أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماهر عزيز بدروس - صفحات من سيرتى الذاتية-لغة الهندسة















المزيد.....


صفحات من سيرتى الذاتية-لغة الهندسة


ماهر عزيز بدروس
(Maher Aziz)


الحوار المتمدن-العدد: 7198 - 2022 / 3 / 22 - 17:43
المحور: الادب والفن
    


لم ألبث أن انتهيت من تأليف كتاب " المدخل إلي الهندسة " لأستاذي العميد الدكتور أحمد علي العريان خلال السنتين الأوليين من دراستي الجامعية بكلية الهندسة جامعة القاهرة ؛ حتي انخرطت معه في تأليف كتاب آخر بعنوان "لغة الهندسة"..

فلقد كان الأستاذ العميد شديد الاهتمام بلغة الهندسة ، وأمضينا معا عدة أمسيات نتقادح الفكر حول موضوع اللغة ، فإذا بأفكار رائعة تتوالد شكلت هيكلا متماسكا لكتاب جديد عنوانه " لغة الهندسة " .. ومع مطلع العام الدراسي الجديد بدأت تأليف الكتاب الذي استهلك مني عامين دراسيين كاملين بما فيهما الأجازة الصيفية .

لكن الأستاذ العميد بعد اكتمال تأليف الكتاب ، الذي تم بجهد خارق ووقت طائل وفكر مبدع ، لسبب لا أعلمه ، لم يقدم الكتاب للناشر للطبع ؛ وظل الكتاب علي مكتبه كاملا في نسخته الأصلية بخط يدي حتي وافته المنية ، فانتقل إلي رحاب ربه دون أن يتحقق حلمه في أن يري " لغة الهندسة " بين أيدي الدارسين.

وبعد حوالي شهرين من الوفاة طلبت إلي ابنه وصديقي الدكتور عبدالله العريان أن يتيح لي تفقد حجرة مكتب الأستاذ العميد ، التي قضيت فيها أجمل سنوات عمري أكتب أياما وليال ممتدة متواصلة لما يربو علي ثلاثين عاما ، كي أسترجع مراجعي ومسودات كتابات عديدة لي كانت في سبيلها إلي النور لو أمد الله في عمر أستاذي الجليل ؛ لكنني .. وياللأسف .. وجدت أن أحد الدكاترة من تلاميذ الأستاذ العميد قد سبقني إلي حجرة مكتبه، وأخذ لنفسه أهم ما فيها ، بما في ذلك المسودة الكاملة لكتاب "لغة الهندسة" ، والنسخة الوحيدة الكاملة من "معجم المصطلحات الفنية ثلاثي اللغة للعلوم والهندسة والتكنولوجيا"، الذي استغرق من عملي وعمري سنتين كاملتين - ويقع في حوالي 22 مجلدا - وجميع الكتابات الأخري التي كانت تنتظر أن تري النور .

لكنني بعد أيام طويلة بلا عدد ، وجدت وأنا أبحث في الأضابير التي أحتفظ بها من أوراق متناثرة ، صورة من النسخة الخطية التي كتبتها لمقدمة كتاب " لغة الهندسة " ، فوجدتها - بعد هذا العمر - ربما تكون جيدة للنشر ، رغم الفجوة التي حفرت نفسها في الزمن الغابر الذي تساقط كما تتساقط قطرات الماء من بين أصابعنا دون أن يكون بمقدورنا الإمساك بها أو القبض عليها ..

فإليكم هذه المقدمة لكتاب " لغة الهندسة " ، التي كتبتها منذ نيف وخمسين عاما ، وأنا لا أزال في الواحد والعشرين من سنوات العمر.


