أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبد الحسين شعبان - الحق في التربية














المزيد.....

الحق في التربية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 7192 - 2022 / 3 / 16 - 15:32
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


تعود الجذور الأُولى لفكرة الحقّ في التربية إلى الفكر الفلسفي القديم، وقد تطوّرت في ظلِّ فلسفة الأنوار وبالأخصِّ على يد إيمانوئيل كانط الذي يُعتبر أحد أهمّ أعمدتها، حيث نبَتَت بتُربتها وترعرعت ونَمَت في كنَفِها حتى غَدَت مفهوماً محوريًّا في الحقوق الإنسانيّة، بل منظومة مُتكاملة ومُترابطة على نحوٍ مُحكم ودقيق، وإهمال أيّ جزء منها سيؤدّي إلى إخلال بالأجزاء الأخرى.
و"الحقُّ في التربية" يقوم على أساس الحرّية كفعل، وهذه الأخيرة جزء لا يتجزّأ من الطبيعة البشريّة، وهدفه تنمية الثقافة داخل كلّ فرد، بوصفها قدرات وكفايات كونيّة تتأسّس على العقل والذي يجعل منها غايات لتَقدُّم البشر وسعادتهم معيشيًّا وأخلاقيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا.
"الحقُّ في التربية" يرتبط بالحاجَة أيضاً، وهكذا يصبح حقًّا وواجباً في آن، فثمَّة علاقة بين المرجعيّة الحقوقيّة والقانونيّة وبين المرجعيّة التربويّة والسايكولوجيّة، بحيث تسمح هذه المنظومة بمقاربة الحق بجوانبه المختلفة في علاقاته بالحاجة وهذه الأخيرة بالكرامة والأمن والسِّلم والتنمية والرخاء.
و"الحقُّ في التربية" هو جزء من خطاب أشمل يتعلّق بمفهوم التربية بصفتها صناعة بشريّة، أي فعل للحرّية وصيرورة لاكتمال الكائن البشري، وهذا الحق يرتبط بعُنصَرين أساسيّين مُترابطَين هما: المرجعيّة القانونيّة – الحقوقيّة، التي تقوم عليها فكرة المواطنة والحرّيات، والمرجعيّة التربويّة النفسيّة، أي الحاجة إلى التربية لضرورتها وغاياتها ارتباطاً بالمؤسسات التكوينيّة، وهي الفضاء الذي يتمّ فيه التعبير عن الخطط والبرامج للعمليّة التربويّة بمختلف جوانبها.
وهناك عنصر ثالث محوري ولا يمكن تغافله أو إهماله في مقاربة "الحقّ في التربية"، وهو المرجعيّة السياسيّة، والمقصود بذلك الإرادة السياسيّة للدولة وتوجّه صاحب القرار، ولا سيّما في التربية الحديثة التي لا غنى عنها للعمليّة التربويّة وكجزء من النظام التعليمي والخطط المركزيّة للدولة ووظيفتها، كما هناك عناصر أخرى تندرج فيه، ونعني بها المرجعيّة الأخلاقيّة، فالأخلاق جزء من التربية والسلوك العام وهو يعكس المرجعيّة الثقافيّة، والثقافة بمعناها العام نمط حياة الناس وطريقة عيشهم بما في ذلك علميًّا وتقنيًّا وذوقيًّا واجتماعيًّا.
وثمّة ثلاث تحدّيات أساسيّة تتعلّق بالمفهوم وهي: التربية كحقّ بشري، والتربية كفنٍّ بشري، والتربية كصيرورة لاكتمال القُدرات والمهارات البشريّة.
وطالما كانت التربية حقًّا للطفل يقرّه العقل، فيمكن إدراجه في إطار "واجبات الإنسان تجاه ذاته"، وهذه ضمن الحقوق البشريّة التي هي ذات بُعدٍ أخلاقي والتي تُسهم في إكمال الإنسان لذاته بشكلٍ عام ولغيره أيضاً.
وحين تكون التربية واجباً فهذا يعني احترام الحقوق الإنسانيّة داخل كلّ شخص والمحافظة على الحقوق الطبيعيّة للفرد، وفي مقدّمتها حقّ الحياة، وكلّ فعل يَمسّ بذلك هو جريمة دوليّة ضدّ الإنسانيّة، ومن واجب التربية الحفاظ على الحياة البشريّة، على جسد الإنسان، فالحياة مشروطة بوجوده، وهذه مقاربة ضروريّة لربط حقّ الحياة بالحقِّ في التربية مثلما هو الحقّ بالصحّة والحقّ بالعمل والحقّ في العيش الكريم وغيرها من الحقوق الأساسيّة، سواء السياسيّة والمدنيّة أو الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة.
