أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - جورج حوش، يأس نصير الرجاء














المزيد.....

جورج حوش، يأس نصير الرجاء


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7215 - 2022 / 4 / 11 - 03:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الحدث الذي شهدته مدينة اللاذقية مساء السادس من هذا الشهر (أبريل/نيسان)، والذي يقول المهتمون بتاريخ الكنيسة المشرقية إنه لم يسبق له مثيل في تاريخ الكنيسة، يوشك أن يكون المشهد الأكثر تعبيراً عن مستوى التعاسة التي بلغتها حياة السوريين. تمثل هذا الحدث في انتحار الخوري جورج حوش (66 عاماً) في كنيسته في وقت الصلاة. في المكان الذي يقصده المؤمنون لصد اليأس عن نفوسهم، يصل اليأس بالرجل الذي من وظيفته إراحة قلق الناس والتخفيف عن ضمائرهم ومساندة رجاءهم، إلى درجة الانتحار. الإحباط أو اليأس أو اسوداد العيش أو الضغوط أو التقييدات أو الدفع به إلى خيانة الضمير، أو ربما الحاجة وضيق ذات اليد أو أي شيء من هذا الكثير الوفرة في سورية اليوم، تجعل الرجل يختار الموت في المكان والتوقيت الذي يُطلب فيهما الرجاء. في هذا نوع قاس وحاد من انقطاع الأمل. لنا أن نتخيل انعكاس مثل هذا الحدث على نفوس المؤمنين، آخذين في الحسبان مكانة الرجل وما يشاع عنه من ميل إلى الوقوف بجانب الناس ومساعدتهم وإحساسه بهم.
لا يغير ما سبق من قول أن يكون الأب حوش قد انتحر فعلاً، أو أجبر على الانتحار تحت ضغوط ما، أو تعرض للقتل. في كل الحالات، فإن في هذا الحدث تعبير عن مستوى من التعاسة وانحطاط الحياة في سورية، قل أن وصل إليه مجتمع في العصر الحديث.
إذا كان الأب حوش قد انتحر فعلاً، وهو أمر حوله شكوك وتساؤلات منطقية، تتعلق، إذا صحت الأخبار، بمكان الانتحار (كاتدرائية القديس جورجيوس للروم الارثوذوكس)، وتوقيته (وقت الصلاة) أي أمام المصلين أو أمام الجوقة على الأقل، ووجود مسدس بحوزة الأب وهو يستعد لتأدية الطقوس، وإطلاق الرصاصة على الصدر وليس على الرأس كما هو شائع في حالات الانتحار المشابهة، وبقاء الأب على كرسيه دون أن يتدخل أحد من الحاضرين لمحاولة إنقاذه، والاتصال بالشرطة قبل الاتصال بالإسعاف، ووجود ورقة بحوزته مكتوبة بخط يده تؤكد انتحاره بسب ضغوطات نفسية واجتماعية، والحال إن من ينتحر بحضور الناس لا يحتاج إلى ورقة يؤكد فيها انتحاره. نقول إذا كان الأب حوش قد انتحر فعلاً، فإن في هذا ما يدل على مستوى من التعاسة واليأس قادر على جعل الخوري الذي يتلقى الاعترافات، أي الذي يشكل حليفاً خارجياً لضمائر المؤمنين الممتحنين المعذبين، ينهي حياته يأساً. أكان يأسه بفعل عجزه عن تأمين المتطلبات الأساسية لأسرته، أو بفعل عجزه أمام حالة البؤس العام التي يشهدها، ولاسيما أنه، كما يقول كثيرون عنه، من الآباء الذين يندفعون لتقديم العون للناس، ويقال إنه ساعد كثيرين على الخروج من البلد أو إنه كان يتدخل لدى السلطات، بما له من اعتبار أو من تأثير في لجنة المصالحة التي كان عضوا فيها، لحماية بعض المطلوبين من الشباب.
وسط غرابة الحدث وبرود البيان الصادر عن الأبرشية، البيان الذي عرض بتقريرية لافتة، الدافعَ على الانتحار "قد أتى هذا التصرف المستغرب، نتيجة ضغوطات نفسية واجتماعية متراكمة"، دون أن ينسب القول (دافع الانتحار) إلى الراحل الذي قالت وزارة الداخلية إنه كان قد كتب دافعه للانتحار على ورقة وجدت بحوزته تتحدث عن "ضغوطات نفسية واجتماعية"، فإن للحدث، كما يبدو، خلفيات تتجاوز حادثة انتحار، لصالح أن يكون الرجل ضحية تحالف صارم بين سلطات دينية وسلطات أمنية لا يتحمل أي خروج عليه، ولاسيما من قبل أشخاص لهم اعتبار أو وزن شعبي. كما أن تقديم التفسير من جانب الأبرشية ومن جانب وزارة الداخلية بالعبارات نفسها، إنما يشير إلى ميل مشترك للختم على الحدث واغلاق الباب علي أي تفسير آخر محتمل. ويمكن الإشارة أيضاً إلى أن تقديم التفسير، كما يفعل بيان الأبرشية، يسقط عن التصرف صفة "المستغرب" التي ألصقها به البيان الذي يبين ماهية هذه الضغوط النفسية والاجتماعية التي يصفها بـ"المتراكمة"، ما يوحي إن الأبرشية على دراية ومتابعة لهذه الضغوط وهي "تتراكم".
الحقيقة إن في هذا التشابه في التعابير بين بيان الأبرشية وبيان وزارة الداخلية ما يكاد يشير إلى السبب الأرجح لانتحار الرجل، ويدفع بالقارئ إلى تخيل "حكماً" صدر بحق الضحية التي كُلفت هي نفسها بتنفيذه بحق نفسها، كما تعرض الأفلام التي تتناول نشاط المافيات في العالم. هذا إذا أضفنا إلى القصة ما نقله البعض من أن زوجة الراحل وابنته خاطبتا فقيدهما بالقول: "ليتك خلعت الثوب الذي يريد المطران أن يجبرك على خلعه". وإذا أضفنا إليها أيضاً ما قيل من أن الراحل تلقى اتصالاً هاتفياً قبل دخوله إلى المذبح، بما يذكر بقصة انتحار أخرى جرت في 2005، كان ضحيتها وزير الداخلية حينها.
سواء أكان للتحليل السابق نصيب من حقيقة ما جرى للفقيد، أو لم يكن، وإن القصة هي انتحار عادي مستقل عن حبائل السلطات وسعيها المحموم إلى تعزيز سيطرتها وسط ظروف سياسية تفاقمت بتفاقم أزمة "الحليف الروسي" التي قد يكون للأب الراحل موقفاً مغايراً للسلطات حيالها، ووسط ظروف معاشية توفر كل سبل الاحتجاج الشعبي، فإن حقيقة الحدث بذاتها، تشكل نقطة فارقة في تاريخ انحدار مستوى الحياة في سورية من جميع نواحيها، الانحدار الذي قادته باقتدار طغمة الحكم الأسدية منذ أن رسخت سيطرتها التامة على جهاز الدولة السورية بعد أقل من عقد من انقلاب الأسد الأب واستلامه أعلى سلطة في الدولة، وتحويل السلطة إلى الغاية الأولى على حساب المجتمع وقيمه ومعيشته. وفي خط مواز ومعاكس لهذا الانحدار كانت ترتفع ظاهرة التشبيح والفساد وشتى صنوف التضييق على حياة المحكومين.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قائد العالم ليس قائد السلام
- التفاوض بدلاً من المصائب
- أوكرانيا، العلة ليست في بوتين وحده
- عن المطلبية والمحلية في احتجاجات السويداء
- تقدير الراحل جودت سعيد
- هل يمكن الخروج من النظام الطائفي؟
- تحية للضعف
- ملاحظات على كتاب -رومنطيقيو المشرق العربي-
- محاكمة أنور رسلان، صرامة القضاء وميوعة السياسة
- في تبعثر الواقع السوري
- ماذا نفهم من قصف مرفأ اللاذقية؟
- ماذا لو كانت مجرد مزحة؟
- في سورية، الصراع الأمني أولاً
- الوطن المنفي
- الشيخ إمام في عالمي المغاير
- تيار يميني يثير ذعر الفرنسيين
- إشكالية -الجيش السياسي- في السودان وغيره
- بمناسبة الحديث عن مجلس عسكري سوري
- العالقون على حدود بولونيا، أي درس؟
- أسرار الحديقة


المزيد.....




- ماذا قال ترامب عن بوتين والعقوبات على روسيا بعد نشر الغواصتي ...
- اتهامات أمميّة لإسرائيل بتحويل نظام المساعدات إلى -مصيدة موت ...
- باريس توقف إجلاء غزيين بعد كشف تصريحات معادية للسامية لطالبة ...
- هل ستمنح غيسلين ماكسويل الشريكة السابقة لجيفري إبستين عفوا ر ...
- كامالا هاريس تكشف عن موقف -لم تتوقعه- في ولاية ترامب الثانية ...
- ايه آي2027: هل يمكن أن تكون هذه هي الطريقة التي قد يدمر بها ...
- مصادر أممية: إسرائيل قتلت في يومين 105 من الباحثين عن المساع ...
- قادة ديمقراطيون يدعون ترامب لإنهاء الحرب على غزة
- حماس: ترامب لا يمل من ترديد أكاذيب إسرائيل ولن نمل من تفنيده ...
- أفغانستان..زلزال يهز منطقة هندوكوش


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - جورج حوش، يأس نصير الرجاء