أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - أكرم شلغين - لا يكفر من يصرخ من شدة الألم!















المزيد.....

لا يكفر من يصرخ من شدة الألم!


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 7228 - 2022 / 4 / 24 - 23:47
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


قبل أي اعتبارات تتعلق بالهويات المكتسبة، نحن بشر من لحم ودم ومشاعر وكما عبر أحد شخوص شكسبير: " لنا أعين وأيدي وأعضاء وأبعاد وأحاسيس وعواطف وأهواء...نشعر بالبرد في الشتاء وبالحر في الصيف...وإن وخزتنا سننزف وإذا دغدغتنا فسنضحك...ولو سممتنا فسنموت..." بمعنى آخر، حين نمتلك صفات البشر فإننا نتصف بمواصفات معروفة ولا نستطيع موضعة أنفسنا خارجها.
تملأ رأسي صور لمشاهد حية وأخرى متخيلة لما سمعته أو قرأته عن مآسي وأحزان البشر وخاصة الفقراء منهم وهناك من يريد أن يرغمهم على أن يكونوا كحجرة لا تشعر بأي شيء. لا يغيب عنا وندرك أننا كبشر مقيدون دوما بحياتنا التي لا تخرج عن أطر الألغاز التي ليس لها حلول إلا تلك المصطنعة من قبلنا نحن البشر أنفسنا. نعم حياتنا وحركتنا خلالها ليست إلا خيوط متشابكة ببعضها البعض لتكوّن مجموعة ألغاز بدءا من وجودنا في هذه الدنيا ومرورا بماذا نفعل وليس انتهاء بسؤال أين نحن ماضون بعد موتنا! ولكن ما يحصل بين الولادة والموت هو قصة أخرى لدرب الآلام الطويل وخصوصا للفقراء حيث يجد المرء نفسه وسط أوجاع عليه أن يتقبلها وهو راض ومقتنع بها لأنها قلب "الحكمة" والصواب، وبقدر ما يعاني في هذه الدنيا فإنه سيرتاح في الآخرة؛ إنه لا يستطيع الاحتجاج لأن وكلاء السماء على الأرض سيحاسبونه (لأن علاقة خفية بينهم وبين السماء لا ندري عنها نحن البشر العاديون حيث أُوعِزَ لهم بحمل العصا والسلاح بوجه من سيحتج على وضعه الدنيوي...بل وحتى على ما هو بفعل سمات الحياة والموت، بل وأكثر فإنه حتى إن تذمر حول نائبة أو مصيبة ما تلم به وبوضعه فإن ذلك سيحتسب ضده بموجب قوانين السماء التي يعرفونها هم فقط. على العموم، هناك عرف اجتماعي منشؤه ديني يقوض رغبة الإنسان الداخلية في الاعتراض على أو حتى الشكوى من أقداره وهذا العرف يُضيّق من خياراته حتى في وصف ما هو به من مواجع وأحزان.
دوما تعود بي الذاكرة لكيفية تلقف العقلية المحافظة تاريخيا لعمل سوفوكليس التراجيدي الخالد "الملك أوديب" حيث كان اللوم يقع على أوديب وأبيه من قبله لا لذنب اقترفاه بل لأن الأقدار اختارتهما ليكونا بموقع المخالفان للأقدار التي رُسمَت لهم اعتباطيا. إلى أن جاء المخرج السينمائي الإيطالي ماركسي الفكر (بيار باولو بازوليني) والذي غيّر بمهاراته كليا من النقد بحيث أصبعت أصابع الاتهام توجه ليس لأوديب بل للآلهة التي اختارت أوديب حتى قبل أن يأتي إلى الحياة لتُظهر قوتها وجبروتها فيه؛ لقد اختارته بدون ذنب بل والأفظع من ذلك هو أن أوديب، ووالده، كلما أرادا الابتعاد عن المشكلة التي رسمتها الآلهة لهما كلما وجدا أنفسهما في وسطها وبمركزها تماما. وفي نهج يشبه تغييب حرية المسار والحركة لأوديب وأباه، هناك الكثير ممن لهم مصالح في الإبقاء على ما هو راهن يشددون على أن الإنسان لا يمتلك إلا الصمت أو الحمد على كل ما يحل به، ففي كل ما يصيبه من نوائب وهموم وأحزان وحرمان واستغلال هناك حكمة إلهية ليس له عصيانها أو حتى السؤال عن كيفية تسييرها للأمور! بل وأكثر، إذ حين تشتد المصائب فوق رأس الفقير ليس له حتى حق أن يتساءل لماذا تختاره السماوات هو بالتحديد لتنفيذ أحكام بحقه وذلك بلا أسباب إجرامية أو ما في حكمها أو مما يسمى "معصية"!
