أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - العودة المحزنة للقفص الزجاجي














المزيد.....

العودة المحزنة للقفص الزجاجي


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7188 - 2022 / 3 / 12 - 14:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
١٢٨ - البداية السعيدة

جان- كلود رومان Jean-Claude Romand، رجل في منتصف حياته، ٤٥ سنة، في منتهى السعادة حسب المقاييس الإقتصادية والصحية والثقافية والإجتماعية المعترف بها في أوروبا وفي العالم أجمع. يعيش في فيللا واسعة في مدينة صغيرة تسمى Prévessin على الحدود السويسرية الفرنسية، وهي منطقة، تشبه الجنة الأرضية، الخضرة والماء والأزهار والهدوء والثروة، لا يتجاوز تعداد سكانها الـثمانية آلاف نسمة، تمثلها ٦٠ جنسية مختلفة أغلبها أوروبية بطبيعة الحال. جان-كلود، يعيش مع زوجته فلورنس، وإبنتهم كارولين ذات السبع سنوات، والإبن أنطوان الذي يصغرها بعامين. هذه العائلة الصغيرة تعيش بالتأكيد حياة سعيدة وهادئة في هذا الجزء الجميل من فرنسا الذي يسكنه أغنياء الطبقة المتوسطة من مهندسين وكوادر الشركات الكبرى والبنوك ومعامل الأدوية والصيدلة، وكذلك العديد من الجراحين وأطباء الأسنان والعيون ومتخصصي جراحة القلب .. إلخ. ويشتغل العديد من أعضاء هذه البشرية المرفهة في سويسرا، حيث الرواتب عالية جدا مقارنة برواتب فرنسا، وفي نفس الوقت يعيشون في فرنسا حيث رخص الحياة والإيجار مقارنة بجحيم الأسعار في سويسرا. جاء جان-كلود وزوجته إلى هذه المنطقة في سنة ١٩٨٤، بعد تحصله على وظيفة "باحث" في أحد مختبرات منظمة الصحة الدولية O.M.S، والذي يقع مقرها الرسمي في جينيف، على بعد نصف ساعة من منطقة سكنه.
جان-كلود، كان الإبن الوحيد لعائلة من الطبقة المتوسطة والميسورة نسبيا، عقدت عليه كل آمال العائلة، وبالذات والدته ثم والده وبقية الأقارب الذين يأملون بواسطة ذكائه وعمله وعلاقاته المستقبلة، في أن يجتاز بهم الجسر، أو درجة السلم التراتبي الفاصل بين "الحال المتوسط" إلى حالة الأسر "الميسورة"، وهو أمل كل الطبقة المتوسطة، وذلك حتى لا تسقط في الإتجاه المعاكس ويجتاحها مرض الفقر والحاجة. وفعلت هذه العائلة الطيبة كل جهودها ووضعت كل إمكانياتها المادية والإجتماعية ليتمكن جان-كلود من تحصيل تعليم جيد وتربية راقية المستوى وحس أخلاقي مرتفع، ولم ينقصه أي شيء في أي لحظة، ولم يحتاج في كل حياته لشيء لم يتمكن من الحصول عليه. كانت العائلة تحبة لدرجة المرض ومبالغ فيها لدرجة كبيرة، وبالذات والدته، وكان هو أيضا يحبهم ويحترمهم لدرجة كبيرة. وعلى المستوى المدرسي والتعليمي، كان ذكيا وناجحا ومواضبا في الدراسة ومتفوقا على أغلب زملائه. ولم يكن متعاليا رغم تقدمه على رفاقه، بل كان مهذبا ورقيقا ومستعد لخدمة الجميع والمساعدة كلما أتيحت له الفرصة. بإختصار، كان يتمتع بثقة جميع أهله وأصدقاءه وزملاءه في المدرسة وفي الكلية ثم في الجامعة، ويتفق الجميع على أن جان- كلود له مستقبل باهر في أي مجال يختاره.
