سعيد العليمى
الحوار المتمدن-العدد: 7199 - 2022 / 3 / 23 - 15:41
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
قال ولد لأبيه : دعنا ياأبى نظهر بمظهر الشرفاء فرد عليه : لابد أن ننتظر يابنى حتى يموت كل من يعرفنا . ولكن المؤرخ الكورييلى لاينتظر موت أحد . حين يشير المفكر ابراهيم فتحى فى ذيل مقاله إلى هذا المؤرخ الكورييلى قاصدا بصفة خاصة كتابه : الحركة الشيوعية فى مصر -- 1920 -- 1988 - لمؤلفيه د . رفعت السعيد - د . طارق اسماعيل - الصادر عن دار نشر جامعة سيراكيوزه-- نيويورك عام 1990 , والى نقيضه الحركة الماركسية فى مصر 1967 -1981- لمؤلفه د. جينارو جيرفازيو , الصادر عن المشروع القومى للترجمة , عام 2010 , لم يكن يقصد سوى إيراد إشارة عارضة , عابرة , فى ذيل مقاله . حيث أن موضوع المقال - النص الأصلى الذى نتحاور حوله هو الحلقة الثانية من الحركة الشيوعية المصرية - التى خبرها الكاتب خبرة عميقة وطويلة - وأسباب الانقسام والعزلة فيها . وجاء الحديث عن الحلقة الأولى بمثابة مدخل تاريخى ضرورى حيث لايمكن فهم ظاهرة دون معرفة كيف إنبثقت , ونشأت وتطورت , ثم إنتهى بكلام غاية فى الإيجاز عن مآلها . وأى قارئ منصف غير حلقى , وغير عصبوى , كان سيدرك أن الحلقة الثالثة لم تكن موضع النقاش بصفة أصلية , مثلها فى ذلك مثل الحلقة الأولى . ويدلل على ذلك نوعية المقولات التى وظفها الكاتب فى تفسير ووعى ظاهرة الانعزال والإنقسامية , وقدرتها التفسيرية فهى بحكم طبيعة بعضها ذاتها ترتبط بالحلقة الثانية بصفة أساسية ولاتتعداها . وإننى لفى غنى كامل عن الإشارة لقدرته الرفيعة على تطبيق المنهج الجدلى بوصفه أداة كشف وإستبار كل الظواهر التى يتناولها . ماذا قال مفكرنا "نصا " , ولم ثارت حفيظة ثلاثة أجيال ممن ارتبطوا بـ " حدتو" فى مراحلها التاريخية المختلفة فأنبرى د . أحمد القصير , والأستاذ مصطفى الجمال وغيرهما للـ " الرد " عليه ردودا خاوية عكست نوعا من الحلقية المقلوبة - المعكوسة . خاصة وأن توقيت نزول المقال , وقبل طرحه للحوار, وصدور تعليقين فوريين منهما , فى وقت قصير, لايتسع لقراءة مقال طويل يدلل على ذلك . وحين علقت تعليقى الأول عليهما معا وقلت بأنهما لم يقرآ المقال أصلا تعلل رفيقنا مصطفى الجمال بمرضه ومشاغله التى لاتتيح له القيام برد تفصيلى رغم أنه تعافى ووجد بعذ ذلك وقتا للرد بطريقة لاترقى لالمستوى المقال موضع الحوار فحسب , بل أيضا لمستوى كتاباته السابقة هو نفسه , وإننى لأعتبر أن هذين الردين الأولين مسئولان بصفة خاصة عن انحراف مسار المناقشة والحوار والجدال حول النص المطروح إنحرافا فظا , فبدلا من مناقشة القدرة التفسيرية للمقولات التى طرحت , ومدى إرتباطها بالأطوار التى درست , جرى الصراخ حول ( التشويه , والكلام المرسل غير اللائق, الملئ بتصفية الحسابات الذاتية , الذى يلوث الجميع عدا مجموعة محدودة وإنتهى إلى وصفه بالسوقية ) وبتنا أمام رأس ثوم منتفخة تتعاجب بنفسها, بينما لايوجد شئ أصلا بداخلها . وعلىّ أن أقول أن رفيقنا مصطفى الجمال قد خيب ظنى لأننى توقعت منه شيئا غير ذلك بالمرة , خاصة وقد تابعت على مدار العامين والنصف الأخيرين كتاباته التى يجذرها تطور الثورة يوما بعد يوم , وشاركته بعض الأفكار التى طرحها , ولطالما وجدت نفسى معه فى خندق ثورى واحد ضد " الأفعى ذات الرأسين " التى كتب عنها , و كذلك ضد تذيل ماوصفه البعض بالـ " المعارضة الإصلاحية الاخوانية " وكل ما إرتبط بها , وما تفرع عنها . وبالطبع إختلفت وأختلف معه حين يرى أن بعض الأخطاء السياسية " إجتهادات " -- يؤجر فيها مبدعها ! فالماركسية ليست فقها إسلاميا من إجتهد فيها فأصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر , فهناك جذر ومضمون طبقى لهذا النوع من الأخطاء , والسياسات التى لايمكن أن تتغير جذريا من ناحية إلى أخرى كبندول الساعة معلقة فى فراغ . فحسب تعبيره ( حتى الحل -- يقصد حل الاحزاب الشيوعية الذى جرى عام 1965 -- فهو إجتهاد رغم ثبوت فشله الذريع , وكذلك حين يعتبر الحزب الإشتراكى المصرى الذى ينتمى إليه الآن - حزبا غير أيديولوجى- فلا أعتقد أن هذا الفهم يدخل فى إطار المفهوم الماركسى عن الأحزاب , ولا الأيديولوجيات . ولا أتفق معه حول "إصلاح" الشرطة الذى يبدأ عنده بـ " كشف الهيئة" لا بطرح ضرورة إنهاء دورها السياسى .غير أننى وفى كل الاحوال كنت آمل أن الرفيق الذى كتب مقالى (فيروس الإنقسامية , والحقبة السوفيتية فى الحركة الشيوعية العربية ) أن يكون إسهامه فعليا , وحقيقيا , وواقعيا , ومثمرا فى تبيان وإيضاح الظاهرة المبحوثة , مشتبكا مع المقولات التى طرحت , غير أن العكس قد حدث تماما , وهو ما لا أراه سوى حلقية معكوسة بأجلى معانيها . لقد تشبث بتلك الفقرة التى كتبها صاحب النص الأصلى وجذبها فى كل جانب , ماطا إياها ثم لاكها , محاولا تأويلها بشكل لايتفق مع مضمونها الجلى الباهر فى وضوحه , ولا السياق الذى وردت فيه , وأريد أن أثبتها هنا كما جاءت فى المتن : ( أما حزب العمال الشيوعى المصرى فقد عمد التأريخ الكورييلى المنحرف يمينا إلى محاولة الغائه كذبا بإعتباره مجموعة من الشباب المتطرف على العكس من كتاب الحركة الماركسية فى مصر ... تأليف مؤرخ إيطالى موضوعى ... الذى إبتعد عن تزوير التاريخ كما فعل اليمين ) تعالوا نفكك هذه الفقرة ونحاكمها لنرى هل كان رفيقنا مصطفى الجمال محقا فى فهمها على النحو الذى توهمه أم أن "الغيرة الحزبية القاتلة " , والنزعة الحلقية العصبوية هى التى دفعته لقراءاتها على هذا النحو ؟؟؟؟
2 - يتبين من نص الفقرة الواردة عاليه أن مفكرنا لم يكن فى معرض تقييم كتاب د . جينارو جيرفازيو إطلاقا , ولم يكن بصدد إصدار حكم عام شامل عليه , ولا التطرق لموضوعيته الكلية بما تضمنه من مواقف , وتقويمات, إجمالا , وانما عارض - تحديدا - بين موقف الأخير من حزبنا , وموقف المؤرخ الكورييلى فى كتابه المنوه عنه عاليه , الذى اعتبر أن "ح ع ش م" يضم كوكبة من الشباب المتطرف , فضلا عن نفايات أخرى سأوردها فى موضعها , أى أن الموضوعية وعدم التزوير تناولت هذه المسألة فحسب - أى موقفه من حزب العمال , ولم تكن أيا من تقديرات الكاتب الأخرى , لاموضع التقويم ولا النقد , أو التقريظ بأى حال . لقد ركز د. جيرفازيو بحثه الأكاديمى , وهو رسالة دكتوراه فى الأصل , على المنظمات الراديكالية تحديدا , وهذا هو الاطار الذى إختاره لدراسته . وعلّى أن أقول – وأكرر ماسبق أن قلته فى ندوة عامة أقيمت بمقر حزب التجديد الإشتراكى منذ حوالى ثلاث أعوام – إن الأساسى فى عمل الباحث الإيطالى هو ريادة حقل ملغم لم يسبقه اليه أحد , فندرة الوثائق , وقواعد السرية التى تواصلت مرسية تابوات لايمكن إنتهاكها رغم عدم ضرورتها قانونا , فضلا عن غياب أية مؤلفات سابقة , كانت تعيق أى باحث لم يتسم بالإصرار والدأب والمهنية الرفيعة على بلوغ هدفه , لقد أذهلنى أنه بتلك المادة القليلة إستطاع أن يبلغ النتائج التى بلغها . ومن المنطقى لحاطب الليل بمعنى ما , أن تفوته أشياء , ويتورط فى تقديرات , ربما تتغير جوانب أو أجزاء معينة من الصورة لو توفرت له مواد أخرى . لست فى معرض مناقشة الكتاب المذكور الآن . ولكنى سأشير إلى مثل واحد يتعلق بنا نحن . لقد نوه فى كتابه بأن حزبنا لم ينتبه فى أدبه الحزبى لظاهرة الإسلام السياسى الآخذ فى الصعود فى السبعينات . وواقع الأمر أننا بدأنا فى الإنتباه لها عند صدام طلابنا مع شباب الجماعة الاسلامية بالجامعات . وتوفر أدب حزبى مع إغتيال الشيخ الذهبى فى أواخر عام 1977 حيث صدرت وثيقة بعنوان : السلطة والإستغلال السياسى للدين – وقبلها فى عام 1974 توفرت لدينا كراسة حزبية : بعنوان الماركسية والاسلام , وقد كانت ردا على كتاب د . مصطفى محمود بنفس الإسم . وتابع الأدب الحزبى الثورة الايرانية , وكتب كراس آخر بعنوان الماركسية والدين , ردا على أستاذ السوربون الصعيدى الأقصرى د. رشدى فكار الذى أتى به السادات خصيصا لتقويض الماركسية المصرية , ثم رد على كتاب فى الايديولوجية الاشتراكية الديموقراطية التى حاول تلفيقها د. صوفى أبوطالب وكانت ذات نكهة إسلامية . ونشر أحد رفاقنا الذى تصادف وجوده فى الخارج موقفا لحزبنا فى جريدة الخليج الصادرة بالشارقة ( أغسطس 1981 ) من أحداث الزاوية الحمراء التى جرت عام 1981 تحت عنوان جذور الفتنة الطائفية فى مصر .