مقـــــــــــــدمة

جلال الحياة وسحر الوجود
تغنى ورتل أسمى نشيد
وأسنى بنور بديع جديد
أطل بوجه الخلود المجيد
تبدى عجيباً عليه البهاء
تبدى عجيباً وجمَّ الهناء
ولاح برؤيا الجمال
يغذى عيون الخيال
فبانت ملامح هذا الجلال
تثير السؤال.. وأى سؤال
أدورة عقل بغير بيان؟
أمنطق فكر بغير لسان؟
وكيف يعبر هذا الكيان؟
فكان الكلام ...
وجاء الكلام ...
ليلقى إليه بسر اللغة

... ...
... ...

إن الوجود الإنسانى هو فى المقام الأول فهم للموقف الذى يوجد فيه الإنسان، وهذا الفهم قد اتخذ من اللغة أدة له.

ولعلها لم تكن صدفة أن عرَّف اليونانيون الإنسان بأنه "حيوان ذو نطق".

إذ الإنسان يتجلى بأنه الموجود الذى يتكلم.

لقد كانت اللغة من فعل الإنسان، لأنه الكائن الوحيد الذى عرف اللغة ووسائل الاتصال اللغوية.. وهو يملك فى تركيبه البيولوجى نفسه ما يساعد على ظهور اللغة والكلام، وليس مجرد إصدار الأصوات التى يشترك فيها مع بقية الكائنات.

إلا أن التبادل المزدوج بين الوجود الإنسانى والوجود اللغوى أدى باللغة لأن تحدث أثرها فى الإنسان، بحيث يصير موجوداً بقدر ما يتكلم أو يعبر، نظراً للارتباط الوثيق بين القول والوجود لدى الإنسان، وبين حدوث الوجود وبين اللغة.

لقد صارت اللغة هى التى تعطى الوجود للأشياء.. والإنسان لا يوجد – فى – العالم إلا بقدر ما يملك من لغة..

إننا فى الحقيقة نادراً ما نتوقف عند اللغة كظاهرة تستلفت الانتباه.. بل نعدها أمراً مسلماً به كالتنفس والمشى، لكن الواقع أن كل ما أمكن للإنسان إنجازه خلال تاريخه الطويل لابد أن يختفى ويزول من الوجود إذا اختفت اللغة.

وقد يعجز الكثيرون عن تصور مثل هذا الوضع، لأننا درجنا على أن نفكر ونتكلم ونعبر عن أفكارنا بالكلام، بحيث أصبحت اللغة – وليس مجرد الكلام أو إخراج الأصوات – تبدو لنا مسألة تلقائية أو آلية أو عملاً طبيعياً كالتنفس أو اختلاج العين، وذلك نظراً لأن اللغة تؤلف جزءاً هاماً وحيوياً من حياتنا اليومية، ومن مناشطنا العادية، بينما هى أبعد ما تكون عن الآلية أو التلقائية أو الغريزة.

وإذا كانت كلمة المنطق فى اللغات الأجنبية (Logic) مشتقة من الكلمة اليونانية "لوجوس" (Logos) فإنها توحى بوجود رابطة قوية وأساسية تصل إلى حد التوحيد بين المنطق أو الكلام وبين التفكير، فالكلمة تعنى فى الأصل اللغة والفكر والعقل معاً.

الفكر واللغة إذن هما أهم عاملين ساعدا على نشأة الحضارة الإنسانية أو "الثقافة" كما يمسيها علماء الأثروبولوجيا(*) والاجتماع، قاصدين بذلك الإنجازات المختلفة التى حققها الجنس البشرى فى مختلف نواحى الحياة المادية والروحية على السواء، وذلك فضلاً عن كونهما أساسين مهمين لظهور السلوك الإنسانى نفسه الذى يحتاج إلى اتصال كلامى مستمر بين أفراد المجتمع فى الحياة اليومية العادية.

إن الكلمات علامات على أفكارنا.. إنها علامات.. شأنها فى ذلك شأن سائر العلامات ولكنها أيسر مما سواها لأنها تُكْتَبَ وُيَتَفَوَّه بها وَتُدْرَك بالسمع والنظر، ويتوافر فيها كل خصائص العلامات..

