أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - زرياب: الموسيقى والإتيكيت














المزيد.....

زرياب: الموسيقى والإتيكيت


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 7159 - 2022 / 2 / 11 - 19:57
المحور: الادب والفن
    


الموسيقى حسب شكسبير هي "غذاء الروح" ويضيف و "غذاء الحب" أيضاً، لأنها تؤنسن الروح والحب وبدونها ستكون الحياة خطأ فادح، ومنذ القدم قال أرسطو: الموسيقى أداة تطوير للنفوس وراحة للقلوب، ولذلك أن تهتم مؤسسة الفكر العربي بالفنان الموسيقي زرياب فهذا أمر له أكثر من دلالة:
أولها- أن الموسيقى إحساس يعبّر عن "الجمال المسموع" وهي سموّ يسعى الإنسان إلى بلوغه لأنه يتعلّق بالوجود الإنساني، فهديل الحمام وزقزقة الطيور وشقشقة العصافير وحفيف الشجر وصليل الماء تدخل إلى القلب والعقل في آن. و كان بيتهوفن يعتبرها "وحياً يعلو على كلّ الحِكَم والفلسفات"، وحسب هوبمان "من لا يستطيع أن يتجاوب مع الموسيقى فلا قلب بين ضلوعه".
ثانيها – تتأتّى من قيمة مؤسسة الفكر العربي، لما تحمله من رمزية جامعة لنخبة متميّزة من المفكرين وكوكبة لامعة من المثقفين العرب، حين تخصص حلقة مرئية عن زرياب، لإدراكها لما تمثّله الموسيقى من لغة للصداقة والسلام والتواصل والمشترك الإنساني بين الأمم والشعوب، وهي لغة تمثّل الذوق والحسّ والمشاعر الشفافة في زمن تصبح الحاجة إليها جزء من الحياة.
ثالثها – أنها محاولة لإحياء تراث موسيقي أندلسي، ولإظهار مساهمة العرب الريادية في عالم الموسيقى باعتباره فناً راقياً باستعادة حداثية مدنية بالضدّ من المحاولات التي تريد تقبيحها و بالتالي تحريمها و تجريمها باعتبارها "بدعة مستوردة" أو "ضلالةً" لا تستهدف سوى التحلّل وإثارة الغرائز والمجون.
ورابعها – استعادة لدور العرب في الأندلس التي كانت تعيش عصراً ذهبياً في ظلّ التنوّع والتعدّدية بما يعمّق التواصل الثقافي والتفاعل الحضاري والعيش المشترك في ظلّ مجتمع متعدّد الثقافات تعزيزاً لقيم السلم والتضامن والتسامح والتعاون.
اضطرّ زرياب إلى الهرب من بغداد التي كانت تعيش مجدها خشيةً من الانتقام منه بسبب غيرة نشبت في قلب أستاذه اسحاق الموصلي حين قدّمه إلى هارون الرشيد فنال إعجابه، لكن نوازع الشر سرعان ما تحرّكت في أعماقه فهدّده ليرحل بعيداً عن بلاط الخلافة، فاتجه صوب الأندلس، ثمّ جاءته دعوة من "الحكم بن هشام" لاستقباله في قرطبة عاصمة الأندلس، حققها لاحقاً نجله عبد الرحمن الأوسط بعد أن توفّيَ والده، وهذا الأخير كان مولعاً بالفن والثقافة، ولزيادة التكريم خرج بنفسه وحاشيته لاستقبال الضيف زرياب وعائلته وأكرمه خيراً وغمره بالهدايا والعطايا.
كان زرياب داكن البشرة وذو صوت عذب لذلك كنّيَ ﺑ "زرياب" على اسم الطائر الأسود ذو الزقزقات الجميلة، وقد ولد في العام 789 ﻡ ( 173) ﻫ ، وتوفي العام 857 ﻡ (243 ﻫ) . واسمه الحقيقي أبو الحسن علي بن نافع.