ولكن ذلك كله لايقدح فى قيمة الخطوة الأولى التى إتخذت وسط صعوبات جمة . ويشبه عمل د. جيرفازيو عمل المؤرخ الفلسطينى الراحل بندلى جوزى الذى كان أول من حاول أن يطبق المادية التاريخية على التاريخ الاسلامى لأول مرة عام 1928 , بثوراته , وبحركاته الفكرية , اذا استثنينا الملاحظات المتناثرة التى أبداها رواد الماركسية الأوائل , حول الإسلام , والحضارة الإسلامية , والإمبراطورية العثمانية . وإننى لأعيد شكره على الجهد الذى بذله , وعلى موقفه الموضوعى من حزبنا , بذات المعنى الذى قصده أستاذنا إبراهيم فتحى . ولعل الرغبة والوقت يتسنيان له عند إعداد طبعة ثانية من كتابه فيتمكن من إدراج ملاحظات الرفاق التى يقبلها والإعتداد بها فى متنه الجديد . وأشير هنا عرضا إلى أن رفاقنا ممن إنتموا ذات مرة لحزبنا , قد إنتقدوا الكتاب شفاهة فى الندوات , وكتابة مثل رفيقنا إلهامى الميرغنى الذى إستشهدت أنت بمقاله . ولا أحسب أنه سيوافق على ماقاله المؤرخ الكورييلى بحال من الأحوال . بل إن الرفيق إلهامى الميرغنى كان أول من دعا إلى كتابة تاريخنا الذى جرى تشويهه بعد أن شاهد مسلسل محمود المصرى , والصورة المجحفة التى صور بها بعض أعضاءه . وكان حافزا شخصيا لى على أن أكون أول من كسر التابو من الحلقة الثالثة فى الحركة الشيوعية المصرية – فى مركز الدراسات والبحوث العربية والأفريقية , والإدلاء بشهادة سياسية إمتدت على مدى أربع جلسات , لمدة إجمالية بلغت 12 ساعة , حضر فيها الأستاذ مصطفى الجمال نفسه ورفاق ينتمون لأجيال مختلفة من الحركة , ووجهوا لى ماشاءوا من الاسئلة . وانطلقت فى إجاباتى من مواقف ورؤى حزب العمال الشيوعى المصرى الذى شرفت بالإنتماء إليه . ولن أذكر عن أى أحد منهم تقويمهم لهذه الشهادة بمن فيهم الأستاذ الجمال نفسه , وسأترك ذلك لهم إن أرادوا , وهو فى كل الأحوال مسجل صوتيا وكتابيا .
لم يؤمن حزب العمال الشيوعى المصرى , و لا قادته الفكريىن والسياسيين بأننا " الفرقة الناجية " ولم يعتقد بنظرية النمو الذاتى للحزب , ولابأنه لاماركسية خارج الحزب . لقد قدمت تقييما لحزبنا من وجهة نظرى لم اجعله - الحزب - لاوثنا ولا أيقونة , وهكذا فعل لاحقى الرفيق صلاح العمروسى الذى أدلى بشهادته أيضا وكنا أول من فتح المجال لوضع مادة تأريخ الحركة الثالثة وأستفضنا فى بيان التناقضات الداخلية , وصراع الإتجاهات والأفكار داخله وأشرنا لكل الإنشقاقات التى حدثت بالشروط التى أحاطت بها ولم يحكمنا فيما قلنا سوى الضوابط المبدئية التى سأشير إليها لاحقا . لذا كنت أتوقع من رفيقنا مصطفى وقد خبرنا وعرفنا - بما توهمت أنه يكفى - موقفا مختلفا كليا . والآن حان أوان أن أسأل هل قرأ رفيقنا مصطفى ماكتبه المؤرخ الكورييلى فى كتابه عن حزب العمال الشيوعى المصرى؟ وهل عرف ماتضمنه ؟ وهل وافقه عليه ؟ يتطلب هذا أن أترجم عنه لقارئى ماكتب , ولنرما إذا كان ماكتبه منصفا , وهل يتفق مع تطورات الأحداث اللاحقة التى جرت فهى برهان المواقف السياسية وصحتها أو خطلها . ولكن قبل ذلك يجب أن نؤكد مع الرفيق الذى حارب طواحين هواء , معتقدا بأنها نحن , بأن صاحب النص الأصلى لم يقل أن ماكتبه المؤرخ الكورييلى هو سبب إنتهاء الحزب – هذا إذا سلمنا معه بأنه إنتهى ! - وبأن محاولة تشويه تنظيم شئ , وإنتهاء هذا التنظيم شئ آخر ! طبعا من قال غير ذلك ؟؟؟؟؟
3 -- حين يتحدث أستاذنا إبراهيم فتحى عن إلغاء حزبنا فالمقصود هو المعنى المجازى الذى يعنى تجاهل , التقليل من أهمية , أو إغماط حق ... الأمر الذى لم يكن يحتاج الى توضيح , لو خلصت النوايا كما يقال . مع ذلك ماذا قال المؤرخ الكورييلى عن حزب العمال الشيوعى المصرى فى الصفحتين 146 – 147 من كتابه المنوه عنه فى صدر المقال , وقد بلغ إجمالى ماقاله حوالى صفحة وربع من القطع الصغير , من كتاب بلغ عدد صفحاته 218 صفحة . يقول مامعناه فى ترجمة غير حرفية : إن إعلان تأسيس (ح ع ش م ) جاء كرد فعل على إعلان جماعة " بلا إسم " عن نفسها بوصفها الحزب الشيوعى المصرى ... وهو يتكون من مجموعة من الشباب المتطرف ... أصدر (ح ع ش م) مجلة " الشيوعى المصرى " بوصفها لسان حال نظرى وسياسى , وقد صدر العدد الأول منها فى مصر فى سبتمبر 1975, وظهرت طبعة بيروتية منه بعد شهرين . وقد تضمن اللائحة الحزبية وبيانا بمواقفه النظرية على الصعيدين الأممى والمصرى . ونوه الى أن المجموعة إعتادت أن تصدر وثائق بمواقفها من 1972 – 1975 تحت اسم شيوعى مصرى , واسماعيل محمود فى مجلات الهدف , والراية , ودراسات عربية فى بيروت , وفى مجلة الطليعة الكويتية . ثم تصدى لتلخيص إفتتاحية العدد الأول . ومما ورد فيها : لن تتخلى المجلة عن دورها الأممى بالذات حين يتعلق الأمر بالوضع المأساوى الراهن للحركة الشيوعية العالمية , وخاصة فيما يتعلق بالمراجعة السوفيتية اليمينية , والمراجعة الصينية اليسارية , ويجب على مجلتنا أن تؤكد الخط الثورى الماركسى الذى تم تشويهه على يد المراجعتين المتناحرتين .. وبعد تلخيصه لجزء من الإفتتاحية إنتهى إلى أن هذا الحزب : ( تحدى شرعية الحركة الشيوعية على المستوى القومى , والإقليمى , والأممى , متقمصا دورا طليعيا فى إصلاح الحركة . وقد مثل برنامجه خطا راديكاليا تأسس على قطيعة مع الماضى , ورفضا للشرعية القائمة للحركة الشيوعية ( كم تطيب نفسى حين أنصت لهذه الكلمات ! ) . وقد مثلت مجلته السلاح النظرى لبرنامج الحزب . وظلت تطبع فى القاهرة , وبيروت حتى إنتفاضة يناير 1977 . لعب الحزب دورا بارزا فى الإنتفاضة , منظما الطلاب والعمال . وقد ردت أجهزة الشرطة والمخابرات بإعتقالات واسعة لأعضاء الحزب ومناصريه . وقد ترتب على الإعترافات , وإفشاء الأسرار التى تم الحصول عليها إلى مزيد من الإعتقالات . وأنتهى الحزب الى التفتت والتناثر كحلقات ماركسية . وتوقفت المجلة عن الصدور ) . لا أستطيع أن أقطع ما إذا كان هذا الكتاب قد ترجم إلى العربية أم لا . مع ذلك صادفت تلخيصا له فى مجلة قضايا فكرية فى عدد مخصص لمرور ( سبعون عاما على الحركة الشيوعية المصرية رؤية تحليلية نقدية – الكتاب الحادى والثانى عشر – يوليو 1992 – ص ص449 – 452 ) لم يذكر من الذى قام بتلخيص الكتاب ( ربما المؤرخ الكورييلى نفسه أو أحد تلاميذه النجباء ؟ ) , ولكنه يضيف للقارئ المصرى بعض الإضافات الإثارية التى لم ترد فى النص الإنجليزى . حيث يصور الحزب وكأنه قد انبثق عن جمعية كتاب الغد ( وهى جمعية أدبية تقدمية ) , و أعلن عن نفسه كرد فعل لإعلان ح ش م , وأنه بمثابة حلقة تتسم بالتطرف اليسارى , تدين الحركة الشيوعية السابقة , ويكتب صاحب الملخص : ( وتقول الدراسة – المقصود كتاب المؤرخ الكورييلى -- إستنادا إلى رحلة متأنية ( لاحظوا رحلة متأنية ) عبر وثائق هذه المنظمة " أن هذه المجموعة ترفض فى جوهر الأمر مشروعية الحركة الشيوعية على المستوى القومى والإقليمى والعالمى وتتقمص قيادة الدور الطليعى لإصلاحها جميعا " .. وتتابع الدراسة مسيرة هذه المنظمة حتى يناير 1977, وتثمن دورها فى هذه الأحداث , ثم تتابع حملات القبض المتعاقبة التى تمت لقيادت وقواعد هذه المنظمة , والتى ترتبت على سلسلة من الإعترافات , التى أدلى بها بعض الكوادر فور وقوعهم فى قبضة البوليس , وعلى بعض الإختراقات الأمنية ... إلخ ولكن أليس من المناسب أن نرى تقريظ الذات وإمتداحها فى لغة طاووسية مجنحة – غير سوقية ! - مقارنة بما قيل فى تلويثنا ؟ ... إسمعوا - وخاصة أنت أيها الرفيق مصطفى الجمال : ( وتنتهى الدراسة إلى القول بأن الحزب الشيوعى المصرى لم يتميز عن المنظمات الأخرى فقط بأنه الأكبر حجما , والأكثر جماهيرية , والأكثر خبرة سواء من الناحية النظرية أو العملية , وإنما تميز عنها بالأساس فى مقدرته على إدارة خلافاته بأسلوب صحى وحضارى صان وحدته ومنحه القدرة على توحيد القسم الأكبر , والأكثر فعالية من كوادره حول معطيات نظرية ونضالية تجعله مستعصيا على الوقوع فى مخالب الإنقسامية من جديد ) ما أكذب النصين عاليه ! يلاحظ صدور الكتاب الأصلى عام 1990 , والمراجعة الواردة له فى المجلة المذكورة عام 1992, أى بعد سقوط الإشتراكيات الواقعية البيروقراطية فى أوروبا الشرقية والإتحاد السوفياتى . دعونى أنوه بأننا نفخر بأننا كنا حزبا راديكاليا , وقطعنا مع معظم مواريث الحركة الشيوعية المصرية المراجعة , وبأن موقفنا من المراجعتين السوفياتية والصينية كان صائبا , وإن لم يكن كافيا كما دللت الأحداث اللاحقة . أما أن الدراسة إستندت الى رحلة متأنية فى وثائقنا , فهذا الأمر تكذبه حقيقة أن الدراسة لم تشر لأية وثيقة من الوثائق المنشورة والمعروفة , وانما الى مجرد إفتتاحية العدد الأول . أما الفضيحة الكبرى فحين يوحى بأن كوادرنا -- أى قياداتنا -- بل عددا منهم " سلسلة " ( ياإله السموات ! ) تدلى بإعترافاتها .. ولاتنتظر !! , بل ولاتقاوم !! , وإنما تفعل ذلك فور القبض عليها ؟ !!!! ولايقتصر الأمر على الإعترافات بل " الإختراقات الأمنية " أيضا ... من المعروف أن الصراع الطبقى هو حرب أهلية من الوارد فيه الإختراق , والأسر, وحتى الإعتراف , بالنسبة لحزب مناضل , ويتوقف الكثير على خبرة المناضلين , وكيفية تربيتهم , وعلى بناء قلعة محصنة ضد الإختراق البوليسى , وخاصة فى دولة بوليسية , ولطالما إهتممنا بهذا الجانب على مستوى الخبرة السياسية النظرية والعملية , بل وربما غالينا فى ذلك أحيانا . كيفما كان الأمر, لم يصل ابدا أى جهاز قمعى , وقد تابعتنا أجهزة الأمن القومى ( المخابرات ) فضلا عن المباحث العامة , وأمن الدولة فى زمننا , الى معرفة أى لجنة قيادية بكاملها , وخاصة كوادر اللجنة المركزية , أو مكتبها السياسى , أوالمناطق , وفى معظم الاحيان لم تعلم الأجهزة لا وضع الرفيق المقبوض عليه , ولامركزه القيادى , ليس ذلك فحسب , بل أستطيع أن أؤكد أنه مامن قيادى واحد قبض عليه لسبب أو لآخر, قد إعترف فى أية قضية من قضايانا , حتى وإن تعرض لتعذيب , طوال حياة حزب العمال الشيوعى المصرى . وفى مداخلة سابقة أشرت الى أن مباحث أمن الدولة قد توهمت لجنة مركزية كاملة من رفاق غاية فى الإحترام فى قضية يناير عام 1977 , لم يكن أيا منهم فيها بالفعل , بل لم يكن بعضهم من حزبنا أصلا . وحين يجرى الحديث عن إختراق فى المركز, أو المناطق فهذا هو الجوهرى , والخطير , أما ماهو أدنى من ذلك ف (طبيعى ) دون أن يعنى هذا تبريره , أو السماح به , أو التهاون فيه بحال . وقد حدث أن ضعف بعض رفاقنا ممن ينتمون للطبقة العاملة فى واحدة من قضايانا وأخترقت قواعدهم , وهو فى أحد تجلياته يعكس وعى الطبقة التى ينتمون إليها بأوضاعها أكثر مما يعكس نواقص شخصية -- جميعهم كانوا أعضاء قاعديين منغمسين فى عمل جماهيرى واسع النطاق , وكان عضو واحدا منهم فى لجنة قسم -- وقد تماسكوا بعدها , وزادت صلابتهم , وعوضوا بتضحيات متفانية هشاشة مواقفهم السابقة . لكن لنا أن نتساءل مامعنى أن يخترق لجنتكم المركزية عنصر من عناصر الأمن القومى ؟ ومامعنى أن يكون مسئولا عن أخطر جهازين فى أى حزب , وهما المطبعة , والإتصال , ومعهما الأرشيف عناصر من الأمن القومى ؟ كان هذا هو حال الحزب الشيوعى المصرى فى قضية يناير عام 1977 . ولنا أن نتساءل عن تلك الصورة الوردية التى يقدمها المؤرخ الكورييلى عن حزبه بحجمه , وجماهيريته , وحفاظه على وحدته ؟ ليس الحجم , والجماهيرية معيارا, فأنظروا الى الطرق الصوفية مثلا ! والاحزاب اليمينية بحكم اتساع أطرها السياسية يمكن ان تضم فى صفوفها أعدادا كبرى دون أن يعنى ذلك بالضرورة ثوريتها . فماذا عن إدارة خلافاته بأسلوب صحى إلتفافا حول معطيات نضالية نظرية وسياسية ؟ فلنذكر التقرير المعنون ( الحرباء ذات الألف وجه ) , والرفاق الذين إنشقوا وإتخذوا اسم "المؤتمر" , وكانت أدوات نضالهم هى المواقف النظرية والسياسية لحزب العمال الشيوعى المصرى داخل هذا الحزب الذى يدعى أنه أدار خلافاته بأسلوب صحى ! ربما إختلف الحال بعد ذلك ؟ ! هل يكفى ردا على هذا الإشارة مجرد الاشارة الى آخر كتاب للمناضل الراحل العامل عطية الصيرفى عن خفايا وخبايا ذات الحزب المذكور ؟؟؟ ... قلت لنفسى توا , سأرى رفيقنا مصطفى الجمال , وقد قفز فى وجهى , ماسكا بتلابيبى , سائلا إياى فى عنف : أرغيت وأزبدت طويلا لكنك لم تجب عن سؤالى الذى طالما رددته ويبدو أنكم تتهربون منه فلم يجبنى عليه أحد حتى الآن وهو : أين ذهب حزب العمال الشيوعى المصرى ؟ أين ذهب ؟ ولاتقل لى – ذهب يبحث عن مجلة الهلال ! لاأستطيع أن أقول لك ذلك , وأعدك برد قاطع محدد فى القسم الأخير من هذه المداخلة , فقد إعتدنا المواجهة لا الهروب .
