أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - الجزائر وفرنسا: الذاكرة المشتركة















المزيد.....

الجزائر وفرنسا: الذاكرة المشتركة


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 7157 - 2022 / 2 / 9 - 16:54
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


على خلفية خمسة أسباب جديدة وخمسة مطالب جزائرية معتّقة، تفجّرت أزمة الذاكرة المشتركة بين الجزائر و فرنسا، والتي تمثّل الحقبة الكولونيالية، تلك التي ما تزال تلقي بضلالها الكثيفة وأثقالها الضخمة على العلاقات الجزائرية – الفرنسية؛ فالإحتلال الفرنسي للجزائر والذي دام نحو 132 عاماً لا يريد أن يغادر الذاكرة الفرنسية أو الجزائرية على حدّ سواء، خصوصاً حين تلوح في الأفق بعض المساعي لمعالجة هذا الملف الشائك والمعقّد والمحزن، وقد جرت محاولات لإبرام " معاهدة صداقة بين البلدين" في إطار مشروع العدالة الإنتقالية الدولية، التي تقتضي كشف الحقيقة كاملةً، فما الذي حصل؟ ولماذا حصل؟ وكيف حصل؟ والمساءلة على ما حصل في إطار تسوية شاملة تقوم على جبر الضرر المادي والمعنوي والتعويض الشخصي للضحايا وأسرهم وإصلاح العلاقات بين البلدين وإرسائها على أسس جديدة أساسها الإحترام المتبادل وحق تقرير المصير، خصوصاً بعد مصالحة تاريخية وفقاً للقواعد الآمرة للقانون الدولي المعاصر الواجبة الأداء والتنفيذ، والتي يقال عنها باللاتينية Jus Cogens.
ويتطلّب ذلك إعترافاً من جانب الفرنسيين على نحو واضح وصريح واعتذاراً رسمياً، خصوصاً وأن جرائم قد ارتُكبت ومجازر قد وُثّقت بحق مئات الآلاف من الجزائريين، مقابل علاقات جديدة أساسها التسامح والتعايش والتواصل الإنساني في إطار الذاكرة المشتركة.
ولعلّ مناسبة هذا الحديث هو الأزمة الفرنسية - الجزائرية التي اندلعت مؤخّراً على خلفية تصريحات أدلى بها إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي في 30 سبتمبر/ أيلول 2021 خلال لقائه مجموعة من الطلبة الجزائريين ومزدوجي الجنسية وفرنسيين من المعمّرين السابقين في الجزائر، حين خاطبهم: " إن الجزائر قامت بعد إستقلالها العام 1962 على إرث الماضي، مستغلّة ذكريات الحرب الدموية". وفي كلام خارج الدبلوماسية قال ماكرون: إن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رهينٌ لنظام متحجّر، وهو محاصر بسبب هيمنة العسكر على السلطة وصناعة القرار، ولوّح بمنع تأشيرات بعض المسؤولين الجزائريين وأبنائهم وعدم تسهيل تنقّلاتهم.
وطعن ماكرون بوجود هويّة جزائرية أصلاً قبل إحتلال فرنسا للجزائر العام 1830 ، وحاول أن يغمز الجزائريين بأنهم نسوا فترة الحكم العثماني للجزائر (1514 – 1830 )، دون أن ينسى نقد تركيا من خلال إبداء "إعجابه" بقدرتها على جعل الجزائريين ينسون تماماً الدور الذي لعبته في الجزائر والهيمنة التي مارستها، مشيراً إلى أن الفرنسيين لم يكونوا المستعمرين الوحيدين. وانتقد تركيا بشدّة لأنها تمارس " عمليات تضليل ودعاية " ضدّ بلاده في مسألة كتابة التاريخ، لاسّما مرحلة ما قبل إستقلال الجزائر، ودعى إلى إصدارات فكرية باللغتين العربية والآمازيغيّة لمواجهة الأراء التي تدين فرنسا.
وكانت ردّة الفعل الجزائرية إزاء تصريحات ماكرون شديدة حيث رفضت التدخّل في الشؤون الداخلية ، بل اعتبرها الرئيس تبّون "لا مسؤولة وسطحية ومغرضة" ، وتحمل مفهوماً قائماً على "الهيمنة المبتذلة" للعلاقات بين الدول، وهو نسخة تبريرية للإستعمار على حساب النظرة التحرّرية التي تؤكد شرعية الكفاح الوطني، إذْ لا يمكن لأي شيء أن يغفر لقوّات الإستعمار الفرنسي جرائم الإبادة الجماعية ضدّ الإنسانية، والتي لا تسقط بالتقادم. وعلى إثرها استدعى تبّون، السفير الجزائري في باريس للتشاور معه وقرّر لاحقاً عدم عودته ما لم تعتذر فرنسا.
