أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - المعرفة عند الحلاج














المزيد.....

المعرفة عند الحلاج


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7164 - 2022 / 2 / 16 - 13:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
١١٩ - الحلاج والمعرفة الحدسية
هذا التحليل لشخصية الحلاج النفسية، والقريب إلى حد ما من التحليل الفينومينولوجي لتعالي الأنا أو الإيغو يجعل من تجربة الحلاج الصوفية، تجربة وجودية ثرية ونادرة في عالم التطور الروحي الديني. رغم أن قاسم محمد عباس لا يرجع هذا التعالي للأنا مرتبطا بطبيعة الوعي الإنساني عموما، وإنما يربطها بفكرة الموت عند الحلاج ولا مبالاته بنهايته المرتقبة، ولا يعطيها الطابع العام المتعلق بتكوين الأنا بواسطة الوعي.
أقتلوني يا ثقاتي، إن في قتلي حياتي
ومماتي في حياتي وحياتي في مماتي
آن عندي محو ذاتي من أجل المكرمات.
في زمن مأساة الحلاج، يقول قاسم محمد عباس : " نلمس أنه يولي إهتماما كبيرا للروح في زمن الميثاق، ونعني بذلك " ألما قبل الداخلي الذي لا يمكن بلوغه أثناء التفكير الواعي "، إذن الحلاج لا يبحث عن ذاته عندما ينطوي عليها، فضلا عن أنه لا يبحث عنها عندما يرسم لنا شخصيته في العالم الخارجي، فهو في واقع الأمر رؤيوي تخترقه نظرة العالم الخارجي دون أن تتوقف فيه لحظة، حتى وإن كانت نظرة الآخر مأخوذة بهذا الماورائي الأسراري النظام، أو المقابل لعالمه الداخلي. "
" الكل نظروا إلى العوالم فأثبتوها، وأنا نظرت إلى نفسي ثم خرجت عنها ولا أعود إليها "
فمن هو الذي يتكلم هنا ؟ وما هو الفرق بين "أنا" و "نفسي"، ولمن ترجع ياء الملكية ؟
الغزالي يقول بخصوص المتصوفة عموما "علمت يقينًا أنهم أرباب أحوال لا أصحاب أقوال، وأن ما يُمكن تحصيله بطريق العلم فقد تحصل ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع وبالعلم، بل بالذوق والسلوك". هذه شهادة صريحة من الغزالي بأن التصوف في صميمه «تجربة روحية» وسنسميها نحن بكل بساطة بالتجربة الوجودية، وأن التصوف شيء مختلف تمام الاختلاف عن التأمل الفكري أو العلمي، وأنه يرتبط إرتباطا وثيقا بالصورة والخيال، وهو إختلاف جوهري وأساسي بين طبيعة التصوف وطبيعة الفلسفة وطبيعة الفن، من حيث أنها طرق مختلفة، متوازية وأحيانا قد تتقاطع لمعرفة الوجود المطلق أو الوجود "الحق" حسب التعبير الصوفي. فالتصوف تجربة تتجه فيها «الإرادة» الإنسانية نحو موضوعها الذي تقصده وتتجه إليه لتفنى فيه، ولمعرفته معرفةً "ذوقيةً" أو "إشراقية" أو "حدسية". فالصوفي يعرف «المطلق» اللامتناهي بقدر ما يتجلى له ذلك المطلق في ما يسميه "قلبه"، ومعرفته له وشهوده إياه واتحاده به ليصبحا شيأ واحدا.
عجبت منك ومني يا منية المتمني
أدنيتني منك حتى ظننت أنك إني
وغبت في الوجد حتى أفنيتني بك عني