4- هل هناك مايمكن أن يكون قد أثار حفيظة رفيقنا مصطفى الجمال غير الإشارة للتاريخ الكورييلى فى محاولته إلغاء الحزب – ع ش م—ولموضوعية د . جينارو جيرفازيو فى تقديره له ؟ ربما .... ربما الإشارة التى وردت فى النص الأصلى حول تقدم فصيل مفكرنا على تنظيمى 8 يناير والشروق أيضا , فأستشاط غضبا وتميز غيظا , وواصل قائلا : إن التنظيم إنتهى فعليا !.. إنتهى فعليا !.. فعليا !... ومن واجب أحد قادته أن يقول لنا لماذا ؟ لأننا لايمكن أن نتهم الكورييليين بذلك ... -- هون عليك يارفيق تتحدث وكأن هذا قد حدث فعلا , أو أن أحدا منا والعياذ بالله قد إتهمهم بذلك ! ولكن ألا يحق لقائد من قادة فصيل أن ينوه لما يميز فصيله , مادام لم يتفاخر كذبا أى على الطريقة الكوريليية , أى بطريقة تخالف الواقع الموضوعى الفعلى . دعونى هنا أورد رأى بعض الكتاب ممن لم يكونوا على أية صلة بحزب العمال الشيوعى المصرى ممن ذكروه فى كتاباتهم . يقول الكاتب الراحل د . غالى شكرى فى كتابه الثورة المضادة فى مصر , الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1997 , وبعد تقويمه النقدى لإتفاقية سيناء وماورد بصددها فى مجلة الطليعة القاهرية – إفتتاحية عدد أكتوبر 1975 , وتوجيه نقد صارم مبدئى , وحاد , لموقف ( التيار الثورى ) الذى أيد سلطة السادات , والإتفاقية , ودعا لعدم التظاهر ضدها , ولضرورة مساندتها وتأييدها , إنتقد بيان الحزب الشيوعى المصرى ( المصدر مذكور ص 279 ) وخاصة بسبب تشوشه بشأن الطبيعة الطبقية للسلطة التى رأى فيها عناصر عميلة وخائنة , وعناصر مزدودجة ومترددة , وعناصر تؤمن بالخط الوطنى الناصرى , وأبصر فى ذلك ثغرات قاتلة واصفا إياه بأنه " تحديد ينتمى جوهريا الى العقلية اليمينية التى سادت بعض أوساط الشيوعين المصريين فى الستينات وقادتهم الى حل تنظيماتهم " ص 280 , وقد إنتهى بعد عرضه لمواقف عدة قوى حزبية , وغير حزبية إلى : ( وتنظيم حزب العمال الشيوعى المصرى أكثرها يسارية منذ أصدر مجموعة من الموضوعات كتبت بين عامى 1970 و 1971 تحت عنوان طبيعة السلطة , وقضية التحالف الطبقى , وفى هذا الكتيب مقولات صحيحة منهجيا , وبعض مقولاته تنطوى بغير شك على نبوءة علمية ... ثم يتناول البيان الذى أصدره الحزب بمناسبة اتفاقية سيناء السابقة على كامب دافيد , وهو البيان المعنون : فلنقاوم إستسلام النظام المصرى أمام الإستعمار الأمريكى وإسرائيل فى 13 – 9 – 1975 الذى إنتهى إلى طرح شعار الإطاحة الثورية بالسلطة المصرية , وبعد تقويمه للبيان , ورفضه لشعار الإطاحة الذى طرحه حزبنا وبرهن كامل تطور مجرى الأحداث اللاحق على صوابه وصحته , إنتهى الى القول بأن هناك وجها ايجابيا لامعا فى تحليل ح ع ش م لايجوز تجاهله بل التأكيد عليه وتطويره دائما , هو الإطار العربى الذى تفرضه اتفاقية سيناء سلبا وإيجابا ... ( أنظر فى ذلك ص ص 267 – 290 من الكتاب المذكور ) . وقد أشار الكاتب الراحل أحمد صادق سعد فى دراسته المعنونة : حاجتنا لإستراتيجية إشتراكية جديدة - قراءة ثانية فى أحداث يناير 1977 – التى نشرت نشرة مدققة حسب ماصدر فى الكتاب الدورى – الراية العربية - من قبل د . شريف يونس والأستاذ عادل العمرى – الإنترنت , إلى أنه بالنسبة لحزب العمال الشيوعى المصرى , يأتى التذكير بإستراتيجية الحزب الإشتراكية بصورة أقوى وأكثر تكرارا من أى من المنظمات الأخرى القائمة جميعا , ويورد من جريدة الإنتفاض فى عددها الصادر بتاريخ 7 – 8 – 1976 تحت عنوان حول إنتخابات مجلس الشعب , واستفتاءات السادات , وفى العدد الصادر بتاريخ 31 – 7 – 1976 بعنوان لا للسادات وفى غيرهما موقف الحزب حول ضرورة الإطاحة بالنظام القائم ( بأساسه السياسى والإقتصادى والإجتماعى – الرأسمالى الرجعى دون أية تحفظات .. ولايحول بيننا والنضال المباشرحول شعارات إسقاط النظام الرأسمالى القائم من أجل الجمهورية الإشتراكية سوى الوزن الضعيف للطبقة العاملة وحلفائها من الجماهير الشعبية ... إلا أن هذا لن يتم إلا عبر النضال حول شعار مرحلى , شعار الجمهورية الديموقراطية الذى يحقق إسقاط شكل الحكم الرجعى الفردى مطلق السلطات وإقامة شكل ديموقراطى جديد .. ) . وفى التقرير الإستراتيجى العربى الصادر عن مركز الدراسات السياسية , والإستراتيجية بالأهرام لعام 1987 , الذى أشرف عليه الإستاذ السيد ياسين يرد فيه عن حزب العمال الشيوعى المصرى من ضمن مقال عنوانه : القوى المحجوبة عن الشرعية ( ص ص 358 – 382 ) مايلى فى مواضع متفرقة : ( يعد حزب العمال واحدا من أكثرالمنظمات الماركسية فى مصر تشددا من حيث الموقف السياسى , ورؤيته لنظام الحكم , ومن حيث المهام التى يطرحها على الطبقة العاملة من أجل تغيير هذا النظام .. وفى مواقفه النظرية بل وحتى ذات الطابع البرنامجى التفصيلى .. ولعب حزب العمال فى خضم أحداث الإنتفاضة الطلابية فى عامى 1972 و 1973 دورا بارزا وكان أقوى فصائل الحركة الماركسية تأثيرا وسط صفوف الطلاب فى ذلك الحين , بل ونجح فى إدارة الإنتفاضة الطلابية بما فى ذلك ربط القيادات الطلابية غير المنتمية له بخطط وحركة الحزب .. إمتلك حزب العمال منذ نشأته ... أساسا نظريا متينا نسبيا , ومقولات سياسية راديكالية أعطت لعناصره روحا حماسية , وأحيانا قتالية عالية , وخاض حزب العمال بلاشك كثيرا من المواجهات العنيفة ضد نظام حكم الرئيس السادات , وتعرضت عناصره لإعتقالات كثيرة وربما بنسب أكبر مما تعرضت له فصائل أخرى – وأضيف من عندى أن هذا كان ملحوظا فى قضية إنتفاضة يناير 1977 بصفة أخص . حيث فاق عد " المتهمين " من الأعضاء المنتمين إلى حزب العمال أعداد الرفاق من تنظيمات أخرى . ويعرف القراء المطلعين مواقف ونظرات الاستاذ سيد ياسين التى لايمكن وصفها بالتعاطف مع الإتجاهات الماركسية الثورية ولا حتى الرجعية , ولم يكن ماورد فى التقرير الآنف يأتى إلا فى سياق سلبى عموما .
5 - لقد أدليت بشهادة فى مركز الدراسات والبحوث العربية والأفريقية الذى يترأسه المفكر الإقتصادى الماركسى العالمى سمير أمين فى أربع جلسات بتاريخ 4 أكتوبر , 8 نوفمبر, 13 ديسمبر 2009 , و17 يناير 2010 تتضمن تقاطع مسيرة تاريخى الشخصى فى فصيل شيوعى ( وحدة الشيوعيين المصريين ثم حزب العمال الشيوعى المصرى ) مع التاريخ السياسى العام لبلادنا , والقوى التى تفاعلت فيه. أردت أن أحقق فى تلك الشهادة وصية المفكر الماركسى الإيطالى أنتونيو جرامشى – وليس ذلك مجاملة لرفيقنا جينارو جيرفازيو ! – التى رأت أن تاريخ أى حزب يتعين أن ينبثق من خلال رسم صورة مركبة للمجتمع والدولة بعلاقاتهما المتشعبة . حيث تتوقف أهمية ووزن أى حزب على نشاطه وإلى أى حد كان حاسما فى تقرير تاريخ ذلك البلد ... وإنه وإن كان من الضرورى إعطاء كل شئ الأهمية التى يستحقها فى الصورة الإجمالية , إلا أنه يتعين التشديد قبل أى شئ على الفاعلية الحقيقية للحزب , على قوته الحاسمة , إيجابا وسلبا , فى المساهمة فى وقوع أحداث بعينها , وفى منع وقوع أحداث أخرى . (على ما ورد فى دفاتر السجن ص ص 167 - 168 طبعة عادل غنيم ) . إلى أى مدى وفقت فى تحقيق الوصية ؟ هذا أمر لاأستطيع أن أقطع فيه بشئ , الإ القول بأننى حاولت بذل أقصى الجهد , وتطلب الإعداد لكل جلسة إستغرقت من ثلاث إلى أربع ساعات عمل شهر كامل . الأمر الذى دعا المهندس سعد الطويل رئيس اللجنة -- لجنة توثيق الحركة الشيوعية المصرية حتى عام 1965 -- الى القول فى نهاية جلسات الشهادة " لقد جعلت الأمر صعبا على من سيأتى بعدك " . وقد حضر الرفيق مصطفى مجدى الجمال هذه الجلسات , وتركزت مداخلاته جميعا على ماإذا كانت لدينا ( المقصود ح .ع .ش .م . ) نزعة نصية أرثوذوكسية تمجد الإستشهاد بالنصوص بمعزل عن سياقها , وحقيقة ماأثير بشأن مستشفى إستثمارى فلسطينى , فى فترة من الفترات , فضلا عن رغبته فى معرفة الأسماء الحقيقية لرفاق بعينهم خاصة ممن إختلفوا مع الحزب . كنت قد إتفقت مع بعض الرفاق من " فصيلى " على ضرورة الإدلاء بشهاداتنا بعد النداء الذى وجهه رفيقنا إلهامى الميرغنى , الذى أشرت إليه أعلاه , وبعد تشويه تواصل لمدة عقدين تقريبا لجيل السبعينات , ولحزبنا , لم يواجهه أو يرد عليه أحد , بحكم إكراهات العمل السرى أحيانا , ثم بعد ذلك حماية للرأس من صداع , ومن فتح جراح قد لاتنغلق , وبعد متابعتى لتردد الرفاق فى الحديث عن تلك الفترة الماضية من نشاطهم السياسى , رغم إنصرام المدد القانونية التى حددها قانون الإجراءات الجنائية لإمكان محاسبتنا وفق المادة 98 الشهيرة بكل تفريعاتها القمعية المشينة فى قانون العقوبات , إنتهيت مع الرفاق صلاح العمروسى , وجمال عبد الفتاح , وفتح الله محروس إلى أن أبدأ فى كسر التابو . ووضعنا الأسس التى ستقوم عليها شهاداتنا : 1 – ضرورة تحرى أقصى الموضوعية بالنظر إلى الصورة الكلية لوضع القوى السياسية الماركسية الثورية , والإبتعاد عن أى نزوع حلقى عصبوى فى نظرتنا لفصيلنا , وللفصائل الأخرى 2 – التقييم المبدئى الموضوعى للمواقف الفكرية , والسياسية كما تجلت فى الواقع , ثم تكشفاتها اللاحقة فى الممارسة العملية , والتمايزات التى حصلت فى أعقابها 3 – نقد المواقف والأفكار والسياسات لا الأشخاص داخل الحزب , اذا ماتناولنا رؤى أو إتجاهات أو حتى صراعات مختلفة جرت داخله , أو خارجه بشأن الفصائل الأخرى , والحديث بإحترام عن كل الرفاق , وإعتبار التشهير بأحد وسيلة غير مبدئية , أيا ماكانت هناك من مرارات قديمة عند بعض الرفاق 4 - عدم الإشارة لرفاق بأسماءهم الحقيقية , من داخل أو خارج الفصيل إلا اذا كانوا قد تحدثوا قبلا بتلك الصفة كاشفين إرتباطاتهم الحزبية , دون إستئذانهم شخصيا , وبعد موافقتهم فلابد من احترام رغبات من آثروا ألا يتحدثوا , وأيا ماكانت أسبابهم , ولاينبغى أن يفرض عليهم ذلك باسم أن التاريخ يتعين أن يكون ملكية عامة , ولابد من إقناعهم , والتشدد فى ذلك خاصة مع من تصادف – إذا حدث وكان هناك ممن عملوا فى أحد أجهزة الدولة السيادية 5 – الانتباه دائما إلى أن هناك نفايات " شعرية " أو نثرية باقية داخل الحركة الشيوعية المصرية بوصفها بثورها ودماملها , مازالت تلوك , وتجتر مإاتهمتنا به إفتتاحيات الصحف والمجلات الرسمية الصفراء من خدمتنا ل " المخابرات الأمريكية" بتطرفنا اليسارى , وبمواقفنا من إنتفاضة يناير 1977, ولايعنى هذه النفايات التقدير الموضوعى , ولاالتحرر من عيوب النظر الذاتى , وإنما إقتطاع هذا الجزء أو ذاك من الشهادة , وإستخدامه فى التشهير بنا أو بغيرنا . 6 – على الرفاق الذين كانت لهم صلة بفرع الخارج ممن كانوا فى لبنان أو العراق أو موسكو أو غيرها أن يكونوا حريصين فى إفاداتهم أكثر من غيرهم بحكم ارتباط بعضهم بالنشاط السياسى للمقاومة الفلسطينية من تلفيق تهم الإرهاب السلطوية – وننوه الى أن " الإرهاب " ذو التعريف الواسع فى الطبعة الأخيرة من القانون المصرى , لم يعد يسقط بمضى المدة حتى لو مر ألف عام ! وخاصة مع سبق إتهامنا بصلات لم تقم طوال تاريخنا مع منظمات إرهابية عالمية مثل الألوية الحمراء فى اليابان , أو بادرماينهوف فى ألمانيا على ماأفاد به رفيقنا هشام عبد الله فى مداخلة سابقة منشورة فى هذا الحوار – ولعلى ولاحقى الرفيق صلاح العمروسى قد وفقنا فى الإلتزام بهذه الأسس التى إتفقنا عليها .