وقد أختار جان-كلود مجال الطب لدراسته، لأن دراسة الطب تعتبر من أصعب الدراسات من ناحية الزمن الذي على الطالب أن يقضيه في الجامعة، وبالتالي أغلاها تكلفة، بالإضافة إلى أنها مهنة مبالغ في أهميتها إجتماعيا نظرا لأن هذه السمعة المهيبة ترجع أساسا إلى النواحي المادية للمهنة وليس للفنية أو الإبداع الشخصي. إجتماعيا، الطبيب شخصية مهمة من الدرجة الأولى، ليس فقط من ناحية الدخل الضخم، وإنما من ناحية العلاقات التي يقيمها الطبيب مع الشبكة السياسية والإقتصادية والعلمية في المجتمع الذي يعيش فيه.
وقد تحصل على تعليمه العالي في جامعة ليون faculté de médecine de Lyon، حيث ألتقى وتعرف على فلورنس، التي كانت تدرس الصيدلة في نفس الكلية في السبعينات. وقد تم الزواج بينهما في سنة ١٩٨٠، لأن الزواج ما يزال قيمة إجتماعية غالية على البرجوازية المحافظة، رغم تراجع هذه المؤسسة الإجتماعية بع ضربات ثورة ١٩٦٨ العمالية والطلابية وتطور الأفكار الفيمينيستية الثورية ضد النظام الأبوي. وتحصل جان-كلود على شهادته الجامعية الأولى سنة ١٩٨٣، وتحصل فورا على عمل في أحد المعامل الكبرى في جينيف، وانتقلت العائلة إلى "بريفسان" على الحدود السويسرية في السنة التالية لظروف عمل جان-كلود، ثم ولد الأطفال في السنوات التالية، كارولين سنة ١٩٨٥، وأنطوان بعد عامين سنة ١٩٨٧. أما الزوجة فلونس، فإنها لا تشتغل إلا لفترات متقطعة وعندما تشعر بالملل لتغيير الجو، ذلك أن عمل النساء في هذه السنوات ما يزال هامشيا بخصوص العائلات المحافظة، حيث تعتبر المرأة نفسها ربة بيت وإهتمامها الأساسي هو راحة الزوج وتربية الأطفال. في البداية كانوا يسكنون في شقة صغيرة نسبيا، ثم أنتقلت العائلة فيما بعد إلى فيللا كبيرة، واقتنوا سيارة فاخرة BMW، وسجلوا الأطفال للدراسة في مدرسة خاصة ذات سمعة جيدة ومستوى رفيع حسب ما يقال. وبسرعة أصبح جان-كلود شخصية محلية بارزة محترمة من جميع أعيان هذه المنطقة الصغيرة، حيث كان يتمتع بعلاقات واسعة رفيعة المستوى محليا وعالميا، وكان محل فخر وثقة والديه وعائلة زوجته فلورنس الذين يكنون له بدورهم الكثير من الإحترام والتقدير يصل أحيانا لحد التبجيل، لكونه باحث Chercheur على المستوى الدولي، يقود عدة برامج علمية وطبية شديدة الأهمية علميا وإقتصاديا، يلقي العديد من المحاضرات في المجمعات العلمية الدولية ويحضر الإجتماعات والدورات العلمية المتخصصة، بالإضافة إلى عمله كأستاذ محاضر في العديد من الجامعات. كل هذا النشاط كان يحتم عليه أن يتغيب ويسافر عدة مرات في الأسبوع، غير أن عائلته وزوجته كانت تتفهم بطبيعة الحال هذه الأمور الضرورية الناتجة عن ظروف وظيفته، وكانت تعمل كل ما في وسعها لمساعدته.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكعب الضباب
- فان جوخ والسجن الإختياري
- غربة فان جوخ
- المال والسلطة والسلاح
- اللامرئي
- الرفض
- حرب على الحرب
- كاليجولا ومطاردة القمر
- سرير بروكست
- بين الوجود ولكينونة
- أدونيس وتعطيل العقل
- جريمة في القطار
- أدونيس وعمامة رامبو
- الجرذ المحاصر
- الوعي وال - أنا - المتعالية
- الساحرة
- المعرفة عند الحلاج
- الحلاج
- ليلة الحشيش والبيرة
- النمل وكأس المساء


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - العودة المحزنة للقفص الزجاجي