أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماهر عزيز بدروس - ما الدين؟















المزيد.....

ما الدين؟


ماهر عزيز بدروس
(Maher Aziz)


الحوار المتمدن-العدد: 6926 - 2021 / 6 / 12 - 02:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مـَـــــــا الـــــدِّين؟

بقلم:
دكتور مهندس/ ماهر عزيز
استشارى الطاقة والبيئة وتغير المناخ


يظن الكثيرون أن تعريف الدين ليس أيسر منه، بينما لا يبدو كذلك حين نعمد حقاً إلى التوصل لتعريف جامع للدين؛ يقول "وايتهد": « أن الدين عيان لشىء يقوم فيما وراء المجرى العابر للأشياء المباشرة، أو خلف هذا المجرى، أو في باطنه؛ شيءٌ حقيقي ولكنه مع ذلك لا يزال ينتظر التحقق؛ شيءٌ هو بمثابة إمكانية بعيدة، ولكنه في الوقت نفسه أعظم الحقائق الراهنة؛ شيءٌ يخلع معنى على كل ما من شأنه أن ينقضي ويزول، ولكنه مع ذلك يَنِدُّ عن كل فهم؛ شيءٌ يُعدّ امتلاكه بمثابة الخير الأقصى، ولكنه في الآن نفسه عصيّ بعيد المنال؛ شيءٌ هو المثل الأعلى النهائي، ولكنه في الوقت نفسه مطلب لا رجاء فيه».

وتُعَبِّر هذه الكلمات – كما هو واضح – عن حَدّس مباشر للكاتب، وهى تنبع من خبرته الدينية الخاصة، فتستثيرنا – نحن الذين نطالعها – حتى الأعماق . ويعلق "ولترستيس" بأن «ما يقوله وايتهد ليس نسخة باهتة مما سبق لشخص آخر أن شعر به ، أو فكر فيه، أو شاهده، كما هو الحال بالنسبة إلى الغالبية العظمى من أقاويل الناس الأتقياء: أعنى تلك "الأكليشهات" المبتذلة البالية، التي أفسدها الترديد المتكرر، وأن كانت هذه الأقاويل نفسها – وهي الأفكار المسكينة التي فارقتها الحياة – قد نبعت يوماً جديدة حافلة بكل نضارتها من نفس بشرية حية. والواقع أننا نلمح هنا وهناك – وسط التلال القفرة التي تحفل بها الخبرة البشرية – ينابيع ثرة وآباراً أصلية يتدفق منها "الحدس الدينى". وهذه الينابيع والآبار ليست في حاجة دائماً إلى أن تكون على قدر كبير من العظمة، فقد تكون مجرد جداول صغيرة متواضعة للوجدان، أو قد تولد أنهاراً كبرى دائبة التجدد تظل تتدفق عبر الأجيال. ولكنها – كبيرة كانت أم صغيرة – تحمل دائماً طابع أصالتها. وهى ليست في أدنى حاجة إلى دليل خارجى أو إلى تدبير، بل الواقع أنها غير قابلة لذلك أصلاً. والحق أننا لا نعرفها إلا لأن الإله الباطن فينا قد نطق بها، فما أن سمعنا صوت اللـه في الآخر، حتى بادرنا إلى الاستجابة له. ولا ريب فإن الأعماق تنادى الأعماق».

يقول "ولترستيس": «إن كلمات "وايتهد" هنا لهى من هذا القبيل».

ولنلاحظ بادئ ذي بدء ما في هذه الكلمات من مفارقات:

فهى تنسب إلى ذلك «الشئ» (ارجع إلى مبدأ كلمات وايتهد: «الدين عيان لشئ»).. تنسب إلى ذلك «الشئ» الذى تتحدث عنه صفات متعارضة لا تكاد تنطوى على أي تجنب لمصادمة التناقض الواضح الصريح. وكل عبارة إنما هي بمثابة توازن بين صفتين متناقضتين من هذا القبيل. والمعنى الذى يُستخلص من كل هذه العبارات هو أن المفارقة والتناقض إنما يكمنان في صميم ماهية ذلك «الشئ» نفسه..