والكلمة المنطوقة هى الوسيط الشامل للاتصال.. فالكلام ميسور دائماً للفرد طالما كان فى إمكانه إنتاجه دون حاجة إلى أية آلات أو أدوات، وهو لايحتاج فى الاتصال إلى الكثير من الجهد والطاقة الإنتاجية.

ولكننا نتساءل:
هل كان من الضرورى أن وسيلة الرمز هى اللغة المنطوقة (لغة الكلام) أو المكتوبة؟
ألا يمكن أن تكون هناك طريقة أخرى للتعبير عن الأفكار والمشاعر؟

إن التفكير لا يكون مرادفاً للغة فى كل حالة..

ولكن التفكير قد يرادف أى وسيلة من وسائل التعبير المختلفة كالموسيقى أو الرسم أو التصوير..إلخ.

ونحن كثيراً ما نحتاج إلى الابتعاد عن الكلام حتى نستطيع التفكير بوضوح.. بل وكثيراً ما كان العلماء يذكرون أنهم لكى يتمكنوا من الابتكار والإبداع كان يتحتم عليهم من حين لآخر أن يرتدوا من الكلمة إلى الصورة، ومن الرمزية اللفظية إلى الرمزية البصرية.

إن اللغة كثيراً ما تقصر عن التعبير عن الأفكار من ناحية، وعن العواطف والانفعالات من الناحية الأخرى، ومن هنا لم تكن اللغة بالمعنى الدقيق للكلمة - أو لغة الكلام - هى اللغة الوحيدة التى يعرفها الإنسان، وإنما هنالك إلى جانبها لغات أخرى غير كلامية تستخدم هى أيضاً للتعبير والتوصيل.

ولا شك أن الإنسان خلال تاريخه الطويل قد تمكن من أن يخترع وسائل كثيرة ومتنوعة للاتصال غير اللغوى مثل الإشارات والإيماءات والحركات المختلفة.

ونحن ندرك أن الشعوب تتفاوت فى اعتمادها على الإشارات والإيماءات تفاوتاً كبيراً..

فقد اتخذت النار بمثابة "لغة" للتخاطب عن بُعد.. وتستخدم "لغة" الطبول فى كثير من أنحاء أفريقيا.. كما أن هناك "لغة" الإشارات بالدخان التى يستعملها الهنود الحمر.

وقد تتخذ بعض صور الاتصال غير اللغوى شكلاً قريباً من الكلام، مثل الأصوات التى يصدرها الإنسان للتعجب أو الاستنكار، التى يصاحبها إيماءات من الرأس مثلاً للدلالة على النفى أو الإيجاب، ومثل الصفير للاستهجان أو الاستحسان باختلاف المجتمعات.

ومع تسليمنا بأنه ليس من شك فى أن التقدم الذى تحرزه الجماعة لا يتحقق إلا بفضل اللغة اللسانية بصفة خاصة، لأنها تصيب من التقدم بمقدار ما يصيب المجتمع.. والرسم البيانى للمسار اللغوى هو بعينه الرسم البيانى لتطور المجتمع.. إلا أنه قد يبدو مفيداً أن نوسع مفهوم اللغة لتشمل وسائل الاتصال غير اللفظية.. بل إننا نذهب أبعد من ذلك فى توسيع مفهوم اللغة إلى الحد الذى يستوعب كل نواحى التعبير التى يعلن فيها الإنسان عن ذاته.. فكره وكيانه ووجدانه وحسه ومشاعره وخلجات النبض الدافق بالحياة فيه.. إننا عندئذٍ نجد أنفسنا مباشرة وجهاً لوجه مع لغة الفن (Art).

والعلاقة رغم ذلك لا تنعدم فيما بين وسيلتى التعبير.. فالألفاظ ليست إلا مجموعة من الحركات.. ولغة الفن أيضاً فى واقعها الإنسانى عبارة عن حركات..

