أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - نزول القرد من الشجرة















المزيد.....

نزول القرد من الشجرة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7209 - 2022 / 4 / 2 - 21:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة للقفص الزجاجي
١٣٧ - نزول القرد من الشجرة

يبدو أن المشروع الوحيد للغالبية العظمى من البشر هو مشروع البقاء حيا لليوم التالي، وهذا يعني بكل بساطة نسيان الجانب الجوهري لمعنى "الحياة"، والإهتمام فقط بالجانب العملي أو المادي أو الصوري لمشروع البقاء حيا. وهذا يحتم أيضا على هذه الغالبية الساحقة من البشر الإعتماد بطريقة آلية على خارطة الطريق التي وجدوها جاهزة ومطروحة أمامهم منذ البداية. هذه الخارطة الشعبية القديمة، متواجدة في كل الأسواق وفي كل الثقافات وفي كل العصور، وإن كانت هناك إختلافات طفيفة تحدث من حين لآخر نتيجة تغير المكان والزمان واللغة .. إلخ
ولا شك أن ما يسمى بـ "التقاليد والعادات" تشكل هيكل هذه الخارطة وقلبها التي تقود البشرية نحو الهاوية، لأنها تشكل في حقيقة الأمر "رحم " المجتمع، حيث يتغذى الإنسان بكل ما حوله من قيم وقوانين وعادات، وتحميه من العواصف والأعاصير والتأثيرات الخارجية التي قد تنال صميميته ونواة وجوده. وفي هذه الحالة، يبدو المجتمع البشري كأنه يعيش مرحلة ما بعد نزول القرد من الشجرة مباشرة. ونحن نعرف أن نزول القرد من الشجرة ليس كافيا لتكوين الإنسان البشري، وهذه الحاضنة الجديدة للإنسان التي يمكن تسميتها "العادات الإجتماعية" لم تخلص هذا الإنسان من ظاهرة العنف والعدوانية والقتل، بل مكنته بواسطة التكنولوجيا الحديثة من تطوير قدراته وإمكانياته التدميرية، التي وصلت مرحلة عدم إمكانية الرجوع إلى الوراء. بطبيعة الحال تحاول أغلب المجتمعات تقليل نتائج "العنف الفردي" ومحاولة علاج هؤلاء الناس عن طريق ما وجدوه في خارطة الطريق التي تحدثنا عنها سابقا، مستعملين الوصفات القديمة الموجودة في فصل خاص يسمى " سياسة الترغيب والترهيب".
لقد أثبتت سياسة الترغيب والترهيب فشلها الذريع في التخلص من إنتشار "العنف" والقتل والإعتداء على الآخر في كل المجتمعات بدون استثناء، ومع ذلك يظل "العقاب" هو حجر الأساس للمنظومة الأخلاقية وللهيكل القضائي ولتطبيق مفهوم العدالة. السجون المتعددة والعقوبات الطويلة الأمد وعقوبات الإعدام ما زالت هي الحل الوحيد الذي يلجأ إليه المجتمع للتخلص من الجريمة. وذلك لعدم وجود حل آخر كما يقولون، وأيضا لانتشار الفكرة الساذجة بأن الإنسان هو مجرد"عجينة" يمكن تشكيلها كما نشاء، ويمكن تهذيبه وتوجيههه وتقويمه وتكوينه كما نرغب، باستعمال وسائل طفولية يسمونها الترغيب والترهيب. وخير ما يمثل انتشار هذه الفكرة الخاطئة عن الإنسان "العجينة" هو تجربة "القرود الخمسة" والتي انتشرت في الفترة الأخيرة بدرجة كبيرة على الصفحات الإلكترونية بجميع لغات الدنيا، ولكن أيضا في العديد من الكتب والمقالات والمحاضرات والمنشورات العلمية المهتمة بالسلوك والتربية. وملخص هذه القصة، أنه في سنة 2011 كتب السيد ميكائل ميشالكو Michael Michalko موضوعا في مدونته بعنوان "ماذا يمكن أن تعلمنا القرود عن سلوك الإنسان" "What Monkeys Can Teach Us About Human Behavior" وذكر تجربة قام بها مجموعة من علماء النفس المتخصصين في دراسة سلوك القرود منذ عدة سنوات. التجربة تتلخص في وضع خمسة قرود في قفص كبير ووضع سلم في أحد جوانب القفص معلقا في أعلاه موزة. ولم يمض وقت طويل حتى لاحظ أحد القردة الموزة تتأرجح في أعلى السلم، فأسرع وأرتقى الدرجات القليلة وقبل أن يمد يده ليمسك