ويلاحظ "زكريا إبراهيم" أيضاً الألفاظ الأخيرة في عبارة وايتهد، إنَّ ذلك «الشئ» الذى ينشده الإنسان بوصفه مثله الأعلى النهائي إنما هو «مطلب لا رجاء فيه»، ويواصل الشرح: «لسنا هنا بإزاء تعبير قد أرسل على علاَّتة، أو ضربٍ من المبالغة في القول ، أو استعمال مائع للألفاظ، بل إننا هنا لسنا في ميدان بلاغة أو فصاحة على الإطلاق. ولو أن هذه العبارات وردت في بداية النص، لخف وقعها وضاع تأثيرها من خلال ما تلاها من عبارات، ولكنها جاءت في النهاية فكانت بمثابة النغمة الختامية أو الكلمة الأخيرة».

يواصل "ستيس": «وليس من العسير أن يتبين المرء السبب في ذلك: فإن الدين إنما هو تعطش النفس إلى المستحيل؛ إلى ما هو بعيد المنال؛ إلى ما يفوق التصور؛ وليس هذا مجرد عَرَضٍ تلبَّس بالدين، أو مجرد حَدَثٍ سيء أو نكبة عارضة نزلت به في ساح العالم، وإنما هو بمثابة الماهية، وهو في الوقت نفسه سر مجده. والحق أن هذا هو ما يعنيه الدين. فالحافز الديني الموجود لدى البشر إنما هو تعطش إلى المستحيل، إلى ما هو بعيد المنال، إلى ما لا سبيل إلى تصوره -أو هو على الأقل تعطش إلى ما يمثل هذه الأمور في عالم الزمان. وأي أمر أدنى من ذلك، لن يكون من الدين في شيء، ولو أنه قد يكون أمراً جديراً بالإعجاب كالأخلاق مثلاً. ولكن، لا يقعنّ في ظن أحد أن هذا من شأنه أن يجعل الدين ضرباً من الحمق الذي لا يليق إلا بالمجانين، والحق أن هذا الحافز – سواء ألحقناه بالجنون أم لا – إنما يكمن في أعمق أعماق كل قلب بشري، بل هو يدخل في صميم ماهية الإنسان، مثله في ذلك مثل العقل سواء بسواء».

إنَّ الدين ينشد اللامتناهى؛ واللامتناهى بحكم تعريفه مستحيل، أو بعيد المنال. فهو إذن، بحكم تعريفه، ما لا سبيل إلى بلوغه أبداً.

يقول "زكريا إبراهيم": « والدين أيضاً ينشد النور. ولكنه نورٌ لا يمكن العثور عليه في أي مكان أو في أي زمان. إنه ليس موجوداً في أي مكان؛ أو هو النور الذي لا وجود له أصلاً في عالم المكان. إنه النور الذي لم يكن قط، لا فوق البحر ولا على الأرض. إنه لم يوجد قط، ولن يوجد قط، حتى ولا في الآماد اللامتناهية للزمان المستقبل! إن النور غير موجود، ولكن من المؤكد مع ذلك أنه النور الأعظم الذي يضيء أرجاء العالم ».

ويؤكد "ولتر ستيس" في موضع آخر : « إن الدين هو النزوع نحو قطع العلائق مع الكينونة والوجود معاً، أو هو الرغبة في تجاوز الوجود نحو ذلك العدم الذي يكمن في النور الأعظم. إنه الرغبة في التحرر تماماً من أغلال الكينونة. والحق إن كل كينونة إنما هي قيد، إن لم نقل بأن الوجود نفسه قيد. فليس وجودك سوى ارتباطك بما أنت كائنه، أو تقيّدك بصميم كينونتك. وأما الدين فهو التعطش إلى اللاوجود الذي هو مع ذلك موجود! ».

« إن الدين هو هذا النهم الذي هيهات لأي وجود، ماضياً كان أم حاضرا أم مستقبلاً، بل هيهات لأي وجود فعلي أو لأي وجود ممكن، في هذا العالم أو في أي عالم آخر، على الأرض أو فوق السحب والنجوم، مادياً كان أم نفسياً أم روحيا؛ نقول هيهات له أن يُشبعه. أجل فإن كل ما هو كائن، وكل ما يمكن أن يكون، لابد بالضرورة من أن يجئ حاملاً لعنة "الفرق" بوصفه "هذا" أو "ذاك"».