إن الفن يتوسل بأكثر من وسيلة ويتجاوز اللسان إلى الإشارة والحركة والإيقاع وتشكيل المادة، وهى كلها وسائل تفترق وتجتمع فى كل تعبير إنسانى فنى.. واختلاف وسائل التعبير وتشعبها يشبهان إلى حدٍ كبير اختلاف اللهجات وتشعبها من اللغة، أى أن وسائل التعبير كلها تتفق فى أخر الأمر فى المصدر والسياق التاريخى والوظيفة.

ولكننا نرى إلى جانب لغة الفن ما يمكننا أن نطلق عليه جوازاً: "لغات متخصصة" تقارب بين أفكار الشعوب وتساهعم بدور أفعل فى كسر الحواجز بينهم.

فالرياضيات مثلاً تقدم لنا لغة يفهمها الجميع، وتكاد تشكل ما هو أشبه بلغة عالمية.. وربما كان السبب فى ذلك هو بساطة الرموز الرياضية وحيادها – إن أمكن استخدام هذا التعبير – وبالتالى خلوها من الطابع الذاتى الشخصى الذى يصبغ الكلام العادى المعبر عن التفكير الفردى.. ومن هنا كان عالم الرياضيات يفضل دائماً الاعتماد على المعادلات والرموز الرياضية مثلاً، لبعدها عن الأحكام الذاتية وعن حالة الشخص الوجدانية.

فالمرء لا يضحك ولا يبكى حين يعرف أن مكعب الرقم 5 يساوى 125، ويتقبل ذلك على أنه حقيقة علمية لا تثير فيه أية انفعالات.

من هنا أصبحت الرياضيات لغة العلم الموضوعى الذى يحاول بقدر الإمكان التنزه عن الذاتية والشخصية والفردية البحتة.

... ...

وحين تكون الرياضيات هى لغة العلم.. يكون العلم بالتالى – بما ينطوى عليه من مقولات وأسس وقوانين ومصطلحات وصيغ – أشبه بلغة عالمية..

وينطبق ذلك أيضاً على التكنولوجيا.

إن تقدم العلم والتكنولوجيا – اللذين يعتبران طابع الحضارة الحديثة – ثم انتشارهما فى كل أنحاء العالم، وتقبلهما من الجميع فى المجتمعات المختلفة، بالإضافة إلى قبول الجميع للرموز الرياضية، تشير كلها إلى إمكان التوصل إلى لغة دولية موحدة فى مجال العلم والتكنولوجيا.. ولو تم ذلك فسوف يعود الفضل فيه إلى جهود العلماء والفنيين إلى حدٍ كبير.. فالعلم والتكنولوجيا يسهمان الآن بإضافة كثير من المصطلحات الجديدة إلى المفردات والألفاظ فى كل اللغات الحية، وبسرعة أكبر بكثير من كل الجهود المبذولة فى مختلف نواحى النشاط الإنسانى، ويعتبر ذلك مثالاً واضحاً على مدى العلاقة الوثيقة بين اللغة والحضارة..

وليس من شك فى أن انتشار لغة العلم الحديث إلى المجتمعات المختلفة هو مدخل هام لتقبل الحضارة العلمية والتكنولوجية الحديثة.

إن جملة الوسائل المختلفة التى تعبر عن الهندسة والتكنولوجيا تعبيراً متكاملاً وصحيحاً هى لغتها.. وهى بذلك.. مع العلم.. تقدم إلى العالم لغة لها ما هو أشبه بالاتفاق العام عليها فى كل مكان، كما أنها تكتسب - فى الوقت نفسه - القدرة على تجاوز حدود الزمان أيضاً.

إننا الآن بصدد فكرة كبيرة.. هى فكرة "لغة الهندسة والتكنولوجيا"..

ولقد يبدو لنا من عناصر هذه اللغة ما هو مستحدث وما هو غير مستحدث.. ما هو بديهى.. وما هو فى غير الحسبان..

إن الأفاظ والكلمات (أى اللغة المنطوقة أو الكلامية)، كما ذكرنا، هى وسيلة تقبل الشئ -أى شئ- لفهمه واستيعابه والإبداع فيه..