6 - إن الفقر النظرى الفادح الذى تعانيه الحركة الشيوعية المصرية -- ولا أستثنى نفسى منه فدرجات الفقر نسبية -- منذ فجر تاريخها وحتى الآن ينعكس على جدالاتها , وعلى فهمها , وممارستها , فإذا كان ماركس قد إنتقد فلاسفة أوروبا لأنهم أرادوا تفسير العالم بينما كان المهم هو تغييره , فإن كثيرين ممن يدعون وصلا بالماركسية فى مصر , وعالمنا العربى يريدون تغيير العالم دون أن يفسروه , أى دون أن يفهموه . وبات " التنظير " مرادفا للغو الفارغ , بدلا من أن يكون مقاربة واعية مدركة له – العالم , ومعرفة منعكسة بهذه الدرجة أو تلك , وتجلى إزدراء النظرية ساطعا فى غياب كامل للدراسات المفتاحية المؤسسة فى حقول ومجالات مختلفة , وإستسهال إطلاق الأحكام دون أية معرفة إمبيريقية , مقترنة بتحليل نظرى عميق , بدءا من فهم أوضاع الطبقة العاملة المصرية , أو تصنيف الأحزاب السياسية المصرية , ومضمونها الطبقى , الى الرأسمالية المصرية منذ عصر السادات على الأقل وحتى تاريخه . كم منا – لن أقول قرأ كل – خاض فى أعمال مؤسسى الماركسية ؟ ( كم مناضل ماركسى مصرى قرأ نقد راكوفسكى المبكر بعد بضع سنوات من الثورة الروسية عام 1917 للبيروقراطية الناشئة تحت عنوان : المخاطر المهنية للسلطة ) وهل ينفصم ذلك عن طبيعة وحدود ممارستنا السياسية , وأفقها التافه الضيق , ونزوعها اليمينى الإصلاحى التاريخى الذى رأى فيه مفكرنا الأستاذ إبراهيم فتحى ظاهرة تاريخية متصلة مثلت وتمثل خطرا داهما الآن على تبلور فكر , وحركة ثورية جذرية . وهل هى محض مصادفة أن يؤكد منذ بضعة أيام على أننا حين نتحاور بشأن الماضى فإننا لانتعاور العاديات القديمة , أو نجادل حول أداة التعريف فى اللغة السنسكريتية , وإنما نتناول مسألة أو إنحرافا حيا راهنا وهو الإنحراف اليمينى الذى يتوقف أى تجذير للفكر الثورى , والحركة الثورية على دحضه ورفضه , ونجد رفيقنا القديم صلاح العمروسى عضو التحالف الشعبى الإشتراكى الآن وقد طرح مقالا – أمس نعم أمس - بعنوان : بلاشفة ولكن يمينيون – كيف ولماذا تخلى بلاشفة النيل عن الإشتراكية ؟ - فى نقد نظرية اليسار العريض , ردا على ورقة قدمها أحد رفاق حزبه عنوانها : حزب التحالف كحزب لليسار العريض , وأخرى بعنوان : معنى التحالف فى حزب التحالف . هذا يدلل فى حد ذاته على ماقيل فى النص الأصلى موضع الحوار الذى تتضمن مقولاته قدرة تفسيرية تشرح لماذا إتخذت " ماركسيتنا" هذا الشكل الأقرب للإطار الفارغ تاريخيا ذا المنحى اليمينى إجمالا . هناك بالطبع أسباب سوسيولوجية أعمق تفسر ماذا يحدث لنظرية ما عند إنتقالها من مجتمع ما صناعى الى آخرإقطاعى يتجه للرأسمالية فى ظل شروط نوعية أخصها طابعها الإمبريالى ونشوء الإشتراكية فى بلد واحد , أى من مواطن الإنتاج الفكرى إلى مواطن الإستهلاك العملى إن جاز القول . ألا يمكن أن نفهم من خلال مقولات مفكرنا الذى رصدها أساسا للعزلة أن ندرك مغزى أن تصد ر أول ترجمة فى مصر لكتاب الدولة والثورة للينين بإسم : (الحكومة ) والثورة , بقلم (حضرة صاحب الفخامة) رئيس الحكومة الروسية لينين ؟! هل حاول رفيقنا مصطفى الجمال أن يتجاوز المنظور الذى طرح به سؤاله حول إختفاء حزب العمال الشيوعى المصرى – الذى لم يختف فى الواقع , وإنما إندمج مع تنظيمين آخرين هما منظمتى المؤتمر و8 يناير مشكلين معا عام 1989 حزب العمال الموحد الذى " إتهم " بأنه قاد إضراب عمال الحديد والصلب الشهير فى ذات العام أو الذى يليه . ألم يعلم الرفيق مصطفى الجمال الذى يعمل فى مركز دراسات الوحدة العربية والأفريقية وعضو لجنة توثيق الحركة الشيوعية المصرية أن هذا الحزب كان يصدر جريدة دورية بعنوان ( صوت العمال ) . ألم يعلم قبل ذلك بأن حزب العمال قد خاض الإنتخابات البرلمانية عام 1987 وأن برنامجه قد نشر كاملا فى كتاب أصدرته دار سيناء للنشر بعنوان : الإنتخابات البرلمانية – درس إنتخابات 1987 – المشاركون – د. فؤاد مرسى وآخرين – المحرر د . أحمد عبد الله , وقد شارك فى إصداره – وياللطرافة – مركز البحوث العربية أيضا . لقد ساءنى أن أرى رفيقنا فى صحبة آخر لايرقى إلى مستوى وعيه " مجادلا " بمنطق – كلنا فى الهم شرق – أو لاتعايرنى وأعايرك ده الهم طايلنى وطايلك – أوعفا الله عما سلف من الفضائح , أو أن كل التنظيمات على إختلافها بغض النظر عن مضمون خطها السياسى , ومواقفها قد إختفت , اذ لو كان خط أحدها صائبا لظلت باقية مستمرة , ودعونا نتوحد دون أى إعتبار لمواقف يمينية سابقة , هكذا يستوى فى هذا المعجم الخاص به البلشفى , والمنشفى , لينين , وبليخانوف , مادام الإتحاد السوفييتى قد إنهار فى المآل الاخير , وكذلك تستوى روزا لوكسمبورج , وكارل ليبكنخت , مع كاوتسكى وإدوارد برنشتين , مادامت ألمانيا الشرقية قد تلاشت عقب إنهيار سور برلين , وكذلك يستوى شعبان حافظ الرباط , وفوزى جرجس, ورمسيس لبيب , وفخرى لبيب , مع كمال عبد الحليم وزكى مراد , ومبارك عبده فضل , ثم ولم لا ؟ مع كورييل ورفعت السعيد وأيا كان !! بل ربما بقى الأخيرون حسب هذا المنطق ذاته فالتواجد هو خير برهان ! , وأن الإشتراكيات البيروقراطية القائمة هى من أعظم الإنجازات الكونية مادام حفيد الزعيم المحبوب من 40 مليون كورى مازال على رأس الدولة , وأن الحزب "الشيوعى" الصينى , ومثله الكوبى بغض النظر عن وجهتهما السياسية على تغايرها , قد أكدا جدارتهما فى الوجود فكما يقول الرفيق مصطفى مكررا : " المآل , ولكن المهم التساؤل عن المآل .. مآل التنظيم , ومآل الكوادر التى رباها , وذكر بعضا من هذه المآلات , مشيرا الى الدور الذى أسهمت به المنظمات الحقوقية فى تقويض الحركة الثورية , ودور الأحزاب الحكومية الإصلاحية , وكذلك الهجرات الى الخارج , سواء كانت مؤقتة أو دائمة – على تفصيل بين التلاوين المختلفة داخل الفئة الأخيرة - وهى ماسأتناولها فى موضع آخر – فى تحديد كل تلك المآلات . ولكن أستطيع أن أؤكد مع رفيقنا هشام عبد الله أن الحزب لم يتوقف عن نشاطه الجماهيرى حتى عام 1994 بل حتى 1996 , بعد إندماجه مع منظمتين أخريين على الوجه الذى ضمنه فى مداخلته عاليه . كما أشير لرفيقنا إن أراد متابعة بعض الأدبيات للتيقن مما قيل أن ينظر مثلا فى الدراسة الصادرة والمنشورة علنا للرفيق صلاح العمروسى حول الرأسمالية الطفيلية الصادرة عن دار الفكر المعاصر للنشر والتوزيع عام 1985 وكذلك المداخلتين المقدمتين فى ندوة من المفكر إبراهيم فتحى , والرفيق صلاح العمروسى فى الكتاب الصادر عن مركز البحوث العربية تحت عنوان : إشكاليات التكوين الإجتماعى والفكريات الشعبية فى مصر وهى بحوث ومناقشات مهداة الى أحمد صادق سعد – مايو 1990 حول نمط الإنتاج الآسيوى , وأخيرا الإسهام فى الندوة التى عقدت فى مركزكم ونشرت تحت عنوان : اليسار العربى وقضايا المستقبل حيث قدم الرفيق صلاح العمروسى ورقة بعنوان حدود البرلمانية فى ظل نظام إستبدادى مع رفاق آخرين فى نفس الندوة . وكما أشار رفيقنا هشام عبد الله وأشرت فيما سبق (ولقد شارك كوادر حزب العمال الشيوعى فى اغلب المعارك الجماهيرية وفى معظم الانتخابات البرلمانية والمجالس المحلية وكانت برامجه الانتخابية والمعارك التى ادارها هى التى تعبر عن مصالح وهموم الطبقات الشعبية ومطالبها فى انتزاع الحقوق السياسية والاقتصادية ومواجهة الدولة البوليسية وكما شارك فى قيادة معظم الاضرابات العمالية والفلاحية .