوباترا)، (قمبيز)، (عنترة)، (علي بك الكبير)، غير أنه لم يلتزم بالقواعد الكلاسيكية، إذ بدا تأثره بالمدرسة الرومانسية في نصوصه واضحا، وذلك من خلال تجاوزه مبدأ الوحدات الثلاث، وإدخال الأغاني، ومجالس الطرب في مسرحياته، ويلاحظ ذلك في مسرحية (مجنون ليلى)، كما يلاحظ في كثير من مسرحياته أن عنصر الملهاة يزدوج مع عنصر المأساة، وهو مبدأ فني في الدراما الرومانسية، مثال ذلك وجود شخصيات كوميدية في مسرحيات تراجيدية، مثلا شخصية (انشو) مضحك الملكة في مسرحية (مصرع كليوباترا)، وشخصية (مقلاص) مضحك الملك في مسرحية (أميرة الأندلس) . كذلك يلاحظ أن شوقي لا يأخذ بمبدأ إيثار وصف المناظر العنيفة على مشاهديه، وإنما يفضّل عرضها على المشاهدين، وهي سمة رومانسية، كما في مسرحية (مصرع كليوباترا)، إذ يطعن (اوروس) خادم (انطونيوس) نفسه بالخنجر وكذلك يفعل سيده. ويمكن أن تلاحظ ظاهرة التعددية في مسرحية (مجنون ليلى)، إذ حاول (شوقي) أن يخلط في هذا النص، بين الكلاسيكية والرومانسية، والغناء، والموسيقى، فالمسرحية هي تاريخية في فكرتها وشخصياتها وكذلك تضحية (ليلى) بحبها لحساب القيم والتقاليد، وهذه كلها صور كلاسيكية، أما نهاية المسرحية من خلال موت الحبيبين، وعدم التزام المسرحية بوحدتي المكان والزمان فهي صور رومانسية . لذا وفي ضوء ما تقدم يمكن أن نقول إن شوقي في مسرحياته، لم يلتزم بقواعد مذهبية معينة، وإنما تعددت المذاهب عنده في النص الواحد ما بين كلاسيكية، ورومانسية، وجاءت نصوصه المسرحية انعكاسا لما كان عليه حال المسرح المصري بالذات من اختلاط المذاهب

أما توفيق الحكيم (1898-1987م) فقد برزت عنده هو الآخر ظاهرة التعددية، إذ حاول الحكيم من خلال كتاباته، أن يؤسس مسرحا عربيا قائما على التمازج بين المسرح الغربي، الذي استقى منه القالب الفني المستخدم في أعماله المسرحية، والمسرح العربي، الذي تجلى من خلال، بث المضمون العربي المستمد من التراث) . وقد عالج (الحكيم) من خلال مسرحه قضايا متعددة، من سياسية، واجتماعية إلى تاريخية، وتنوّعت كتاباته بين الكوميديا، والتراجيديا، والاوبريت، فالمسرح الذهني والعبثي، ) ولم يستقر على مذهب واحد معين، بل كتب في عدة مذاهب مختلفة، وبرزت الرمزية في الكثير من كتاباته، إلا أن هذه الرمزية كانت تختلط مع مذاهب متعددة، فمثلا في مسرحية (شهرزاد) تختلط (الرمزية بقضايا رومانتيكية، أو تختلط النزعة الواقعية برومانتيكية حالمة، كما في مسرحية (رحلة الغد) . أما في مسرحية (رحلة الجنون) تختلط النزعة الرومانسية مع الوجودية).
كذلك تلاحظ التعددية في مسرحية (الغذاء لكل فم) (1963م)، فهي تجمع ما بين الواقعية وتقنية (مسرح داخل مسرح)، فالمسرحية ذات خطين دراميين أساسيين يدور أحدهما على المستوى الواقعي، ويدور الآخر على المستوى الخيالي . كذلك يمكن أن تلاحظ التعددية في مسرحية (يا طالع الشجرة) (1962م)، التي استمد فكرتها الحكيم من خلال أغنية فلكلورية مصرية تقول (يا طالع الشجرة -هات لي معاك بقرة- تحلب وتسقيني- بالملعقة الصيني) . إذ اعتقد الحكيم أن هذه الأغنية ليس لها، معنى مفهوم، وهي ذات فكرة لا معقولة، وقد عدّ الحكيم مسرحيته هذه من دراما اللامعقول. فيما يرى (محمد مندور) أن هذه الأغنية ليس من اللامعقول، بل هي أغنية رمزية، يلجأ إليها الأدب الشعبي، فهذه الأغنية تجري على لسان رجل فقير، يسأل من اغتنى (أي طالع الشجرة) أن يجود عليه ببقرة تسقيه شيئا من لبنها، وليس هذا من المعقول بل من تدبير العقل الذكي، الواعي، القادر على الرمز.