« حقاً إن البسطاء من المتدينين قد تصوروا هدفهم على أنه حالة من البقاء المستمر فيما وراء القبر، مصحوبة بفيض من الأشياء السارة والخبرات السعيدة. ولكن من الواضح أن أمثال هذه الأشياء السارة والخبرات السعيدة لم تكن مجرد أمور رمزية، كما أن السموات السعيدة المتضمنة لأمثال تلك الأشياء إنما تحمل طابع الأسطورة. فليست هذه الأشياء – بالنسبة إلى العقل البشرى الذى تكبله قيود خياله الضيِّق – سوى رموز تمثل الهدف وتقوم مقامه. وليس في استطاعة المرء أن يتصور ما لا سبيل إلى تصوره، فلا جَرَم أن نراه يضع مكن تلك الحقيقة التي لا سبيل إلى تصورها ما يرقى إليه خياله من أسباب المسرات ».

تقول الأوبانيشاد القديمة: « إن النعيم المقيم لا يتوافر إلا في اللامتناهى ». وصاحب هذا البيت من الشعر إنما يتحدث عن شيء مختلف كل الاختلاف عما يجول بأذهاننا، لأنه إنما يتحدث عن النعيم الأقصى الذى تجده النفس في اللـه، أعنى عن الإشباع النهائي للنهم الدينى.

« من أجل ذلك كان على النفس المتدينة أن تخلف وراء ظهرها كافة الأشياء والموجودات، بما في ذلك ذاتها، فإن عليها أن تنتقل من الوجود إلى العدم، ولكن لابد لها من أن تظل موجودة في صميم ذلك العدم. وتبعاً لذلك فإن ما تنشده إنما هو الموجود الذى هو في الوقت نفسه لا موجود. واللـه – الذى هو القوت الوحيد الكفيل بإشباع نهمها – إنما هو هذا الموجود الذى هو الآن نفسه لا موجود. فهل يكون هذا مجرد تناقض؟ أجل، ولكن البشر قد وجدوا دائماً في سعيهم نحو "الموجود الأقصى" أن التناقض والمفارقة يحيطان بهم من كل صوب. ألم نتبين من خلال كلمات "وايتهد" التي افتتحنا بها هذا المقال، أن التناقض والمفارقة يكمنان في صميم الأشياء؟ ».

ويبدوا أن شتى المحاولات التي تُبذل من أجل جعل الدين أمراً عقلياً أو منطقياً صرفاً، ليست مجرد محاولات سطحية ضحلة فحسب، وإنما هي أيضاً محاولات – إن قُدِّر لها النجاح – فستكون هي الكفيلة بالقضاء على الدَيِن. والحق أنه إما أن يكون اللـه سراً، وإما ألا يكون شيئاً على الإطلاق.



#ماهر_عزيز_بدروس (هاشتاغ)       Maher_Aziz#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سبعة قادة فى الاتحاد الأوربى يدعمون القوى النووية
- مشروع قانون الأسرة للمسيحيين-2: ثقوب واسعة فى ثوب مُبَقَّع
- مشروع قانون الأسرة للمسيحيين: الإضافة اللازمة المنقوصة
- الدولة الذمية والدولة المدنية
- سيدة الكرم ... والضمير الذى تَعَرَّى!!
- القيم الإنسانية والقيم الدينية
- رئيس المؤسسة الدينية في الدولة المدنية
- تحدى المناخ والطاقة العالمية - المقال بعد التنقيح
- تحدى المناخ والطاقة العالمية
- ماذا يحدث فى الحوار المتمدن؟
- كورونا.. والأفخارستيا - المقال بعد التنقيح
- الحريق الأمريكى: الرسالة السافرة فى الأحداث الغادرة
- الهيكل والمرأة..
- نازفة الدم: المرأة المسيحية بين الطهر والنجاسة
- كورونا.. والطاقة العالمية
- .. فأمطر نعمتك لا تبطئ رُوُحُنَا ظمأى إليك
- كورونا.. والأفخارستيا
- الطاقة العالمية: على أبواب عهد جديد
- تكنولوجيا الفحم الكهربائية: التفوق البيئى الذى تَحْتَازُهُ م ...
- .. والنووية أيضاً تكافح تغير المناخ


المزيد.....




- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماهر عزيز بدروس - ما الدين؟