عماد عبد اللطيف سالم
الحوار المتمدن-العدد: 7184 - 2022 / 3 / 8 - 00:02
المحور:
الادب والفن
كنتُ"ذكيّاً" دائماً.
منذُ ولادتي.. وأنا "ذكيّ" .
عندما جَرَّتني"جِدّة غَزِيّة"إلى هذا العالَمِ جَرّاً،
لم أبْكِ، ولم أتبادَل معها أيضاً ابتسامتها الباهتة تلك، في وجوه المواليد الجُدُد، لمحلّةِ "الشيخ علي" .
كنتُ أعرِفُ، كما كانت"غَزِيَّةُ"تعرفُ، أنّ الأشياءَ التي سوفَ تحدثُ، لن تكونَ على مايُرام.
وطيلةَ أحدَ عشرَ طفلاً لاحِقاً
كنتُ أنا و"الجِدّةُ غَزِيّة"
نلعبُ لعبةَ الذكاءِ المُبَكِّرِ
ونُخْبِرُ المواليدَ الجُدَدَ في الكرخِ االعتيقةِ
أنّ أوضاعهم في اللحظةِ التاليّة
لن تكونَ على مايُرام.
بعدها أحبَبْتُ أكثرَ من عشرينَ امرأةٍ
لم ألمَس، من فَرْطِ ذكائي، واحدةً منهُنّ.
وكَدَحْتُ، منذُ كنتُ بغلاً عمرَهُ ستّةً أشهُرٍ، طيلةَ ستّينَ عاماً
دونَ أنْ أعرِفَ كيفَ يُمْكِنُ لبعضِ"البغال"
أنْ تأكُلَ أكثرَ من حُصّتِها
من هذا العَلَفِ المغشوش.
وكانَ مُنتهى ذكائي
أنَني خضتُ حروباً كثيرةً
احتسيتُ فيها الكثيرَ من"شوربةِ العَدَس"
وقضمتُ فيها الكثيرَ من الصَمّونِ"الصخريّ"
ولم أُقتَل في واحدةٍ منها.. الى الآن.
أنا سليلُ الذكاءِ المُفْرَطِ
في سُلالَةٍ لا بلاهةَ فيها
منذُ سيّدةِ التفّاحةِ الواحدة
التي ضحكتْ على"جَدّنا"
قبل بليونِ عام.
الغريبُ في الأمرِ
أنّني ما أزالُ "ذكيّاً"
لأنّني أُخْبِرُ أبنائي، كُلّ لحظةٍ،
وفي غيابِ الجِدّةِ"غَزِيّةَ" عن هذا العالم
أنّ أوضاعهم لاحِقاً
لنْ تكونَ على مايُرام.
وأبنائي، في الحقيقةِ، أذكى منّي،
لأنّهُم يعرفونَ
بأنّهُمْ ، لنْ تقومَ لهم قائمة،
ما دامَ أبوهم
ما يزالُ حَيّاً
الى هذهِ الدرجةِ منَ العَيْش
وما يزالُ "ذَكيّاً"
الى هذا الحَدّ.
لماذا يا ربّي
وَهَبْتني هذا "الذكاءَ" كُلّه
وأنتَ تعرِفُ أنَ بحرَكَ واسِعٌ
و مركبي صغير
وأنّ الموجةَ الآتية
سيركبها القادمونَ مع المَدِّ
زاحفينَ على رملِ أيّامنا، كصغارِ السلاحف،
في ساحلِ الغباء العظيم ؟
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