خمسة أسباب تقف وراء إستفزاز الذاكرة المشتركة:
أولها- تأييد فرنسا للحراك الشعبي الجزائري الذي أجبر الرئيس عبد العزيز بو تفليقة على تقديم إستقالته في 2 نيسان/ إبريل 2019 ، وهو الحراك الذي استمرّ لأسابيع طويلة وعلى نحو متعاظم ومتجدد للمطالبة بالإصلاح منذ شباط/ فبراير 2019 ، وعلى الرغم أن التأييد كان إعلامياً وغير رسمي، إلاّ أن الحكومة الجزائرية شعرت بعدم الإرتياح، بل بضيقٍ منه، الأمر الذي يُفَسّر في جزء منه رد الفعل النفسي الذي حفّز الذاكرة التاريخية ضدّ إدارة الرئيس ماكرون، على خلفية الإرتكابات الفرنسية.
وثانيها – تطورات الملف الليبي حيث اختلفت توجهات الجزائر عن التوجهات الفرنسية، الأمر الذي أحدث عدم رضا فرنسي ونوع من عدم التفاهم بين البلدين، خصوصاً في الموقف بشأن الدور التركي في ليبيا، والذي اقترب سياسياً من الجزائر وإن اختلف في شقّه العسكري وإرسال المرتزقة، وهو ما عارضته فرنسا بشدّة وأدّى إلى تصدّع العلاقات الفرنسيّة – التركية، لاسيّما مطالبة فرنسا، تركيا بتقديم إعتذار بشأن مذابح الأرمن في مطلع القرن العشرين، والتي ما تزال تركيا ترفض الإعتراف بها.
وثالثها – الإنقلاب الذي حصل في مالي ، والذي حسبه الفرنسيون بتدبير وإيحاء ودعم غير مباشر من الجزائر، وهو ما يمكن أن يلحق ضرراً بليغاً بمصالح فرنسا الحيوية في منطقة الساحل وجنوب الصحراء الجزائرية وهي مجاورة للنيجر وموريتانيا والسنيغال وغينيا وبوركينو فاسو،وأنها المصدر الأساسي لتوريد اليورانيوم إليها والذي تستخدمه في العديد من الصناعات الحربية والمدنية.
ورابعها– خشية فرنسا من المنافسة الصينية والروسية، الدولتان اللتان لهما علاقة تاريخية مع الجزائر منذ استقلالها وتتقاطع سياستهما مع السياسة الفرنسية والأوروبية والغربية بشكل عام، وهو يؤثر على مصالح فرنسا في القارة الأفريقية، ناهيك عن العلاقات الألمانية - الجزائرية التي أخذت بالتطور، الأمر الذي أثارت حساسية الفرنسيين أيضاً .
وخامسها– موضوع الهجرة الذي أُثير مؤخراً بطريقة إستفزازية، فمن جهة هناك ضغوط لإعادة مهاجرين غير شرعيين، ترفض الجزائر عودتهم، واندلع الخلاف للتفريق بين المهاجر الخطر والمهاجر المعارض، وهو تفريق له بعد سياسي. ومن جهة أخرى تخفيض منح التأشيرات للجزائريين ووضع ضوابط للحد من ذلك، والأمر شمل المغاربة والتونسيين، وهو ما أثار حساسيات وردود فعل ضد الإجراءات الفرنسية. ولعلّ إقدام ماكرون على مثل هذا الإجراء يأتي في إطار توازنات وضغوط داخلية، وذلك قبل سبعة أشهر من الإنتخابات، وتنازلاً لليمين واليمين المتطرّف.
وإذا كانت هذه خمسة أسباب وراء اندلاع الأزمة، سواء بشكل منظور أو غير منظور، فهناك خمسة مطالب تحفّز الذاكرة الجزائرية باستمرار:
أولها – قضية المفقودينالتي ما تزال عالقة بما فيها استعادة رفات شهداء المقاومة الجزائرية، حيث سيصادف خلال الفترة القريبة المقبلة مرور 60 عاماً ( 17 أكتوبر / تشرين الأول 1961 ) على إطلاق النار على متظاهرين جزائريين في فرنسا وسقوط أعداد من القتلى.
وثانيها – إستعادة الأرشيف الوطني الجزائري والذي تم الإستحواذ عليه من جانب فرنسا. وعلى الرغم من المطالبات الجزائرية إلاّ أن الأمر ظلّ في إطار الوعود والمماطلات وعدم التقدم بجدية لإنجاز هذا الملف، وكانت فرنسا قد شرّعت قانوناً في العام 2006 أدرجت فيه الأرشيف كجزء من الأملاك العمومية.