ويلاحظ من خلال البناء الدرامي للنص، أن المسرحية تجمع في أسلوب علاجها بين، الأسلوب الرمزي واللامعقول. إذ تظهر الكثير من الدلالات التي تؤشر الى إنتماء النص الى مسرح اللامعقول، فالحكيم يبدأ مسرحيته بموقف واقعي، وهو اختفاء الزوجة، ولكن هذا الموقف سرعان ما يتطور، من الواقع، الى اللاواقع، وهذه تقنية يونسكو المسرحية. كذلك يلاحظ أن الحوار، الذي يجري بين الزوج والزوجة حوار لا معقول، إذ إن كل واحد منهما يتحدث عن ما يشغل باله، دون تواصل في الحوار بينهم، فبينما تتحدث الزوجة عن الجنين الذي أجهضته في الشهر الرابع، دون أن يكتمل نموه، يتحدث الزوج عن ثمار البرتقال، التي تسقط من شجرته، دون أن يكتمل نموها . كذلك لا يوجد في المسرحية ما يسمى بالزمان والمكان في المفهوم التقليدي، إذ نجد أن الحاضر، والمستقبل يوجدان في زمن واحد، إذ تتداخل الأزمنة، والأمكنة، حيث يتواجد الزوج في مكانين وزمانين مختلفين في آن واحد، وهذا قريب من تقنية مسرح داخل مسرح، كذلك يتم استدعاء الدرويش من الزمن الماضي الى الحاضر، ليشهد على جريمة لم ترتكب بعد. كما أن الزوج والزوجة يعيشان منفصلين عن العالم فلم يزرهم أحد، ولم يتصلا، بأحد وهذه سمة من مسرح اللامعقول تظهر في النص اذ أن هذه المسرحية رمزية، يتغلغل الرمز في كثير من بنيتها، فالزوج يرمز للفن، والزوجة ترمز للحياة، بينما ترمز السحلية الخضراء لسحر الحياة، وسحر المرأة، كذلك وجود القطار، والشجرة، والدرويش، والأغنية وكلها رموز موحية، وأن صفة اللامعقول يمكن أن تلاحظ في المسرحية في المشهد، الذي يجري خلاله حوار بين الزوج والزوجة، إذ يلاحظ من خلال هذا الحوار، أن كل واحد يتحدث عن عالمه، وفيما عدا هذا المشهد فانه من السهل فهم وتفسير بنية أحداث المسرحية، ومشاهدها على أساس من الرمزية الذهنية . وعموما فأن الباحث يرى أن المسرحية تنتمي الى دراما اللامعقول غير أنها تتضمن مشاهد رمزية.

أما (صلاح عبد الصبور) فقد ظهرت التعددية في مسرحياته الشعرية، وتعددت بين مذاهب مختلفة، ففي مسرحية (ليلى والمجنون)، يمكن أن تلاحظ الرمزية الى جوار الواقعية الاجتماعية) . وقد استفاد في هذا العمل من تجارب المسرح الحديث، التي استطاع استخدامها داخل النص مثل (مسرح داخل مسرح، فجاءت مسرحيته تمزج بين الشكل الواقعي، والشكل الرمزي، من خلال بناء جيد ناقش فيه عبد الصبور قضية الثورة والكلمة).