بها، أنهال عليه وعلى بقية القرود رشاش من الماء المثلج أعده العلماء خصيصا لهذا الغرض، فنزل القرد بسرعة، وعند ذلك توقف الرش بالماء البارد. وبعد عدة محاولات من قرد آخر أو إثنين وعملية الرش بالماء البارد لكل القرود كلما حاولوا صعود السلم، لاحظ العلماء القائمين بالتجربة أن القرود أصبحت تمنع أي واحد منهم يحاول الإقتراب من السلم خوفا من الماء المثلج. وفي اليوم التالي قام المجربون بإخراج أحد القرود الخمسة من القفص وأدخلوا مكانه قردا آخر لا علم له بالتجربة ولا بما حدث في اليوم السابق. وبعد فترة وجيزة لا حظ بدوره الموزة المعلقة في أعلى السقف، فلم يتردد في الإتجاه إلى السلم، غير أنه قبل أن يضع قدمه الأولى أحاطت به بقية القرود وانهالت عليه بالضرب والصراخ ومنعته من محاولة الوصول إلى الموزة. وفي اليوم الثالث قام المجربون بإخراج قرد آخر من المجموعة الأولى واستبدلوه بقرد جديد. وما أن حاول بدوره أن يقترب من السلم للحصول على الموزة حتى أحاط به بقية القرود ومنعوه من الوصول إلى الموزة بما فيهم القرد الجديد الأول الذي لا يعرف حتى الآن لماذا منعهوه بالأمس من الوصول إلى الموزة. وتكررت التجربة حتى تم استبدال القرود الخمسة الأصلية بقرود جديدة والتي لم ترش بالماء البارد مطلقا ولكنها تمتنع، وتمنع أي قرد جديد بمحاولة الوصول إلى الموزة المحرمة. ويستنتج السيد ميشالكو في نهايه مقاله بأن الناس أيضا يتصرفون بهذه الطريقة ولا يتسائلون عن الأسباب ولا الدوافع طالما "كانت الأمور دائما هكذا" أو "هذا ما وجدنا عليه آبائنا وأجدادنا". وبطبيعة الحال يمكن تخيل بقية القصة، فبعد العقاب الأول بالماء المثلج لمن يحاول الوصول إلى الموزة، جاء العقاب الثاني المكون من الضرب والصراخ والمنع الجسدي من مجتمع القرود الذين جربوا عقاب الماء البارد لمنع القرود الجديدة من المحاولة، وقد نصل فيما بعد إلى مرحلة قتل القرد المصر على أكل الموز، وبذلك يمكن تخيل مجتمعا من القرود يعيش في غابة من أشجار الموز ويموتون جوعا لأنه محرم عليهم أكل ثمار هذه الشجرة. القصة تبدو مثيرة ومحتملة بل العديد يعتقد بمصداقيتها، ولكن الحقيقة أن هذه التجربة لم تحدث مطلقا وإنما خرجت مباشرة من مخيلة الكاتب، وسبب نجاحها وانتشارها يعود الى الاعتقاد القديم بأن الإنسان حيوان يمكن ترويضه مثل القرد أو أي حيوان آخر، وهي الفكرة التي توجه أغلب فلسفات ومناهج "التربية"، رغم أنه في الواقع، القرد ذاته لن يتصرف بالطريقة المذكورة في التجربة. وهذا لا يعني أن الإنسان لايغير سلوكه حسب المعطيات الإجتماعيه والظروف الموضوعية وتغيرات المحيط الذي يعيش فيه، وإنما الذي نقوله بأن الإنسان ليس قردا، وذلك لأنه يمتلك جهازا خارقا هو "العقل" له القدرة على التساؤل والبحث والتنقيب عن الأسباب والمبررات وإيجاد الحلول، وأنه الإنسان الفرد هو الذي يختار في نهاية الأمر بين الموزة والماء المثلج، وأن الخوف لن يقنعه إلا مؤقتا بأن "الموزة محرمة".

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روسيا-أوكرانيا وحرب التضليل الإعلامي
- ورأى حلمها في المرآة
- الحرب الإمبريالية في أوكرانيا
- بيان من نقابة المطافيء البريطانية
- أوكرانيا والناتو
- الحياة كمرض مزمن
- سعال الفئران البيضاء
- الدكتور جايكل ومستر هايد
- خطورة روح الجدية
- صلاة الإستسقاء
- نهاية المسرحية
- بداية النهاية
- تكملة المجزرة
- المجزرة العائلية
- الحريق
- العودة المحزنة للقفص الزجاجي
- مكعب الضباب
- فان جوخ والسجن الإختياري
- غربة فان جوخ
- المال والسلطة والسلاح


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - نزول القرد من الشجرة