كان وصول زرياب إلى الأندلس حدثاً كبيراً، فسرعان ما ترك بصمته الواضحة على الحياة الثقافية والاجتماعية في المجتمع الأندلسي ، ولم يكن فنّه مقتصراً على الموسيقى ، فقد أشاع طريقة حياته في الإتيكيت والأناقة وتسريح الشعر وتنظيف الاسنان بمادة أشبه بمعجون الأسنان التي نعرفها اليوم، واستخدم الأدوات والآنية الزجاجية لأول مرّة واختار الثياب للفصول المختلفة من السنة، كما اهتمّ بنوع المأكولات وطريقة تقديمها على المائدة، وهو الذي ابتدع تناول الحساء "الشوربة" في البداية، ثم الوجبة الأساسية كاللحوم وغيرها، وبعد ذلك تناول الحلويات والفواكه، واشتهر بطريقة تقديم الفطائر المحلّاة بالعسل والمحشوّة باللوز والسمسم، وقد أقبل الناس على ذلك مفتونين به ومعجبين بأدائه ومستمتعين بطريقة الأكل تلك، وحتى اليوم فإن المطاعم الفرنسية، بل أشهر المطاعم العالمية تقدم الأكل على الطريقة الزريابية.
مزج زرياب بين الثقافة العباسية والثقافة الأندلسية، وأنشأ معهداً موسيقياً يُعدّ أول معهد في العالم، واستقطب الفن من المشرق والمغرب، و جدّد اللون الموسيقي للغناء في الأندلس، خصوصاً وأنه يرتكز على ثقافة موسيقية بغدادية، وكانت بدايته مع الموسيقي الكبير والأول اسحاق الموصلي، كما استقطب عدد من النساء القادمات للأندلس لتعلّم الغناء ومنهنّ عايدة المدنية وقمر والعجفاء وكنّ من الجواري.
ومن إنجازاته الأخرى أنه أدخل الشطرنج إلى أوروبا. وكان يحفظ حوالي عشرة آلاف أغنية ولحن عن ظهر قلب. ووضع أصولاً منظِّمة للغناء لبلاد المغرب العربي، كما أن آلة الغيتار (القيثارة) التي نعرفها اليوم نقلها العرب إلى أوروبا على هيئة أداة العود، ثم أضاف زرياب وتراً خامساً لها أدّت إلى ابتكار ألة قيثارة الفلامينكو، كما يعود له اكتشاف أشهر العطور.
إن استذكار زرياب وتخليده إنما استعادة لدور العرب التاريخي بالأندلس في التعامل مع المجتمعات المتعدّدة الثقافات، وكان ذلك الدور وراء حضارة شبه الجزيرة الإيبيرية التي امتدّ تأثيرها إلى أوروبا. ولم يكن بإمكان زرياب عمل كل هذا التأثير لولا انفتاح الأندلس وتسامحها وقبولها الآخر، وهي امتداد للحضارة العربية ، التي عرفت التعايش والشراكة الإنسانية ما لم تعرفه حضارات ذلك الزمن. ولعلّ كونفوشيوس كان على حق حين اعتبر الموسيقى مرآة حضارة الشعوب. فما أحوجنا اليوم إلى الموسيقى لتكون أحد روافدنا للعلاقات الإنسانية؟



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاطمة أحمد ابراهيم وشيوعية الوجدان
- الجزائر وفرنسا: الذاكرة المشتركة
- لؤي أبو التمن وتراجيديا العزلة الذهبية
- فتاة النابالم واللّاعنف
- تدوير الأزمة العراقية حكومة توافقية أم أغلبية سياسية؟
- رسالة من المطران منيب يونان إلى د. شعبان
- رافد -حلف الفضول-
- عن روح الإسلام
- مثلّث الإرهاب : التعصّب والتطرّف والعنف
- المسيحيون والمواطنة الفائضة
- حوار مع الأكاديمي والمفكر العربي د. عبد الحسين شعبان
- ديزموند وقوس القزح
- مولر وفلسفة اللّاعنف
- حوار جريدة الحقيقة مع المفكّر والأكاديمي عبد الحسين شعبان
- سمفونية الرماد
- السياسة والفكر: أية علاقة؟
- فضيحة الشهادات المزورة في العراق
- العشائر والجذور الاجتماعية للسياسات العراقية المعاصرة
- خمسون سنة حوار ولا ساعة حرب
- السينما والذاكرة المشتركة


المزيد.....




- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...
- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - زرياب: الموسيقى والإتيكيت