|
مأساة -المواطن- أمجد حسين
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1669 - 2006 / 9 / 10 - 10:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كنت أرتب أوراقي وأفكاري وأحتشد لكتابة هذا المقال الأسبوعي عن قضايا الحريات الفكرية بمناسبة مشاركتي في أواخر شهر أغسطس بورشة عمل نظمها منتدي الإصلاح العربي بمكتبة الإسكندرية التي استهلها الدكتور اسماعيل سراج الدين بقوله: "ان مكتبة الإسكندرية تولي قضايا الحرية بمستوياتها المتعددة اهتماما بالغا. حيث خصصت مؤتمرا دوليا لحرية التعبير. وعقدت عددا من الندوات لتأصيل مفاهيمها في مختلف المجالات. لكن منظومة الحريات الفكرية في أبعادها المجتمعية تتجاوز حرية التعبير لترتبط بممارسات البحث والانتاج المبدع في العلوم والفنون وأنشطة الحياة المختلفة. مما يجعل العوائق المحيطة لها كامنة في أعماق الوعي ومتجذرة في منظور المجتمع ذاته. الأمر الذي يتطلب تحليلا موضوعيا للأطر التاريخية والتشريعية الحاكمة لهذا المنظور من جانب. ولواقع الممارسات الأكاديمية والانتاج العلمي من جانب آخر. لبيان دور مؤسسات المجتمع الفاعلة في توجيه حركته. من ثقافية واجتماعية ودينية. في إطلاق طاقات الابداع لديه أو الحجر عليها امتثالا للتقاليد المرعية وعجزا عن اختراق أسباب التخلف مع شدة الحاجة إلي تجاوزها". وبينما كنت أسترجع كلمات رموز الفكر والثقافة الذين صالوا وجالوا في هذه الندوة المهمة. وأستعيد صدي تأملاتهم عن حال الحريات الفكرية في بلادنا.. خطفت بصري مقالة للزميل الأستاذ عادل حمودة في جريدة "الفجر" تتحدث عن مأساة مروعة تعرض لها المواطن المصري أمجد مختار حسين أثناء سفره مع زوجته وأحد أصدقائه في طريقهم إلي مدينة القصير سرعا ما تحول الاستجواب إلي حفل تعذيب وتنكيل وإهانة وإذلال تقشعر لتفاصيلها الأبدان. وصلت إلي حد أرغامه علي خلع ملابسه واهدار آدميته وإجباره علي تقبيل أحذية العساكر الموجودين. ومد كل عسكري حذاءه بالأمر ليبوسه أمجد تحت التعذيب المروع وتكرر ذلك عشرات المرات! المهم.. انه بعد تفاصيل بشعة تم اطلاق سراح "المواطن" المسكين الذي كان أول ما فكر فيه هو أن يترك مصر ويسافر إلي أي مكان بعد أن تحول الوطن إلي كابوس دون ذنب جناه. ولولا إلحاح الأصدقاء والأهل لما فكر في الإبلاغ عن هذه الجريمة النكراء التي تعرض لها علي يد ضابط شرطة سفاح معدوم الإنسانية ومملوء بالقسوة والسادية ومجرد من معني الرحمة أو احترام القانون الذي يفترض فيه أن يكون حارسه والمدافع عنه. باختصار علم اللواء عز الزيات مدير أمن الغردقة بالواقعة فقام الرجل بارسال فاكس إلي وزير الداخلية باسم أمجد. تسلمه النقيب هشام الطيب من المكتب الفني للوزير. وتولي التحقيق العميد حسن يوسف مسئول التفتيش في الغردقة وخلال ثلاثة أيام شعر الضباط الكبار بأن هناك تجاوزات لا يمكن السكوت عليها. وبدأوا التحقيق الذي استمر ثلاثة أيام.. اعترف خلالها جنود الكمين بما حدث. هذه هي خلاصة القصة البشعة التي رواها الزميل عادل حمودة التي جعلتني أترك "الحريات الفكرية" جانبا. حيث بدا لي أن الحديث عن الحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي وأخواتها من الحريات الفكرية.. "ترفا" شديدا في هذا المناخ السوداوي. الذي يذكرك بموقف الدكتور لويس عوض المفكر والأستاذ الجامعي والمثقف المرموق وهو يتعرض للتعذيب الجسدي في المعتقل في الستينيات فينظر إلي محمود السعدني متسائلا: "أليس هذا ضد مبدأ الهوبياس كوربوس". أي حرمة الجسد.. في القانون الروماني؟! لكن مما يخفف من بشاعة هذه الجريمة التي تعرض لها المواطن أمجد ان وزارة الداخلية لم تتذرع بالصمت هذه المرة إزاء هذه الجريمة. بل أصدرت بيانا يوم الأحد الماضي جاء فيه ان التحقيقات أكدت صحة ما ادعاه المذكور أي أمجد حسين من سوء معاملة قوة أفراد كمين الزعفرانه له. وإزاء ذلك تمت إحالة الضابط مرتكب الواقعة إلي الاحتياط. وتقديمه هو وباقي أفراد الكمين إلي المحاكمة العسكرية. وهذا البيان يمثل تطورا لافتا للنظر. حيث تعودنا في عهود سابقة ألا تلقي شكاوي المواطنين ضد أفراد محسوبين علي الشرطة أدني اهتمام. وإذا ما تم النظر فيها فإنها عادة ما كانت تنتهي إلي الحفظ. الآن.. نجد موقفا مختلفا وسلوكا مغايرا وتأكيدا من وزارة الداخلية بأنه "ليس من مصلحة العمل التستر علي مثل تلك الوقائع التي تسئ للجهد الأمني المبذول في شتي القطاعات". وهذا موقف يجعلنا نتجه بالتحية إلي وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي. لكنني كنت أتمني أن يأتي هذا الموقف المشكور مشفوعا باعتذار من الوزارة إلي المواطن الغلبان الذي ألقاه حظه السييء في يد هذا الضابط معدوم الإنسانية فهذا الاعتذار لا يقلل من شأن الوزارة بل يزيد تقدير المواطنين لها. بل أذهب أبعد من ذلك لأقول ان الاعتذار لا يكفي. بل يجب أن يتم تعويض هذا المواطن وهذه ليست بدعة.. بل إن هذا هو ما يحدث في العالم المتحضر. الأمر الثاني هو أن هذه البادرة الطيبة من وزارة الداخلية تشجعنا علي مطالبتها بتبني مبادرة أوسع وأشمل لاستئصال شأفة المعاملة الخشنة للمواطنين في أقسام الشرطة والتنسيق مع منظمات حقوق الانسان لخلق آليات تضمن تحقيق ذلك بصورة جدية ومتنامية. فغني عن البيان أن مثل هذه التجاوزات هي أحد الثغرات التي تهب منها رياح الإرهاب والانشقاق واللاانتماء.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رشيد يعيد الاعتبار لآليات رأسمالية القرن التاسع عشر!
-
هل ندافع عن لصوص الرغيف .. بسبب الدعم؟!
-
ماذا أنت فاعل يا وزير الثقافة؟
-
هل جامعات مصر عضو غريب في جسم يرفضه؟!
-
الفساد .. وسنينه 6
-
الفساد .. وسنينه 7
-
الفساد .. وسنينه 8-8
-
قطارات الموت
-
الفساد .. وسنينه 5
-
تحالف الاشتراكيين : إنجاز لمصر .. وليس لليسار فقط
-
الفساد .. وسنينه 2
-
الفساد .. وسنينه 3
-
الفساد .. وسنينه 4
-
التطبيع .. مع الفساد
-
ثلاثية حسن نصر الله
-
استحقاقات القرار 1701
-
ألغاز إنجليزية
-
13ساعة أجازة من حرب لبنان.. فى -مصيف- أسيوط
-
-العدوان الثلاثى- الثانى .. والصمت العربى المزمن
-
القاع
المزيد.....
-
البرتغال تخطط لطرد نحو 18 ألف مهاجر غير شرعي من البلاد
-
-التحالف الدولي- يجري تدريبات ومناورات في محيط أكبر قواعده ب
...
-
استطلاع: ثلثا الألمان يعتبرون حزب -البديل من أجل ألمانيا- مت
...
-
الاحتلال يعتدي على فلسطينيات بأريحا والمستوطنون يصعّدون عدوا
...
-
قطر ترفض تصريحات -تحريضية- لمكتب نتنياهو حول دورها في الوساط
...
-
موقع عبري يكذّب رواية مكتب نتنياهو بخصوص إلغاء الزيارة إلى أ
...
-
فرقة -زيفربلات- الأوكرانية تغادر إلى سويسرا لتمثيل بلادها في
...
-
-كيماوي وتشوه أجنة-.. اتهام فلسطيني لإسرائيل بتكرار ممارسات
...
-
قطر ترد بقوة على نتنياهو بعد هجومه العنيف والمفاجىء على حكوم
...
-
موسكو تؤكد.. زيلينسكي إرهابي دولي
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|