ولذا.. فإن "التعبير الهندسى والتكنولوجى باللغات الكلامية" هو بمثابة الأساس لوسائل التعبير فى لغة الهندسة والتكنولوجيا.

وحيث تستطيع كل جماعة إنسانية الولوج إلى العلوم والفنون والفكر الإنسانى عموماً بما اصطلحت عليه فى لغاتها القومية، فإن "التعبير الهندسى والتكنولوجى بالعربية" يحمل على عاتقه تقديم الهندسة والتكنولوجيا لأبناء العربية من خلال الكتب والمؤلفات والبحوث والدراسات والمحاضرات باللغة العربية.

بَيِدْ أن ذلك يقف وراءه ذلك الجهد المضنى الكبير اللازم لتطويع العربية لكل ما تقدمه الهندسة وعلومها الأساسية وتطبيقاتها الخاصة من فكر اصطلاحى له دقائقه وسماته الخاصة.

كذلك فإن "التعبير الهندسى والتكنولوجى بالإنجليزية" يضطلع بمهمة جوهرية فى ملاحقة التقدم والسير فى ركاب الحضارة الحديثة، نظراً لأن الإنجليزية قد تجمع لديها خلال رحلة الإنسان الكبرى مع الحياة، ووفقاً لأحداث التاريخ ووقائعه المثيرة، أغلب الذخائر الحية من الفكر الإنسانى الكبير.. ولا تزال تستوعب كل يوم سائر إبداعاته فى شتى مناحى الحضارة، وعلى رأسها الإنتاج العلمى والتكنولوجى الذى صار علامة القرن العشرين وميزته الأولى..

وذلك يستلزم بالضرورة تمرساً واعياً "بالتعبير الهندسى والتكنولوجى بالإنجليزية": رموزه.. مصطلحاته.. قواعده.. أساسيات النقل عنه وإليه.. وشتى الوسائط المساعدة على التمكن الكامل منه إدراكاً وفهماً.

ونحن نجد أنفسنا بعد ذلك أمام لغة اصطلاحية أساسية تجيد التعبير الدقيق عن الهندسة والتكنولوجيا حتى صارت علماً عليها.. حروفها خطوط ومنحنيات.. وكلماتها أيضاً خطوط ومنحنيات.. وقواعدها مجموعة من المبادئ الفنية المصطلح عليها على أسس من القيمة الفنية والجمالية والوظيفية وبعض الأصول الرياضية والعلمية، وتتضح لنا فيما اصطلحنا على تسميته "التعبير الهندسى والتكنولوجى بالرسم".. بنيانه.. أسسه.. أشكاله التنفيذية، وما يتسع له مضمونه فى التعبير الجدولى والبيانى، أو أى تعبير آخر ينهض بالإجادة فيه.

إلا أن وسائل "التعبير الهندسى والتكنولوجى" تمتد أكثر من ذلك.. وتتعدد جوانب "لغة الهندسة والتكنولوجيا" لتشمل عناصر أخرى.. قد لا يخطر لنا أنها كذلك..

إن "الآلة الحاسبة Calculator" باستعمالها الأساسى والضرورى الذى لا غنى عنه لدارسى الهندسة والمشتغلين بها هى لغة حروفها أرقام.. وكلماتها أرقام.. وقواعدها عمليات رياضية متعددة.

والعمليات الرياضية – كما تقدم – هى مفردات لغة عالمية تمتاز بالموضوعية والتجريد وتحظى بالذيوع والانتشار..

ولعل ذلك نابع من حقيقة مثيرة تؤكد أن "كل شئ فى هذا العالم المتسع يحدث رياضياً"

ولذا.. فالرياضيات هى أحد العناصر الأساسية فى "لغة الهندسة والتكنولوجيا".. لكنها علم نامى ومتطور باستمرار، مما يستلزم مواكبة تطوراتها المختلفة وفروعها المستحدثة، إذا أنها تتغلغل تدريجياً فى شتى المعارف الإنسانية، حتى ليعتقد كثير من الخبراء العالميين أن كتب الإدارة والتخطيط والإستراتيجية والعلوم الاجتماعية والطبيعية – بعد خمسة عشر عاماً على الأكثر – سوف تكون متأثرة أشد التأثر فى مادتها بلغة الرياضيات.