إن موضوع البحث في الحياة الصوفية هو هذه «التجربة الصوفية» التي أطلق عليها الصوفية أنفسهم اسم «الحال» ووصفُوها بأنها المنزلة الروحية التي يتَّصل فيها المريد بالذات الإلهية، أو يتَّصل فيها المتناهي باللامتناهي، وهي المنزلة الروحية التي يحصل لهم فيها الإشراق، ويفيض عليهم فيها العلم الذوقي. وليست هذه الحال من أحوال العقل الواعي أو العقل المفكر، وإلا كانت خاضعة لميكانيزم العقل وقوانينه الصارمة، وإنما هي حالة من حالات "الوعي المنعكس" المتحفز للظهور والإعلان عن نفسه في كل ضروب النشاط الإنساني الإدراكي، الفكري والعملي، وبالذات في مجال الفن والخيال. بعبارة أخرى هي حال من أحوال «الإرادة» والتي سنسميها هنا بالقصدية، بمعنى الوعي المطلَق ، الما قبل تكون الأنا، أو الذي تخلص من أناه اللاحقة اللاضرورية، وأصبح يتمتع بالشفافية المطلقة وبإعطاء كينونة ما للوجود، واتصال الإرادة المتناهية بالإرادة اللامتناهية. وغياب أو انمحاء الذات أو الأنا فيها هو ما عبر عنه الصوفية تعبيرا دقيقًا باسم الفناء في الله. وقد اعتبر الصوفية المسلمون "الإرادة" جوهر الألوهية وجوهر الإنسان. فالإرادة عندهم هي المصدر، نقطة الابتداء من جهة، وهي الغاية، نقطة الانتهاء من جهة أخرى؛ إذ بالإرادة وحدها يُثبتون وجودهم وعن طريق الإرادة وحدها يتصلون بما يحنون إليه أو يصلون إلى مطلوبهم وهو الله. والكوجيتو الصوفي، يختلف عن الكوجيتو الديكارتي من ناحية الشكل فقط، فليس الفكر هو الذي يحدد ضرورة الكينونة وإنما الإرادة، غير أن المشكلة تبقى قائمة بخصوص الفراغ الفاصل بين الأنا التي تريد أوالتي تفكر وبين الأنا التي توجد. وهذا الفراغ لا سبيل إلى إلغائه إلا بإلغاء الأنا وإعتبار الوجود أو الوعي سابقا للماهية الذاتيه الأناويه التي كونها هذا الوعي لإعتبارات عملية. بالإضافة إلى أن هذه الإرادة، بالنسبة للمتصوف، ليست في الحقيقة الإرادة الإنسانية، وإنما هي مظهر من مظاهر الإرادة الإلهية اللامتناهية؛ لأنه لا فاعل في الحقيقة الصوفية إلا الله ولا مريد في الحقيقة إلا هو. بل إن «المعرفة» التي أطلق عليها متصوفة المسلمين اسم «الذوق» ليست هي الأخرى عملا ً من أعمال العقل الواعي ولا مظهرا من مظاهره، بل هي مظهر من مظاهر الإرادة والوجدان، مظهر من مظاهر الاتصال "السيكولوجي" الذي هو أشبه بالاتصال البدني؛ ولهذا لا تخضع المعرفة الذوقية لمقولات العقل ولغته ومنطقه، بل لها لغتها الخاصة ومنطقها، والصوفية لا يترددون في القول بأن العقل حجاب كما البدن حجاب، وكلاهما ينتجان طبقات كثيفة من الظلال الكثيفة والأسوار تحول بين الإنسان وعالم الحقيقة، وأنه لا بد لمن ينشد المعرفة الذوقية الخالصة من أن يتجرد ويتخلص من العقل ومقولاته وأساليبه المعقدة ويلجأ للحدس المباشر لمعرفة الحقائق.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلاج
- ليلة الحشيش والبيرة
- النمل وكأس المساء
- المتسكع
- الشاعر الصوفي
- عن القهوة والبطيخ
- الشعر والصوفية
- الأنا والغيرية
- الشك
- تعرية الله
- الوعي وتكوين ال - أنا -
- الحجرة
- رواية -النسخة- لدوستوييفسكي
- عن الإنس والجن
- السرير
- العودة للحياة
- المنطق الرياضي لمعرفة الخير والشر
- تفاصيل يوم الحشر
- قراءة القرآن
- - أنا - لم تكتب هذا النص


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - المعرفة عند الحلاج