وإذا كانت الحرّية هي شرط الحياة فلا يمكن تعريض هذه الأخيرة للخطر لأنَّها بفعلها ذاك تُبيدُ ذاتها بذاتها وهو ما ينبغي أن يسير عليه حق التربية ضمن القواعد الأخلاقيّة بما يتوافق مع وجود البشر، ولا بُدّ من تقوية القصد الأخلاقي داخل كل شخص.
وتهدف العمليّة التربويّة النموذجيّة إلى بناء متكامل للشخصيّة داخل كلّ طفل من خلال تربيته على:
1 - حُسن تدبير استعماله حرّيته؛
2 - استقلاله الذاتي في كلِّ أفعاله؛
3 - الانخراط في المجتمع بشكل يعطي لشخصه قيمة جوهريّة أي أخلاقيّة وسياسيّة.
فاستعمال الحرّية يتطلّب تكويناً ثقافيًّا لمختلف القُدرات الشخصيّة وعلى رأسها التفكير الذاتي المستقل القادر على التمييز بين الأشياء واتّخاذ المواقف والسلوكيّات المنسجمة مع وجود الحرّية وقوانينها، التي هي بالذات قوانين المواطنة داخل كل دولة، إضافةً إلى القوانين الأخلاقيّة العامّة التي تخصّ البشر ككل بغضِّ النظر عن الدولة التي تقيم فيها، وهو ما يمنح الإنسان كرامته كقيمة جوهريّة وطنيّة وكونيّة في الآن.
فالأساس الأوّل للمواطنة يقوم على الحرّية التي تتكامل وتتفاعل وتتداخل مع المساواة والعدالة والشراكة، ناهيك عن حقّ المشاركة دون تمييز في تولّي المناصب العُليا بغضِّ النظر عن العِرق والدِّين والجنس واللّون والرأي السياسي والأصل الاجتماعي.
كان الفكر الفلسفي وما يزال يُمثّل مصدراً للمعرفة والخَلْق والإبداع، وهو الأمر الذي يجعله محوريًّا في عملية التربية، التي هدفها تكوين الفرد تكويناً متكاملاً يأخذ بنظر الاعتبار مكوّناته العقليّة والمعرفيّة والسلوكيّة والوجدانيّة لجعله على معرفة نظريًّا وعمليًّا بحقوقه وحقوق الآخرين وبواجباته تجاه هذه الحقوق، وذلك هو رهان التربية بأبعادها الأربعة، وهي الذات في علاقتها بنفسها وأخلاقها، وفي ارتباطها بمجال المعرفة الخاصة أو بمجال العمل أو الوجود مع الآخرين. وكجزءٍ من وظيفة التربية التشجيع على قبول شروط العيش معاً، خصوصاً في المجتمعات المُتعدّدة الثقافات، وذلك ضمن مُتطلّبات التسامح والصداقة وقبول الآخر واحترام التنوّع والتعدُّديّة وحقّ الاختلاف بين البشر.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصري الصايغ و غواية الحروف
- رسالة عزاء برحيل الدكتور أحمد الخطيب
- الدين والاستخدام السياسي
- مقالتان في تقريض كتاب د. شعبان -دين العقل وفقه الواقع-
- الأب سهيل قاشا : الرّافديني المسكون بهاجس الحضارة
- أوكرانيا والبطن الرخوة
- لإمام علي فلسفة الحق والعدل: مقاربة حداثية راهنة
- الرئيس عون يستقبل وفد جامعة اللّاعنف
- أحمد بن بلّة الطهرّية الثورية
- في الطريق إلى مؤتمر السلام
- زرياب: الموسيقى والإتيكيت
- فاطمة أحمد ابراهيم وشيوعية الوجدان
- الجزائر وفرنسا: الذاكرة المشتركة
- لؤي أبو التمن وتراجيديا العزلة الذهبية
- فتاة النابالم واللّاعنف
- تدوير الأزمة العراقية حكومة توافقية أم أغلبية سياسية؟
- رسالة من المطران منيب يونان إلى د. شعبان
- رافد -حلف الفضول-
- عن روح الإسلام
- مثلّث الإرهاب : التعصّب والتطرّف والعنف


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبد الحسين شعبان - الحق في التربية