كذلك تلاحظ التعددية في مسرحية (مسافر ليل)، التي تدور أحداثها في عربة قطار بين (المسافر)، الذي هو رمز الإنسان المسحوق، والمتهم بقتل الله وسرقة بطاقته الشخصية، و(عامل التذاكر) رمز السلطة والتسلط عبر الزمن، من الاسكندر إلى زهوان الى سلطان، أما (الراوية) فهو يرمز الى الأغلبية الصامتة داخل الحياة. تبرز في هذه المسرحية التعددية من خلال ظهور اللامعقول، والرمزية، إذ يبرز اللامعقول في هذا النص من خلال دلالات متعددة استخدمها (عبد الصبور)، فمثلا ظاهرة تعدد السترات، التي حاول فيها أن يقلد (يونسكو) في مسرحية (الكراسي)، من خلال ظاهرة تراكم الأشياء، وتكاثرها على المسرح، وهو أسلوب من أساليب اللامعقول، كذلك حاول (صلاح عبد الصبور) في مسرحية (مسافر ليل) أن (يفترض الأشياء في غير موضعها المألوف، والى إفراغ الواقع من إطاره المألوف، والإلقاء به في لعبة مدوخة، من الروابط غير العادية وغير المتوقعة) من خلال استخدام أسلوب التهكم، وهو من أساليب اللامعقول . أما الرمزية فتبرز كدلالات مختلفة داخل النص، فهي لا تنفصل عن نسيج العمل والبناء الكلي للمسرحية من استخدام القطار، وصوته، والأعمدة المسرعة الى الخلف، وحبات المسبحة الشبيهة بأيام عمر هذا المسافر، والمسافر نفسه، وعامل التذاكر والراوية، وجلد الغزال الذي عليه التاريخ بعشرة أسطر والتذكرة، والبطاقة وأوراق التأريخ المأكولة كلها عناصر تتكامل، وتشكل رموزا ذات دلالات موحية داخل النص، كذلك يلاحظ المسرح الملحمي، إذ يبرز كأسلوب آخر داخل النص، من خلال استخدام الرّاوية، الذي يروي ويعلّق على الأحداث، ويكسر حاجز الوهم لدى المتلقي، وحتى استخدام الشخصيات جاء ليعطي رموزا للمسميات عامة، فالمسافر هو رمز للإنسان بلا أبعاد، الإنسان الذي لا نستطيع أن نصف ملامحه الخارجية . أما (عامل التذاكر) فهو رمز السلطة، والدكتاتورية، والبطش رمز لمن يملك السوط بيده، بينما الرّاوية، فهو ممثل لكل من هم خارج المسرح، والذين يقفون على الحياد يتفرجون على الأحداث دون أن يكون لهم رأي أما مسرحية (الأميرة تنتظر)، فهي مسرحية رمزية من خلال وجود فكرتين، خارجية، وداخلية تسيران معا بالتوازي، الخارجية تحكي قصة أميرة تخون والدها، وتسلم حكمه الى عشيقها، أما الداخلية فهي مملكة والدها وترمز إلى الوطن، الذي يباع الى المحتل، وأن (القرندل) الذي هو الشعب أو صوت الضمير الحي، الذي يقوم بقتل (السمندل) المحتل، وأضِف إلى رمزية البنية والشخصيات، نجد الترميز في كثير من الحوارات داخل النص

كذلك برزت ظاهرة التعددية في عدد من مسرحيات (الفريد فرج)، مثل مسرحية (سليمان الحلبي)، ومسرحية (النار والزيتون)، فمثلا تبرز ظاهرة التعددية في مسرحية (سليمان الحلبي)، من خلال قدرة (الفريد فرج) في هذا النص المسرحي على الجمع بين الدراما الأرسطية، والملحمة البريختية في بنية واحدة إذ استخدم الكورس في بداية المشهد التمثيلي الأول، الذي قدّم المعلومات عن حالة القصر، وكذلك استخدمه في التعقيب على بعض الأحداث والمشاهد، وأحياناً تتم المحاورة بين البطل وبين الكورس للكشف عن بعض الأفكار، والمواقف، إذ دخل الكورس في نسيج النص المسرحي، وأدى الوظيفة نفسها في المسرح اليوناني، إذ ساهم في ربط المشاهد، وفي تسلسلها، وأعطى دفعا للحدث وتنوعاً للعمل المسرحي، وبدت الجوقة، ممثلة