القاع

سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1635 - 2006 / 8 / 7 - 10:43
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    

قبل ان تبرد نيران غضبنا من جراء بشاعة مذبحة قانا ، فؤجئنا أمس الأول بمذبحة لا تقل وحشية ارتكبها الإسرائيليون البرابرة ضد عشرات من الفلاحين اللبنانيين البسطاء فى قرية " القاع" بسهل البقاع بالقرب من الحدود السورية .
ومرة ثانية ، وفى اقل من أسبوع ، نقلت الينا كاميرات الفضائيات صوراً مروعة للهمجية الإسرائيلية التى تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وانتهكت كل الأعراف والقوانين الدولية ، واستهانت بجميع القيم والمشاعر الإنسانية .
والواضح من هذه الجرائم المتكررة التى يقترفها الإسرائيليون بدم بارد انها ليست ناجمة عن "أخطاء" فى المعلومات او خلافه، وانما هى عمليات متعمدة مع سبق الإصرار والترصد. وهو الأمر الذى أكدته تقارير منظمة " هيومان رايتس ووتش" وتصريحات فادى القاضى المتحدث باسمها فى الشرق الأوسط.
حيث أثبتت هذه التقارير وتلك التصريحات ان إسرائيل كانت تعلم علم اليقين ان هذه الأهداف التنى تحولت إلى كوارث وعمليات إبادة جماعية للأطفال والنساء والفلاحين الغلابة ليس بها مسلح واحد من أنصار حزب الله.
فلماذا تتعمد إسرائيل ارتكاب هذه المجازر التى اصبح فى حكم المؤكد ان أمرها سيفتضح فى نفس اليوم بفضل ثورة الاتصال والمعلومات، وتعرف الدولة اليهودية ذلك، وتعرف بالتالى انها ستسيء إلى سمعتها وتجلب عليها سخط الرأى العام العالمى؟!
لا احب تفسير هذا السلوك البربرى بتفسيرات " عنصرية"، او بتفسيرات " دينية " لان هناك يهوداً فى أنحاء شتى من العالم قد أعربوا – علنا- عن اشمئزازهم من هذه الأعمال القذرة ورفضوا تبريرها.
وبدلاً من الانزلاق إلى عنصرية مضادة الفت النظر إلى عدد من العوامل ربما تفسر هذا السلوك الاجرامى.
أولاً – تمثل هذه المذابح شكلا من أشكال العقاب الجماعى للبنانيين لاحتضانهم المقاومة الوطنية بقيادة حزب الله، وتوفيرهم المناخ المواتى لمسيرتهم النضالية التى بدأت منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 ، والتى نجحت فى إذلال الإسرائيليين وإجبارهم على الانسحاب من الجنوب عام 2000.
ثانياً : كما تمثل محاولة لتأليب الناس على المقاومة، وبالتالى تمهيد الطريق لانقضاضهم عنها ثم الانقلاب عليها.
ثالثاً : إعطاء القوى السياسية اللبنانية المناهضة لخط المقاومة الوطنية ذريعة للهجوم على حزب الله وتحميله مسئولية معاناة الشعب وخراب البلاد، خاصة مع وجود الأحن الطائفية وتراكماتها السابقة التى يمكن ان تشعل فتيل حرب أهلية جديدة تكون إسرائيل هى المستفيد الوحيد منها، وتكون تداعياتها السلبية هى اللبنة الأولى فى بناء صرح الشرق الأوسط الجديد الذى تبشرنا به كوندوليزا رايس .
رابعاً : خلق حالة من الرعب فى الأوساط الشعبية والدوائر السياسية على حد سواء تكون نتيجتها الأساسية هى " الكفر" بخط المقاومة الوطنية ، وتشجيع القوى الانهزامية على ان تطل برأسها من جديد للترويج لخط التسليم والإذعان للشروط الإمبراطورية والاستعمارية الأمريكية – الإسرائيلية .
ومع ذلك .. فان الكثير من المحللين السياسيين توقعوا ان تكون مذبحة قانا هى "القاع" لهذا السلوك الإجرامي الذى لا يمكن تبريره، لكن سرعان ما اثبت " قاع" البقاع ان هذه النبوءة غير صحيحة. وإذا ما استمر الدعم الأمريكي المادى والمعنوى للطغمة الإسرائيلية، وإذا ما استمر الصمت العربى الرسمى الذى يصل فى بعض الأحيان إلى التأييد المباشر او غير المباشر للعدوان الإسرائيلي ، فانه لن يكون هناك " قاع " لتلك الوحشية التى تمثل أحط أشكال إرهاب الدولة ، والتى تشكل جريمة متكاملة الأركان ضد الإنسانية .

#سعد_هجرس (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل