أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الحاضنة الزجاجية














المزيد.....

الحاضنة الزجاجية


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7210 - 2022 / 4 / 4 - 21:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة للقفص الزجاجي
١٣٨ - الحاضنة الزجاجية وسوء النية

إن ما سميناه "العادات الإجتماعية"، هو في حقيقة الأمر نظام شامل معقد يشمل العديد من المفاهيم والقيم المتناقضة. العادات هي أعراف تتوارثها الأجيال لتصبح جزءاً من عقيدة المجتمع، مثل تحريم أكل الموز في تجرية القرود الخمسة المذكورة سابقا، وتستمر ما دامت تتعلّق بالمعتقدات المتفق عليها ضمنيا على أنّها موروث ثقافي، وأحيانا يأخذ صورة التقديس كما هو الحال بخصوص الدين. فالعادة إذا تعبير عن معتقد أيديولوجي معين، أمّا التقاليد فهي مجموعة من قواعد السلوك التي تنتج عن اتفاق مجموعة من الأشخاص وتستمد قوتها من المجتمع، وتدلّ على الأفعال الماضية القديمة الممتدة عبر الزمن، والحِكم المتراكمة التي مرّ بها المجتمع ويتناقلها الخلف عن السلف جيلاً بعد جيل، وهي عادات اجتماعية استمرت فترات طويلة حتى أصبحت تقليداً، ويتم اقتباسها من الماضي إلى الحاضر ثمّ إلى المستقبل، فهي بمثابة نظام داخلي للمجتمع، والدين يعتبر بطريقة ما ملخصا للعادات والتقاليد، ولكن ليس بمبرر ثقافي أو زمني وإنما بمبرر سماوي أو إلهي. وهنا تتداخل العديد من العوامل الأخلاقية لتنظيم السلوك الفردي حسب قيم ومباديء مجردة ونظرية مثل الخير والشر والقضاء والقدر والثواب والعقاب .. إلخ. وهذا الإجماع والقبول الضمني لهذه العادات والتقاليد، إجتماعية كانت، أو دينية أو قانونية، هو مجرد قبول سطحي وصوري عند غالبية أفراد المجتمع الذين لا يجرؤون على الوقوف ضد التيار العارم لقوة المؤسسات الدينية والإجتماعية أو الحكومية التابعة للدولة. فيتظاهر الجميع باحترام العادات الإجتماعية وحمايتها من القوى الشريرة، من الأفكار والتيارات الإنحرافية.
وهذا التظاهر بتطبيق العادات والتقاليد والغيرة عليها، بل وممارسة العنف لفرضها على الذين يحاولون الخروج عما يسمونه بـ "الصراط المستقيم"، يمكن تسميته بـ" سوء النية - la mauvaise foi". تعتبر نظرية سوء النية جزءا أساسيا من الفلسفة المعاصرة، وبالذات فينومينولوجيا جان بول سارتر، فالإنسان عند سارتر كائن مجوف ينخره العدم، لكنه في نفس الوقت مسكون بالكينونة، يريد أن يكون، وتشير نظرية سوء النية إلى هذا التمزق للحالة الإنسانية، المحاصر بين الحرية المؤلمة لأنها مصدر القلق - المتمثلة في العدم، وبين التشيء المريح المتمثل في الكينونة الصامتة والساكنة. سوء النية هو الوجه الآخر للحرية، تمامًا كما أن الكذب هو الوجه الآخر للحقيقة. في كتابه الوجود والعدم، يسرد سارتر السلوكيات المختلفة لسوء النية، وهي السلوكيات التي يتظاهر الإنسان بأنها تمثله وتعبر عنه، كدور السياسي أو المثقف والطبيب ونادل المقهى أو المطعم، التي يستخدمها الإنسان لإخفاء "حريته" عن نفسه، هذه الحرية التي لا يستطيع تحمل مسؤوليتها. يتمثل سوء النية في نهاية الأمر في التظاهر بالاعتقاد بأن المرء ليس حراً، وبأنه ملزم بلعب دور ما في الحياة الإجتماعية، بمعنى أن يشبع نفسه من الكينونة، وأن يتجسد ويتشيأ في ما ليس هو. وربما هذا ما يجعل العديد من الناس يعتقدون بـ "عبثية" الوجود الإنساني، وبأن هذه الحياة مجرد لعبة عرضية بلا قوانين، أو بالأحرى يمكن أن تكون لها قوانين أخرى. ويكفي في حقيقة الأمر، قليل من المنطق، وقليل مما يمكن تسميته بالعقلانية أو حسن النية، لتنفجر اللعبة بأكملها ويعود القرد إلى شجرته. ولكن سوء النية هو قانون عام، كالجاذبية وقانون الطفو، لذلك نتظاهر جميعا بقبول اللعبة وقوانينها الزائفة، ومواصلة البقاء والنمو داخل هذه الحاضنة الزجاجية، ولا أحد له الحق أو القدرة على الخروج ولو خطوة واحدة خارج المكعب الإجتماعي.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نزول القرد من الشجرة
- روسيا-أوكرانيا وحرب التضليل الإعلامي
- ورأى حلمها في المرآة
- الحرب الإمبريالية في أوكرانيا
- بيان من نقابة المطافيء البريطانية
- أوكرانيا والناتو
- الحياة كمرض مزمن
- سعال الفئران البيضاء
- الدكتور جايكل ومستر هايد
- خطورة روح الجدية
- صلاة الإستسقاء
- نهاية المسرحية
- بداية النهاية
- تكملة المجزرة
- المجزرة العائلية
- الحريق
- العودة المحزنة للقفص الزجاجي
- مكعب الضباب
- فان جوخ والسجن الإختياري
- غربة فان جوخ


المزيد.....




- لماذا يواجه نتنياهو -قرارا مصيريا- بشأن غزة بعد إعلانه الانت ...
- نتنياهو: -نعمل على توسيع اتفاقيات السلام بعد انتصارنا على إي ...
- ماذا قال البيت الأبيض عن جهود ترامب بشأن انضمام دول خليجية و ...
- إيران تكشف عن أضرار -كبيرة- بالمنشآت النووي وتؤكد أن تعليق ا ...
- الاتحاد الأوروبي يمدد عقوباته على روسيا حتى مطلع 2026
- إيران تعلن حجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية جراء الضرب ...
- مهرجان موازين يحتفي بدورته العشرين بحضور فني عربي وعالمي ممي ...
- غزة تشيع نضال وكندة.. رضيعان قتلهما الحصار الإسرائيلي
- رئيس وزراء إسرائيل يتحدث عن فرص جديدة لتوسيع -اتفاقات السلام ...
- مصدر إسرائيلي: دعوة ترامب لوقف محاكمة نتنياهو جزء من تحرك لإ ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الحاضنة الزجاجية