وكان حزب العمال الشيوعى متميزا فى منطقة الصعيد فى مواقفة وعدد كوادرة عن اى منظمات شيوعية اخرى . .– أضف إلى ماسبق يمكن لنا أن نعنى بالصراخ الوحدة ! الوحدة ! هذا هو مايعنينا الآن , معارك الماضى ليست معاركنا ! والحال أن الإنحرافات اليمينية الذيلية لازالت قائمة بكل قوة ومنتشرة بشكل أو بآخر فى كافة المنظمات التى تتخذ ( الإشتراكية ) رايتها , وهو مايدلل عليه مقال رفيقنا القديم صلاح العمروسى الأخير المشار اليه , وأن كل أشكال ماأسمى بوحدة اليسار, قد أسفر عن نتائج صفرية وأن كل الوحدات الإنتهازية – إن كان لنا أن نسميها كذلك , قد فشلت فشلا ذريعا ومن ثم تتبين ضرورة الوحدة المبدئية فى الإستراتيجية والتاكتيك التى تبدأ بإتفاقيات نضالية عملية الأمر الذى ذكره مفكرنا فى نهاية مقاله موضوع الحوار . إن إنقسام الواحد شئ حتمى جدلى أما الكل فى واحد فى فكرنا الشعبى السائد , ففضلا عن ميتافيزيقيته , فهناك أيضا إستبداديته , وقمع أحد أطراف الجدل يؤدى إلى تشويه الظاهرة , وإلى إنحراف فى المسار . غير أن ذلك لايعنى أن نفعل مثل ذلك الرجل الذى تهكم عليه لينين حين لم يكن يدرى ماكان عليه أن يقول عندما رأى جنازة فقال : إنشاء الله دايمة ! ... فأنا أرى إمكانات لتوحد أو لتجمع الجذريين أولا مشكلين نواة جاذبة فكريا وسياسيا . وهو موضوع يمكن طرحه لنقاش جدى بين ثوريين حقا , معنيين بالأمر , وليس من خلال مؤتمرات التهريج اليسارى السابقة , لأننى لم أؤمن أبد ا باللغو الفارغ حول أى وحدة أو بأى ثمن , ولعله لازال يذكر قولى له ولرفاق عديدين ممن قابلتهم فى مؤتمر عقد تمهيدا ل " وحدة اليسار " منذ أكثر من ثلاث سنوات : " تعيشوا وتفتكروا " كناية عن موت مثل هذه المحاولات لإحياء اليسار بشكل غير مبدئى على الإطلاق . سمعنا فى الأيام الماضية صراخا عن وحدة اليسار , واللحظة الراهنة ومتطلباتها ومستلزماتها وضرورة البعد عما يثير الشقاق والخلاف ... الخ وكل أصوات هؤلاء الصارخين رغم حسن نوايا بعضهم فإنه مامن وحدة الاوتتطلب وحدة النظر والعمل , ولن يتم هذا إلا بتعيين الأفكار والحدود والتخوم تعيينا دقيقا على الأقل فى قضايا الاستراتيجية والتاكتيك الرئيسية , وربما كانت " البركة ف اللمة " حقيقة تتعلق بموائد الطعام فقط , أما وحدة إرادة للعمل والحركة ثوريا فتتطلب أكثر من ذلك بكثير . فضلا عن أن هذا النوع من الوحدة هو غطاء اليمين المفضل فى الحركة . لذا قد نتفق مع رفيقنا حين يكتب : ( نحن الآن أمام واقع جديد وإنقسامات جديدة حول الموقف من السلطة , وتحديد طبيعة المرحلة , والشعارات الإستراتيجية والتاكتيكية , وأشكال التنظيم والعمل ... أن نركز فى تناول الماضى ...على ماله علاقة بالتطورات الحالية ) حسنا يارفيق .. أليس الحزب الشيوعى المصرى بأفكاره المنتشرة وسط بعض الشباب إمتدادا فى فكره ومواقفه لما كانته " حدتو " فى أوضاع جديدة ؟ اليست أفكارا مثل تلك التى تحملها وتتبناها حركة الديموقراطية الشعبية لمناهضة الإستعمار والصهيونية حول " البورجوازية الوطنية " , والجبهة الوطنية الديموقراطية , إمتدادا لذات الخط الكورييلى , رغم كل التمايزات والتحديدات الثورية التى لاتنكر فى القضايا الأخرى التى أرسى أسسها المناضل الراحل عيداروس القصير . هل يجدر بنا أن نتحدث عن التجمع بزعامته " الشابة " الآن ؟ والإشتراكيين الثوريين الذين ناهضت مواقفهم الذيلية , والتحالف الشعبى , وحزبك الإشتراكى المصرى غير الأيديولوجى ؟ والعمال والفلاحين, واليسار الثورى ... هل هى مصادفة يارفيق أنه مع وجود كل هذه التنظيمات ( الإشتراكية ) لانجد قيادة ثورية تاكتيكية أو إستراتيجية للعواصف التى هبت فى 25 يناير منذ عامين ونصف وحتى الآن ؟ ... كما ترى هاهو ذا الماضى الذى ناقشه مفكرنا يمتد فى الحاضر , ومامن وحدة يمكن أن تقوم إلا على أسس موضوعية ومبدئية .
7 - لعلى أكون قد برهنت على أن مقال تاريخ إنعزال اليسار المصرى وإنقسامه لم يكن من شأنه تناول الحركة الشيوعية المصرية فى حلقتها الأولى , إلا كمدخل تاريخى ضرورى , وأن الحديث العارض عن الحلقة الثالثة جاء تذييلا للحلقة الثانية موضع الدراسة الرئيسى . هل كان حزب العمال الشيوعى المصرى موضع التحليل والتقويم والنقد بحق السماء , وفى أى إطار جزئى جرى ذكره ؟ لن أكرر القول حول عرضية الحديث . ولكن رفيقنا مصطفى مجدى الجمال بحلقيته وعصبويته التى لن تخفيها كل آليات الإنكار أصر وكرر بضع مرات فى مداخلاته – التى لم يتناول أى منها الموضوع الأصلى أن : من أهم الدروس التى إنعدمت فى المداخلة الرئيسية تفسير أسباب إندثار الحلقة التى كانت تمثل الخط الثورى متهما إياها بالحلقية شأنها شأن المداخلات التى دارت حولها دون أن يبرهن على ماقال . ثم يرتجل رفيقنا منبها الغفاة من أمثالنا بأنه : من المستحيل أن تكون ملاكا ثوريا ( طبعا لم يزعم أحد منا أن له أجنحة وأن للآخرين فى الفصائل الأخرى ذيولا وقرونا ) ... وليس من الأخلاق الثورية فى شئ ( ربما كنا وفقا لهذا نتحلى بأخلاق رجعية , أو أننا بغير أخلاق أصلا ! ) أن تحافظ على صورة بهية مزيفة لواقعة أو وقائع أنت تعلم كافة أبعادها السلبية , ومن السوقية ( لاحظوا : السوقية ! من الرفيق الذى خصص فى كتاباته مقالا ضاهى موعظة الجبل , وحجة الوداع معا أسماه سموم اللغة الثورية داعيا الرفاق من الأجيال المختلفة الى التمسك بمكارم أخلاق الحوار , والإبتعاد عن " التجريس" ) ألا ترى العيوب ( السياسة اجتهادات وأخطاء , وعيوب ! ) إلا فى الآخرين ... ثم دعا لتجميع الوثائق , والشهادت التى تقدم مادة للتأريخ والتقويم . ثم يعيد الصراخ مرة أخرى – لم أكن يوما منتميا لتفكير حلقى أتفهمون ! – وعليك أن تفسر لى - شئت أم أبيت -- لم انتهت المدرسة التى إنتميت إاليها وأندثرت تنظيميا . فلا المطاردات البوليسية ولاالتشويه يهدم حزبا – صح لايكفيان . ولاأدرى لم يذكرنى رفيقنا مصطفى بالمفكر الراحل د . محمد سيد سعيد الذى كان يقول عن نفسه أنه ماركسى وسط الليبراليين , وليبراليا فى أوساط الماركسيين , فهو فيما يبدو – عمال- عند المصرى و- مصرى عند العمال !
