أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - بداية النهاية














المزيد.....

بداية النهاية


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7193 - 2022 / 3 / 17 - 15:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة للقفص الزجاجي
١٣٢ - نهاية الرحلة

قضى جان-كلود رومان طوال الليل في الطريق من باريس إلى قريته الهادئة على الحدود السويسرية، وربما توقف مرة أو مرتين في المحطات الخاصة لراحة المسافرين على الطرق السريعة، لشرب القهوة وأكل ساندويش، وربما نام ساعة أو ساعتين في سيارته في أحدى هذه المحطات. لقد وصل أخيرا إلى بيته في الصباح، في حدود التاسعة يوم الأحد ١٠ يناير١٩٩٣ وهو منهك تماما من آثار الرحلة وكذلك من ثقل الأحداث التي مرت به اليوم السابق. نفترض أنه تناول طعام إفطاره ثم أخذ حماما دافئا وبعد ذلك قضى اليوم وهو يشاهد البرامج المختلفة على قنوات التلفزيون العديدة، وربما نام عدة ساعات، ولكنه حسب قوله قضى طوال اليوم وهو يشرب القهوة ويشاهد التلفزيون دون أن يخرج من البيت. نستطيع أن نتخيل هذا الرجل المنهك وهو يتحرك في بيته الكبير من مكان لآخر في شبه غيبوبة، أو جالسا على الكنبة في الصالون يحدق في شاشة التلفزيون دون أن يتابع حقيقة البرامج العائلية الغبية ليوم الأحد، وهو يعلم أن جثة زوجته وجثة إبنه وإبنته ترقد في صمت رهيب ومروع في الطابق العلوي منذ ٢٤ ساعة. ربما أخذه النوم لدقائق أو لعدة ساعات وهو أمام شاشة التلفزيون، وربما لم يغمض عينيه إطلاقا، وإنما كان يفكر في تنفيذ خطته والإعداد للخطوة الأخيرة والتي لا يستطيع تنفيذها إلا في وقت محدد، أي في حدود الساعة الرابعة صباحا من يوم الإثنين، حيث كان قد صب كمية كبيرة من البنزين على جثة زوجته وأطفاله وفي كل الطابق الثاني، ثم أخذ كمية كبيرة من سم الباربيتوريك Barbiturique ثم أشعل النار في البيت.
وفي هذه اللحظة، أو بعد ذلك بوقت قصير مرت سيارة جمع القمامة، وأدرك العمال خطورة الحريق، ورؤوا رجلا في ملابس النوم - بيجاما - عند النافدة المفتوحة في الطابق الأعلى يلوح بيديه ويصرخ. واتصلوا بفرقة المطافيء، ولولا مرور سيارة القمامة لأحترق البيت بكامله، وربما مات جان-كلود بدوره محترقا مع عائلته. غير أن الدكتور الطبيب له حظ عجيب، هو الذي له سمعة النجاح في كل ما يقوم به، إلا إذا كان هذا الحظ هو مجرد مسرحية أخرى، أو الفصل الأخير من مسرحية قام بإعدادها وتمثيلها وإخراجها للجمهور.
بعد خروجه من المستشفى، وأثناء محاكمته سنة ١٩٩٦، سألته المدعية العامة عن الأسباب التي جعلته يشعل النار في البيت في الساعة الرابعة صباحا، علما بأنه بقي في بيته طوال يوم الأحد، وأخبرته المدعية العامة بأنه كان يعرف موعد مرور سيارة القمامة، كما أن مادة الباربيتوريك التي تجرعها كانت منتهية الصلاحية منذ عشر سنوات، وأنه في حقيقة الأمر لم يكن يريد الإنتحار كما يدعي. وحكمت عليه المحكمة بالسجن المؤبد، و ٢٢ عاما كمدة أمنية لا يستطيع قبلها الخروج من السجن. من الواضح أن جان-كلود رومان شخص يحب الحياة وفكرة الإنتحار لم تكن في مشاريعه في أية لحظة على الإطلاق. هذه هي الأحداث بإختصار شديد حسب ما نقلته الصحافة في ذلك الوقت مستندة إلى تقارير الشرطة وإعترافات جان-كلود نفسه وشهادة معارفه وأصدقاءه.
الهدف من التوقف طويلا لمعاينة هذه الجريمة وسرد هذه الأحداث المتعلقة بهذه المواطن، والذي يوجد مثله آلاف وآلاف النماذج المشابهة، ذلك ليس للأحداث في حد ذاتها، الجرائم من هذا النوع للأسف الشديد تملأ أعمدة الصحف اليومية والأسبوعية، الجريمة في حد ذاتها لا تهمنا هنا، وإنما الذي يهمنا هو شخصية القاتل.
ذلك أن الدكتور جان-كلود رومان، الطبيب المحاضر والباحث وإخصائي القلب لا وجود له على الإطلاق، إنه مجرد شخصية وهمية وخيالية، دور مسرحي أجاد تمثيله وإعادته يوما بعد يوم طوال عشرين عاما. ومنذ الأيام الأولى للتحقيق في ظروف وحيثيات هذه المجزرة العائلية، أكتشفت الشرطة أن منظمة الصحة العالمية ليس لديها أي باحث أو طبيب أو موظف أو حتى غفير بإسم جان-كلود رومان، وأن هذا الإسم ليس مسجلا في سجل الأطباء. وعند معاينة ملفه في كلية الطب في جامعة ليون، أكتشفوا بأنه مسجل في السنة الثانية وأنه لم يجتاز الإمتحانات النهائية لهذه السنة. الدكتور جان-كلود رومان ليس طبيبا، ولم ينل أية شهادة جامعية، وطوال حياته لم يشتغل ولو ساعة واحدة في أية وظيفة مهما كان نوعها. ومع ذلك فقد نجح نجاحا باهرا في خلق شخصية الدكتور جان-كلود رومان الباحث والمتخصص في أمراض القلب، ويعيش في جلد وثياب هذه الشخصية الوهمية مع زوجته وأطفاله وعائلته وأقاربه وأصدقاءه وجيرانه، وأغلبهم من الجيل الشاب المتعلم، ومن عائلات غنية من الأطباء والمهندسين والكوادر ورجال الأعمال والسياسة، فكيف تمكن جان-كلود الحقيقي، طالب السنة الثانية في كلية الطب من إختلاق هذه النسخة الوهمية لتنال الشهادات الطبية والوظائف والتقديرات مكانه، ولكن في نهاية الأمر من هو الحقيقي ومن هو المزيف، من هو الأصل ومن هو النسخة ؟

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تكملة المجزرة
- المجزرة العائلية
- الحريق
- العودة المحزنة للقفص الزجاجي
- مكعب الضباب
- فان جوخ والسجن الإختياري
- غربة فان جوخ
- المال والسلطة والسلاح
- اللامرئي
- الرفض
- حرب على الحرب
- كاليجولا ومطاردة القمر
- سرير بروكست
- بين الوجود ولكينونة
- أدونيس وتعطيل العقل
- جريمة في القطار
- أدونيس وعمامة رامبو
- الجرذ المحاصر
- الوعي وال - أنا - المتعالية
- الساحرة


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - بداية النهاية