ولقد أضحت "الحاسبات الإلكترونية" – رغم حداثة عهدها فى عالمنا المعاصر – تفرض نفسها الآن كعنصر أساسى فى عناصر "لغة الهندسة والتكنولوجيا"، بحيث صارت دراستها وإتقان استخدامها ضرورة أساسية من ضرورات التعلم الهندسى، كما أنها ضرورة أساسية لا يمكن للهندسة بدونها اليوم أن تتابع تقدمها.

إن الرموز والأبجديات والترقيمات والصيغ وأشكال الاختصارات، وما إلى ذلك من عناصر، تشكل معاً "دليلاً" أساسياً لدارسى الهندسة والمشتغلين بها.. وهى أحد العناصر المهمة فى "لغة الهندسة والتكنولوجيا".. كذلك فهى أساسيات تحتفى بها اللغة لتدعيم بناءها المتكامل، تؤدى دورها فى إيضاح ما قصدنا إليه خلال حديثنا عن اللغة من توسيع مفهومها وتعميق ما تشتمل عليه من مضمون.

وهذا أيضاً ما يقوم على استكماله عنصر آخر من عناصر "لغة الهندسة والتكنولوجيا" تقدمه لنا الكلمات الدليلية (المصطلحات) والاصطلاحات الفنية المختلفة.. وهى قد تكون بالإنجليزية أو العربية أو غيرها.. لكنها تختزل مفهوماً معيناً تدل عليه، وتؤدى بالتالى إلى وضوحه وجلائه فى فهمه والإفادة منه.

... ...
... ...

إن "لغة الهندسة والتكنولوجيا" بهذا المفهوم.. فكرة كبيرة ممتدة.. تتسع لتحتوى كل وسائل التعبير المتكامل عنها.. وتحتاج بالضرورة أن يتضح أساسها جلياً، وصولاً صحيحاً لإتقانها والتمكن منها.

ولقد نسأل أنفسنا الآن: لماذا الكتاب؟

الحقيقة أننى واجهت نفسى بهذا السؤال مراراً..

لكننى فى كل مرة كنت أجد نفسى أمام طائفة من الدوافع تُلِح علىّ وتكثر الإلحاح:

• إن تجربتى كطالب ثم تجربتى كأستاذ تبرز دواماً أمامى لتعكس حقيقة لا يمكن الهروب منها.. هى "لغة الهندسة والتكنولوجيا".. التى وقفت باستمرار كنقطة بداية لها خطورتها ووزنها فى تأهيل المهندس قبل وبعد تخرجه.

• إن الضعف العام والأساسى فى "اللغة" بصفة عامة.. وبالتالى التعثر فيما هو مترتب عليها من فهم وإدراك صحيح دفع الكثيرين من دارسى الهدسة والتكنولوجيا لأن ترتفع شكاواهم – وهم فيها على حق – من عدم وجود مصدر مناسب لتلقى أساسيات "اللغة" بهذا الشمول، وعدم إفراد الوقت اللازم الذى يتم فيه تلقين هذه الأساسيات ومعرفة أصولها.. ما يتطلب بإلحاح أن يجدوا بين أيديهم ما يلبى رغبتهم ويسد احتياجاتهم.

• إن الجامعات والمعاهد والجمعيات والنقابات الهندسية يتعين عليها أن تبذل عناية فائقة لتعميق "لغة الهندسة والتكنولوجيا" بهذا المفهوم الشامل.

وقد أتيح لى أن ألمس هذا بالفعل وأتحسسه عن قرب بالعديد من الجامعات والمعاهد الأجنبية شرقاً وغرباً.