كنت حاضرا يارفيق جلسات الإستماع لشهادتى عن مسيرتى الحزبية فهل تعتقد أننى حاولت أن أصور فصيلى بوصفه فصيلا من الملائكة ؟ لاأعتقد أنك يمكن أن ترد بالإيجاب . هل تعتقد أن الرفيق صلاح العمروسى الذى تلانى فعل ذلك ؟ لاأعتقد أيضا أنك تستطيع أن تجيب بالإيجاب . لماذا ؟ لأننا كنا فى معرض تقويم نقدى شامل لتجربة هى هذه التجربة بالذات . ولو كنا قد التقينا , وموضوعنا هو الحلقة الثانية فى تاريخ الحركة الشيوعية المصرية , لما تعرضنا تقريبا لتقويم حزبنا , لأنه لن يكون موضع الحوار الرئيسى . ولو أن هذا كان موضوع مفكرنا إبراهيم فتحى لتناوله بعمقه المعهود , وربما بشكل يفوق فيه الكثيرين , حيث سترى فكرا رفيعا , وإختراقا نافذا , وتناولا جدليا للمسألة المطروحة . مع ذلك حاول رفيقنا بشير صقر أن يقدم تفسيرا مشيرا إلى جوانب محددة فى التجربة سبق لى ولرفيقى العمروسى أن تناولناها فى سيرتنا السياسية التى يمكن أن تعود إليها فهى محفوظة فى أرشيفكم . ولكن لا قوام التنظيم العددى وشبابيته وحداثة خبرته , ولا الضربات البوليسية المبكرة لركائزه الجماهيرية يمكن أن تفسر المآل العام للحركة كلها , لا لحزب العمال الشيوعى المصرى بالذات , وإنما الأسباب الإقتصادية والإجتماعية الأعمق التى تلت حرب أكتوبر, وأوهام الرخاء من خلال الإنفتاح الإقتصادى , هجرة العمال والحرفيين وفقراء الفلاحين للخارج , تحريض الجماعات الإسلامية ... غير أنه فى تقديرى لابد من البحث عن أسباب أعمق .
8 – هل يمكن أن ينفصل مآل التنظيمات الماركسية كلها فى هذه المرحلة التاريخية عن هيمنة العولمة , والليبرالية المتوحشة , وعن التغييرات الإقتصادية والسياسية العميقة التى أحاطت ببلادنا منذ عصر السادات وحتى وقتنا الراهن , أى لثلاث عقود على الأقل , هل يمكن أن ينفصل عن النزعة التى هيمنت وحولت كل النضالات الى مسارات حقوق الانسان فى الخارج والداخل , وجففت منابع الطاقة الثورية الشابة بتحويلها عن المسارات الجذرية إلى الصراعات القانونية الحقوقية ورشوتها وإفسادها , هل يمكن بصفة أخص أن ينفصل عن ماأثاره سقوط الإشتراكيات البيروقراطية الواقعية الذى كان حدثا مدويا لايمكن مقارنته فى تاريخنا إلا بالغزو الصليبى , أو المغولى , أو العثمانى , أو بسقوط الأندلس , فحتى تروتسكى لم تتجاوز تصوراته حول الإتحاد السوفييتى حد الدولة العمالية ذات التشوه البيروقراطى . حيث بات كل رفيق يسأل رفيقه كل يوم كيف حال إيمانك هذا الصباح ؟ وهل يمكن أن ينفصل عن وضع الطبقة العاملة العالمية ووضعها فى الرأسمالية على الصعيد الأممى ؟ وهل يمكن أن ينفصل عن وضع الطبقة العاملة المصرية التى جرى تمزيق أوصالها وتفتيتها بأساليب مختلفة تبدأ من أساس وجودها الإقتصادى ممثلا فى القطاع العام الصناعى , وبالإحالة للمعاش المبكر , وتجريدها من المكتسبات النسبية التى حققتها فى العهد الناصرى على ضآلتها وإصلاحيتها , وتجريدها من استقلاليتها , وأدوات صراعها النقابية والسياسية . فضلا عن أن رثاثة البورجوازية وفق المصطلح الذى صكه أندريه جوندر فرانك لابد وأن ينعكس على نقيضها , وحافر قبرها , وممثلوه السياسيون الذى يعكسون فيما يعكسون نفوذ هذه البورجوازية عليه , وكذلك تفاوت درجات الوعى بمصالحه حيث يسرى هنا أيضا قانون التطور غير المتكافئ . فلايمكن أن توجد أحزاب ماركسية ثورية متماسكة فى مواقفها ونظراتها , الا إستنادا إلى طبقة عاملة ناهضة نشطة فى حركتها التلقائية . وقد علمتنا اللينينية أن الحزب الثورى , ونظريته وأساليب عمله , وأشكال حركته , وتنظيمه , تتخذ شكلها النهائى فى علاقتها الوثيقة بالنشاط العملى لحركة جماهيرية حقا , وثورية حقا . اذا كانت مصر لم تتمخض عن ماو , كما أشار أحد الرفاق المتحاورين , ألا يمكن لنا أن نفسر ذلك بغياب حركة فلاحية ثورية واسعة النطاق على غرار الحركة الثورية فى الصين التى إمتدت قرونا , ولاتعود الى تكاسل البعض أو عدم طموحه إلى أن يكون كذلك ؟ وينطبق ذات الشئ على هوشى منه فى فييتنام , متى تحرك فلاحونا المصريون وهل خاضوا أبدا مايمكن أن نسميه حرب فلاحين ؟ ويمكن أيضا أن نتسائل مسايرين نفس الرفيق لماذا لم يظهر فى أوساطنا لابريولا , أو جرامشى , وهل يعود ذلك إلى أن المؤرخ الكورييلى , وتلميذه د . أحمد القصير لم يرغبا فى أن يكوناهما , أى لأسباب تتعلق بطموحاتهما فى " تحقيق ذواتهما " وهى العبارة المحببة لدى بورجوازيتنا الصغيرة التى تعتقد أن هذه هى مهمة التاريخ وصراعه الطبقى ؟ هل يمكن أن نفصل ذلك عن الحركة الشيوعية المصرية التى كانت فى إجمالها بإستثناءات قليلة تزدرى النظرية ( حنجورى ) وعاشت على ماركسية عقائدية مبسطة , نست أن التاريخ لايعود الى الوراء شرط أن يكون قد تقدم بالفعل إلى الأمام ؟ وأن أعمال رواد الماركسية الأوائل لم تعرف حتى اليوم إلا فى أشكال مشوهة مجزأة ؟ هل يمكن أن نفصل الإنحراف اليمينى الذى سيطر على تاريخ الحركة , وتذيل البورجوازية فى مراحل مختلفة وتواصله حتى الآن حيث يهيمن المناشفة على الحركة الشيوعية المصرية بدرجات وتلاوين وأطياف تبدأ من حزب التجمع والشيوعى المصرى مرورا بكل الأحزاب التحالفية الشعبية , والاشتراكية والعمالية الفلاحية , وصولا الى الإشتراكيين الثوريين , أو وهو الأخطر عن نسيان " الفريضة الغائبة " - بل والتباهى بأننا لم نحمل فى حياتنا سوى قلما - وهى الإنتفاضة , وفق المفهوم البلشفى , وضرورة الإعداد لها , دون اللعب بها حسب نصيحة إنجلز ؟ هل يمكن لنا أن نتجاهل الموروث الثقافى الذى هيمن فيه الاتجاه الرجعى , وغياب أى تقليد منهجى للفكر الفلسفى الذى إنقطع منذ زمن إبن رشد تقريبا ؟
9- إن تقدم التنظيم الماركسى وصموده , وثباته, وإختفاءه , وتلاشيه , أو إندماجه مع منظمات أخرى , لايتعلق فقط بمدى سلامة , وثورية خطه السياسى , وكفاحية وقتالية مناضليه , وإنما بالشرط المادى لإنتاجه , أى الممارسة الإجتماعية لبروليتاريا حقيقية , ولحركات جماهيرية كبرى , أى إرتكازه على قوة إجتماعية مقاتلة , أى الأسس الطبقية لوجوده – فى عصر مبارك وقبل سقوطه هل كان هناك غير الإنتفاضة العمالية فى المحلة الكبرى من حيث إتساع نطاقها مع عمال السكك الحديدية , والحديد والصلب فى فترات سابقة ؟ . من هنا يمكن القول أن دراسة هذه المسألة بشكل علمى , وثورى , يحتاج لجهد تضافرى معمق , يقدم جديدا , ربما للمادية التاريخية , ولعلم إجتماع الثورة . ولابد أن ينأى هذا بنا عن المستوى الهزلى الذى طرحت به المسألة بشكل إستجوابى حلقى عصبوى مزر . وفى القلب من ذلك أوضاع الطبقة العاملة المصرية بشكل إمبيريقى ونظرى معمق , خاصة وأن هناك محاولات لاتستند إلى أسس علمية توسع من مفهوم الطبقة العاملة لتدخل فيه كل من يعمل بأجر, ودون تمييز بين التلاوين المختلفة , داخل الطبقة العاملة ذاتها , من عمال صناعيين إلى عمال خدمات إلى موظفين كادحين حتى بات مأمورى الضرائب , وجباتها , من الطبقة العاملة , ويترتب على ذلك بالطبع ممارسات وتوجهات سياسية معينة بحيث تصبح تنظيمات البورجوازية الصغيرة فعلا إشتراكية إسما .
