أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - النمل وكأس المساء














المزيد.....

النمل وكأس المساء


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7161 - 2022 / 2 / 13 - 02:39
المحور: الادب والفن
    


هواجس السيد نون
٣١ - البيرة والنمل

دفغ الباب ودخل البار الذي يبدو خاليا من الزبائن في هذه الساعة المبكرة من هذا المساء الشتائي الممطر. أقفل مظلته المبللة ووضعها في السلة المخصصة لذلك وراء الباب. كانت هناك عدة طاولات مشغولة، في الركن الأقصى من المقهى من قبل مجموعة من الشباب الأغلب أنهم طلبة أو شيء من هذا القبيل، يتحدثون بصوت خافت ويشربون البيرة. صاحب المقهى كان يمسح الكؤوس بمنشفته البيضاء ويرتبها على الرفوف إستعدادا لجمهور الزبائن والذين سيزداد عددهم تدريجيا، مراقبا في نفس الوقت في الجانب الأيسر من المقهى مجموعة من الموسيقيين يعدلون ويجربون آلاتهم. المكان بدا له صامتا، كصورة بدون صوت، مما ضخم الإحساس بالقلق المخيم على المكان. تردد في الجلوس على أول طاولة نتيجة خوفة من تيار الهواء إذا ما دخل أحد ما لقربه من الباب، وتردد في الذهاب إلى الكونتوار ليطلب طلبيته ثم يعود للجلوس. غير أنه أطال التردد، مما جعل الساقي يضع منشفته على الرف ويخرج من وراء الكونتوار ويأتي ليحييه، فهو يعرفه على ما يبدو، ويسجل طلبيته ويدعوه للجلوس. وشكره وأخذ مكانه بعيدا عن المدخل وأبعد ما يكون عن فرقة الموسيقى. وأتته بطريقة ما فكرة الشموس والأقمار والنجوم، ربما التقط كلمة "نجم" في الفضاء قادمة من الطاولة التي يحتلها الطلبة، وربما من الجانب الآخر حيث اعضاء الفرقة الموسيقية. وبدت له النجمة فكرة تتكسر قطعا صغيرة، مثل زجاجة أو كأس من الزجاج الرقيق الشديد الهشاشة، نجمة تدور في الفضاء، للوهلة الأولى ترائى له فراغ أبيض شاسع، ثم تظهر النجمة رويدا رويدا، معلقة، ثم تترائى له الأرض تستقبل ضلال النجوم، تعكسها على وجوه البشر، تبدو له الأرض قاسية في عالم الإنسان المعاصر الذي حلل كل ذرة من الكون كبيرة أو صغيرة، وعرف خبايا وأسرار الحياة والموت ووأسرار المادة بكل تفاصيلها. النجمة، في الحقيقة أصبحت تسحق كالذبابة، بل أنها ميته، وما نراه ليس سوى صورة متأخرة لشعاعها، ودون أن نراها أو نسمعها، تسقط قطعها المكسورة في شارع ما، في حجرة ما، في ركن ما من مدينة أو قرية على وجه الأرض المجدور، ويتكسر الإنسان بدوره مثل بيضة، تسقط النجمة من علوها وتتقشر في ليلة صيف، تتقشر النجمة، والليل يتقشر ويتساقط قطعا بلاستيكية شفافة لينة تغلف الأجسام والأشياء بغلالة بيضاء تفوح برائحة الأرض المبللة، تتقشر النجمة وتتشقق، وتتبخر الكلمات، تتسرب من بين الشقوق، وتنتشر في الفضاء سحابا أسود. تمطر السماء نجوما مثقوبة تتناثر لحظة ارتطامها بالأرض، ملايين الشظايا الزجاجية، في الفراغ الليلي البارد. وتتحول النجمة،  تعود كما كانت، مجرد فكرة يمكن قتلها، وتمزيقها أو حرقها وذر رمادها في اركان الأرض الأربعة، أو دفنها في اعماق كهف في الصحراء الكونية الشاسعة. ولكن الذي يريده في هذه اللحظات هو أن ينسى، أن ينسى كلية هذه الفكرة وكل الأفكار المشابهة، أن يخبئها في أقصى ركن معتم من ذاكرته، أن يمحوها، يقتلعها من جذورها، أن يسحقها مثل قملة، يحرقها ثانية، ويرسم بفحمها كلمة، مجرد كلمة، كلمة يقولها بلسانه المربوط والمتيبس، كلمة يكتبها بأصابعه المرتجفة، يغنيها، يرسمها وينحتها، كلمة ينقشها بأظافره على جلده، على جسد الجدار الصدئ، كلمة واحدة، يقولها ويعود إلى النوم. غير أنه لم يجد هذه الكلمة، سقطت منه وضاعت في الرمال ولم يبق له سوى صورة المغني الأعمى ترقص في قعر الكأس الذي أمامه وصدى نشيده الجنائزي عن هذا الزمان، زمان بلا صوت، زمان فقدت فيه الكلمات رنينها، وأصبحت مجرد حشرات نملية نربيها في الكراريس المدرسية، ونسجنها وسط الصفحات ذات المربعات الصغيرة. وأستيقظ السيد نون من غفوته على صوت الساقي : كأسك يا أستاذ.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتسكع
- الشاعر الصوفي
- عن القهوة والبطيخ
- الشعر والصوفية
- الأنا والغيرية
- الشك
- تعرية الله
- الوعي وتكوين ال - أنا -
- الحجرة
- رواية -النسخة- لدوستوييفسكي
- عن الإنس والجن
- السرير
- العودة للحياة
- المنطق الرياضي لمعرفة الخير والشر
- تفاصيل يوم الحشر
- قراءة القرآن
- - أنا - لم تكتب هذا النص
- الحجر الجيولوجي والحجر الأركيولوجي
- عناقيد الهموم
- الإنسان الإلكتروني


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - النمل وكأس المساء