ولا يمكن – والحال هكذا – أن تظل الدراسة الهندسية والتكنولوجية لدينا فى حاجة مستمرة لأساسيات لغتها ومبادئ إتقانها.

• إن الجامعة عندنا لم تيسر حتى الآن "أساسيات" متكاملة لـ "لغة الهندسة والتكنولوجيا" تعين الدارس وتحل مشاكله.

• إن ضرورة ملاحقتنا للتقدم تتطلب تطويراً سريعاً لطرق التعليم ومواده، وتقديم هذه المواد قريبة الإدراك.. سهلة التقبل.. يسيرة الاستخدام.

من هنا جاء هذا الكتاب..

وكان ضرورياً أن تأتى فصوله موضوعات متكاملة لتطرح بين أيدينا الأساسيات اللازمة عن "لغة الهندسة والتكنولوجيا".

وقد يطيب لى الآن أن أعرب عن آمال راودتنى وألحت علىّ:

• إن الحاجة الآن أكثر إلحاحاً من سنوات مضت كى يصبح العمل "بالتقنيات الحديثة" هو أداة طالب الهندسة منذ بدء دراسته بالسنة الأولى.

• والحاجة الآن أكثر إلحاحاً من أى وقت مضى كى يوجد بالمكتبة العربية أكثر من مُؤَلَّف يقدم إلى الدارسين فى كل فروع العلم وتخصصاته لغة تخصصهم.. سهلة التقبل.. يسيرة الاستخدام.

إن تجربة صدور هذا المُؤَلَّف: "لغة الهندسة والتكنولوجيا" تتطلع لأن تشاركها فى هذا المضمار تجارب أخرى لتقدم إلى المكتبة العربية.. "لغة العلوم".. و"لغة الاقتصاد".. إلى أخر هذه اللغات المتخصصة.

... ...
... ...

ولقد يبادر إلى "لغة الهندسة والتكنولوجيا" الكثيرون من دارسى الهندسة والتكنولوجيا أو عشاق الثقافة..

ولقد يجد الكثيرون الطريق إليه ممهداً وسهلاً..

إلا أننا نرى فيه منهجاً شاملاً يتعين أن يقدم لطلاب كليات الهندسة والتكنولوجيا ومعاهد تدريسها بحيث تخصص له ساعات الدراسة اللازمة ليتقدم الطلاب فى دراستهم واقفين بثبات على أرضها.



#ماهر_عزيز_بدروس (هاشتاغ)       Maher_Aziz#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صفحات من سيرتي الذاتية: ذيس إذ آ شيم
- أمنحك الدكتوراه
- صفحات من سيرتي الذاتية: الريس مبسوط من شغلك
- القوى النووية فى المزيج الأمثل للطاقة نحو التحول الأخضر للأه ...
- صفحات من سيرتي الذاتية: ثقافة الحياة
- صفحات من سيرتي الذاتية: عناية الله !!!
- تصويب - حجرة الطالبات
- حجرة الراهبات
- مستقبل الرهبنة القبطية: إلى أين؟
- الجمهورية الجديدة.. بين الحلم والواقع
- فى الذكرى الخامسة عشرة لرحيله: الأب -متى المسكين- بين التشوي ...
- ما الدين؟
- سبعة قادة فى الاتحاد الأوربى يدعمون القوى النووية
- مشروع قانون الأسرة للمسيحيين-2: ثقوب واسعة فى ثوب مُبَقَّع
- مشروع قانون الأسرة للمسيحيين: الإضافة اللازمة المنقوصة
- الدولة الذمية والدولة المدنية
- سيدة الكرم ... والضمير الذى تَعَرَّى!!
- القيم الإنسانية والقيم الدينية
- رئيس المؤسسة الدينية في الدولة المدنية
- تحدى المناخ والطاقة العالمية - المقال بعد التنقيح


المزيد.....




- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...
- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماهر عزيز بدروس - صفحات من سيرتى الذاتية-لغة الهندسة