وثالثها –دفع تعويضات عن ضحايا الألغام الفرنسية في الجزائر، والتي راح ضحيّتها عدّة آلاف، فهي ما تزال تقتل الجزائريين على الرغم من تدمير ملايين منها. كما تطالب الجزائر بتعويض ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في منطقة رقان (جنوبي الجزائر) خلال فترة بين 1952-1962 فما زالت إشعاعاتها النووية مؤثرة حتى الآن وتسببت في تشوهات خلقية وسرطانات وأمراض مستعصية، إضافةً إلى تلويث الهواء والماء. وكان صديقنا الراحل عبد الكاظم العبودي الذي عمل في الجزائر ونال الجنسية الجزائرية كان قد وثّق جرائم فرنسا النووية في الصحراء الجزائرية.
ورابعها – تقديم إعتذار رسمي للجزائريين من جانب فرنسا، إضافة إلى تعويضات مادية ومعنوية عن الأضرار التي لحقت بالجزائريين جرّاء الإحتلال الفرنسي. فبعد التصريحات التي أثارت أزمة دبلوماسية بين البلدين حاول ماكرون تجاوزها بإصدار بيان من قصر الإيليزيه يدعو فيه بالتهدئة ويأسف "للجدل وسوء الفهم اللذين نجما عن التصريحات التي نشرت ...". ويُعتبر ذلك البيان بمثابة تراجع مدروس، وهو أقرب إلى الإعتراف بالخطأ والإقرار بتحمّل المسؤولية، حتى وإن لم يكن بصورة مباشرة. وربما يكون تكتيكاً قُبيل الإنتخابات الفرنسية في ربيع العام 2022 ، خصوصاً حيث المنافسة حامية الوطيس مع اليمين الشعبوي المتطرّف. وعلى الرغم من ترحيب جزائري بالبيان الفرنسي، جاء على لسان وزير الخارجية رمضان لعمامرة، لكن العلاقات ما زالت فاترة ولم تعد إلى مسارها الطبيعي.
وخامسها– أن طي صفحة الماضي الإستعماري الفرنسي تحتاج إلى شجاعة فرنسية وإرادة سياسية وموقف أخلاقي عالي التجرّد والموضوعية والحساسية الإنسانية، لكي " يعترف الأبناء عمّا اقترفه الآباء"، لإغلاق هذا الملف والتطلّع إلى المستقبل، كما يحتاج إلى شجاعة جزائرية وسمو أخلاقي يتّجه نحو التسامح من جانب " الأبناء لما أصاب الأجداد والآباء والأجيال التي تلتهم من أذى"، دون نسيانه، ليبقى ماثلاً في ذاكرة الأجيال، درساً وعبرةً للمستقبل وللعلاقة بين البلدين والشعبين، فضلاً عن ما يمكن أن يمثله لعموم العلاقات الدولية، وذلك في إطار عدالة إنتقالية دولية تسوّي المشكلات التاريخية العالقة، وفقاً للإعتبارات الإنسانية والقانونية والمصالح المشتركة وأهداف السلم والأمن الدوليين.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لؤي أبو التمن وتراجيديا العزلة الذهبية
- فتاة النابالم واللّاعنف
- تدوير الأزمة العراقية حكومة توافقية أم أغلبية سياسية؟
- رسالة من المطران منيب يونان إلى د. شعبان
- رافد -حلف الفضول-
- عن روح الإسلام
- مثلّث الإرهاب : التعصّب والتطرّف والعنف
- المسيحيون والمواطنة الفائضة
- حوار مع الأكاديمي والمفكر العربي د. عبد الحسين شعبان
- ديزموند وقوس القزح
- مولر وفلسفة اللّاعنف
- حوار جريدة الحقيقة مع المفكّر والأكاديمي عبد الحسين شعبان
- سمفونية الرماد
- السياسة والفكر: أية علاقة؟
- فضيحة الشهادات المزورة في العراق
- العشائر والجذور الاجتماعية للسياسات العراقية المعاصرة
- خمسون سنة حوار ولا ساعة حرب
- السينما والذاكرة المشتركة
- هشام جعيط -الفتنة- المستمرة
- السيد محمد حسن الأمين: عمامة وعلمانية


المزيد.....




- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...
- الأمم المتحدة: الطريق البري لإيصال المساعدات لغزة ضرورة
- الداخلية التركية تعلن اعتقال 23 مشتبها بانتمائهم لـ-داعش- بع ...
- تقرير كولونا... هل تستعيد الأونروا ثقة الجهات المانحة؟
- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...
- الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء الأونروا في دعم جهود الإغاثة ل ...
- كيان الاحتلال يستعد لسيناريو صدور مذكرات اعتقال بحق قادته
- سويسرا تؤجّل اتّخاذ قرار حول تمويل الأونروا
- السودان: خلاف ضريبي يُبقي مواد إغاثة أممية ضرورية عالقة في م ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - الجزائر وفرنسا: الذاكرة المشتركة