للحكمة والتعقل، وهي تناصر (سليمان الحلبي) لا لشخصه، بل لما يحمل من مُثُل وقيم، وهي مؤتمنة على أسراره، مثلها في ذلك مثل معظم أشكال الجوقة في المسرح الإغريقي. كذلك يلاحظ مسرح داخل مسرح في مشهد مسرحي قصير، وهذا المشهد خفف من حدة سير الحدث التاريخي، وأعطى للمتلقي نوعاً من الراحة، منحته الفرصة للتفكير، وإيقاظ الحس، وأبعدته من الانسياق وراء الإيهام المسرحي، وذلك عندما التقى (سليمان) (محروسا) صانع الأقنعة، كذلك استعان الفريد فرج بالمسرح الملحمي البريختي، من خلال استخدام عدة مشاهد قصيرة، متتابعة، لا تخضع لوحدة الزمان والمكان. وهكذا فقد حاول الفريد فرج أن يقدم تراجيديا عربية مستفيدا من نماذج، وتيارات متعددة في تاريخ المسرح العالمي، ومن التراث العربي، أما في مسرحية (النار والزيتون)، فتلاحظ ظاهرة التعددية في المسرحية والتي تصنف بوصفها مسرحية تسجيلية في موضوعها، ووسائلها الفنية لما تحتويه من عرض وثائق، وأرقام، وإحصائيات عن الأرض الفلسطينية، والأطفال، والتعليم، والزراعة في فلسطين، وعن عدد المهاجرين اليهود، إذ تلجأ المسرحية الى عرض بعض الأحداث عرضا دراميا، مثل مذبحة كفر قاسم والمظاهرات المؤيدة لإسرائيل في ألمانيا، وتستخدم وسائل مسرحية أخرى، مثل الرقص، والغناء، والتمثيل الصامت. وقد استطاع الكاتب في هذا النص أن يوظّف آليات المسرح السياسي لبسكاتور، والمسرح الملحمي البريختي، مثل الأفلام، والشرائح، والوثائق وأسلوب المسرحية داخل مسرحية، فضلا عن تقنية الرّاوي، وبذلك تكون المسرحية قد اقتربت مما يسمى بـ (المسرح الشامل)، الذي يحتمل إمكانية وجود خليط من الأصناف الدرامية المختلفة.

واخيرا ومن خلال ما تم طرحه يمكن التوصل الى ظاهرة التعددية في الوطن العربي برزت بصورة أكثر وضوحا، من المسرح العالمي، وذلك بسبب اطلاع الكاتب العربي على المذاهب المسرحية في آن واحد من خلال حركة الترجمة لكثير من المسرحيات والكتب النقدية، إذ اختلطت هذه المذاهب في فكر الكاتب وأصبح يجد صعوبة في فرزها .وقد ادت هذه الظاهرة الى ظهور نصوص مسرحية عربية ذات بناء درامي متكامل.



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الإخراج المسرجي علم ؟
- إشكالية توظيف عناصر شكل عربي بين التنظير والتطبيق للمسرح :(ع ...
- الارتجال في العرض المسرحي وفق تقنيات الكوميديا دي لارتي تطبق ...
- معيار المقارنة بين نصين مسرحيين
- كروموسومات التجريب المسرحي
- قراءة تفكيكية في كتابات مسرحية تفكيكية
- رأفت الدويري رجل المسرح : الذات والموضوع
- التطبيق النحوي علي نصوص مسرحية
- تجليات سكندرية
- حيرة البحث العلمي في فن التمثيل
- صلاج السعدني - قراءة في فن التمثيل المصري 1
- توفيق الحكيم الذات والموضوع
- تقنية الارتجال في العرض المسرحي
- العبث بثوابت الصورة
- الفاعل الفلسفي في إبداع لويس عوض المسرحي
- الفكر الفلسفي في المسرح - نموذج إمتحان طلاب الماجستير
- المسرح والفاعل الحضاري بين الدهشة والاختلاف - محاضرة علي منص ...
- المخرج والتصور المسرحي -- نبيل الألفي
- المخرج والتصور المسرحي - الرؤية الحمالية في فن المخرج نبيل ا ...
- كيف تضع خطة بحث في فن الاستعراض


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - أبو الحسن سلام - طلاب البحث العلمي-وتدريبهم