كما قيل أعلاه، دائما تجتمع المصائب فوق رأس الفقير تحديدا، بل وتأتي المصائب لتكسر قلوب نفس البشر دوما من حيث إطنابهم بالهموم التي تضيق صدورهم بها وتصبح طاقاتهم البشرية أعجز من تحملها. يأتي إلى ذاكرتي مثال بهذا الشأن، ففي حفل تأبين أخيه قال أحدهم لمن يحضر الجنازة: "قبل فترة قصيرة جدا كنتم معي حين مات أخي الأكبر ووقتها قلت بحضوركم الحمد لله على ما أصابنا وألم بنا، وبعدها بأيام مات خالي الشاب وكررت كلامي بقولي الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، وبعدها بأيام قليلة مات صهري ومرة أخرى توجهت بحمدي وشكري إلى الله على ما أنزله بي في تلك المصيبة أيضاً...والآن... (ونظر للأعلى) والآن ربي، تفعلها من جديد وتأخذ أخي الأصغر...! ربي! ماذا تتوقع مني الآن؟ ربي أيهمك شكري وحمدي لك على المصائب أكثر من آلامي بفقدان أحبتي الواحد تلو الآخر!؟ ربي، إن كان حمدي وشكري لك سيأخذان أحبتي، فلن أحمدك ولن أشكرك بعد اليوم! وحين تفوه بالعبارة الأخيرة تعالت أصوات الحضور فبعضهم قال لاحول ولا قوة إلا بالله وبعضهم الآخر قال بصوت عال: "لماذا هذا الكفر!؟" وآخرون كرروا الحمد لله، وغيرهم قالوا... بالطبع ندرك أننا كبشر ليس لنا سيطرة على الحياة أو الموت ولكن في غالب الأحيان يتطلع من تتكاثر عليه الأحزان في كل الاتجاهات وخاصة للأعلى ــ لأنه نشأ على أن هناك قوة عليا تسيطر على كل شيء وتسييره ــ وكأنه يريد أن يقول: "أوليس بالإمكان أن أحظى بقليل من الرحمة!؟" إنه ليس إلا بشري في امتعاضه ومناشدته للمجهول!
لا تحصى هي الأعمال الأدبية والفنية التي تتطرق لتلك الفكرة فالعبد "لاكي" في مسرحية صموئيل بيكيت الأشهر يبقى صامتا طوال الوقت ونشاطه محصور فيما يبدو قدره وهو أن يكون عبدا ولكن حين أتيح له أن يتكلم انطلق لسانه وراح يجعل تساؤله عن كيفية تسيير أوضاعنا كبشر مثل لازمة موسيقية يتكلم عن اللاعدالة هنا وهناك وبأن الزمن سيكشف كل شيء ويعود إليها بالقول مرة بوضوح وأخرى بتلميح وتعريض حين لا توقفه وسيلة عن طرحه: "لماذا يقف الله مع الأقوياء؟" هل الإيمان يكمن في الصمت حين يصبح الكلام ضروريا؟ هل في محنة وشقاء وعذاب وفقدان الأب وابنه في عمل كورمك مكارثي "الطريق" إرادة ميتافيزيقية؟ وإن كانت كذلك فما هي مبرراتها؟ وهل على الشخوص أن تقبل بقدرها أو أن تحاول الخروج من قوقعة العذاب والألم؟ وفي عمل أدبي آخر (2011) لجيمس بيكيرت (أصبح فيلما) حين يسيطر الشر على الجو العام ولا وجود لشيء خيّر وتصبح الجريمة وعذاب الضحية بلا نهاية ولا يلوح في الأفق مَخرَج أو مُخَلّص يصبح نداء "لا يا عزيزي الله!" [وهو عنوان الفيلم] أكثر من ضروري وليس به إلحاد على الإطلاق...بل الملحد هو من يريد أن يشرعن للظلم واضطهاد الإنسان للإنسان ويعد الضحية بأن لها مكافأة في عالم آخر، وبهذا الصدد تخطر لي قصيدة لويليام بليك عن الطفل منظف أو "مكنس المدخنة" حيث تبدو المؤسسة الدينية ومن يقوم عليها كمشرعين لاضطهاد واستغلال الأطفال ولا تنسى أن تذكر الأطفال بأن كل شيء يتم برعاية أب لهم في السماء ولهذا عليهم أن يتقبلوا بصمت كل ما يوكل إليهم...! أوليس الصمت، لا الكلام، في هكذا حالات هو الكفر؟ لا أظن أن الإنسان العادي يبقى متلقيا للصفعات دون أن يتساءل عن سببها...! ولا أظن أن على المتألم أن يبقى صامتا أو أن يبحث فقط عمن يشكو إليه كآبته!
إننا كبشر نحمل مشاعر وأحاسيس إنسانية لا تستطيع أن تخفي أو أن تغيب نفسها مهما كانت قساوة القيود المتحكمة بنا. وحين يصبح الحزن أكبر من قلب الإنسان فإنه من البديهي أن تصبح كلمات التعبير عنه هي صرخات أقوى من كل المعايير دون الخشية من "سوء التصنيف"!



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهو ذئب في ثوب حمل؟
- نموذج إنجليزي لتفادي المشاكل الاجتماعية السياسية
- إذلال
- مواجهة
- يحيى ويحيى
- حب أو حرمان
- القافلة
- الغرب لم يسرق أخلاقك
- غياب
- قد يكون الحب
- أنت موجود وغيرك موجود
- فرح وصدمة
- غش عابر للامتحانات
- -رخيصة-
- زواج
- عميل
- هبلة
- خيبات
- حقيبة
- كارل ولغز الورقة


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - أكرم شلغين - لا يكفر من يصرخ من شدة الألم!