لقد عرفت الحركات الماركسية الثورية فى كل أنحاء العالم تبدلا فى أشكال التنظيم وتحولات , وإندماجات , وما إلى ذلك كما عرفها تاريخ الشيوعية المصرية الحافل بمثل هذه الأمور, واذا كان حزب العمال الموحد قد إستمر حتى 1996 مناضلا , ومكافحا فى أوضاع عسيرة عايناها كلنا منذ إنهيار سور برلين , وحتى زلزال الاتحاد السوفييتى , وعمليات " الردة " الواسعة التى جرت فتحول البعض إلى إسلامى , والآخر إلى ليبرالى حقوقى إنسانى , أو تنويرى , أو عدمى , أو هاجر للخارج مع التمييز بين هجرة الباحث عن الثراء , والهجرة المؤقتة للمناضل المتشبث بقناعاته , المدافع عنها , والمروج لها , فعلينا القول بأن هناك من صمدوا أيضا , وحاولوا قدر مستطاعهم أن يقاوموا المد الطاغى الجارف ولم تكن مصادفة أن مفكرنا إبراهيم فتحى لم يكن هو من كتب " ماركسية المستقبل " الذى كتبه المؤرخ الكورييلى , وإنما "الماركسية وأزمة المنهج " وقد صدر عام 1989 فى ذروة الازمة فى طبعته الأولى فى بيروت , ليجيب عن أسئلة كثيرة راودت عقول وأفئدة المناضلين . لم يهتف مفكرنا مع فوكوياما بحلول نهاية التاريخ , أو بنهاية عصر الأيديولوجية ملتحقا بحزب غير أيديولوجى , ولم يروج مع الليبرالية الجديدة مقولة أن " الرأسمالية تجدد نفسها " ولم يكن وحده فى ذلك وإنما كان هناك رفاق آخرون ظلوا واقفين على أرض الماركسية حتى وإن قاموا بمراجعات نقدية لبعض مفاهيمهم السابقة .
طبعا دراسة وتفهم تلك الأسباب العامة التى مثلت أرض نهاية هذه التنظيمات شئ ومعرفة التناقضات الداخلية التى أسهمت فى ذلك شئ آخر . هذه تجربة مناضلين لهم هم أن يقرروا متى يتحدثون فيها مراعين الضوابط القانونية والأمنية للمسألة . ولاأعتقد أن رفيقنا مصطفى الجمال لايدرك أننا لازلنا فى إطار الدولة البوليسية وأن الثورة لم تنتصر بعد الأمر الذى راعته أجيال الشيوعيين السابقة فى شهاداتها ونحن منهم حتى الآن ..
10 – هناك وجود كالعدم و عدم كالوجود . قد يختفى الكائن ويظل أثره ويوجد الكائن ولاأثر له . وكما ينطبق هذا علينا نحن البشر الفانون ينطبق على أشكال الفكر والتجمعات السياسية . لقد مات لينين , ومات بليخانوف , ولكن فكر من بقى ملهما للحركة الثورية ؟ إن أفكار حزب العمال الشيوعى المصرى إنتشرت فى كل مكان فى العالم العربى وتجسدت فى منظمات وأشخاص وتيارات وقادة وهؤلاء حتى وإن تبددت تنظيماتهم , إلا أن أفكارهم لم تتبدد وتراها هنا أو هناك . ومارس ذات الحزب أثره على منظمات محلية فاعلة , بل كما يعلم الجميع جرى إنشقاق فى الحزب الشيوعى المصرى ذاته أى حزبك أنت تحت التأثير التلقائى غير المستهدف لفكر ولمواقف ولكفاحية الرفاق فى حزب العمال ولم يحدث العكس , والآن أينما وليت وجهك ستجدهم هنا وهناك وحولك , ربما بغير أفكارهم القديمة , وربما حدثت إنزياحات من هذا النوع أوذاك , وقد تجد بعضهم وقد إتخذوا موقفا يمينيا , أو وسطيا , أو يساريا غير أنك ستجد دائما كفاحية , وروحا قتالية تميزهم عمن سواهم , فقد كانوا من ممارسى المنطق الصدامى الهجومى , ومفاهيم راديكالية لايسهل محوها عدا تلك التى تذاب تحت تأثير التمويل المفرط فتجعل الليبرالى يتنكر للماركسية وكأنه لم يعرفها فى حياته قط , وهو مالاينطبق إلا على آحاد , ولايعنى هذا على الإطلاق إستئثارهم بهذه الخصائص الكفاحية , فهناك مناضلون نقدرهم من كل الإتجاهات , ونميز بينهم كأفراد والتنظيمات التى ينتمون إليها بخطوطها السياسية . إن شبابنا الستينى والسبعينى والثمانينى لازال يناضل بدون حزبه القديم , فقد كانت الثورة هى حلم حياته ومعناه , مهما كانت حدود إسهاماته التى تحكمها الضرورات الطبيعية , وعن نفسى كنت أتمنى أن أستطيع أن يكون كتفى فى كتف الشباب على المتاريس , الذين أغبطهم حين يقاتلون , حتى وإن إنتقدت دخولهم فى معارك جزئية معزولة ومبكرة غير مربوطة بهدف سياسى إستراتيجى وبخطة معلومة واضحة , إلا أنه حين يقاتلون حتى وإن إندفعوا متهورين , لاأنتقدهم حين يذبحون, ويقتلون مدعيا الحكمة الثورية فى هذه اللحظة بالذات التى يتعين فيها على كل ثورى مساندتهم , متحدثا عن موازين القوى , والتهور المندفع , والمغامرة غير المحسوبة , وهو مافعلته أنت بالضبط يارفيق مصطفى , حين دارت معركة محمد محمود الأولى بين شباب الثورة , وقوات الأمن المركزى , وأضطررت وقتها أن أوجه لك كلاما حادا قاسيا , لأننى كنت أرى ضرورة مساندتهم ضد أعدائهم وأعدائى فلست حكما بين قوى الثورة والثورة المضادة , فهل تستطيع أن تميز الآن الفارق بين عضوحزب العمال الشيوعى المصرى مثلى , وعضو الحزب الشيوعى المصرى مثلك , ولعل ذاكرتك لم تخنك بعد , فقد كان شاهدنا الأستاذ عادل العمرى . وعلى ذلك ففى كل الأحوال لايستوى من هجر حزبه الأصلى لنزوعه للتهادن مع الإخوان المسلمين , ولإسهامه فى ذبح عمال كفرالدوار مع من عضد ذلك . ولامن صفى وحل حزبه , وألتحق بركب السلطة مع من عادى ذلك , وأعيد فور خروجه الى المعتقل , ولايستوى من نال عضوية التنظيم الطليعى بعد إلحاف منه مع من بصق عليها , ثم سحقها بحذاءه , ولا من قدم ستارا للسلطة المصرية , وأستخدم لذبح رفاقه فى الحزب الشيوعى السودانى مع من أدان ذلك , ولامن ذهب لبيت السادات آمنا مطمئنا وقت أحداث يناير 1977 مع من إعتقلوا لإثارة الإنتفاضة ...
لكن أهم من كل ماقيل عاليه أو على الأدق ليس مجرد إضافة له : لماذا لانحتكم لصحة مواقفنا على مدى العقود الأربعة الماضية , وقد كنتم الحزب الذى إغتصب تراث حزب 1924 مدعين أنكم إمتداده , وكنتم المعترف بكم أمميا من كل الأحزاب الشيوعية المراجعة اليمينية , لن أقول لك برهن الواقع على إفلاس فكركم السياسى كلية بدءا من طبيعة السلطة , وحتى أوهامكم التى لم نشاطركم إياها عن حرب أكتوبر , بل سأطلب منك أنت أن تقل لى ماهى مواقفكم السياسية التى برهن الواقع على صوابها ؟
من ناحيتى ساأكرر ماقلته فى الجلسات التى سردت فيها سيرتى الذاتية السياسية بحضورك فى مركز الدراسات والبحوث العربية والأفريقية من أننى أفتخر بإنتمائى الحزبى , ولو عاد بى الزمن الى الوراء , ماأخترت لأسباب لاعلاقة لها بالرومانسية الثورية , سوى هذا الحزب الذى أثبت كامل مجرى الأحداث صواب رؤاه ومواقفه وتحليلاته السياسية على مدى أربعين عاما . لقد برهن الواقع على وجود بورجوازية بيروقراطية لاعلاقة لها بالإشتراكية , إلا كقناع أيديولوجى يخفى رأسمالية الدولة , وقوض أوهامكم عنها , وأن مآلها بعد الإستقلال النسبى الذى حققته هو إعادة التبعية الإستعمارية , والإرتباط بالغرب الإمبريالى , والتهادن مع العدو الصهيونى , وانها ستصفى قطاعها العام بعد أن أنجز مهامه متجهة للقطاع الخاص ورأسماليته التقليدية , وان الثورة المصرية لا تنفصم فى بعدها القومى - بعيدا عن المحاولات الوحدوية البورجوازية - عن الثورة الإشتراكية العربية الشاملة , فضلا عن تجاوزه لكل الهراء حول البورجوازية الوطنية , بتلاوينه واقنعته المختلفة ونظرية المراحل .. ومايرتبط بكل ذلك من المسألة الوطنية والتسوية الخيانية , وقضية الدستور والحريات الديموقراطية والموقف من المراجعتين الصينية والسوفيتية , فضلا عن قضية التحالف الطبقى , ورفضه لكل أنواع التحالفات الذيلية , والنزعة اليمينية , التى يتردد صدى مفاهيمها حتى الآن , إلى طبيعة الثورة المقبلة الإشتراكية , وضرورة انتهاج الحرب الشعبية طويلة الأمد ضد إسرائيل وإستهداف إقامة جمهورية ديموقراطية علمانية على كامل التراب الفلسطينى , إلى إعتبار الثورة المصرية جزءا من عملية ثورية أممية شاملة . وإننى لأدعوا رفيقنا وغيره لإعادة قراءة وثائقنا الأساسية ليحكم بنفسه على ماقلت , وليجد فيها حتى الآن نفسا ثوريا لن يجده فى موضع آخر . وهى على موقعى الشخصى على الحوار المتمدن . إنتهى ...
الأول من يونيو – حزيران 2013
*** النص عاليه يمثل مداخلة مع أحد المتحاورين حول مقال المفكر ابراهيم فتحى تاريخ أنعزال اليسار وإنقسامه على موقع الحوار المتمدن .
#سعيد_العليمى (هاشتاغ)